الأستــاذة يـامنة نصيـري

 

تستأثـر المادة التجارية باهتمام كل المتخصصين من تجار وصيارفة وحقوقيين وعلماء اقتصـاد لا سيما وأن التجارة هي قطاع حيوي فرض وجوده بحكم مكانته في النظم الاقتصادية المختلفة على مدى قـرون طويلة.

وبحكم تميزها بالحيوية وسرعة التطـوّر وعدم الاستقـرار خرجت التجارة من نطاق البلد الواحد لتتجه نحو الصبغة العالمية التي حتمتها ضرورة التعامل بين البلـدان في مجال المبادلات التجارية، وقد ساهمت عدة عوامل في تطور التجارة سواء الداخلية أو الخارجية ويمكن تبويب هـذه العـوامل إلى سياسية وتقنيـة وقانونية.

ففيما يخص العوامل السياسية فإنه يمكن معاينتها عبر ما أصبح يسود العالم من انفتاح الدول على بعضها البعض وإزاحة بعض العراقيـل التي كانت تحول دون سهولة تنقل البضائع من بلد إلى آخـر وقد أفرزت المجهودات الدولية في هذا المجال خروج اتفاقية “القات GATT” في ثوب جديد يعتمد على مزيد تحرير التجارة الدولية وسهولة تنقـل البضائع.

أما العوامل التقنيـة فتخص ما يشهده العالم اليوم من تطور وسائل النقل وهي ظروف تساعد على انتقال البضائع في وقت وجيز وبكميات هائلة بين البلدان، وقد كان قطاع النقل يمثل عائقا أمام التجار للتعامل مع نظرائهم في بلدان مختلفـة. لـذلك صاحب تطور وسائل النقـل تطور في حجم المعـاملات التجارية.

في حين تتمثل العوامل القانونية في بروز عديد الاتفـاقيات الدولية حول النقل سواء النقـل البحري أو الجوي أو البري في خصوص تحديد مسؤوليات الأطراف والقوانين المنطبقة على النزاعات التي تثار بمناسبة تنفيـذ عقد نقـل وخاصة إذا كان دوليـا (1).

وكل هـذه العوامل وإن وفرت أرضية ملائمة لتنفيـذ العمليات التجارية وحملت في طياتها بعض الضمانات فإن هـذه الأخيـرة قد لا تكون كافيـة لطمأنة التجار الذين يبذلـون عدة مصاريف ووقت طويل لإبرام صفقـة واحدة ويتضح الإشكـال إذا قارنا التجارة الداخلية بالتجارة الدوليــة.

فبالنسبـة للتجارة الداخلية فإنها مؤطرة بقوانين داخلية ملزمة لأطراف العقود المبرمة والتاجر فيها توفـر له ضمانات عديدة لاستخلاص الثمن ومن جهة المشتري، فإنه يمكنه معاينة البضاعة فور استلامها للتأكد من مدى خلوها من عيب الوصف أو نقص في الكمية.

إلا أن الأمر ليس بالمثل فـــي التجــارة الدولية ذلك أن الأمر الطبيعي يفترض إبرام صفقة بين متعـــاقدين بينهمــا فاصل مكاني يحول دون تنفيـذ كل منهما لالتزامه بطريقة “donnant donnant” ويمكن تجميع هـذه الصعوبات في ما يسمّى بمخـاطر التجارة الدوليـة.

وفي إطـــار هـذه المخـاطر فإن البائع مثلا يتعرض إلى عـــدّة صعوبات حسب المرحلة التي تكون عليها البضاعة، وبالنسبة إلى المخاطر التي يمكن أن تسبق عملية تسليم البضـــاعة فتتعلق أســاسا بالتراجع عن تنفيـذ الصفقـة ســـواء كــــان ذلك بالفسخ أو بعـــدم التوصل إلـــى اتفاق نهــــائي مع المشتــــري، في حين يكون البائع قد تكبد مصاريف صنع تلك البضاعة المعدة للتصدير، ويطلق على هذه المخاطر بمخـاطر الصنع “Risque de fabrication”.

أما بعد التسليم فإن ما يهدد البائع هو عدم الخلاص، وذلك بعدم دفع المشتري للمبالغ التي تمثل ثمن البضاعة وتسمى هذه المخاطر بمخاطر الاعتماد “Risque de crédit” (1).

وترتفع حدة هـذه المخاطر ارتباطا بالصبغة الدولية للعملية التجارية، إذ بالإضافة إلى المخاطر العادية المتمثلة في عدم قـدرة المشتري على الدفع، تضاف المخاطر السياسية والطبيعية وكذلك المخاطر المالية.

أما المشتري فإن حرصه واهتمامه يتجه إلى تسلم البضاعة بدرجة أولى ومعاينتها قبل الدفع، إلا أنه ليس في موقع يمكنه من معرفة مدى مصداقية الطرف المقابل الذي يظل في كل الأحوال أجنبيا عنه، وحتى في صورة عدم احترام شروط العقد أو تنفيـذه بكيفيـة لا تتماشى ومصلحة المشتري فإن وسائل الدفاع المخولة لهـذا الأخيـر، تظل محدودة بل وقاصرة أحيانا (2).

وكل هذه المخاطر جعلت طرح العديد من الأسئلـة مشروعا من ذلك كيف سيتم وفاء الطرفين بالتزاماتهمـا ؟

إنه لا يمكن أن نتصور ماديا على الأقل أن يقوم كل من طرفي العملية التجارية بتنفيـذ التزاماتهما في وقت واحد وهذا راجع إلى المخاوف التي تعتـري الطرفين مما أدّى إلى وجود عدم ثقـة كل طرف في الآخـر.

لــذلك كان العمل الأوكد ابتداع طريقة تتمثل في صيغ قانونية ومؤسساتية تكون كفيلة بأن توفـر ضمانات لشخصين متباعديـن في المكان، فيشـرع كل في تنفيـذ التزامه دون خوف من عدم وفاء الطرف الآخر بالتزامه

يؤدي عقد البيع الدولـي إلى وجود عدة وثائق (1) مثل الفاتورات التجارية، وثائق النقل، والوثائق الديوانية، ووثائق التأمين…

وهـذه الوثائق تعد قـرائن على التنفيـذ السليم للصفقة المبرمة بين الطرفين (2)، وتتعدد هـذه الوثائق بحسب طلبات المشتري، ومقابل تقـديم هـذه الوثائق يقوم المشتري أو البنك الذي يتعامل عادة معه بدفع ثمن البضـاعة.

وهـذه الوثائق يمكن أن تؤدي إلى عمليـات بنكيـة مختلفــة :

التحصيـل المستنـدي : L’encaissement documentaire
فـي هـذه العملية يقوم البائع بسحب كمبيـالة، ثم يسلمها إلى البنك الذي سيمثله في العملية التجارية صحبة الوثائق المشترطة في عقد البيع، فيسلم البنك تلك الوثائق إلى المشتري مقابل دفع المبلغ المدرج بالكمبيالة أو يقبل هـذه الأخيـرة.

خصم الكمبيالة المستنديـة : L’escompte de traite documentaire
في هـذه الصورة يطلب البائع من البنك خصم الكمبيالة وقوم البنك بتسليم الوثائق إلى المشتري مقابل دفع هـذا الأخيـر لمعين الكمبيالة أو قبولها (3)، لكن البنك يتهدده عدم قدرة المشتري على الدفـع، ويبقى له حق الرجـوع على هـذا الأخيـر.

إن التحصيل المستندي والكمبيالة المستنديـة، هما وسيلتان تضمنان للبائع والمشتري على حد سواء، حسن تنفيـذ العملية التجارية. لكن من الجديـر بالملاحظة وأن هاتين العمليتين يقع اللجوء إليهما عندما تتوفـر الثقة الكافية بين الطرفين، إلا أن هاتين الوسيلتين لا توفـران الضمان المطلوب في عقد تجـاري دولي، إذ أن فسخ الصفقـة يبقى قـائما إضافة إلى أن البائع سواء في التحصيـل المستنـدي أو في عمليـة الخصم يبقى رهيـن الوضعية الماليـة للمشتـري.

وهـذا ما يدعو إلى ضرورة اللجـوء إلى تقنيـة أخرى تكون فعلا كفيلة لضمان حق البائع، وكذلك حق المشتري، ولهـذه الأسبـاب، وارتباطا بالتعـامل بالوثائق وقع ابتداع الاعتماد الموثـق : فمـا هو الاعتمـاد الموثق ؟ وكيف تطورت هـذه المؤسسة ؟ وكيف وقع تنظيمهــا ؟.

الفقـرة الأولـى : مفهـوم الاعتمـاد الموثـق

ورد بكتاب الفقيهيــن “Terrel et le jeune” (1) : الوجيز في العمليات التجارية للبنوك الذي نشـر سنة 1905 :

« On appelle crédit documentaire toute ouverture de crédit quelque forme qu’elle revête faite au destinataire de marchandise en cours de route et gagé par des documents afférant à ses marchandises »

أو هو اعتماد يفتحه لمصلحة البائع فتكون البضاعة مرسلة إليه فتضمنه المستندات البحرية التي تمثل البضاعة وتكون حق رهـن عليها (2).

وقد عرفه المشرع التونسي بالفصل 720 م ت معتبرا إياه بأنه “الاعتماد الذي يفتحه أحد البنوك بطلب من الشخص الآمر لفائدة عميل له ويكون مضمونا بحيازة الوثائق المتمثلة فيها البضائع أثناء نقلها أو البضائع المعدة للنقل”، وهـذا التعريف بالمجلة التجارية مأخـوذ من القواعد الموحدة المنظمة للاعتمـاد الموثـق.

إن المتأمل في هـذه التعريفـات، يلاحظ وأنها إما ترتكـز على طرفي العملية التجارية (التعريفيـن الأوليـن) وإما ترتكـز على المؤسسة التي ستقـوم بتنفيـذه (التعريف الأخيـر) ولمزيد من التوضيـح، نورد التعريف الذي تبنـاه الفقيـه ستـوفليـه (3).

« Le crédit documentaire est l’opération par laquelle un banquier intervenant en vue de règlement financier d’une vente commerciale, le plus souvent internationale, promet de payer le vendeur contre remise de certains documents qui ordinairement lui assurent un gage sur la marchandise objet de la transaction ».

وواضح أن التعريف الذي يقدمه الفقيــه ستوفليـه أشمـل من التعريفات السابقة إلا أنه قد أهمل بيــان طريقـة تدخـل البنك، أي الاتفـاق المفروض إنقـاذه بينه وبين المشتري لذلك نقـدم التعريف التــالي :

الاعتمـاد الموثق هو وسيلة أداء وضمان، تنشأ بمناسبة عملية تجارية في الغالب دولية، ويفتح بطلب من المشتري إلى أحد البنوك لمصلحة البائع المستفيـد، مقـابل تقديم وثائق مطابقة لشروط الاعتماد، ويكون مضمونا بحيـازة تلك الوثائق التي تمثل البضاعة موضوع العملية التجارية، مستقلا عنها. وواضح من خلال ما تقدم وأن الاعتمـاد الموثق يقـوم على عدة أركـان أساسيـة (1).

وجــود ثلاثــة أطــراف على الأقـــل :
إن عملية الاعتماد الموثق كوسيلـة أداء، تفترض وجود ثـلاثة أفـراد على الأقـل. ويكون الطرف الأول في هـذه العمليـة هو المشتـري، الذي بواسطته يتدخل البنك وهو الطرف الثاني، كـواعد للبائع وهو طرف ثـالث، لخلاص ثمن البضاعة. ويسمّى الطرف الأول الآمر بفتح الاعتمـاد والطرف الثاني البنك فـاتح الاعتمـاد في حين يسمـى البائع المستفيـد.

على أن هـذا العدد يمكن أن يرتفع وذلك بإدخال أطراف أخـرى مثل البنك المراسل أو البنك المعزز للاعتمـاد.

وجــود عـــلاقتيـن :
تحتـوي عمليـة الاعتماد الموثق على علاقتيـن قانونيتيـن : الأولى وهي الرابطة بين المشتري والبنك ويكون موضوعهـا الأمر بفتح الاعتمـاد، أما الثانيـة فهي التي تربط بين البنك والبائع أو أي مستفيـد آخـر من الاعتمـاد.

الـوثــائـــق :
لا يمكن للبائع في إطار الاعتماد الموثق أن يطلب من البنك أداء ثمن البضاعة إلا إذا قـدم بعض الوثـائق واحترم كـل شروط الاعتمـاد.

وبـذلك يعتبر القانون الانقليـزي التـزام البنك فـاتح الاعتمـاد تجـاه البائع التزام مشروط “Conditional promise”.

استقــلال الاعتمـاد الموثـق عن العملية التجــارية :
هـذه الميـزة تؤسس الصبغة المجردة للاعتماد الموثق، ذلك أن البنك لا يستطيع مواجهة المستفيـد إلا بالوثائق المشترطة في الاعتماد الموثـق ومدى مطابقتهـا لشروطه بقطع النظر عن العقد الأصلـي الذي كان أساسا لنشأة الاعتمـاد، وعلى البنك في هـذا المجـال أن لا يعيـر أهمية لما يمكن أن يوجـد من اختلاف بين شروط العقـد الأصلي وشروط الاعتماد الموثق بل يقتصـر دوره على فحص تلك الوثائق فقـط.

وعلى تلك الشاكلة، يظهـر الاعتماد الموثق كوسيلـة أداء وضمان في نفس الوقت، ذلك أنه يزيل عامل عدم الثقـة بين تجـار من بلدان مختلفـة، إضافة إلى دوره الاقتصـادي في تمويـل التجارة الدوليـة.

الفقـرة الثـانية : تطـور مؤسسة الاعتمـاد الموثـق

لا تـوجد أية إشارة تفيـد وأنه وقع التعـامل بواسطة تقنيـة الاعتمـاد الموثق قبل القـرن 19 في إطار التجارة الداخليـة أو الدوليـة، وهذه الحقيقــة تعد منطقيـة خاصة إذا ربطنـا الاعتمـاد الموثق بالتجارة الدوليـة إذ أنه قبل القـرن 19 لم تسجـل التجارة الدوليـة حجمـا كبيـرا في معاملات بين الدول المختلفــة.

وقــد تطور الاعتمـاد الموثق بمنـاسبة الحرب العالميـة الأولى وفي السنوات التي تلتها إذ أن التجار الموجودين في شمـال أمريكا يطلبـون من نظرائهم في أوروبا فتح اعتماد موثق لفـائدتهم نظرا لعـدم وجـود الثقـة الكافية بين الطرفيـن (1) والاعتمـاد الموثق هو ظاهرة مرتبطة بالمرحلة التي يمر بها إذ أن مصيره يكون رهين التطور الذي يشهده الاقتصـاد العالمي عموما.

لـذلك فإن هذه المؤسسة عرفت بعض التراجع بعد الحرب العالمية الثانية نظرا لما كان يسود العالم في تلك الحقبـة الزمنيـة من اضطرابات أثرت بدورها في قطاع النقـل.

لكن بصفة عـامة فإن الظروف التي أدت إلى خلق الاعتماد الموثق بقيت موجودة، لذلك ازدهرت تلك التقنيـة من جديـد مع تطور التجـارة الدوليـة واتسع مجال استعماله ليشمل عدة بلـدان. وهـذا التطور الذي تشهـده مؤسسة الاعتمـاد الموثق كان يجب أن يصاحبه تنظيم لهـذه المؤسسة، فما هو الإطار القانوني الذي تخضـع له ؟

الفقـرة الثـالثـة : تنظيـم الاعتمـاد المـوثـق

يخضع الاعتماد الموثق إلى تنظيـم مزدوج، فهـذه المؤسسة نجدها منظمـة بواسطة قـوانين داخليـة من ذلك أن المشرع التونسي صلب المجلة التجارية خصص الفصول الممتدة من الفصل 720 إلى الفصل 727 وكذلك القانون اللبناني (1)، في حين عزفت بعض التشاريع الأخرى عن تنظيم المؤسسة داخليا نظرا لأن الأمر يتعلق بمادة حية لا يمكن أن تستقر على حالة معينــة.

ونظرا لأن الاعتمـــاد الموثق يتصف بأنه نشأ من واقـــع العمل بـــدافع الحـــاجة إليه في مجـــال تمويل التجـــارة الدولية وهو ما يفسر عدم اتجاه الإرادة التشريعية إلى تنظيمه داخليا، وأمام هذه العوامل صار من الضروري إيجاد إطار ينظم مؤسسة الاعتماد الموثق، وأصبح هـذا الإطار يعرف الآن بالقواعد الموحدة المنظمة للاعتماد الموثق “Règles et Usances uniformes relatives au crédit documentaire” والملاحظ في هذا السياق أن الترجمة العربية ليست بواحـــدة عند الفقهـاء وخاصة فيما يتعلق بكلمة “Usance” إذ يرى البعض أن هذه الكلمة يرادفهـــا في اللغة العربية كلمة عرف وبالتالي يعنونـون قـواعد الاعتماد الموثق بالقواعد والأعراف المنظمة للاعتماد الموثق (2)

في حين يرى البعض الآخـر أن كلمة “Usance” لا يمكن أن تترجم إلى كلمة عرف لأن العرف ملزم في حين أن القواعد الموحدة لا تكـون ملزمة إلا إذا نصّ الأطراف على تطبيقهـا (3).

وقـد تكفلـت غرفة التجـارة الدوليـة بوضع هـذه القـواعد نظرا لغيـاب تشريعات وطنيـة تنظم مؤسسة الاعتماد الموثـق ونظرا للوظيفة الاقتصادية التي يلعبها هـذا الأخير، إذ أنه يفتح بغاية التسوية المالية لعملية بيع في الغالب بين أشخاص من دول مختلفة لا ضمان لأي منهم إذا كان لكل نظرة ومفهـوم يختلف عن نظرة ومفهـوم الطرف الآخـر للأحكام والمصطلحـات.

لـذلك كان من الضروري توحيـد تقنيـة العمل في مجال تمويل التجارة الدولية وقد أفرزت مجهـودات غرفة التجارة الدوليـة بروز القواعد الموحدة لسنـة 1933 وكانت هـذه القواعد موضوع عدة مراجعات خلال سنـوات 1951 و 1962 و1974 و1983 وأخيرا سنة 1993 وقد دخلت الوثيقة رقم 500 حيـز التنفيـذ منذ جـانفي 1994.

وهـذه التعديلات إنما تفسر حرص واضعي القواعد الموحدة لكي تساير هـذه الأخيرة التطور الاقتصادي والتقني الذي يؤثـر بشكل مباشر أو غير مباشر في التجارة الدوليــة (1).

وقد عملت غرفـة التجارة الدولية على انضمام أكبر عدد ممكن من المؤسسات البنكية للعمل تحت طائلة القواعد الموحدة وسواء كان هـذا الانضمام عن طريق المنظمات المهنيـة القومية للبنـوك أو بصفة منفـردة.

وإلى غـاية مـارس 1987 سجلت غرفة التجارة الدولية وجود 145 بلدا تعمل بنوكه في إطار القواعد الموحدة (2) وقد تطور مجال استخدام تقنيـة الاعتمـاد الموثق، وذلك لتوسيع مجال تطبيق القواعد الموحدة فكيف يظهـر ذلك ؟

وبالرجـوع إلى القواعد الموحدة لسنة 1974 نجد أن فصلها الثامن ينص على أن الأطراف يتعاملون مع المستندات بقطع النظر عن البضائع، وقد وقع تأويل كلمة بضاعة بصورة موسعة لكن مع تشبث مع تلك الكلمة مما جعل المتعامليـن بتقنيـة الاعتماد الموثق يقتصـرون على كل ما يصلح أن يكون بضاعة.

لكـن منذ مراجعة سنة 1983 وقع الاستغنـاء عن الفكرة التي مفادها وأن الاعتماد الموثق يكون تقنيـة للتسوية المالية، إذ ينصّ الفصل الرابع من القواعد الموحدة رقم 400 “تتعــامل جميع الأطراف في عمليات الاعتماد بالمستندات وليس بالبضاعة ولا بالخدمات أو الالتزامات التي قد تتعلق بهـا” وبذلك يمكن أن يشمل مجال الاعتماد الموثق للخدمات المختلفـة كمعاليـم الدراسة وتركيب المنشـآت الصناعيـة الكبـرى…

وامتد تطبيق القواعد الموحدة الخاصة بالاعتماد الموثق، ليشمل الاعتماد المعد للاستعمال (3) وهـذا النوع من الاعتماد لا يستعمل كتقنية للتسوية الماليـة وإنما كضمان لحسن تنفيـذ الالتزامات الناشئـة عن العقـود، وهـذه التقنيـة تطبق كثيـرا في الولايات المتحدة الأمريكيـة، وأمام هذه الأهميـة التي تحظى بها القواعد الموحدة، يصبح من الضروري معرفة كيفيـة تطبيقهـا فهل أنها تطبق بصفة آليـة أم يجب النص على وجوب تطبيقهــا ؟

لقـد شهدت القواعد الموحدة فيما يخص تطبيقها على الاعتماد الموثق بعض التحويرات ويمكن معاينة ذلك إذا ما قارنـا بين الوثيقة عدد 400 والوثيقـة عدد 500، إذ تنصّ المـادة الأولى من الوثيقة الأولى : “تطبق النصوص التالية على جميع الاعتمادات المستنديـة (متضمنة الاعتمادات المعدة للاستعمال) وهي ملزمة لجميع الأطراف، إلا إذا نصّ على خـلاف ذلك”.

وواضح من خلال هـذه المـادة وأن الأصل في الأمور هو أن القواعد الموحدة تطبق على الاعتماد الموثق بصفة آلية إلا إذا اتفق أطرافه على خلاف ذلك، إلا أن الأمر لم يعد بالمثل حسب المادة الأولى من الوثيقة عدد 500 التي تنص على أن الأطراف يجب أن ينصوا صراحة على تطبيق القواعد الموحدة على الاعتماد الموثق الذين هم أطرافه وهذا التغييـر الحاصل في القواعد الموحدة يطرح إشكالية طبيعتها، فهل أنها شروط تعاقدية ؟ أم كما تدل عليها تسميتها مجرد عادات تجارية ؟ (1).

إن التمييز بين الطبيعتين على درجة من الأهمية وخاصة فيما يخص تأويلها وبالتمعن في اللجنـة التي تضع هذه القواعد نرى وأنها تتركب من المؤسسات البنكية التي سعت إلى توحيـد العمل في خصوص الاعتماد الموثق لأنها تضررت من قبل أمام الاختلافات التي يمكن أن توجد بين المؤسسات البنكيـة في البلدان المختلفة (2).

ولذلك، إذا نشب نزاع بين الأطراف في الاعتماد الموثق فإنه يجب تأويل تلك القواعد ضد البنوك إذا اعتبرنـاها عقـودا أو بنـودا تعاقديــة (3).

أما إذا اعتبرناها مجرد عادات تجارية أو مصرفية فإن من يستند عليها يجب أن يثبت فعلا وأن هذه القواعد هي عادات مصرفية وليست بعقـود.

إن القواعد الموحدة تكتسب أحيانا صبغة العقد وأحيانا أخرى صبغة العادات التجارية فتكون عادات تجارية إذا نشب نزاع بين المؤسسات البنكية لأنها هي التي أعدتها وتلتزم بتطبيقها، وتكون بنودا تعاقدية إذا لم يجمع النزاع المؤسسات البنكيـة (4)،

على أن غرفة التجارة الدولية بقيت على مرور عدة سنوات تعتبر وأن القواعد الموحدة هي عادات تجارية الأصل فيها أنها تطبق على الاعتماد الموثق إلا إذا ارتأى الأطراف إقصائها من مجال معاملاتهم بصفة صريحة، ولكن مع مراجعة سنة 1993، أصبح الأمر معكوسا وصار تطبيق القواعد الموحدة رهين تنصيص الأطراف عليها صراحة في العقد وقد أخذ بها فقه القضـاء الفرنسـي (5) الذي اعتبـر وأن :

« Les règles et usances s’appliquent en dehors de toutes références expresse des parties, dès lors au moins qu’elles n’ont pas expressément écartés leur application sur tel ou tel point ».

وواضح من هـذا القرار وأن فقه القضاء يعتبـر القواعد الموحدة عادات تجارية تطبق حتى دون النص عليها في الاعتماد الموثق إلا إذا اشترط صراحة خلاف ذلك ويكون هـذا القرار وفيا لأحكام المادة الأولى من القـواعد الموحدة السابقة عن مراجعة سنـة 1993.

ولكن عندما اشتمل النزاع على وجود مؤسسة مصرفية فإن فقـه القضاء البلجيكي (1) اتخذ منهجا آخر في تأويل القواعد الموحدة معتبـرا أن :

« Que les règles et usances uniformes constituent un ensemble établi uni latéralement par les banquiers et qui n’ont pas de valeurs d’usage puisque non arrêtées de commun accord entre toutes les parties intéressées ».

وبناء على أن المؤسسات البنكية هي التي تقوم بتحرير القواعد الموحدة وإعدادها، فإن وجودها في العقود التي يكون فيها أطراف غير تلك المؤسسات المصرفية يعتبر بنودا تعاقديـة وليست بعـادات تجارية.

أما فقـه القضاء الانقليـزي فإنه يتعامل مع القواعد الموحدة على أنها بنـودا تعاقديـة وليست بعادات تجارية (2).

وبهــذا يظهـر الاعتماد الموثق تقنيــة ابتدعتهــا التجربـة الإنسانية أمام ضرورة وجود حلـول لتسهيـل التجارة الدوليـة على أنه لا شيء يمنع من تطبيقه في التجارة الداخلية، ونظرا لأهميتـه، ارتأينا أن ندرس الشروط المتعلقة بأطراف العملية في جزء أول والشروط المتعلقة بماديات الاعتمـاد الموثق في جـزء ثـان.

الجــزء الأول: الشـروط المتعلقـة بأطـراف العملي

عندما أراد المشرع التونسي تعريف الاعتماد الموثق، اقتصر في الفصل 720 م ت وهو الفصل الأول من القسم الرابع من الباب الثامن الذي أتى تحت عنوان “في معاملات البنوك” على بيان تقنيـة الاعتماد الموثق وكيفية فتحه، مذيلا ذلك الفصل بأن “الاعتماد الموثق ينشأ مستقلا عن عقد البيع الذي يمكن أن يكون أصلا لتكوينه وتبقى البنوك أجنبية عنه”، وهذا بعد أن اعتبر أن الاعتماد الموثق هو “الاعتماد الذي يفتحه أحد البنـوك بطلب من شخص آمر لفائدة عميل له ويكون مضمونا بحيازة الوثائق المتمثلة فيها البضائع أثناء نقلها أو البضائع المعدة للنقـل”.

وبالرجوع إلى الفصل الثاني من القواعد الموحدة، نجد أن غرفة التجارة الدولية تتحدث عن تقنية الاعتماد، معتبـرة أن “اصطلاحات (الاعتماد الموثق)” والاعتماد الموثق المعد للاستعمال (CREDIT STAND – BY) المستخدمة في هذه اللائحة، يقصد بها أية ترتيبات مهما كان اسمها أو مضمونها، التي يقوم البنك فاتح الاعتماد بناء على طلب وتعليمات عميلـه.

للقيـام بالدفع أو لأمر طرف ثالث (المستفيد) أو يدفع أو يقبل كمبيالة مسحوبة من المستفيـد.
أو يخول بنكا آخـر ليقوم بذلك الدفع، أو يقبل أو يدفع تلك الكمبيالة.
أو يخول بنكا آخـر لتداولهـا.
مقـابل وثائق منصوص عليها بشرط أن تكون مطابقة لشروط الاعتمـاد.

وبالتأمل في الفصل 720 من المجلة التجارية، والفصل 2 من القواعد الموحدة للاعتماد الموثق، نجد أن المشرع التونسي جمع عدة مصطلحات عند تنظيمه للاعتماد الموثق، فتحدث عن البيع وهي العملية التي تتطلب وجود بائع ومشتري، وعن الجهاز الذي سيقوم بفتح الاعتماد، والوثائق التي يجب أن تتوفر في العملية، لكن دون أن يبرز الشروط الواجب توفرها في هذه العملية، وحتى بمراجعة بقية الفصول المنظمة لهـذه المادة،

فإن المشرع انتقل بعد محاولة التعريف الوارد بها الفصل 720، إلى الحديث عن أنواع الاعتماد والتزامات البنوك… ذاكرا في الفصل 724 /2 ” أنه لا يجوز إبطال هـذا الالتزام أو تغييره بدون موافقة جميع من شملهم العقد” وهو ما لم يفعله في النص الفرنسي عندما تحدث عن (Les parties intéressées) عوض Les parties au contrat أو Les contractants فهل نفهم من ذلك وأن المشرع التونسي أراد أن يبين من خلال هذا الفصل وأن الاعتماد الموثق هو عقد يربط بين طرفين أو أكثر، ويكون بالتالي له أركان وشروط ضرورية لتكوينـه ؟ أم أنه ذكر كلمة عقد قـاصدا بها العقد الأصلي الذي ينبني عليه وجود الاعتماد الموثـق ؟

وإن كان المشرع وفيـا للباب الذي أدرج به الاعتماد الموثق، والذي جاء تحت عنوان في “معاملات البنوك” مما يحتم عليه الحديث عن التزامات الصيرفي بمناسبة هذه العملية، إلا أنه لم يكن وفيا للنظرية العامة للالتزامات والعقود التي تفترض أن المشرع لما ينظم عقدا من العقود فإنه يقوم بتعريفه ثم بيان الأركان والآثار التي تترتب عنه وعن كيفية انقضائه، وهو ما فعله بالنسبة للأقسام الثلاثة الأولى من الباب الثامن.

أما القواعد الموحدة، فكانت أكثر وضوحا في بيان خصائص الاعتماد الموثق بدءا باعتباره “ترتيبا Arrangement” مرورا بالحديث عن كيفية انعقـاده والأخطار به ثم الوثائق والآثار التي يرتبها الاعتماد الموثق. لكن يمكن القول أن المشرع التونسي مثل القواعد الموحدة، قد تحـدث عن الأطراف في العملية وعرضيا عن الشروط الواجب توفرها في الوثائق. وكل ذلك يفيد وأنه تحدث عن خصائص الاعتماد الموثق لكن بصورة مقتضبـة.

وهـذا راجع إلى أن المشرع قد نقل بعض الفصول من القـواعد الموحدة عند إصدار المجلة التجارية فكان طبيعيـا أن يعتري تنظيم هـذه المؤسسة بعض النقـائص. ولا يجـوز بالتالي مقارنة فصول المجلة التجارية بالقواعد الموحدة التي يقع مراجعتها بمعدل كل عشر سنوات فكان لا بد أن تكون هذه القواعد أحكم تنظيما وأكثر دقة لأنها تستقي وجودها من واقع عملي يومي يتطور بحسب تطور العمل التجاري في حين بقيت فصول المجلة التجارية جامدة لم تخضع إلى أي تجديـد، وهو ما يطرح مسألة ضرورة تنظيم مؤسسة الاعتماد الموثق طبقا لما وصلت إلية التجربة الإنسـانية.

غيــاب نصّ يحدد شروط الاعتماد الموثـق بأتم معنـى الكلمـة :

اليوم في المجال البنكي، وهـذا يتأيد خاصة بالمراجعة الأخيرة للقواعد الموحدة الواقعة سنـة 1993، ودخلت اللائحـة عدد 500 حيز التنفيـذ بداية من جانفي 1994 أو العدول تماما عن فكـرة التنظيم في إطار المجلة التجارية. لكن هـذا لا يغنينـا عن البحث عن شروط الاعتماد الموثق لما لذلك من فائدة فيما يخص آثـاره.

بمراجعة الفصول المخصصة لتنظيم الاعتماد الموثق، لا نجد أية إشارة منظمة تتحدث عن الشروط التي يجب أن تتوفر عند تكوين الاعتماد، والمراحل التي تمر بها، وهذه المراحل يجب أن تخضع إلى تسلسل منطقي، وعليه تمر مؤسسة الاعتماد الموثق عبر مراحل أربعة، وأولى هاته المراحل هو الاتفاق الأصلي بين البائع والمشتري (1) وفي هـذا الإطار يطلب البائع من المشتري أن تقع عملية أداء ثمن البضاعة بواسطة تقنيـة الاعتمـاد الموثـق.

واستجابة لطلب البائع وتنفيـذا لوعده في إطار عقد البيع، يتولى المشتري إعطاء الأمر إلى البنك الذي يتعامل عادة معه لفتح اعتماد موثق لفائدة البائع (2) ويكون الأمر في شكل تعليمات يوجهها المشتري إلى البنك وهي التي تمثل شروط الاعتماد الموثق بما في ذلك الأجل الذي سيبتدئ فيه وأجل تقديم الوثائق وطبيعة الاعتماد إن كان قابلا للرجوع فيه أم لا… وهذه التعليمات هي من الأهمية بمكان ذلك أنه بقدر ما تكون واضحة ودقيقـة بقر ما تسهل العمليـة من أساسهـا.

لقـد ورد بالفصل 720/2 “أن الاعتماد الموثق ينشئ مستقلا عن عقد البيع الذي يمكن أن يكون أصلا له” وهو نفس ما ورد بالقواعد الموحدة في المادة الثالثة ذلك أن “الاعتمادات المستنديـة منفصلة عن عقود البيع والعقود الأخرى التي تكون أساسا لها”.

وبناء على هاتين المادتين، فإنه للحديث عن الاعتماد الموثق، يجب الحديث عن عقد أصلي يربط بين البائع والمشتري وهو ما سيكون أساس عملية فتح الاعتماد الموثق، كما يجب التطرق إلى الاتفاق المبرم بين البنك والمشتري بخصوص هذه العملية، إضافة إلى ما يجب أن يفضي إليه سواء الاتفاق الأصلي بين البائع والمشتري، وتبعا لذلك الاتفاق بين هذا الأخير والبنك، إلى بيان كل جوانب الاعتماد الموثق، لكي يسهل تنفيـذه.

إذا نظرنا إلى المسألة من وجهة نظر زمنية، فإنه يمكن القول وأن هذه الشروط تشتمل وجوبا على الاتفاق الأصلي بين البائع والمشتري (I) وكذلك الاتفاق بين المشتري والبنك وهو نتيجة للاتفـاق الأول (II).

الفـرع الأول : العـلاقة بين البـائع والمشتري

الاتفـاق الأصلـي

يعتبر فتح الاعتماد المـوثق تقنيـة يراد من وراءها التسوية المالية لعملية تجارية أساسا، وكما يمكن أن يكون أساس فتح الاعتماد الموثق عملية وطنية فإنه يمكن أن يكون مجاله دوليا ولو أن الصبغة الدولية للعمليات التجارية التي يفتح على أساسها اعتمادا موثقا هي الغالبة، نظرا لوجود تقنيـات داخلية تمكن من ضمان الوفاء دون ضرورة اللجوء إلى الاعتماد الموثق، وهذه التقنيـات تتمثل أساسا في الكمبيالات والشيكات وخاصة الدفع الفوري للعمليـات ذات الطابع المالي المحدود.

واعتبارا وأن الاعتماد ينشأ على أساس عقد تجاري دولي أو داخلي ليشكل الجزء المالي في العملية التجارية ويكون ذلك بطلب من المشتري إلى البنك وذلك تنفيذا لالتزامه الناشئ من العقد الأصلي، لذلك فإن فتح الاعتماد الموثق هو التزام محمول على كاهل المشتري وإذا لم يفي المشتري بهذا الالتزام فإن هناك جزاء لهـذا الإخلال.

الفقـــرة الأولــى : التــزام المشتـري بفتـح الاعتمــاد

جـرى العمل على أن يتم الاتفاق أثناء إبـرام عقد بيع أن تكون التسويــة المالية لهـذا العقـد بواسطة تقنيـة الاعتمـاد المـوثق.

لكن ما هي طبيعة الاتفـاق الذي يجـري بين البائع والمشتري هل هو اتفاق على إدراج تقنيـة الاعتماد الموثق كشرط في العقد الأصلي، أم أن الأمر يتعلق بالتنصيص على ركن من أركان العقد الأصلـي ؟

إن التمييز بين الطبيعتين هو من الأهمية بمكان ذلك أن مصير العقد، خاصة عند عدم فتح الاعتماد، مرتبط بأي الطبيعتين سنعتمد هذا بالإضافة إلى أن حقوق البائع خاصة والإمكانيات القانونية المتاحة له للقيام على المشتري ستتحدد بحسب الطبيعة التي سنكيف على ضوءها إدراج تقنيـة الاعتماد الموثق في العقد التجـاري داخليا كان أو دوليـا.

بالرجوع إلى المتيسر من الفقـه، نجد أن جل الفقهـاء يتحدثون عن الاعتماد الموثـق كشرط لقيـام العقـد، وآخـرون يتحدثـون عن الاعتماد الموثـق كركن جوهـري للعقـد (1).

في الوضع الغالب من الاتفـاقات، لا يحدد أطراف العقد طبيعة إدراج تقنيـة الاعتماد الموثق في العقد الأصلي، وعلى ضوء ما تقدم فإن الاعتماد الموثق ليس شرطا على أساسه ينشأ التزام البائع، بل هو ركن جوهري في العقـد (2) وعلى ضوء هذه النتيجة سار فقـه القضـاء (3) على امتداد سنـوات عديدة لكن هذه القـاعدة تفترض وأن الأطراف قد أدرجوا بصفة صريحة الاعتماد الموثـق بعقد البيع لكن ما هو الحل في صورة عدم النص على ذلك بالعقـد ؟

هـل نعتبـر وأنه لا وجـود لاعتماد موثـق أم أنه يمكن بالرجوع إلى إرادة الأطراف وتأويلها معرفة هل أنه تم اتجاه تلك الإرادة إلى إدراج الاعتمـاد الموثق أم لا ؟

تجــدر الملاحظة في هـذا المجال، وأن العمل جرى على أن التزام المشتري بفتح اعتماد موثق ينشئ بصريح العبارة لكن هذا لا يعني وأن عدم وجود تنصيص بالعقد أنه لا توجد أية إشارة لتقنية الاعتماد الموثق، والحقيقـة الثانية في هذا المجال وأن الاعتماد الموثق لا يفترض بل يجب إما التنصيص عليه صراحة بالعقد الأصلي أو أن إرادة الأطراف قد اتجهت إلى ذلك وعدم التنصيص على الاعتماد الموثق بتداول كثيرا بين التجار الذين تعودوا على التعامل فيما بينهم فأصبح اعتماد تلك التقنيـة عرفا فيما بينهم ولذلك فإن عدم النص عليه واردة بدرجة كبيرة وإن صح هذا، وهو لدى العديد من الفقهـاء صحيح، فإن إمكانية تكييف إدراج الاعتماد الموثق بالعقد الأصلي، بأنه شرط من شروط العقد تبدو ضعيفة خاصة وأن الشرط هو “تصريح بمراد المتعاقدين حسب مقتضيات الفصل 116 من م.إ.ع”.

ولذلك فلا يمكن أن يكون الشرط ضمنيا أو يفهم بتأويل إرادة الأطراف بل يجب أن ينص عليه بالعقد.

وتجدر الملاحظة في هذا السياق وأنه تم اعتماد الطبيعتين في نفس الوقت من قبل بعض الفقهـاء إذ يورد ستوفليـه (1) بأن اشتراط الاعتماد الموثق في عقد البيع هو اشتراط لعنصر جوهـري في العقـد وقد يكون شرطا لإبرامه أو شرطا لتنفيـذه وقد سار فقه القضـاء كذلك على اعتبـار وأن الاعتماد الموثق هو شرط جوهري وأنه بعدم تحققه يعتبر العقد الأصلي غير مبرم لأن الشرط الجوهري يتعلق بوجود العقد من عدمه.

وهـذا ما قرره فقه القضاء الفرنسي (2) بمناسبة قضية ثبت فيها أن البائع ربط التزامه في عقد البيع بالحصول على خطاب الاعتماد والذي يعتبره عنصرا مجسدا لرضاه في هذا العقد وعليه أيدت محكمة التعقيب الفرنسية محكمة الأصل التي اعتبرت وأن عقد البيع لم يبرم بعدما ثبت وأنه تم الاشتراط على تقنية الاعتماد الموثق كجزء من عقد البيع.

وهـذا الاتجاه الفقه قضائي هو امتداد لفقه قضاء عالمي مستقر في هذا المجال، من ذلك الحكم الصادر عن محكمة بيروت التجارية (3) والذي جاء بإحدى حيثياته “وعليه لم تكن الشركة المدعية ملزمة بتنفيـذ موجباتها التعاقدية ما لم تقم الشركة المدعى عليها بإتمام موجباتها لجهة فتح الاعتماد”.

وكـذلك نفس المنحى الذي سارت عليه محكمة التمييز السورية (1) “وحيث أن من شروط عقد البيع أن تفتح الشركة المدعية اعتمادا ماليا بثمن المبيع… وحيث أن المدعى عليه لا يجبـر على التسليم حسب الشرط المتفق عليه إذا لم يكن الاعتماد مفتـوحا”.

وواضح من خلال المعروض من فقه القضاء وأن الاعتماد الموثق هو شرط من شروط العقد وليس ركنا له، ذلك أن أركان عقد البيع تشتمل على الرضا والثمن والمثمن.

أما الاعتماد الموثق فهو شرط يهم كيفية الأداء وليس الأداء في حد ذاته، وبذلك فهو اشتراط لتقنيـة تنفيـذ طرفي العقد لالتزاماتهما. وفقه القضاء في هذه الصورة التي اعتبر فيها وأن العقد لم يبرم أو أن البائع غير مطالب بتنفيـذ الالتزام بالتسليم قبل فتح الاعتماد، يكرس ممارسة عملية تعتمد على أسبقيـة فتح الاعتماد عن تنفيـذ الالتزام (2) وذهب فقه القضاء الفرنسي إلى أبعد من ذلك، بأن اعتبر وأنه على المشتري أن يقوم بفتح اعتماد موثق لمصلحة البائع لمدة تسمح لهذا الأخيـر باستعماله حتى في غيـاب أي شرط تعاقدي بين الطرفين حول فتح ذلك الاعتماد (3).

وبهـــذا يكون الاعتماد الموثق شرطا جوهريا في عقد البيع، ولكن نظرا لخصوصيته كتقنيـة لأداء ثمن البضاعة أو الخدمة موضوع العقد الأصلي فإن تأثيره على هـذا الأخير يكون بدرجة إلى حد أنه يعتبر غير مبرم طالما أن المشتري لم يقم بفتح الاعتماد الموثق، وهـذا يعد جزء من الآثار المنجرة عن عدم تنفيـذ المشتري لالتزامه واتجه مزيـد البحث في جزاء إخلال المشتري بواجباته.

الفقـــرة الثـانية : جزاء إخـلال المشتري بتنفيـذ التزامه بفتح الاعتمــاد

يعتبر الإخلال بواجب فتح الاعتماد الموثق من قبل هـذا الأخير، إخلالا بتنفيـذ عنصر جوهـري في العقد ولذلك فإن البيع لم يتكون بعدم، طالما أن الاعتماد الموثق لم يفتح من قبل المشتري في الأجل المتفق عليه، خاصة وأن الاتفاق الأصلي بين البائع والمشتري ربط انعقـاد عقد البيع باتصال البائع بخطاب الاعتماد (4).

تجـدر الملاحظة في هـذا المجال، وأن الحقوق المنجرة للبائع في مواجهـة معاقدة لا تشمل إلا هـذا الأخيـر، ونحن نعلم أن المشتري تنفيـذا للاتفاق الأصلي مع البائع يطلب من البنك الذي يتعامل معه أن يفتح اعتمادا موثقـا لمصلحة ذلك البائع وإذا لم يقم المشتري بتنفيـذ التزامه معه أن يفتح اعتمادا موثقا لمصلحة ذلك فإن البنك يظل أجنبيا عن العلاقة التي تربط طرفي العقد الأصلي، وعليه فإن البائع لا يستطيع أن يطلب من البنك المفروض أن المشتري سيطلب إليه فتح الاعتماد بأن يقوم هو بذلك، أو في صورة صدور خطاب الاعتماد مخالفا للعقد الأصلي أن يطلب منه تعديله، لأن الملزم أمام البائع هو المشتري فقط.

لقـد تعرضنا في بـداية هذه الفقـرة إلى موقف فقه القضاء الذي اعتبر وأن العقد الأصلي لم ينعقـد بعد طالما أن الاعتماد الموثق لم يفتح، خاصة إذا ربط طرفي العقد الأصلي إبرام فتح الاعتماد الموثق لمصلحـة البائع ؟

بالرجوع إلى القانون التونسي والقواعد الموحدة لا نجد أية إشارة إلى هذه المسألة وهذا يرجع بالضرورة إلى أن كل منهما اهتم بتنظيم التزامات وحقوق البنوك أكثر من أي عنصر آخر في الاعتماد الموثـق.

لقـد سبقت الإشارة إلى أن اشتراط الاعتماد الموثق كتقنيـة للأداء هو اشتراط لعنصر جوهـري في التزامات المشتري وتبعا لذلك في عقد البيع، ويكون فتح الاعتماد الموثق هو سبب التزام البائع بالتسليم (1) وفي الصورة التي يكون فيها عقد البيع قد أبرم فإنه يمكن للبائع أن يتمسك بالدفع بعدم التنفيـذ حسب مقتضيـات الفصل 247 إ.ع الذي ينصّ “إذا كان الالتزام من الطرفين فلأحدهما أن يمتنع من إتمام ما عليه حتى يتمم الآخر ما يقابل ذلك العقـد”.

وبناء على ذلك فإنه يمكن للبائع أن يمتنع من تنفيذ التزامه المتمثل في تسليم البضاعة موضوع العقد الأصلي حتى يتمم المشتري التزامه بفتح الاعتماد الموثق إضافة إلى هـذا الجزاء – الحق، فإن هناك عدة حلول أخرى وردت بالفصل (273 إ.ع ومثله الفصل 1184 من المجلة المدنية الفرنسية).

وينصّ الفصل 273 إ.ع في فقرته الأولى أنه ” إذا حل الأجل وتأخر المدين عن الوفاء فللدائن الحق أن يغصب المدين على الوفاء إن كان ممكنا وإلا فسخ العقد مع أداء ما تسبب عن ذلك من الخسارة في كلا الحالتيـن”.

وبناء على هـذا الفصل، فإنه يمكن للبائع أن يغصب المدين – المشتري على الوفاء بالتزامه المتمثل في فتح الاعتماد الموثق على أن هذا الجزاء يبقى نظريا في مادة الاعتماد الموثق، إذ أن الغصب على الوفاء لا نجد مجاله في الحالات التي لا يمكن فيها تنفيذ الالتزام بعمل لكونه يتطلب تدخلا شخصيا من جانب المدين وفتح الاعتماد يفترض تدخلا شخصيا من المشتري بقيامه بالتعاقد مع البنك وقد يرفض المشتري كما أنه لا يتصور عملا أن يقوم البائع بالاتفاق مع بنك على فتح الاعتماد على حساب المدين مثلما هو ممكن في الالتزامات الأخرى بعمل لأنه من الصعب على أي بنك في هذه الظروف فتح الاعتماد المطلوب وإن فعل فبشروط لا تحقق للدائن أهـدافه، كما لا يحل حكم المحكمة على المشتري محل الاعتماد المطلوب، لأن فتح هذا الأخيـر يتطلب تدخل شخص غريب عن النزاع بين البائع والمشتري.

حتى وإن قام البائع ضد المشتري فإن الحكم سيصدر في ظروف أخرى غير تلك التي شهدت الاتفاق الأصلي بين الطرفين وتكون السوق قد تأثرت بعوامل أخرى فيصبح كلا المتعاقدين غير مهتمين بالصفقـة، وقد سبق لفقـه القضاء البلجيكي أن تعهد بمثل هـذه الدعــاوي (1).

بقي إذن الحلين الآخرين المنبثقيـن عن الفصل 273 إ.ع وهما الفسخ والتعويض عن الخسارة.

أولا : فســـخ العقــد الأصلــي

إن فسخ العقد الأصلي الذي انبنى عليه الاعتماد الموثق، لا يمكن أن يستقيم إلا إذا اعتبرنا وأن التزام المشتري بفتح الاعتماد الموثق هو التزام جوهري في ذلك العقد لأن العكس لا يؤدي إلا إلى طلب التعويض عن الضرر الحاصل من جراء عدم فتح الاعتماد لمصلحة البائع (2).

إن الصبغة الجوهرية لفتح الاعتماد الموثق في عقود البيع الدولية لم تكن محل نقاش وخاصة فيما يخص الاعتماد الموثق غير القابل للرجوع فيه وقد دأب فقه القضاء على تكريس الصيغة الجوهريـة لالتزام المشتري بفتح الاعتماد في عديـد المناسبات (3) وهذا يرجع إلى أن البائع لم يكن ليبـرم العقد الأصلي لولا أن الوسيلة التي يختارها للأداء تكون كفيلة بأن تحقق في نفسه الطمأنينة اللازمة لكن هل أن الأمر يعتبر بالمثل إذا كنا إزاء اعتمادا موثقـا قابلا للرجـوع فيـه .

يبـدو من أول وهلة وأن الأقـرب على الظن هو أن التزام المشتري بفتح اعتماد قابل للرجوع فيه ليس التزاما جوهريا، طالما أن هذا النوع من الاعتماد لا يوفر للبائع الضمانات التي من الممكن أن يوفرها له الاعتماد غير القابل للرجوع فيه لكن يرى الفقيـه ستوفليــه (1) أن الموقف المعاكس هو الأجدر بالاحتـرام نظرا لأن البائع حتى في إطار اعتماد موثق قـابل للرجوع فيه يمكنه الحصول على ثمن البضاعة أو الحصول على التزام البنك بمجرد إمضاءه وهو ما يمكنه من الوصول إلى هدفه وطبعا بشرط أن يقوم بتقديم الوثائق المشترطة في الاعتمـاد الموثـق.

ويبقى طلب الفسخ تحكمه القواعد العامة في العقود الملزمة لجانبيـن وعليه فإن الفسخ يتسلط على العقد في صورة وجود شرط فسخي به وبناء على ذلك فإن عدم تنفيـذ المشتري لالتزامه بفتح الاعتماد الموثق يؤدي بالضرورة وبصفة آليـة إلى فسخ العقد الأصلي أما في صورة غياب الشرط الفسخـي فإن الأمر يكون بحسب أن المشتري ملتزم بفتح الاعتماد الموثق في أجل معين أو بدون أجـل..

ينصّ الفصل 269 إ.ع : “يعدّ المديـن مماطلا بمضي الأجل المعين في العقـد فإذا لم يعيّـن أجل فلا يعدّ المدين مماطلا إلا بعد أن يسأله الدائن أو نائبه القانوني بوجه صريح…”

وبناء على ما تقدم ذكره، فإن البائع لا يستطيع طلب الفسخ، حسب مقتضيات الفصل 273 إ.ع إلا إذا لم يقم المشتري بالوفاء بالتزامه فإذا كان العقد الأصلي متحدد به تاريخ لفتح الاعتماد وانقضى هذا التاريخ لم يعد للاعتماد فائدة بالنسبة للبائع فيمكن لهـذا الأخير طلب الفسخ بناء على أنه بحلول الأجل لم يقم معــاقده بإتمام ما التزم به، ولو كانت المدة المقررة للتسليم في عقد البيع مازالت مفتوحة إذ أن هـذه الأخيرة مقررة للبائع وبقاؤها مفتوحة لا يجب أن يضره (2).

أما إذا لم يقع تحديـد تاريخ لفتح الاعتماد الموثق فإنه على البائع أن يقوم بالتنبيه على معاقده لإتمام ما هو من جانبه في العقد، وبعد التنبيه يمكنه أن يطلب فسخ العقد الأصلي وإذا كانت المدة المحددة في البيع واردة بشكل غير حاسم كاشتراط أن يقع فتح الاعتماد فورا أو بالسرعة المعقولة، كان المرجع للسلطة القضائية التي يمكنها بناء على وقائع الدعوى أن تستنتج إن كان من الضروري التنبيه على المشتري أم لا ؟ وهو ما ذهبت إليه محكمة العدالة العليـا الانقليزية (3) بمناسبة قضية اتضح من خلال أوراقها أن البيع يقضي أن يفتح الاعتماد فورا، ولما تأخر المشتري أرسل البائع إليه خطابا في 22 أوت يخبره أنه إذا لم يفتح الاعتماد حتى 24 أوت فإنه يعتبر البيع مفسوخا، ولم يصل هذا الخطاب المشتري إلا في 27 أوت فقررت المحكمة أن البائع أعطى المشتري مهلة جديدة لفتح الاعتماد.

وما هو الرأي إذا انقضت المدة المقررة لتنفيذ البيع ولم يفتح الاعتمـاد بعـد ؟

واضح في هذه الصورة أن الاعتماد لا يكون له فائدة بعد ذلك، لأن التجارة الدولية تعتمد على السرعة والدقة في تنفيـذ العقود ولا تقبل التراخي وعليه فإنه متى أصبح الاعتماد غير منتج بسبب انقضـاء المدة المقررة لتنفيـذ العقد الأصلي، لم يعد هناك محل لواجب الإنـذار المحمول على كاهل البائع.

ثــانيـا : طلـب التعويــض عن الضــرر

سبق وأن بينّـا وأن عدم تنفيـذ المشتري لالتزامه بفتح اعتمـاد موثـق لمصلحة البائع يبـرر قيـام هـذا الأخيـر بدعوى في الفسخ لكن إذا صاحب عدم تنفيذ الالتزام ما يفيد وأن ذلك ناشئ عن خطأ في جانب المشتري فإنه يحق للبائع علاوة على طلب الفسخ أن يطلب تعويض المضرة الحاصلة له وهي الخسارة التي هي : “عبارة عما نقص من مال الدائن حقيقة أو مهما فاته من الربح من جراء عدم الوفاء بالعقـد…”(1).

ويحكم للبائع بطلب التعويض عن الخسارة إذا لم يستطع المشتري نسبة تخلفه عن تنفيـذ التزامه إلى سبب أجنبي عنه، وهو ما يبقى في جل الحالات أمر عسير لأن معظم الصعوبات التي قد تقف أمام تنفيـذ المشتري التزامه لا ترقى إلى القوة القاهرة لتخلف أحد شرطي هذا الوصف بأن تكون غير متوقعة وقت العقد وغير ممكن تفادي نتائجها. مثال ذلك أن لا يجد المشتري بنكا يقبل الاعتماد بالشروط التي يطلبها أو أن البنك المعني في عقد البيع يرفض فتح الاعتماد رغم الضمانات التي يقدمها له المشتري فهذه الأمور هي غير متوقعة فعلا، لكن يمكن للمشتري أن يتفادى نتائجها وكل ذلك لا يعفي المشتري من المسؤولية إذا كان عليه وقت إبرام البيع أن يتوقع ويتدبر هذه الأمور كلها.

أما الوضع الغالب هو أن يتذرع المشتري برفض السلطات الحكومية أو النقدية في بلده أو في بلد البائع الإذن بفتح الاعتماد المطلوب أو باستيـراد البضاعة أو تصدير النقـود. وواضح أن هذه الإجراءات لا يمكن تفاديها، ولكن هل كانت متوقعة أم لا ؟ وهذه مسألة تعود إلى سلطة القاضي التقديـرية لبيان إن كانت هذه الإجراءات متوقعة أم لا ؟ وقد ذهب فقه القضاء الفرنسي إلى اعتبار أن غياب التراخيص الإدارية مثلا، لا يعد من قبيل القوة القاهرة (2) ولا يعتد فقه القضـاء الفرنسي إلا بالتراخيص الإدارية المبنيـة على قوانيـن صادرة بعد إبرام العقد الأصلي.

الفـرع الثـاني : عـلاقة البنك بالمشتـري

الاتفـــاق على فتح الاعتمـــاد المـــوثق

متى أبرم عقد البيع وتعهد المشتـري فيه بفتح الاعتمـاد فإنه يتوجه إلى البنك طالبا منه أن يفتح اعتمادا لصالح البائع بالشروط التي اتفق هو عليها مع هـذا البائع والتي يذكرها المشتري في طلبه الموجه إلى البنك، كي يقبل البائع تنفيذ التزاماته الناشئة من عقد البيع.

والمشتري في هذا السعي ينفذ التزامه كمشتري، والبنك عندما يقبل طلبه ويفتح الاعتماد إنما ينفذ التزاما ينشأ أمام المشتري من الاعتماد موضوع اتفاقهما. ولا علاقة له بعقد البيع الذي لا صلة له به قانونا، وذلك تطبيقا للمادة الثالثة من القواعد الموحدة التي تنصّ على أن “الاعتمادات المستندية منفصلة عن عقود البيع والعقود الأخرى التي تكون أساسا لها ولا تتقيّـد البنوك بهذه العقود حتى لو نص الاعتماد المستندي على أية إشارة إليها” كما تضيف المادة الرابعة أنه ” في عمليات الاعتمادات المستندية تعدّ كل الأطراف المعنية بالمستندات لا بالبضائع و/أو الخدمات و/أو الإنجازات الأخرى التي قد تكون المستندات متعلقة بهـا”.

وقد جـرى العمل بأن الاتفاق بين المشتري والبنك على فتح الاعتماد يتجسد بقيام المشتري بتعمير طلب فتح الاعتماد، وهو نموذج مطبوع يعده البنك مقدما ويملئ المشتري فراغات به معدة للبيانات التي تختلف من عملية إلى أخرى، ويتضمن هذا النموذج عادة البيانات الأساسية للاعتماد الموثق (1).

ومتى قبل البنك طلب المشتري انعقد الاتفاق بينهما على فتح الاعتماد الموثق ورتب في ذمة كل من طرفيه التزامات متقابلة. ولكن تجدر الملاحظة في هذا الصدد وأن البنك غير مجبر على قبول طلب المشتري إذ يمكنه أن يرفض الدخول في هذه العملية، ولكن هل أن هذا الرفض أو القبول يجب أن يكون صراحة ؟ وهذا السؤال بدوره يحيلنا على سؤال أهم وهو هل يكفي سكـوت البنك لانعقـاد الاعتماد بحيث لو تأخر أو امتنع يكون للمشتري أن يحاسبه ولو لم يصدر قبـول صريح من البنك ؟

من الأرجح أمام هذه الصورة الإجابة بالنفي نظرا لأن الاعتماد الموثق هو عملية معقــدة.

ولهـا صور كثيرة وتتم بين أطراف متعدديـن ولا مجال فيهـا للافتـراض ولا للاستنتـاج فمن أراد أن يلتزم أو أن يطالب بحق، فعليـه أن يعبر عن ذلك صراحة. ومن ناحية أخرى لا مجال لاشتراط ألفاظ أو شكليات معينة فكل ما يؤدي المعنى بوضوح يكون كافيا لأداء وظيفتـه المعهـودة منه (1).

وعمليا لا يعتبر البنك في حالة إيجاب دائم، بالرغم من أن الشروط التي يقبل على أساسها فتح الاعتماد معروفة، لأن قيام عمليات البنوك عموما على الاعتبار الشخصي يمنع القول بتكون الاتفاق على فتح الاعتماد الموثق بمجرد أن يقدم المشتري إلى البنك طلب فتح الاعتماد وهذا يعتبـر إيجابا يلزمه قبـول من جانب البنك يستدل عليه برد فعله كبدء التنفيـذ أو خصم العمولة المستحقة على العملية في حساب طالب فتح الاعتماد أو قبض المصاريف أو غير ذلك مما يفيد قبـول البنك بفتح الاعتمـاد المـوثق.

ومن الجديـر بالملاحظة في هذا الصدد أن القواعد الموحدة لم تقم بتكييف هذا الاتفاق المبرم بين البنك والمشتري بخصوص فتح الاعتماد الموثق (2) وهو ما سلكه المشرع التونسي بالفصل 720 من المجلة التجارية عندما عرف الاعتماد الموثق إذ أنه يتحدث عن طلب المشتري إلى البنك بفتح الاعتمـاد .

وإذا تم الاتفاق على فتح الاعتمـاد فإنه يجب على البنك أن يسلك دور الموجه، نظرا لموقعه من جهة، ونظرا لكونه يتعامل مع أفراد قد لا يملكون دراية كافية في خصوص ما يمكن أن تنشأه العملية في جانبهم من التزامات.

وينشئ الاتفاق على فتح الاعتماد المبرم بين المشتري والبنك التزامات في جانب كل منهما وجب التعرض إليهما.

الفقـــرة الأولــى : التـزامات المشتـري – الآمـر بفتـح الاعتمـاد

لفتـح الإعتمـاد الموثق يقـوم المشتري بإعطاء تعليمـات إلى البنك وعلى ضوئها يقوم ذلك الأخيـر بالاستجابة إلى طلب المشتري وعلى هذا الأخيـر أن يبقي على تعليماته لا يرجع فيها قبل انتهاء الأجل الذي طلب قيـام الاعتماد لمصلحة المستفيـد خلاله، وهذا مهم خاصة في الاعتماد غير قابل للرجوع فيه الذي بإخطـار البائع به، ينشـأ في جانب البنك التزام مباشر وشخصي تجاهه .

وعليه يظل الالتزام الناشئ من الاعتماد الموثق قائما في جانب الآمـر بحيث لا يملك هذا الأخيـر الرجوع في تعليماته حتى وإن كانت له مصلحة ظاهرة في ذلك كما لو كشف سوء نية معاقده. لأن السماح له بذلك يهدد التجارة الدولية ويهدم الثقة والسرعة التي تتطلبها المادة التجارية عموما. وقد اتجه فقه القضاء الفرنسي إلى عدم الاعتداد بالقوة القاهرة بالرجوع في تعليمات المشتري من ذلك اعتبر أن نزول قوات الحلفاء في نوفمبر 1942 بشاطئ إفريقيـا الشمالية لا يبرر رجوع مشتر من مرسيليا في أوامره بالرغم من أن ذلك الحدث يهدد تنفيـذ العقد (1) وواضح أن هذا الحدث لا يشكل قوة قاهرة إذ لم يتوفر عنصري عدم التوقع وعدم القـدرة على الدفـع.

وعمـوما تتمثل التزامات المشتري بالنسبة لمرحلة الاعتماد الموثق في دفع العمولات البنكية وإنشاء ضمانات للبنك.

أولا : التــزام المشتري بدفع العمـولات البنكيـــة

إزاء فتح الاعتماد الموثق، يكون من الطبيعي أن يستحق البنك أجرا عن تلك الخدمة التي يقدمها للمشتري ويتمثل هـذا الأجر في عمولة يستحقها البنك الذي قبل بفتح الاعتماد الموثق منذ ذلك القبـول، أو بمجرد إرساله الخطاب إلى المستفيـد من الاعتمـاد.

وقـد جرى العمل أن البنك يشترط تلك العمولة بمجرد فتح الاعتماد، والأرجح هو اعتبار أن العمولة تستحق ولو لم يشترط ذلك مسبقا نظرا لتعاصر التزام البنك بفتح الاعتماد وحقه بقبض العمولة، ولا يقوم البنك بإخطار المستفيـد بالاعتماد إلا بعد أن يقبض عمولتـه (2) وتستحق العمولة ولو كان الآمر قد قـدم للبنك مقـابل الاعتماد أي المبلغ الذي يتعهد البنك بدفعه للمستفيـد، كاملا ونقـدا، ولو لم يتجـرد البنك من أي مبلغ مالي من ذمته.

ويرى البعض (3) أنه إذا كان الاعتماد قابلا للرجوع فيه، كان للآمر أن ينهيـه بأن يأمر البنك بذلك، ويكون للآمـر أن يسترد جزءا من العمولة يتناسب مع المدة التي اقتضى فيها الاعتماد، إذ تكون تلك العمولة بلا سبب. أما إذا كان الاعتماد غير قابل للرجوع فيه فلا يجوز للمشتري أن يطلب من البنك الرجوع فيه، فإن طلب ذلك واستجاب البنك خطأ منه فلا يجوز للآمر أن يسترد جزءا من العمولة.

والغالب أن ينص في الاتفاق بين الطرفين على استحقاق العمولة في كل الحالات إلا في صورة الرجوع غير الشرعي في الاعتماد من قبل البنك ففي هذه الحالة فإنه يمكن للآمـر أن يسترد العمولة التي يدفعهـا للبنك (4).

وتجدر الملاحظة في هـذا المجال أن استحقاق العمولة لا يؤثر فيه أن لا يستخدم المستفيد الاعتماد بأن لا يقدم الوثائق للبنك ويعلل ذلك بأن البنك وضع تحت تصرف البائع بناءا على طلب المشتري مبلغا معينا لمدة معينة، وبذلك يكون من حقه أن يستحق أجرا عن تخصيص ذلك المبلغ للمستفيـد.

وتحدد العمولة بناء على عدة عناصر فنجد عمولة فتح الاعتماد والتي تحتسب على ضوء أجل ومبلغ الاعتماد، وإذا كان الاعتماد غير قابل للرجوع فيه تضاف عمولة التأييد، كما تنشأ عمولات أخرى بمناسبة تنفيـذ الاعتمـاد الموثق.

إضافة إلى العمولة المستوجبـة على المشتري بمصلحة البنك فإن الآمر بفتح الاعتماد عليه إنشاء ضمانات للبنك.

ثــانيا : إنشـاء ضمـــانات لفـــائدة البنـك

هـذه الضمانات ليست التزامات بأتمّ معنى الكلمة، نظرا لأن البنك هو الذي يسعى إلى إنشاءها والمشتري يلتزم بها نظرا لأن الأول يفرضها قبل فتح الاعتماد الموثق، لأن الوضع الغالب أنه لا يتوفر رصيـد كاف للمشتري على ضوئه يقبل البنك بفتح الاعتماد. ويصعب أن يطلب البنك من المشتري أن يوفر مبلغ الاعتماد قبل فتحـه، ولذلك فإنه يسعى إلى تكوين ضمانات تمكنه من الحصول على أي مبلغ يمكن أن يبذله تنفيـذا للاعتماد المـوثق، والضمان الرئيسي الذي يسعى البنك إلى تكوينه هو حق رهن على البضاعة موضوع العقد الأصلـي، كما أنه توجد ضمـانات أخـرى.

أ- الـرهن الموظـف على البضــاعة

أصبح الرهـن الذي يوظف على البضاعة من الأعراف في المعاملات البنكية إذ يندر أن يقع النص عليه صراحة. ويخضع حق الرهن في شروطه وآثاره إلى الفصل 599 من المجلة التجارية وفي إثباته إلى الفصل 598.

تمرّ حيـازة البضاعة من البائع إلى المشتري بالبنك المكلف بتنفيـذ الاعتماد الموثق فهو يتلقى الوثائق التي تمثلها من البائع مقابل تنفيـذ شروط الاعتماد لصالح ذلك البائع، ثم ينقلها إلى المشتري نظيـر أن يرد هـذا الأخيـر إلى البنك ما بذله في سبيـل الحصول على هذه الوثائق من البائع.

وضمانا لسير العملية، فإنه ينشأ لنفسه حق رهن على تلك البضاعة، والسبيل إلى هـذا الرهن يتطلب أمرين جوهريين : الأول وهو الاتفاق على الرهن بين البنك والمشتري على ذلك، والثاني وهو حيازة البنك وثيقة تمثل حيازة البضاعة، أي يجعل للبنك الذي بيده المستندات صفة الحائز الشرعي للبضاعة (1).

أما الشرط الأول وهو الاتفاق على الرهن، فيثبت على أساس أنه رهنا تجاريا أي بكافة الطرق، وهو ما أشار إليه المشرع التونسي صراحة بالفصل 599 من المجلة التجارية لما أحال صراحة على الفصل 598 معتبرا أنه “يثبت الرهن بالنسبة للمتعاقدين وغيرهما بالطرق المقررة بالفصل 598 من هذه المجلة” وهذا الفصل الأخير يشير بوضوح إلى حرية الإثبـات في المادة التجارية. وليس بالضرورة أن يرد بالرهن شرطا صريح، ويمكن أن يستدل عليه من قرائن كثيرة ولعل أهملها أن يرد في الاعتماد أن وثيقة الشحن يظهرها البائع لأمر البنك وليس لأمر المشتري مباشرة، وهذا التظهيـر لأمر البنك لا يفهم على أنه تظهيـر لغاية الملكية، نظرا لأن ملكية البضاعة قد نقلت إلى المشتري بموجب عقد البيع الذي كان أساسا لنشأة الاعتماد المـوثق.

وقد اعتبـر الفقه الفرنسي (1) كذلك أنه يوجد الرهن من خلال الاتفاق على حصول التظهيـر على بياض أي دون بيان اسم المستفيد منه ويفهم منه بأنه تظهيـر للرهن مقصود به تمكين البنك من حيازة البضاعة وهي حيازة لا يمكن أن تكوهن إلا على سبيل الرهن وليس على سبيل التملك.

أما في بريطانيا فإنه يجب أن يرد الاتفاق على الرهن صريحا بشرط في فتح الاعتماد الموثق، بإنشاء تأمين عيني لصالح البنك ويرد هذا الشرط في الطلب الذي يقدمه البنك إلى المشتري في بداية التعامل كي يوقعه ويسمّى خطاب الضمان (2)

والشرط الثاني وهو لازم لنفـاذ هـذا الرهن على الغير، وهو أن يتلقى البنك الوثائق بحيث يكون الحائز الشرعي للبضاعة الموجودة في يد الغير الناقل ويجب أن تكون الوثيقة التي بيـد البنك مما يحصل معها نقل الحيازة وبذلك تكون وضعية البنك واضحة أكثر عندما يتعلق الأمر بالنقل البحري نظرا لأن وثيقة الشحن تمثل البضاعة موضوع عقد البيع وقد نصّ المشرع التونسي في الفصل 600 من المجلة التجارية أنه : “في جميع الحالات لا يبقى امتياز الدائن المرتهن قائما على الرهن إلا متى سلم له أو إلى شخص آخر الشيء المرهون المتفق عليه ولم يخرج عن حيازة أحدهمـا.

ويعتبـر الدائن حائزا للبضائع متى كانت تحت تصرفه في مخازنه أو سفنه أو القمرق أو في مستودع عمومي أو كان بيد الدائن قبل وصول تذكرة شحنها أو نقلها أو غيرهما من مستندات النقل المماثلة”.

وهـذا الفصل يقابله الفصل 92 فرنسي و88 مصري و266 لبناني إذ جاءت هذه الفصول تحت نفس العبارات، وعليه فإذا قام البنك بتظهير وثيقة الشحن لمصلحة المشتري فإنه يفقـد حق الرهن الموظف على البضاعة كما أن المشتري يكون مسؤولا تجاه البنك إذا عمد إلى حيازة البضائع بدون أن يكون ممسكا بالوثائق التي تمثل تلك البضائع وتفيد حيازته لها، يغلب على التجارة أن البضائع فيها تنقل بحرا وهو ما يؤدي إلى إيجاد سندات للشحن وقد تساءل الفقيـه ستوفليـه عن السند لأجل الشحن وهو الذي يحرر قبل شحن البضاعة ويذكر فقط أنها سلمت إلى الناقل بقصد شحنها ولم يذكر فيه فيما بعد أنها شحنت، فهل أنه يمكن أن يصلح أداة لحيازة البضاعة ؟ والأرجح أن تكون الإجابة بالإيجاب، خاصة أن حق تسليم البضاعة تحتويه السند وأن الناقل الذي يحوزها لن يسلمها إلا للمستفيد من هذا السند على أن هناك من يعارض هـذه الفكرة.

كما عرف النقل البحري كذلك أوامر التسليم وهذا المصطلح ينصرف إلى أوراق عديدة، وأهمها الأوامر التي تصدر عن الناقل بطلب من المستفيد من وثيقة الشحن بهدف تجزئة البضاعة التي تغطيها وثيقة شحن واحدة ليتمكن من التصرف في هذه الأجزاء وهي تعطي المستفيـد منها حق المطالبة بالبضاعة وقابلة للتداول ولذلك فإن حيازتها من قبل البنك تمكنه من المحافظة على الرهن الموظف على تلك البضاعة.

أما إذا كانت البضاعة منقولة بطريق الجو أو البر، أو عن طريق السكة الحديدية فوسائل النقل هذه لا تنشئ سندات ممثلة البضائع وذلك بأن تكون البضاعة مرسلة إليه أو إلى من يمثله.

إن الرهن لا يوفر للبنك إلا ضمانا جزئيا لأن البنك إزاء عدم دفع المشتري للمصاريف التي بذلها للحصول على تلك الوثائق سيقوم ببيع تلك البضائع التي تمثلها تلك الوثائق على أن ذلك يبقى محفوفا بعدة مخاطر أهمها المصاريف التي سيبذلها من جديد وإمكانية انخفاض العملة وانخفاض أهمية البضاعة المستوردة موضوع العقد الأصلي ولذلك فإن البنك يسعى إلى أن يضمن نفسه أكثر وذلك عبر ضمانات أخـرى.

ب- الضمــانات الأخـــرى

هـذه الضمــانات مجعولة لتغطية ما يمكن أن يطرأ على سير العملية من مصاريف إضافيـة كما سبق عرضها خاصة في صورة التجـاء البنك إلى بيع البضاعة، وتتمثل هـذه الضمانات في الرهن العقـاري أو الكفالة التي يقبل بهـا المشتري لتغطيـة العجز الممكن أن يعتري حسابه الذي يحتوي على جميع العمليات التي ينفذها البنك لحساب ذلك المشتري.

وقد جـرى العمـل أن يطلب البنك من المشتري بأن يوفـر رصيدا يعـادل الفرق بين مبلغ الاعتمـاد وبين المتحصـل من ثمن البضاعة.

وهـذا الرصيـد ينشئ سواء بإيداع المبلغ من قبل المشتري، أو يقوم البنك بتجميـد جزء من حساب المشتري بشرط أن يكون هذا الحساب دائنا أي به رصيد (1) ومقابل الالتزامات المحمولة على كاهل المشتري فإن على البنك التزامات منشؤها الاتفاق المبرم بينه وبين المشتري في خصوص فتح الاعتماد الموثق.

الفقــرة الثـانية : التـزامــات البنـك

يعتبر المشتري الشخص المحرك في حياة الاعتماد المـوثق إذ أن هـذا الأخيـر يفتح بطلب منه إلى البنك تنفيـذا لالتزامه الناشئ من العقد الأصلي الذي يوجب عليه أن يسعى إلى فتح اعتمـاد مـوثق.

وأمام هـذه الحقيقة فإن سلوك البنك في مرحلة فتح الاعتماد الموثق يجب أن يكون مرتبطا بما يرغب به المشتري لذلك يتميز التـزام البنك بخاصية جوهرية هي أن يتبع في كل خطواته تعليمات المشتري حرفيـا.

صحيح أن فقه القضاء ألزم البنك بسلوك دور الموجه (2) عند معاملته مع حرفائه لكن ليس له أن ينحرف عما طلبه عميله لأي سبب كان وحتى لو كان ذلك على أساس أن هذا يكون أصلح للمشتري أو أن التعليمات هي مخالفة للعقد الأصلي، وتنفيـذ البنك لالتزامه في حدود تعليمـات المشتري دون توسع أو نقصان، من مصلحته، لأن إتباع تعليمات الآمر بفتح الاعتماد تجنبه أية مسؤوليـة. وتعتبـر تلك التعليمات ضمانا للمشتري (3) إذ يمكنه الاحتجاج بها في مواجهـة البنك في صورة نشوب نزاع وذلك ممكن طالما أن العلاقة التي تربط الطرفين هي علاقة أساسية يجوز فيها الاحتجاج بالدفوعات الممكن أن تنشأ عنها.

إن الهدف الرئيسي من الاتفاق المبرم بين المشتري والبنك هو قيام هذا الأخير بفتح اعتماد لصالح البائع المستفيـد منه ولا يبرأ البنك من تنفيـذ هـذا الالتزام إلا متى أرسل خطاب الاعتماد بالفعل إلى المستفيـد لأنه لا يلتزم أمام المستفيـد ولا ينشأ للمستفيد حق إلا بإرسال هذا الخطاب ووصوله إليه وقبل ذلك فإن التزام البنك يظل محصورا في العلاقة الداخليـة بينه وبين المشتري، ويتعدى هـذا الرباط إلى المستفيـد بقيـام البنك بإخطاره أنه مستعد للتسوية المالية نظير تقديم جملة من الوثائق واحترام شروط الاعتماد الموثـق والسؤال الذي يطرح في هـذا المجال هو متـى يجب على البنك أن يقوم بإخطار المستفيـد بفتح الاعتمــاد ؟

بالرجوع إلى المجلة التجـارية والقواعد الموحدة نلاحظ أن لا هذه الأخيرة ولا المشرع التونسي حدد أجلا لينفـذ البنك التزامه بإخطار المستفيد بفتح الاعتماد رغم أهمية الموضوع وخاصة بالنسبة لطرفي العقد الأصلي. مما قد يتسبب في فسخ هـذا العقد الذي يتطلب أحيانا لإبرامه وقتا طويلا ومصاريف كثيرة لكن ما هو الحل إزاء هـذا الفراغ الذي يعتري القانون التونسي والقـواعد المـوحدة ؟

بالنسبة للقانون التونسي وأمام الفراغ الذي عرفته المجلة التجارية فإنه يمكن الرجوع إلى القواعد العامة لتنفيـذ العقود طالما أن الاتفاق على فتح الاعتماد الموثق بين البنك والمشتري هو عقد، وعلى أساس ذلك، فإنه يمكن القول أن عدم ارتباط البنك بأجل معين لإخطار المستفيـد لا يمنعه ذلك من سلوك دور المنفذ لالتزامه مع تمام الأمانة وذلك تحقيقا للعدالة التعاقدية فيقوم بواجبه بدون غش أو تدليـس (1)

خاصة وأنه طرف محترف مقارنة بمعاقده ويمكن اعتباره وكيلا عن المشتري في الإخطار بالاعتماد الموثق للمستفيـد لذلك يجب عليه أن يتصرف في حدود مصلحة موكله وأن “يتمم ما وكل عليه بلا زيادة ولا نقصان وليس له أن يتجاوز حدود وكالته ولا أن يفعل شيئا خارجا عما في توكيله” وذلك تطبيقا للفصل 1121 إ.ع، وهكـذا يجب على البنك أن يتعامل مع حريفه بطريقة تحفظ حقوق هذا الأخير وأن يقوم بالإخطار بالسرعة الممكنة والمعقولة لأن التأخير في الإخطار قد يسبب ضياعا لمصلحة حريفه الذي قد تضيع منه الصفقة مع ما عسى أن يلحقه من خسائر وفوات للربح وهذه السرعة المطلوبة في الإخطار يصبح وجودها ضروريا خاصة بالنسبة للاعتماد القابل للرجوع فيه إذ أن “الاعتماد الذي يمكن الرجوع فيه لا يكون ملزما للبنك تجاه المستفيـد فيجوز للبنك تغييـره أو الرجوع فيه في كل وقت سواء بمحض مشيئتـه أو بطلب من حريفه”.

أما القواعد الموحدة فبمراجعة فصولها نجدها تتحدث عن الأجل المعقول ما عدى ما نص عليه الفصل 13/ب الذي تناول الحديث عن التدقيق في الوثائق وهذا الفصل يتحدث بدوره عن أجل معقول لفحص الوثائق وهذا الأجل هو سبعة أيام عمل وعليه يمكن اعتماد القياس على هذا الفصل واعتبار أن للبنك أجل سبعة أيام بداية من الاتفاق الحاصل بينه وبين المشتري على فتح الاعتماد للإخطار بهذا الأخير للمستفيد وبالطبع على أن يكون قبل المدة المحددة لتنفيـذ العقد الأصلي أي قبل شحن البضاعة إذ ما الفائدة من خطاب اعتماد يتصل به المستفيـد بعد فـوات الأجل المحدد لتنفيـذ العقد الأصلـي.

ويمكن القول أن المشرع التونسي لما امتنع عن تحديـد أجل إنما ترك الأمر للاجتهاد المطلق للقاضي الذي بمعاينة الظروف والملابسات التي تحف بالعملية يمكنه أن يقدر الأجل، البنك يكون حريصا على تنفيـذ التزامه وهذا الحرص يقابله ما يقوم به المشتري من واجب الإيفاء بالعمولة والتي تكون سابقة لفتح الاعتماد المـوثق (2)

إن الوضع الطبيعي للعمليات المالية الدولية يقتضي أن البنك الذي سيقوم بالإخطار يكون في بلد بعيد عن بلد المستفيد لذلك فإن الإخطار بالاعتماد الموثق يمكن أن يكون مباشرة أو عن طريق وسيط في بلد البائع وعادة ما يكون هذا الوسيط فرعا لهـذا البنك أو بنكا مراسلا.

والجديـر بالملاحظة وأن المشرع التونسي لم يتعرض إلى مسألة الإخطار عند تنظيمه للاعتماد الموثق بصفة صريحة ولكن بقـراءة موسعة للفصل 724 يمكن أن تستشف ذلك ضمنيا وخاصة من الفقـرة الرابعة من ذلك الفصل التي تنص على أن الإخطار الصادر للمستفيـد من بنك آخـر بالاعتمـاد المفتـوح له لا يعتبـر بذاته تأييـدا لهـذا الاعتمـاد.

وواضح من خلال هـذا الفصل أن المشرع التونسي لم يعرف الإخطار وإنما أراد التفريق بين الإخطار والتأييد ويعزى هـذا إلى أن المشرع التونسي لما نظم الاعتماد الموثق في إطار المجلة التجارية سنة 1959 تبنـى بعض الفصول من القواعد الموحدة وحصر تدخله في مجال الاعتماد الموثق في الخطوط العامة لهـذه العملية وهذا على عكس القواعد الموحدة التي تتحدث عن الإخطار في الفصلين 8/أ و48 أ وب.

وقد جرى العمل بالنسبة للإخطار عموما ألا يوجه البنك خطاب الاعتماد مباشرة إلى شخص المستفيـد وإنما يوجهه إلى فرع له في بلد المستفيـد أو مراسل أجنبي وذلك لسرعة تبـادل المراسلات بين البنوك المعروفة في البلدان المختلفة ويتولى هذا الفرع أو البنك المراسل إبلاغ المستفيـد بخطاب البنك إلا أن ذلك لا يغير من الأثر القانوني لخطاب البنك المراسل إبلاغ المستفيـد بخطاب البنك ولا في التزام البنك المباشر نحوه وخاصة في الاعتماد غير القابل للرجوع فيـه.

ودور الفرع أو المراسل لا يتعدى دور الإبلاغ دون أي التزام من جانبه، بل أنه منعا للبس يحرص هذا المراسل عند إبلاغ المستفيـد بالخطاب أن يؤكد له مفهوم هـذا الدور وأنه لا يتضمن أي التزام من جانبـه أو تدخل في فتح الاعتمـاد الموثـق (1).

ولا ينشأ في جانب المخطر بالاعتماد سوى التزام واحد نصت عليه المادة 8/أ من القواعد الموحدة التي تنصّ على أنه ” يمكن أن يبلغ الاعتماد للمستفيـد عن طريق بنك آخـر هو البنك المراسل أو مبلغ الاعتماد دون أن يلتزم هذا الأخير بمقتضاه ولكن هذا البنك يلتزم ببذل الجهـد المعقـول لفحص مدى سلامة الاعتماد الذي يبلغ المستفيـد به وذلك من الناحية الظاهرية، ويأخذ الإخطار شكل خطاب أو أية وسيلة أخرى إذ لم يشترط المشرع التونسي ولا القواعد الموحدة أي شكل للإخطار لكي يعد صحيحا لكن ما هو جزاء التأخيـر في الإخطار وهل يتحمل البنك مسؤولية تأخره في القيـام بواجباته ؟.

لم يتولى المشرع التونسي صلب المجلة التجارية تنظيم هذه المسألة على أن الأمر ليس بالمثل فيما يتعلق بالقواعد الموحدة التي نظمت المسألة على غاية من الوضوح وذلك بالفصلين 16 و18 من اللائحة رقم 500.

إذ ينصّ الفصل 16 أن البنوك لا تتحمل أية مسؤولية نتيجة تأخير المستندات أو الرسائل أو فقدها في “الترانزيـت” ولا نتيجة الأخطاء في المراسلات ولا تتحمل البنوك أي مسؤولية نتيجة أخطاء الترجمـة أو تفسيـر الاصطلاحات والشروط الفنيـة.

كما جاء بالفصل 18 أن البنوك التي تطلب خدمات بنوك أخرى بغرض تنفيـذ تعليمات طالب الاعتماد تقوم بذلك لحساب هـذا الأخير وتحت مسؤوليتـه.

لا تتحمل البنوك أية مسؤولية إذا لم يتم تنفيـذ العمليات التي أصدرتها حتى ولو كانت هي التي اختارت البنوك الأخرى التي تتعاون معها.

وتتضح من خلال قراءة هذين الفصلين أن القواعد الموحدة متجهة نحو حماية المؤسسات البنكية أكثر من حماية الأطراف الأخرى في عملية فتح الاعتماد الموثق وهذه القاعدة المتضمنة لإعفاء البنك من أية مسؤولية عن المخاطر التي يمكن أن تنشأ عند الإخطار تتمسك بها غرفة التجارة الدولية منذ ما يقارب أربعين عاما، وتعتبر هـذه القاعدة النظريـة العامة للمسؤولية في إطار الاعتماد الموثق نظرا لأنه بمراجعة التقسيـم الذي اعتمدته غرفة التجارة الدولية في صياغة القواعد الموحدة نجد أن الفصلين 16 و18 جاءا في باب الالتزامات والمسؤولية، وقد جاءت هذه القاعدة المتضمنة للإعفاء من المسؤولية تحت ألفاظ وتراكيب عامة بدون تحديد، على أن تحديـد وجه المسؤولية تجاه طرفي العملية الأصلية من الأهمية بمكان وذلك من خلال الإجابة عن السؤال التالي تجاه أي طرف يكون الإعفاء من المسؤولية ؟ هل تجاه المستفيـد أو تجاه الأمر ؟

للإجابة عن هـذا السؤال وعن وجاهة وضع قاعدة الإعفاء من المسؤولية يجب البحث في العلاقة التي تربط البنك بطرفي العلاقة الأصليـة.

إن فتح الاعتماد الموثق يعد أحد التزامات المشتري وأهمها في عقد البيع على أن الاتفاق المبرم بين المشتري والبنك حول فتح الاعتماد الموثق لمصلحة البائع لا ينشأ لهذا الأخير أي حق في مواجهـة البنك.

وفي المقابل لا ينشأ أي التزام على البنك تجاه المستفيـد وعليه تكون قاعدة الإعفاء من المسؤولية عن التأخير أو ضياع خطاب الإخطار بفتح الاعتماد وجيهـة.

بالإضافة إلى ذلك فإن القرينة الواردة بالفصل 18 من كون البنك فاتح الاعتماد يكون قد تصرف بحساب وتحت مسؤولية الآمر عندما يختار بنكا آخر للإخطار، علاوة على عدم تحميله أية مسؤولية في صورة عدم إتباع تعليمات المشتري حتى وإن كان الاختيار من قبل البنك، في هذه القرينة تعد مجحفـة في جانب المشتري نظرا لأنه سيتحمل المسؤولية الممكن أن تنجر عن خطأ البنك فاتح الاعتمـاد أو البنك المراسل.

ويفسر وجود هـذه القرينة بكون القواعد الموحدة تبقى دائما من إعداد البنوك لذلك فإن هذه الأخيرة يصعب أن تسن لنفسها قواعد تحملها أية مسؤولية، وهذا يفهم من خلال اعتبار الاعتماد الموثق تسوية، فهـذه الكلمـة التي تفسر في جانب ما دور العملية تتماشى والقرينـة التي وضعتهـا القواعد الموحدة صلب الفصلين 16 و18 وهي قرينة عامة لم تستثنى فيها أية حالة أي حتى في صورة إثبـات غش أو تقصيـر من جانب البنك لذلك يرى البعض أنه أمام إصرار غرفة التجارة الدولية على إبقاء هذه القاعدة فإنه يجب أن يفهم الفصل 16 في إطاره الإيجابي بمعنى أن البنك لا يعدّ مسؤولا في صورة عدم إثبات خطأ أو غش في جانبه عند قيامه بإخطار المستفيـد بفتح الاعتماد، أما في الصورة المقابلة فإنه يجب على البنك أن يتحمل المسؤولية الناتجة عن غشه أو تقصيـره.

أما قرينة الفصل 18 فتم اقتراح التمسك بمبدأ تقسيم المسؤولية وبذلك فإذا سعى البنك في اختيار بنك مراسل لإخطار المستفيـد بفتح الاعتماد لمصلحته فإنه من الأسلم عدم تحميل الأمر، الأخطاء التي يمكن نسبتها إلى البنك فاتح الاعتماد أو البنك المراسل نظرا لغياب أي رابط قانوني بين هـذا الأخيـر والآمـر بفتح الاعتمـاد.

ويرى الفقيهـان ايزمان وبنتو أن تمسك غرفة التجارة الدولية بهذه القاعدة مبناه تجانسها مع العمل اليوم للبنوك في علاقاتها بحرفائها وذلك لم يقع التخلي عنها لأن الأصل في العمل البنكي هو قيـام البنوك بتنفيـذ التزاماتها تجاه حرفائها ولعل هذا يتأكد بقلة النزاعات في هذا المجـال.

لكن هذه الأسباب وإن بدت مقنعة إلا أنها لا تبرر وضع قاعدة الإعفاء من المسؤولية على تلك الشاكلة التي من شأنها أن تجعل من الاعتماد الموثق اتفاقية إذعان، ولعل الأصلح هو سلوك منهج مغاير نظرا لما تتمتع به البنوك من قوة مالية وتقنيـة تنظيميـة وإمكانات بشرية يمكنها من تحمل المسؤولية عن الأخطاء التي يمكن أن تقوم بها.

أما فقه القضاء فقد سلك الصرامة مع البنك الذي لا يقوم بواجبه بالسرعة المعقولة وذلك من خلال السلطة التقديرية للقاضي الذي بمعاينة الظروف والملابسات التي تخص كل قضية يمكنه أن يقرر وجود خطأ البنك وتحميله المسؤولية من ذلك أن البنك الذي يتلقى برقية من الخـارج بفتح اعتماد لديه مع توكيله بإخطار المستفيد يكون مسؤولا عن إتمام هذا الإخطار بطريق التلغراف حتى في حالة وجود بيـانات خاصة بشأن طريقة التبليغ فإذا أجرى الإخطار بخطاب فإنه لا يكون قد قام بما هو واجب عليه كوكيل مأجور وعليه فإن البنك يكون مسؤولا عن دفع التعويضات للمستفيد جبرا للضرر الذي لحقه إذا كان التأخير في الإخطار بفتح الاعتماد قد حرمه من الفائدة التي كان سيصيبها من الصفقـة.

وفي نفس الاتجاه قضت محكمة الاستئناف باكس بثبوت مسؤولية البنك عن التأخير الحاصل في إخطار المستفيد بفتح اعتماد مـوثق.

وقد ذهب فقه القضاء الفرنسي كذلك إلى إمكانية تأسيس مسؤولية البنك فاتح الاعتماد على أساس الفصل 1382 من المجلة المدنية الفرنسية وهو ما يقابل الفصل 82 أ.ع الذي جاء في باب الالتزامات الناشئة عن الجنح وما ينـزل منزلتها على أن هـذا الحل لا يستقيـم مع الإطار التعاقدي الرابط بين البنك والمشتري والذي ينشأ مسؤولية تعاقدية في جانب البنك الذي تسبب في إلحاق ضرر بالمشتري عند عدم إخطار المستفيـد وقد يصلح هذا الفصل لتأسيس مسؤولية البنك أمام المستفيـد.

ولا يسأل البنك عن التأخير في الاستجابة لطلب المشتري بفتح الاعتماد الموثق والإخطار به إذا أثبت البنك أن ذلك راجع إلى ظروف خارجة عن نطاقه. من ذلك أن إضراب البنوك سنة 1974 منع البنك من تنفيذ التزامه فقضي بأنه ليس على البنك أية مسؤولية نظرا لأن عدم تنفيـذه لالتزامه يعزى لظروف لم يستطع مواجهته وهذا الموقف الفقه قضائي يعد تطبيقا للفصل 17 من القـواعد الموحدة.

إن الاتفـاقات المبرمة بين الأطراف بشأن الاعتماد الموثق هي اتفاقات على عدة شروط متعلقة بمادياته، فالمشتري والبائع في إطار العقد الأصلي لما يتفقـا على أن يكون الاعتماد الموثق هو الوسيلة التي سيقع من خلالها الوفاء بالثمن، فإنهما يتفقـان مبدئيا على كل العناصر الضرورية لهـذه العملية، على أن الاتفاق المبرم بين المشتري والبنك يعدّ الأهم في هـذه المرحلة نظرا لأن الخطاب الذي يرسله البنك إلى البائع هو المعتمد في تنفيـذ الاعتماد الموثـق، إذ أن الشروط المتفق عليها مبدئيا بين البائع والمشتري قد لا تكون نفسها بمناسبة اتفاق المشتري والبنك لذلك يصبح من الضروري البحث في الشروط المتعلقة بماديات الاعتماد الموثق.

الجــزء الثـاني: الشـروط المتعلقـة بمـاديات الاعتمـاد الموثّـق

هي جملة من البيانات والأوصاف والوثائق التي تتطلبها عملية الاعتماد الموثق، لتكوّن عناصره ولهـذه العناصر أهمية كبرى في تحديد حقـوق المستفيد وواجباته التي يجب عليه أن ينفذها للمطالبة بحقوقه، وتجد هذه العناصر مصدرها في تعليمات الآمر دون الالتفات إلى العقد الأصلي الذي يبقى في نهاية الأمر خاصا بعلاقة المشتري بالبائع، لذلك يجب على البنك عند إرساله خطاب الاعتماد أن يتقيد بتعليمات الآمر التي يجب أن تكون واضحة وكاملة ومحددة (1).

ولما كانت هذه التعليمات هي المحك الذي تقاس عليه التزامات وحقوق أطراف الاعتماد الموثق، فقد اهتمت بها القواعد الموحدة إذ تنصّ المادة 5 على أنه يجب أن تكون تعليمات إصدار الاعتمادات ونصوصها وطلب تعديلها ونصوص التعديل كاملة ومحددة، كما تنصّ المادة 5/2 أن جميع الاعتمادات والتعديلات يجب أن تنص بدقة على المستندات الواجب تقديمها لقبول أو دفع تداول الاعتماد.