الأهداف الإستراتيجية لإصلاح منظومة العدالة

مقال حول: الأهداف الإستراتيجية لإصلاح منظومة العدالة

بقلم ذ إدريس رواح

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

دكتور في الحقوق خبير لدى المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي خبير لدى المحاكم المغربية والفرنسية رئيس المجلس الوطني لخبراء العدل

قامت الهيأة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة بمناقشة ودراسة كافة المقترحات والآراء

المتوصل بها من خلال اللقاءات والندوات المحلية والجهوية والوطنية مع مختلف مكونات السلطة القضائية والقانوينة والسياسية والمجتمع المدني. وقد خلصت هذه الهيأة إلى وضع تصور شمولي في شكل توصيات رفعت إلى جلالة الملك مقسمة إلى جزءين اثنين :

أولا : تشخيص الوضع الراهن للعدالة ببلادنا

ثانيا : وضع الأهداف الإستراتيجية لإصلاح منظومة العدالة

وجدير بالذكر أن ميثاق إصلاح منظومة العدالة جاء متضمنا ستة أهداف رئيسية، و36 هدفا فرعيا، و200 آلية تنفيذ، و353 إجراء تطبيقيا.

اعتبار مهنة الخبراء القضائيين من بين المهن التي كانت وما تزال تلعب دورا مهما في مساعدة القضاء في وضع تصور ومعرفة المعاقد الكبرى للقضية المطروحة أمامه، فإن الميثاق سالف ذكره أشار إلى نزر قليل في ما يخص تشخيص وضعية الخبير القضائي.

إن الملاحظ للأهداف الستة الرئيسية التي جاء بها الميثاق سيجد أنها تحدثت بشكل عابر عن مهنة الخبير القضائي مقارنة مع مهنة المحامي، مثلا كما لو أن عمل الخبير في إطار إجرائه للخبرة استجابة لطلب المحكمة لا يرقى إلى مستوى عمل المهن القضائية الأخرى، والحال أن المحامي ينطلق من نتائج الخبرة في تعزيز أدلته وتقوية دفوعاته .
لقد سبق للمجلس الوطني لخبراء العدل، ومنذ نشأته أن وضع تصورا شموليا لمهنة الخبير القضائي، بدءا بتشخيص وضعية الخبير بشكل دقيق. كما قام المجلس بمراسلة وزير العدل والحريات في هذا الشأن، وذلك قبيل انطلاق الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة.

والمثير للجدل والتساؤل في الوقت نفسه، بعد قراءة مضامين ميثاق إصلاح منظومة العدالة، والذي يحتوي في ثناياه على 353 إجراء تطبيقيا، لماذا لم يتم إدراج ولو بعضا من مقترحات المجلس الوطني لخبراء العدل ضمن هذه الإجراءات ؟ أليس من المجحف أن يتم تجاوز ما تم اقتراحه وما نراه مجلسا وطنيا لخبراء العدل كفيلا بتنمية وتطوير مهنة الخبير تماشيا مع إصلاح العدالة ككل ورشا وطنيا أعطى الملك انطلاقته منذ خطاب مارس 2009 وأعاد تأكيده في معظم خطبه السامية.
وحتى لا نبخس الناس أشياءهم سنقوم بعرض بعض من الخطوط العريضة الواردة في هذا الميثاق على أمل أن يتم تدارك النقص الحاصل في إدراج مقترحات المجلس الوطني لخبراء العدل في القريب العاجل، وقبل فوات الأوان، سيما أن 2015 ستكون سنة إعادة هيكلة قوانين المهن القضائية التي حددت وزارة العدل والحريات يوليوز أجلا أقصى لاقتراح قانون هيأة للخبراء القضائيين، كما أن ذلك سيشكل مفتاحا لباب الإصلاح الشمولي والواقعي العملي لمنظومة العدالة بشكل عام، ورد الاعتبار لمهنة الخبير مهنة لا محيد عنها، خصوصا في ظل التطور الحاصل على جميع المجالات المرتبطة بالقضاء، والتي يصعب على القاضي بمفرده الإحاطة والإلمام بتفصلاتها وجزئياتها وتشعباتها.

أولا : الأسس العامة لإصلاح منظومة العدالة

جاء الميثاق في ما يخص الشق المتعلق بالمهن القضائية والقانونية بمجموعة من المقترحات منها ما هو ذات طبيعة تقنية، ومنها ما هو ذو طبيعة تنظيمية ومؤسساتية، وعلى سبيل المثال نذكر ما يلي:

إعادة النظر في شروط ولوج المهن القضائية والقانونية وتأهيل المنتسبين إليها.

مراجعة القوانين المنظمة للمهن القضائية والقانونية في اتجاه تعزيز استقلالها.

خضوع ولوج المهن القضائية والقانونية لمبادئ المنافسة والشفافية والمسؤولية والمساواة أمام القانون، بما يخدم المصلحة العامة.
وضع مدونات سلوك تتضمن القواعد الأخلاقية والمهنية، التي يتعين على المعنيين بها الالتزام بها تحت طائلة المساءلة من طرف المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وكذا هيآت مختلف المهن القضائية.

الحزم في تطبيق الجزاءات في حق كافة العاملين والممارسين في مجال العدالة مع تحديد وإشهار هذه الجزاءات .
وإذا كانت الأسس العامة التي وضعتها واقترحتها الهيأة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، والخاصة بالمهن القضائية والقانونية، تتجه نحو تعزيز وتقوية هذه المهن من الناحية التقنية والتنظيمية والمأسسة أملا في تهيئتها للمساهمة والانخراط في استكمال إصلاح منظومة العدالة، فإن الميثاق جاء ببعض الضوابط العملية والقانونية للوقوف ضد بعض الممارسات والتصرفات التي تسيء إلى المهن القضائية والقانونية ممارسة وأخلاقا.

والملاحظ من خلال النقطة الثالثة سالفة الذكر، أن المهن القضائية يجب خضوعها لمبادئ المنافسة والشفافية والمسؤولية والمساواة أمام القانون، وهذا ما لم نلمسه في قراءتنا لميثاق الإصلاح، حيث نرى انعدام المساواة في التعامل مع المهن القضائية، وتفضيل بعضهم على البعض، وهذا مخالف لما نص عليه دستور 2011.

كما نلاحظ أيضا من خلال النقطة الرابعة التي نصت على وضع مدونات سلوك تتضمن القواعد الأخلاقية والمهنية، التي يتعين على المعنيين بها الالتزام بها تحت طائلة المساءلة من طرف المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وكذا هيآت مختلف المهن القضائية. وهنا نرى من خلال ما جاء به الميثاق بخصوص مسطرة تأديب الخبراء، أن هذه الأخيرة ليست من اختصاص الهيأة رغم مطالبتنا بذلك تماشيا مع مقولة «أهل مكة أدرى بشعابها»، بينما تركت هذا الاختصاص للهيأة بالنسبة إلى بعض المهن القضائية الأخرى.

ثانيا: الأهداف الاستراتيجية الكبرى لإصلاح منظومة العدالة

لقد سبق القول إن الميثاق يتضمن ستة أهداف رئيسية، وستة وثلاثين هدفا فرعيا، وسنقتصر في الإشارة في هذه القراءة للميثاق إلى الأهداف التي تخص مهنة الخبراء القضائيين.

الهدف الفرعي الأول: تعزيز آليات الجزاء لضمان نزاهة وشفافية منظومة العدالة

جاء الميثاق من أجل ضمان نزاهة وشفافية عمل المهن القضائية والقانونية ببعض الإجراءات لتعزيز ذلك ومنها :
تتبع ومراقبة الثروات والتصريح بالممتلكات مع الأخذ بعين الاعتبار، إذا اقتضى الأمر مظاهر الثراء التي لا تتناسب مع الدخل المشروع للمعني بالأمر مع مراعاة الضمانات القانونية.
التوظيف القانوني للمخالفات المهنية، وتحديد الجزاءات المناسبة لها في إطار المساطر التأديبية.

الهدف الفرعي الثاني: تعزيز مبادئ الشفافية والمراقبة والمسؤولية في المهن القانونية

أشار الميثاق في إطار تعزيز مبادئ المراقبة والمسؤولية المهنية في المهن القضائية والقانونية إلى إحداث هيآت قضائية مهنية تتولى النظر في الملفات التأديبية.

الإجراء 51 قمن سلسلة الإجراءات التطبيقية يشير إلى إحداث هيأة قضائية ومهنية مختلطة لكل مهنة من مهن المفوضين القضائيين والعدول والموثقين والخبراء القضائيين والتراجمة المحلفين، للبت في الملفات التأديبية للمنتسبين إلى هذه المهن، وذلك على مستوى المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف.

تجدر الإشارة في هذا الإطار، إلى أن الميثاق ميز بين نوعين من الهيآت الخاصة بالمهن القضائية والقانونية، ذلك أن هياة المحامين تتميز وتنفرد بامتلاك حق التصدي لقرار المجلس التأديبي، بينما هذا الحق غير مخول لهيأة الخبراء القضائيين، ما يجعلنا مجلسا وطنيا لخبراء العدل، نتساءل عن الجدوى من استعمال الحظوة والمفاضلة في منح الحقوق لمختلف هيآت المهن القانونية والقضائية ؟

الإجراء 50 : إحداث هيأة قضائية ومهنية مختلطة على مستوى محاكم الاستئناف تتكون من 3 قضاة، من بينهم الرئيس ومحاميان يمثلان مجلس هيأة المحامين، للبت في الطعون المقدمة ضد القرارات التأديبية وغيرها، الصادرة عن هذا المجلس، مع تخويل الهيأة المذكورة حق التصدي.

الإجراء 53 : وضع هيآت باقي المهن القضائية والقانونية لمدونات سلوك تتضمن القواعد الأخلاقية والمهنية التي يجب الالتزام بها من قبل المعنيين بها مع العمل على نشر هذه المدونات.

الإجراء 54 : نشر الأحكام والقرارات المتعلقة بالعقوبات التأديبية المتخذة ضد المنتسبين إلى مهن منظومة العدالة.
ثالثا : إنماء القدرات المؤسسية لمنظومة العدالة

اعتبر الميثاق أن تقوية هيآت المهن القضائية والقانونية أمرا مهما قصد مواكبة سيرورة إصلاح العدالة في المغرب، وتماشيا مع التحولات الكبرى التي بات يعرفها العالم والتي تفرض على المنتسبين للمهن القضائية القيام بتحيين دوري وبشكل مستمر لتكوينهم ومعارفهم المرتبطة بالخبرة مهنة قضائية تعرف مستجدات مستمرة وتقنيات تحتاج إلى المعرفة المواكبة لها.
وهذا ما أشار إليه الميثاق من خلال حثه على:

-توفير مؤسسات قادرة على تأهيل مختلف العاملين في هذه المنظومة وتحيين شروط الولوج إلى المهن القضائية والقانونية.
– ضمان جودة التكوين الأساسي والارتقاء بمستوى التكوين المستمر وتوسيع مجال التكوين المتخصص وتقوية القدرات المؤسساتية للمهن القضائية والقانونية.

ومن جملة الأهداف الفرعية التي وضعها الميثاق للنهوض بتقوية مؤسسات المهن القضائية والقانونية :
الهدف الفرعي الأول : التأهيل المؤسسي لاحتضان الجودة وضمان التميز.

الإجراء 144 : إحداث مؤسسة لتكوين المحامين، ومعهد وطني للتوثيق ومركز لتكوين العدول والمفوضين القضائيين والخبراء القضائيين.

الهدف الفرعي الثاني : الارتقاء بمعايير وشروط ولوج ممارسة مهن منظومة العدالة

الإجراء بمعايير شروط ولوج وممارسة مهن منظومة العدالة

الإجراءات من 145 إلى 150:) شروط ولوج مهنة القضاء وشروط ولوج مهنة المحاماة)
الهدف الفرعي الثالث : الارتقاء بمستوى وفعالية التكوين الأساسي والتخصصي
جاء في بعض إجراءات الميثاق التنصيص على التكوين التخصصي والأساسي مدخلا لتقوية وعصرنة المهن القضائية، وعلى رأسها مهنة الخبير التي تحتاج إلى برمجة دورات تكوينية وتدريبية سواء التكوين داخل المجلس الوطني لخبراء العدل أو التكوين بشراكة مع مؤسسات، ذات طابع تكويني خارج المجلس أو في إطار عقد شراكات للتكوين .
الإجراء 154 : اعتماد إلزامية التكوين الأساسي لمنتسبي المهن القضائية والقانونية.

الإجراء 156 : إبرام شراكات مع الجامعات لبلورة مسالك التكوين

الإجراء 157 : اعتماد مبدأ إلزامية التكوين المستمر واعتباره حقا وواجبا بالنسبة إلى جميع منتسبي مهن ومنظومة العدالة.
الإجراء 158 : وضع برامج شمولية للتكوين المستمر والتخصصي على صعيد كل مهنة من مهن منظومة العدالة لتحقيق وتحصيل المعارف المهنية

الهدف الفرعي السادس : تقوية القدرات المؤسساتية للمهن القضائية والقانونية.

جاء في مضامين الميثاق الحث على مأسسة المهن القضائية والقانونية، وإعادة النظر في المؤسسة منها، وذلك بإحداث مجالس وهيآت وطنية للنظر في تنظيم وسير هذه المهن تماشيا مع متطلبات إصلاح العدالة ومضامين الدستور واستجابة لمتطلبات المتقاضي.
الإجراء 170 : إحداث هيأة وطنية للخبراء القضائيين.

الإجراء 171 : انخراط كل المهن القضائية والقانونية في جهود التحديث واستعمال التكنلوجيا في تقديم خدماتها.
المخطط الإجرائي لتنفيذ ميثاق إصلاح منظومة العدالة

وضع ميثاق إصلاح منظومة العدالة مخططا إجرائيا محدد المدة في أفقين زمنيين متقاربين، أولهما أفق (2014-2015) من أجل تنزيل الإجراءات ذات الطبيعة التنظيمية والتشريعية، والتي تشكل أكثر من 50% من المخطط الإجرائي للأهداف الإستراتيجية لإصلاح منظومة العدالة، والتي تجسد الرغبة الحقيقية للمشرع المغربي في الدفع قدما بإصلاح العدالة منظومة ومكونا للنظام الديمقراطي. كما تجسد بداية التنزيل الفعلي والعملي لدستور 2011، بينما تبقى بعض الإجراءات والتي تتطلب حيزا من الزمن، خصوصا لارتباطها بالجوانب التقنية ممتدة في الزمن إلى حدود أفق 2020.
ويبقى تساؤل المجلس الوطني لخبراء العدل مطروحا حول مآل المقترحات المقدمة والمعدة مسبقا، بل والمعبرة عن صدق نوايا هذا المجلس الفتي في المساهمة في إصلاح منظومة العدالة. كما يروم المجلس من خلال مقترحاته أن يتبوأ المغرب الصدارة في العالم العربي والإسلامي بخصوص فتح المجال لإشراك المهن القضائية وعلى الخصوص الخبير القضائي في تحمل مسؤولية تنمية وطنه.

وقد ارتأينا تذكير بعض مطالب الخبراء التي كانت موضوع توصيات المجلس الوطني لخبراء العدل خلال مؤتمره الأول المنعقد بالرباط بتاريخ 31/05/2014 والتي تم رفعها إلى وزارة العدل والحريات، ومن أهمها :

– الحسم في «الخبرة» هل هي مهنة أم نشاط.

– تأهيل مهنة الخبرة والخبير على حد سواء.

-وضع مشروع تكوين الخبراء من خلال برمجة التكوين المستمر والتكوين الأساسي، بالمعهد العالي للقضاء تحت إشرافهم.
– إعادة النظر في شروط ولوج مهنة الخبير والانفتاح على تخصصات تقنية ودقيقة.

وخلاصة، يمكن القول إن الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة لم يف بالغرض المطلوب، وإن جاء مستجيبا لبعض الملتمسات والجوانب التقنية، لكن ينقص الكثير على مستوى النفاذ إلى جوهر وعمق إصلاح المهن القضائية، خصوصا مهنة الخبير القضائي الذي يبذل مجهودات جبارة في إطار إنجاز الخبرة والتي تشكل في بعض الأحيان بمثابة النبراس الذي يستنير به القضاء طريقه في فك رموز شفرات بعض القضايا ذات الطبيعة التقنية المعقدة.

كما أن التطور الحاصل في العالم وفي ارتباطه بالمغرب في إطار من التفاعل والتكامل في ما يخص جلب الاستثمارات وخلق فرص اقتصادية أمام المستثمر الأجنبي، يؤدي إلى ظهور بعض القضايا والإشكالات التقنية التي لا يفك لغزها سوى الخبير القضائي، هذا فضلا عن أن الخبير مطالب باستعمال معارفه وتقنياته قصد الوصول إلى إنجاز خبرة ذات قيمة قضائية وقانوينة تفيد القضاء في حسم النزاع أو إصدار الحكم في الملف موضوع الخبرة.

وبالنظر إلى تشعب تخصصات الخبرة في المغرب، فإنه من اللازم والواجب وضع تصور شمولي تنظيمي ومؤسساتي لهذه المهنة التي يزداد دورها يوما بعد يوم ، وهذا ما يمكن أن نلامسه في الأوراش الكبرى والمخططات التي أعطيت انطلاقتها في المغرب من طرف جلالة الملك، تجاوبا مع التحولات الكبرى العالمية والوطنية.

بقلم ذ إدريس رواح
دكتور في الحقوق خبير لدى المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي خبير لدى المحاكم المغربية والفرنسية رئيس المجلس الوطني لخبراء العدل

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.