414 قضية تعاملت معها «مكافحة الجرائم الالكترونية» عام 2016.. رجال دين ومختصون:
الابتزاز الالكتروني جريمة أخلاقية مدانة شرعًا ويحاكم عليها القانون

أكد رجال دين واختصاصيون نفسيون ومحامون ان الابتزاز الإلكتروني سلوك غير سوي يعود بأثر سلبي على الفرد والأسرة والمجتمع، حيث يعتبر مؤشرا خطيرا على تغير القيم وانحدارها، وله انعكاسات على نفسية الضحية واستقرار أسرتها، ما يؤدي إليه من تفكك أسري وشيوع الخيانة والاستغلال، ما يفضي الى نشر الجريمة وهدم شخصيات الضحايا، ونشر الأمراض النفسية والجنسية، وإشاعة الفوضى والخوف والرعب في المجتمع، فيما اوضحت الملازم أول حياة عبدالمجيد رئيس فرع بإدارة الجرائم الالكترونية أن القضايا المتعلقة بجريمة الابتزاز الالكتروني بلغت 414 قضية خلال عام 2016م.

جريمة أخلاقية
يذكر الشيخ الدكتور خالد الشنو من جامعة البحرين أن الابتزاز هو دخول غير مشروع عبر إحدى شبكات التواصل الاجتماعي أو وسائل الاتصال الخاصة بشخص ما لتهديده أو ابتزازه، لحمله على القيام بفعل معين أو الامتناع عنه، ولو كان القيام بهذا الفعل أو الامتناع عنه مشروعا، فالابتزاز يعد جريمة أخلاقية، وسلوكا معوجا، وخسة نفس، قبل أن تكون محرمة شرعا، أما بخصوص نظرة الاسلام حول موضوع الابتزاز الالكتروني، فقد أوضح أن الابتزاز بشكل عام يشكل قيدا على حرية الشخص وإرادته، ومعلوم أن الشخص في الشرع محترم في نفسه وماله وعرضه وعقله ودينه، وهذه الخمس هي ما يطلق عليها مقاصد الشريعة الإسلامية، والابتزاز حقيقة وواقعا يشكل مصادرة لحرية الإنسان في إحدى تلك المقاصد الخمسة، ويشكل خطرا يهدد أمن الإنسان في سمعته وعرضه أو ذاته وبدنه، وكل ذلك منهي عنه شرعا، مشيرا إلى أن الابتزاز تطفل على خصوصية الناس واطلاع على عوراتهم ومصادرة لحرياتهم، والشرع الحنيف حرص كل الحرص على ستر عورات المسلمين وحفظ خصوصياتهم الشخصية بعيدا عن أعين الناس، وشرع لذلك تشريعات عديدة، منها: أحكام الاستئذان، والسلام، والنظر وغض البصر، واللباس، والدخول والخروج، ونحو ذلك، وفي المقابل نهى عن التجسس والاطلاع على العورات والدخول من غير استئذان. اذ أن كل هذه الأحكام الشرعية عبارة عن سياج يحمي الإنسان ويحيطه بمزيد من الحماية والأمن والخصوصية والستر، خاصة مع توسع الناس في الاشتراك في شبكات التواصل الاجتماعي وانتشار تكنولوجيا الاتصال، ولا شك أن أي سلوك أو عمل يكسر هذه الحواجز أو يحاول اختراق هذا السياج فهو مدان في الشرع، بل ويطبق عليه أحيانا مع تماديه حد الحرابة لإفساده في الأرض بهذا السلوك المشين.

وعن دور الأسرة والمجتمع في الحد من جريمة الابتزاز الالكتروني يقول: هناك نوعان وهما: دور وقائي: كما يقال الوقاية خير من العلاج، فلا بد من تربية الشباب والشابات على الستر والحجاب وآداب الاستئذان والسلام والعادات الاجتماعية الأصيلة المتعلقة بالأسرة ومكانتها والسمعة، وأيضا لابد من ضبط وترشيد استعمالهم للتقنية الحديثة في الاتصالات، وانتقاء الصحبة التي تحيط بهم، وقبل ذلك على الأسرة أن تربي افرادها تربية دينية إيمانية تنمي لديهم الوازع الديني والخوف من الله وحبه والالتزام بأحكام الشرع في مختلف مجالات حياتهم، أما الدور العلاجي: لا شك أن القانون يلعب دورا حيويا بعد وقوع المشكلة، فيمكن مثلا تشريع قانون لتفاصيل حالات الابتزاز الالكتروني وفرض عقوبات شرعية رادعة تصل لحد تطبيق حد الحرابة مع التكرار، ولا يقل دور الجهات الأمنية أهمية عما سبق، من خلال الاتصال على الخط الساخن للتبليغ عن حالات الابتزاز، لملاحقة المبتزين ومتابعتهم.

وتطرق إلى دور المجتمع في ضرورة أن يشيع المفاهيم والقيم الأصيلة في المجالس والديوانيات، وفي أحاديثهم الجانبية، وعبر وسائل التواصل وإعلانات الشوارع، والمناهج الدراسية والجامعية، اضافة الى دور الإعلام والحقوقيين ومجلسي النواب والشورى وعلماء الشرع والوعاظ والخطباء وأئمة المساجد، اذ ان على كل شريحة من هؤلاء دور منوط به للحد من الابتزاز الالكتروني، بحيث يصبح التكاتف والتكامل والتعاون إزاء هذه المشكلة هو الذي يحقق رصيدا كبيرا من النجاح من أجل التصدي لها.

ضغوطات نفسية
في السيـاق ذاتـه، تـؤكد الدكتورة بنه بوزبون خبيرة في الإرشاد الأسري ان الابتزاز الالكتروني في تزايد مقلق وهناك من يعانون من آثاره النفسية بصمت خوفا من الإشهار وتبعاته، اذ أصبح من السهل على مضطربي الشخصية وذوي النـزعات الإجـرامية تصيد ضحـاياهم على الشبكات الإلكترونية واستهدافهم للإيقاع بهم، وبالتالي ممارسة ضغوطات نفسية عليهم للانصياع لرغباتهم، مشيرة الى أن الضحية عرضة للابتزاز على مدار الساعة، وقد يتم الابتزاز من قبل مجموعة من الأفراد ما يزيد من وطأة الأثر النفسي، لافتة إلى ان آثار الابتزاز الإلكتروني تتجاوز كونها حدث نفسي صادم وحسب، بل أن ما يعمق أثرها على الفرد هو عدم مقدرته على طلب المساعدة لإحساسه بالإحراج وأحيانا لجهله بوجود من هو قادر على مساندته والتخفيف عنه، حيث إن الأفراد والجهات التي تمارس الابتزاز الإلكتروني تعمل وفق نهج محدد يعتمد على الابتزاز العاطفي بتعميق إحساس الضحية بالضعف وقلة الحيلة والذنب والخزي ثم يلجأون للتهديد والتخويف فلا يجد مفرا من الامتثال لمطالبهم، حيث أن معظم ضحايا هذا النوع من الجرائم من المراهقين والمراهقات الذين يريدون استكشاف العوالم الجديدة وتكوين علاقات اجتماعية جديدة من خلال التقنية الحديثة.

وتوضح ان أشكال الابتزاز الالكتروني تتمثل في: الابتزاز العاطفي، الابتزاز المادي، الابتزاز الجنسي، مبينة أن من أهم اسباب الابتزاز الالكتروني: ضعف المستوى التعليمي، التفكك الأسري، ضعف الدفء العائلي، وهنا يأتي دور العائلة في احتواء أبنائها وبناتها وغمرهم بالدفء والعاطفة والحنان، لافتة الى ان من الآثار النفسية للابتزاز الالكتروني هي: الخوف، القلق، الوسوسة، فقدان الشهية، الوسواس القهري، انعدام النوم، الوحدة والعزلة، التغيب عن المدرسة أو الجامعة او العمل، اهمال الواجبات الاجتماعية، تدني الثقة بالنفس، مشيرة الى انه ينبغي التعامل مع الأعراض النفسية التي يعاني منها الضحايا بجدية والتنبه الى محاولة انتشالهم من عزلتهم وتقديم الدعم والمساعدة، لابد من وقف فعل الابتزاز وطلب المساعدة من الجهات الامنية المختصة التي تتعامل مع الأمر باحتراف وسرية، واللجوء لمختص في العلاج النفسي.

الوقاية من الابتزاز الالكتروني
وتشير إلى عدة طرق للوقاية من عملية الابتزاز الالكتروني، منها: زرع الرقابة الذاتية التي تنبع من داخل الإنسان، وتنشئة الشباب على قيم الإسلامية، وزيادة الترابط الأسري والانتماء الوطني، تفعيل الضبط الاجتماعي داخل الأسرة، اتباع أسلوب الحوار الفعال داخل الأسرة الواحدة، شغل أوقات الفراغ بما هو مفيد، تفعيل دور الأخصائيين الاجتماعيين في المدارس والجامعات، الوقاية والحماية تعتبر عملية مجتمعية تتكاتف فيها جميع المؤسسات الدولة الحكومية والاهلية، وإلى جانب اتباع بعض الارشادات والتعليمات منها:عدم نشر الصور الخاصة باي موقع، عدم وضع صورك الخاصة بجهازك، هناك برامج تسترجع كل الملفات المحذوفة من الجوال والحاسب حتى بعد «الفرمتة»، لذا الافضل وأكثر أمانا الشراء لمرة واحدة، يجب تعطيل كاميرا الـ laptop وحذف برامج تشغيل الكاميرات، ووضع لاصق غامق وليس شفافا على الكاميرا وعدم فتحه أبدا، عدم استقبال أي رسالة بالبريد مهما كانت شركات توظيف، جوائز، عليك بتشفير ووضع كلمة سر للدخول.

الجرائم الإلكترونية
تؤكد الملازم أول حياة عبدالمجيد رئيس فرع بإدارة مكافحة الجرائم الالكترونية ان إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية تقوم بدورها في التصدي لتلك الجريمة بكافة أشكالها والعمل على مجابهتها حفاظا على المجتمع من مخاطرها، اذ تتعقب مرتكبي الجرائم، وتعمل على منع الجريمة قبل وقوعها باستخدام الوسائل التقنية الحديثة، وعن طريق اعداد وتنفيذ البرامج والحملات التوعوية من خلال الشراكة المجتمعية، ونشرها بوسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة لمحاربة تلك الجريمة.

وتوضح أن إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية تتلقى البلاغات عن طريق الحضور الشخصي للمتضرر لتقديم بلاغه الذي يتم بسرية تامة، أو بالاتصال على هاتف الخط الساخن للإدارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والإلكتروني 992، أو عن طريق أقرب مديرية أمنية، اذ يتم تسجيل بلاغ المجني عليه واستدعاء جميع أطراف البلاغ، وتتم عمليات البحث والتحري الجادة تجاه البلاغ، ومن ثم إحالة القضية إلى النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات اللازمة، مبينة أن عدد قضايا جريمة الابتزاز الالكتروني بلغت 414 قضية خلال عام 2016م.

مجرم قانونًا
تقـول المحـامية فـوزية محمد جنـاحي إن الابتزاز من الناحية القانونية، يعني أسلوبا من أساليب الضغط، يمارسه الجاني على الضحية، لحمله على القيام بعمل معين قد يكون الهـدف منـه الحصـول على رغبات جنسية أو مادية، فالابتزاز الإلكتروني عملية تهديد وترهيب للضحية بنشر صور أو مواد فيلميه أو تسريب معلومات سرية تخص الضحية، مقابل دفع مبالغ مالية أو استغلال الضحية للقيام بأعمال غير مشروعة لصالح (المبتزين)، كالإفصاح بمعلومات سرية خاصة بجهة العمـل أو غيـرها من الأعمال غير القانونية، وعادة ما يتم تصيد الضحايا عن طريق البريد الإلكتروني أو وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة مثل الفيس بوك، تويتر، وإنستغرام وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي نظرا لانتشارها الواسع واستخدامها الكبير من قبل جميع فئات المجتمع.

وبخصوص رؤية المشرع البحريني لجريمة الابتزاز فقد تطرقت إلى أن كل تطور تقني جديد يحقق لنا مزيدا من الرفاهية لحياتنا، لكنه يحمل في طياته جوانب سلبية تعرضنا لأشكال جديدة من الجرائم من بينها تسهيل جريمة الابتزاز، مشيرة إلى أن المشرع البحريني حاول إيجاد القوانين اللازمة لضبط الأشخاص المسيئين في استخدامهم لمواقع الإعلام الاجتماعي، وأيضا مراقبة هذه الوسائل وحماية الناس وخاصة الشرائح الأكثر ضعفا مثل الأطفال من شرور بعض المستخدمين.

وتبـين أن العقـوبـة المقـررة لجريمة الابتزاز وفقا للمادة رقم 363 من قانون العقوبات البحريني هي الحبس لا يزيد عن سنة أو الغرامة لا تزيد عن 100 دينار، وأن القانون نص على أنه إذا كـان التـهديد مرتبطا بطلب أو تحقيق مصلحة يعد الظرف مشددا، أي أن هناك إمكانية لمضاعفة العقوبة الأصلية، إلا أنه في ظل التطور التقني ظهرت الحاجة الماسة لتغليظ العقوبة المقرر لمثل هذه الجرائم، وقد استجاب المشرع البحريني لتطوير نوعية جرائم الابتزاز واتصالها بالجريمة الإلكترونية المنظمة، وأصدر قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، وجاري الآن بحث تشديد العقوبات من خلال فتح نقاش مجتمعي جامع للآراء والتصورات بما يتماشى مع سرعة التطور التقني وارتباطه بتطور الجريمة واختلاف صورتها عما سبق.

وتلفت إلى أن المادة الرابعة من قانون الجرائم الإلكترونية نصت على أنه (مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد في أي قانون آخر، يعاقب بالحبس وبالغرامة التي لا تجاوز مائة ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، من تنصت أو التقط أو اعترض دون مسوغ قانوني مستخدما وسائل فنية، إرسالا غير موجه للعمـوم لبيـانـات وسيلـة تقنية المعلومات، سواء كانت البيـانـات مرسلـة من نظام تقنيـة المعلـومـات أو إليه أو ضمنه، ويشمـل هذا الإرسـال أي انبعـاثات لموجات كهرومغناطيسية من نظام تقنية المعلـومات تحمـل معها هذه البيانات.
وإذا نتـج عـن التنصـت أو الالتقـاط أو الاعتـراض إفشـاء للإرسـال أو جـزء مـنه دون مسـوغ قانوني عد ذلك ظرفا مشددا).

إعادة نشر بواسطة محاماة نت