دور الإدعـاء العـام فـي العمليـة القضائيـة و آليـات تفعيلـه

المحامية / منال داود العكيدي
يحتل جهاز الادعاء العام مركزا مهما في العملية القضائية فهو الجهاز القضائي الذي يتولى مراقبة مشروعية تطبيق القانون في المحاكم والدوائر الاخرى والتاكد من مدى مطابقتها للنصوص القانونية النافذة فقد نصت الفقرة الثالثة من المادة 6 من قانون الادعاء العام على ان من واجبات هذا الجهاز هو : (الاسهام مع القضاء والجهات المختصة في الكشف السريع عن الافعال الجرمية والعمل على سرعة حسم القضايا وتحاشي تأجيل المحاكمات بدون مبرر لا سيما الجرائم التي تمس امن الدولة ونظامها الديمقراطي الاتحادي) .

وهذا النص القانوني يؤكد بصورة قاطعة الدور الهام والحساس الذي يضطلع به الادعاء العام في المحاكم متمثلا في متابعة ومراقبة والتحقيق في القضايا المتعلقة بالحقوق العامة مثل قضايا الرشوة والفساد الأداري والمالي التي تحدث في مؤسسات الدولة المختلفة كما ان الصلاحيات التي يتمتع بها المدعي تتيح له التوغل بشكل اكثر في عمق المجتمع وتحريك الدعاوى التي تتواجد في الكثير من مؤسسات الدولة المختلفة مراقبة مشروعية تطبيق القوانين التي تصدرها المحاكم وتمييزها في حال عدم توافقها مع القانون او اذا لم يقتنع المدعي العام بالحكم الصادر ..

الا ان هناك بعض النصوص القانونية التي ساهمت في محاصرة دور الادعاء العام والتي جاءت على النقيض من المكانة والصلاحيات التي خولها له القانون او التي يمكن ان يقوم بها وخصوصا ان هناك مبررات واقعية تتيح له ذلك منها ما تنص عليه المادة (2) من قانون الادعاء العام (اولاً_اقامة الدعوى بالحق العام، مالم يتطلب تحريكها شكوى او اذنا من مرجع مختص ) وهذا النص يشير وبوضوح الى المهمة الرئيسة والخطيرة التي يقوم بها الادعاء العام وهي تحريك الشكوى امام الجهات المختصة كونه أي الادعاء العام يمثل الحق العام ولو ان هذه المادة قد قيدت دوره في اقامة الشكوى في بعض القضايا بموافقة المراجع المختصة او صاحب الحق الشخصي في اقامتها (المادة 3 من قانون اصول المحاكمات الجزائية النافذ) وهذا ادى الى تحجيم دوره وجعل المصلحة والحق الشخصي فوق الحق العام وكان الاولى ترك الموضوع لتقدير الادعاء العام وبخاصة انه جهاز يمثل مصلحة المجموع التي تتضاءل مصلحة الفرد امامها وفي بعض الاحيان قد تضيع حقوق الافراد بسبب ضعف ثقافتهم القانونية مما يؤدي الى ان يفلت المجرم من العقاب.

كما انه من الضروري جدا تعديل المادة (36) الاصولية وجعل الادعاء العام اختصاصاً مهماً حيث كثيرا ما نجد ان ممثلي الدوائر الخدمية يتهاونون على حساب اموال وحقوق الدولة وتعديل مثل هكذا نص يكسر الجمود القانوني لدور الادعاء العام ويعزز صفته القضائية ونقترح تبني الادعاء العام لمثل هكذا موافقات وبضمانات , لا تؤدي الى تعطيل وتلكؤ العمل الاداري .

ولا بد لي ان اشير الى ان احد اهم الادوار التي يلعبها الادعاء هو مراقبة التحريات عن الجرائم وجمع الادلة التي تلزم للتحقيق فيها . واتخاذ كل ما من شانه التوصل الى كشف الحقيقة لذلك فمن الضروري ان تطبق التعليمات رقم (2) لسنة 2001 وتحديدا المادة (4) والتي تنص على انه (يتوجب على القائمين بالتحقيق تقديم الاوراق التحقيقية الى عضو الادعاء العام في محكمة التحقيق المختصة خلال اوقات الدوام الرسمي والى عضو الادعاء الخفر اذا كان وقت تقديم الاوراق بعد اوقات الدوام الرسمي ,ويطلب القائم بالتحقيق بعد تقديم مطالعته الى عضو الادعاء العام تدقيق الاوراق التحقيقية).

وكذلك المادة (5) من ذات التعليمات والتي تنص على انه (بعد اطلاع عضو الادعاء العام على الاوراق التحقيقية المقدمة اليه من القائمين بالتحقيق فله اعادتها اليهم بعد ابداء توجيهاته تحريريا عليها لاكمال التحقيق ، فاذا لم يتطلب الامر ذلك ، قام عضو الادعاء العام بتقديم ارائه وطلباته التحريرية الى قاضي التحقيق لغرض اكمال التحقيق كاصدار اوامر القبض او التوقيف او تمديد التوقيف او اخلاء السبيل بكفالة او بدونها او الافراج او تدوين اقوال ذوي العلاقة او غيرها من الاجراءات و القرارات)..

ان تفعيل هذه التعليمات انما هو بالنتيجة تفعيل للتعديل الاخير لقانون الادعاء العام رقم (10 لسنة 2006) حيث سيتبوأ الادعاء العام صلاحية ومركزا مهما وحيويا يليق بمكانته باعتباره ممثلاً للهيئة الاجتماعية وباعتباره يحمل الصفة القضائية ومن ناحية اخرى ردم البون الواسع بين عمل الادعاء العام والقضاة وهذا التفعيل لا ينقص من دور الادعاء العام في المحاكمة وتنفيذ الاحكام وزيارة السجون وتعزيز مفاهيم حقوق الانسان ورؤاه التي يقدمها لمعالجة حالة اجرامية تشكل ظاهرة او اعادة النظر في بعض القوانين التي لا تتلاءم مع متطلبات المرحلة الحالية، وبدون ذلك فان جهاز الادعاء العام سيظل رهين ادارة السلطة العراقية التي ترى ان نظام الادعاء العام هو من أفضل الأنظمة في المنطقة دون أية رؤية تغييرية إصلاحية بالرغم من ان التعديل الاخير تضمن الكثير من الاتجاهات العملية التي تتناسب مع المنعطفات الجديدة و اهمها استقلالية الادعاء العام وتعزيز دوره الرقابي .

وهذا يتطلب تفعيل هذه التعليمات فضلا عن أنه يبغي ان يكون جهاز الادعاء العام على تماس مع التشريعات المقترحة في مجلس النواب والتي تهم الأسرة والطفولة فالقيام بهذا الإجراء ليس تجاوزا ً على مبدأ الفصل بين السلطات الذي جاء به الدستور وإنما هو من صميم عمل الادعاء العام و الذي يفترض أن تكون علاقة العمل بينه وبين السلطة التشريعية وثيقة و يفضل أن يكون هناك عضو ارتباط بينهما حيث أن أهداف الادعاء العام وفي المادة (1 / خامسا ً) تنص على: إسهام الادعاء العام في تقييم التشريعات النافذة و معرفة مدى مطابقتها للواقع و هو أمر يستدعي عرض التشريعات التي يرى الادعاء العام بأنها غير مطابقة للواقع المتطور، كما أن (الفقرة سادسا) تمنح الادعاء العام تقديم المقترحات العملية في حالة رصد ظواهر إجرامية وإيجاد الحلول لها، و بالمقابل من ذلك على جهاز الادعاء إعداد قانون جديد له يضع آليات قانونية مهمة لتحقيق أهدافه و يضعه أمام الاستحقاق القانوني السليم للمرحلة الجديدة والتي يكون فيها الفاعل والمؤثر كممثل للهيئة الاجتماعية.