عوائق قانونية في طريق الاستثمار العقاري
في دعوى قضائية منظورة منذ أكثر من 11 عاماً وما تزال، يدور نزاع طاحن بين أطراف هذه الدعوى حول مبايعات عقارية قبل أكثر من 34 عاماً، وذلك بسبب ادعاء أحد طرفي المبايعة أن ما تم توثيقه في صك الإفراغ لدى كاتب العدل، كان صورياً وليس حقيقياً!!

وليس العجب في جرأة هذا المدعي على أن يأتي بعد أكثر من 34 سنة ليدعي صورية إقراره الموثق لدى كاتب العدل؛ إنما العجب في أن تكون مثل هذه الدعوى مقبولةً ويكلفّ المدعى عليه بأن يقدم دليلاً يثبت عدم صورية هذا الصك الشرعي الصادر عن كتابة العدل الذي وثق إقرارات أطرافه على أنفسهم، ثم أعجب من ذلك أن تستغرق مثل هذه الدعوى أكثر من 11 عاماً!!

وفي صورة أخرى هناك مئات الدعاوى التي تعجّ بها المحاكم حالياً، وأظن أكثر منها آت في الطريق، تدور النزاعات فيها حول صكوك عقارية تم إلغاؤها بعد أن تبين عدم نظامية الأساس الذي بنيت عليه، ولكن ذلك لم يكن إلا بعد مضي عشرات السنين على تلك الصكوك، وبعد أن تفرع عن كل صك عشرات الصكوك، وتداولتها الأيدي، وتغيرت أقيامها أضعافاً مضاعفة، وتغيرت أحوال البائعين والمشترين، ما بين حي مات، وغني افتقر، وغير ذلك من تغيرات، فوجد أصحاب تلك الصكوك الذين آلت إليهم أخيراً أنفسهم يحملون ورقةً لا قيمة لها، وليس لهم من سبيل إلا الرجوع على من باعهم يطالبونه بثمن الأرض الذي دفعوه له قبل سنين طويلة بغض النظر عن قيمة الأرض حالياً، إذ قد يكون اشتراها بمئة ألف وهي اليوم تساوي مليون ريال، فلا يحق له المطالبة إلا بمئة ألف، لن يحصل عليها – إن حصل – إلا بعد سنوات في ساحات المحاكم!

إن الصورتين السابقتين تمثلان أخطر وأبرز الإشكالات التي تواجه الاستثمار والتملك العقاري في المملكة، وإن كان هناك إشكالات أخرى لها أهميتها أيضاً، إلا أن ما ذكر أعلاه هو أسوؤها.

ومما لا يخفى أن الثروة العقارية والاستثمار فيها هي من أهم الثروات التي تعتني بها الدول، وتحافظ عليها، وتعتبر المنطلق والأساس الأهم لقيام أي استثمار ولو لم يكن عقارياً، لأنه ما من نشاط تجاري أو زراعي أو صناعي يقوم إلا على أساس ملكية عقارية. بدليل أن نظام الاستثمار الأجنبي أجاز للمستثمر الأجنبي تملك العقارات اللازمة لممارسة نشاطه الاستثماري (م8) من نظام الاستثمار الأجنبي.

وفي مقالات عديدة تناولت مشكلتي الصكوك العقارية وإلغائها، ودعاوى الصورية في العقود، إلا أني أجمعهما هنا مستشهداً بهما على ما يعترض طريق الملكية والاستثمار العقاري من إشكالات تقتضي سرعة معالجتها من خلال تقنين أحكام ملزمة تكون مرجعاً للقضاة لكل إشكالات الملكية العقارية على وجه الخصوص، وتقرر الأحكام الفقهية والنظامية التي تكون أقرب لتحقيق المصلحة العامة والخاصة، في كل مسائل العقارات ( بيعاً – وتأجيراً – وقسمةً – وشراكة – ووقفاً.. ونحوها ).

فإن صدور مثل هذا النظام سيكون مصدراً قوياً وكبيراً يبعث الطمأنينة في نفوس المتعاملين في العقارات عامةً، والمستثمرين المحليين والأجانب خاصة، ويمنحهم الثقة في ما يبرمونه من تعاملات وتصرفات واتفاقيات حول العقارات، ويبين للجميع ما لهم وما عليهم، وهذا بلا شك سيكون له أعظم الأثر في تشجيع الاستثمار العقاري بكافة صوره ومجالاته. كما أنه يريح القضاة من عناء مثل هذه الدعاوى التي ترزح في المحاكم وتدور سنوات طويلة تشغل القضاء والقضاة.

الكاتب:
د. محمد بن سعود الجذلاني
إعادة نشر بواسطة محاماة نت