نظام المنافسة السعودي .. الاندماجات و الاستحواذات

د. ملحم بن حمد الملحم
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

يرتكز العمل التجاري على عنصر المنافسة الذي يعد من أهم العناصر الأساسية التي تدفع الشركات إلى زيادة الإبداع والابتكار لتحقق أهدافها التي تصبو إليها. ومن دون الخوض في فلسفات المنافسة وتقييم إيجابياتها وسلبياتها أو في نطاق قوانين المنافسة الذي سيكون له موضعه- بعون الله تعالى- فإن هذه المقالة تهدف إلى إلقاء ضوء خفيف يوضح جزئية من جزئيات أنظمة المنافسة، وهي طلبات التركز الاقتصادي التي تتقاطع فيه مع واحدة من أهم عمليات واستراتيجيات الشركات؛ ألا وهي عمليات الاندماج والاستحواذ.

وقبل الحديث عن موضوع هذه المقالة، فإن من المهم إدراكه هو أن نظام المنافسة السعودي يعد نظاما شابا ولد عام 1425هـ، وتم تعديله عام 1435هـ. لذلك يعد عدد من المفاهيم والإجراءات المتعلقة بالمنافسة مفاهيم وإجراءات جديدة على السوق السعودية أو البيئة السعودية.

وبالتالي نقف أمام عدة أمور تسترعي اهتماما عاليا وتأملا دقيقا أهمها: الأول: إنه وإن كان نظام المنافسة السعودي قد استفاد ولا يزال يستفيد مما وصلت إليه تجارب الدول الأخرى، إلا أن قانون/قوانين المنافسة في عدد من الدول مر/مرت بتحولات وتطورات وتعديلات وتجارب على مدار عشرات السنين كما هو الحال في قانون المنافسة الأمريكي (قانون شيرمان) الذي صدر عام 1890، أي قبل ما يقارب 126 عاما. أي أن قانون المنافسة مر بتحديثات تتوافق مع ظروف الدولة واقتصادها وسوقها تشكلت من خلاله فلسفات ونظريات انعكست على شكل القانون الحالي.

معنى ذلك أن نظام المنافسة السعودي في بدايات الخطوات نحو تكوين نظام منافسة يعتمد على فلسفات اقتصادية محددة تتلاءم مع طبيعة اقتصاد البلد.

الثاني: كما أن نظام المنافسة يعد نظاما حديثا في السعودية فإنه بحاجة إلى المختصين في الجوانب الاقتصادية والقانونية بهدف تطوير التطبيقات والوعي من خلال الدراسات والبحوث والممارسات ذات العلاقة بالمنافسة والمؤثرة فيها.

قانون المنافسة يعتمد بشكل أساس على الاقتصاد وتحديدا الاقتصاد الجزئي أو ما اصطلح على تسميته باقتصاد الصناعة الذي يعنى بعدد من المسائل، من ضمنها أشكال السوق وحجمها وطريقة قياس حجمها وآثار كل شكل. تتقاطع عمليات الاندماج والاستحواذ تحديدا -التي أدرجها نظام المنافسة السعودي ضمن ما أسماه بالتركز الاقتصادي- مع نظام المنافسة بالذات عندما ينتج عن هذه العمليات نوع من الهيمنة ما يشكل مخاوف على السوق الذي بدوره يدفع هيئات/لجان/مجالس المنافسة لاتخاذ تدابير للحيلولة دون إعاقة السوق التنافسية.

لذلك، تقوم قوانين المنافسة بوضع خطوة احترازية لعمليات الاندماج الاستحواذ من خلال وضع سقف أو معيار بمجرد تجاوز حجم الصفقة لهذا السقف، فإنه يجب أن يتم إخطار هيئة/لجنة/مجلس المنافسة لتتم دراسته ضمن مدة محددة يحددها قانون المنافسة، ومن ثم يتم إصدار قرار بذلك، بالسماح للصفقة أو بالمنع منها أو بالسماح بها بشروط، وهي مسألة سيتم الحديث عنها بشكل مستقل. تلجأ قوانين المنافسة عادة إلى وضع معيار (مالي) يعتمد فيه على حجم الصفقة أو حجم الأطراف في الصفقة أو حجم مبيعات إحداهما أو كلتيهما أو العائد/الدخل الإجمالي لأطراف الصفقة من خلال القيمة المالية لما سبق. وفي المقال القادم سيتم التطرق إلى المعيار الذي طبق في نظام المنافسة السعودي.

اعتمد نظام المنافسة السعودي ولائحته معيار النسبة المئوية (نسبة التركز الاقتصادي) التي حددها بنسبة 40 في المائة بمعنى أنه -وفقا لنظام المنافسة السعودي ولائحته- إذا كانت حصة الأطراف المشاركة في الصفقة 40 في المائة من السوق فإنه يجب على تلك الأطراف إخطار مجلس المنافسة والانتظار فترة دراسة الصفقة ليتم إصدار قرار بشأنها.

مع أن هذه النسبة وضعت كمعيار تتم من خلاله معرفة إذا ما كان يجب على أطراف الصفقة أن يقدموا طلب تركز اقتصادي أم لا، أي أن هذا المعيار يحدد حدود صلاحية مجلس المنافسة في فحص الصفقة ولا يعني بالضرورة أن الصفقة سيتم رفضها، إلا أن معيار النسبة المئوية يواجه عدة صعوبات.

أولها: أن مرحلة دراسة الحصة السوقية هي مرحلة لاحقة تلي معيار طلب التركز الاقتصادي، حيث تلجأ هيئات/لجان/مجالس المنافسة إلى استخدام مقياس الحصة السوقية إضافة إلى عدة مقاييس أخرى كحجم التركز وكمؤشر هيرفندال-هيرشمان وغيره لقياس مدى القوة السوقية ومدى هيمنة الأطراف وأهم من ذلك مدى مقدرتهم على التحكم في الأسعار التي تعد أحد أهم المخاوف التي تسعى قوانين المنافسة لمحاربتها والوقاية منها.

ثانيها: أن معيار النسبة يشكل صعوبة على الشركات، كما يشكل صعوبة على القائمين بالمنافسة لمعرفة مدى إذا كانت الصفقة أو الأطراف قد تجاوزوا النسبة المقررة في النظام ولاسيما في ظل عدم وجود مركز للمعلومات متصل بجميع القطاعات يمكِّن الشركات أو القائمين من معرفة ذلك قبل اتخاذ قرار تقديم طلب التركز الاقتصادي. ثالثها: أن نسبة 40 في المائة من الحصة السوقية نفسها قد تكون في خطوط إنتاج معينة مؤثرة، بينما ليست كذلك في خطوط إنتاج أخرى.

في المقابل قد يوجد تركز لصفقة معينة بنسبة أقل من نسبة 40 في المائة في شكل من أشكال السوق أو نوع من أنواع السوق وتكون هذه النسبة مؤثرة في السوق. لذلك، نرى أن معيار القيمة المالية للصفقة /قيمة الأطراف/قيمة العوائد الإجمالية السنوية أو المبيعات هو المعيار المناسب لتحديد إذا ما كان يجب على أطراف الصفقة تقديم طلب تركز اقتصادي لمجلس المنافسة السعودي.

هذه الإضاءة السريعة على جزئية من جزئيات نظام المنافسة وتحديدا إجراءات طلب التركز الاقتصادي التي كانت عبارة عن وقوف على ساحل محيط المنافسة، التي تعد بمنزلة تمهيد ومقدمة لإضاءات أخرى ستتم الإشارة إليها في المستقبل بحول الله تعالى.