التدقيق المالي ومحاربة الفساد بالمرفق العمومي

يعتبر المرفق العمومي، أحد أهم الركائز الأساسية التي تعول عليها الدولة من أجل الاستجابة لمتطلبات المواطنين أو المرتفقين الاقتصادية والاجتماعية .

لقد تعددت تعاريف مفهوم الفساد المالي ، اذ هناك من يربطه بالاختلاس المباشر ومنهم من يربطه بسوء التصرف في المال العام ، الا أنه اذا ما أردنا التطرق للمفهوم الصحيح للفساد سنجد بأنه تتفرع عنه مجموعة من المعاني السلبية والتي نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر” الرشوة ،الاختلاس والتبذير ” ، ورغبة منها في محاربة هذه الظواهر السلبية قامت مجموعة من الدول بنهج مقاربة تدقيقية تم تضمينها بآليات مراقبتيه ذات بعدين داخلي وخارجي ، وبالتالي يمكن تعريف التدقيق المالي بشقيه الداخلي والخارجي بأنها : ” تلك العملية المراقبتية التي تهدف الى ضبط أو عقلنة عمليات صرف الأموال العمومية من جهة وكذا اكتشاف كل العمليات المالية التدليسية ومساءلة مرتكبيها من جهة أخرى” ، هذا و تخصص الدولة ضمن ميزانيتها السنوية مبالغ مالية هامة لكل مرفق على حدة لا لشيء الا من أجل ضمان مبدأ الاستمرارية باعتباره أحد أهم المبادئ الأساسية التي لا يمكن للمرفق العمومي أن يقوم بدونها .

لقد عرف المغرب ، ومنذ حصوله على الاستقلال عدة تطورات شابت الواقع المعيشي للمواطن في شقيه الاقتصادي والاجتماعي ، الأمر الذي نتجت عنه الحاجة الملحة بإحداث مجموعة من الوحدات الادارية المرفقية ،مما دفع الدولة وفي ظل تدبير ميزانيتها الى مضاعفة المبالغ الخاصة بالميزانيات القطاعية حرصا منها على محاولة خلق التوازن بين العرض والطلب المرفقيين ، كما أنه وموازاة مع تحديات العولمة المفرطة المقترنة بالسرعة، الفعالية والجودة في اطار معلوماتي الكتروني مائة بالمائة ولمسايرة ركب الدول المتقدمة في هذا المجال، قامت مجموعة من الدول النامية ومن بينها المغرب بإدخال عدة تعديلات على برامجها المالية مما نتج عنه ميلاد نظام مالي ونقدي معلوماتي .

لقد قامت الدولة المغربية ، بعدة تدابير احترازية تهدف بالأساس المحافظة على المال العام من التدبير والاختلاس ، الأمر الذي تكلل بإحداث عدة مؤسسات مالية رقابية تجلت في كل من المجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات ، هاته الأخيرة التي أسندت اليها مهمة مراقبة المالية العامة للمرافق العمومية ومن ثمة اعداد تقارير سنوية ، وبالفعل قامت هذه المؤسسات بإصدار تقارير مالية سنوية وقفت من خلالها على مجموعة من الاختلالات التي شابت تدبير الشق المالي لمجموعة من المرافق العمومية ، الأمر الذي لم تكن له نتائج ملموسة من الناحية التطبيقية ، هذا اذا ما علمنا بأن مجمل تقارير هذه المؤسسات ذات صبغة استشارية فقط .

ان التدقيق المالي يهدف الى تحقيق مجموعة من المكاسب والمتجلية أساسا في :
1. مكاسب مباشرة تتجلى في:

الحفاظ على الأموال العمومية من كل ما من شأنه أن يغير المنحى الذي رصدت من أجل الوصول الى تحقيقه.
2. مكاسب غير مباشرة تتجلى في :

– القيام بعملية المتابعة الميدانية الصرفة القريبة، المتوسطة والطويلة الأمد لمجال صرف الأموال العمومية;
– الاكتشاف المبكر لمحاولات أو لعمليات الاختلاس والتدليس ، مما من شأنه المحافظة على وحدة الأموال العمومية وصيانتها من الضياع والتبذير وكذا الضرب على أيدي كل المخالفين ، سواء بإثارة انتباههم أو بتطبيق العقوبات الزجرية الجاري بها العمل في الجرائم المالية في حقهم في حال ما اذا ما ثبت تورطهم المباشر أو غير المباشر;
– اعطاء العبرة لكل من تسول له نفسه في استعمال الأموال العمومية في غير ما أعدت لأجله;
– ضمان استمرار الخدمة المرفقية;
– تنمية الشعور بالانتماء الوطني لدى المواطن ، ذلك أن اتخاذ عقوبات زجرية في حق كل المخالفين لقواعد الأمانة والنزاهة المفترضتين في مسيري المرفق العمومي سيضع المواطن الصالح الأكثر غيرة على بلده في المرتبة الأولى ، وليس هذا فحسب بل وسيؤثر بصفة ايجابية على ذوي التفكير السلبي، الأمر الذي سيعود لامحالة بالنفع على التنمية الاقتصادية والاجتماعية للوطن والمواطن الخ ….

إن القضاء على الجرائم المالية بشقيها التقليدي والالكتروني، رهين بتنمية الترسانة القانونية الخاصة بهذا المجال الأمر الذي لا يمكن تحقيقه الا من خلال خلق وحدات مراقبتيه داخل المرافق العمومية يعهد اليها بمهمة السهر على مراقبة مجال صرف الأموال العمومية ، وحدات تمتاز باستقلالية القرار وتوضع رهن اشارتها مختلف الموارد المادية البشرية واللوجستية بهدف ضمان نزاهتها في التعاطي مع الملفات المالية المرفقية.

إن المغرب ، وباعتباره دولة من الدول الطامحة الى تحقيق النماء الاقتصادي والاجتماعي ، مطالبة الان ومن أي وقت مضى بإصلاح منظومة المراقبة المالية ، الأمر الذي لن يتحقق الا بالانتقال من الصبغة الاستشارية للتقارير الصادرة عن المجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات الى الصبغة التطبيقية والاجبارية، ذلك لأن منطق الزجر ليمكن اعتباره من بين أهم وسائل الردع والعبرة في ان واحد ، لأن القانون سيف ذو حدين فهو ثارة يقوم بصيانة حقوق المواطن وكذا بضمان قيامه بواجباته ثارة أخرى .
ان منطق عفا الله عما سلف لا يمكن قبوله البتة في النطاق الخاص بالجرائم المالية أو غيرها ، ذلك أن هاته الأخيرة تم ارتكابها في حق المجتمع بأسره ، وبالتالي لا يمكن جبر ضررها الا بمعاقبة المخالفين واسترداد ما ثم السطو عليه بغير وجه حق.

إن محاربة ظاهرة الجرائم المالية ببلادنا، لا يمكن أن تتم في معزل عن اشراك كل الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين الأمر الذي وان تم سنتمكن من ضمان حاضر ومستقبل وطني زاهر.