الإقـامة الجبرية

الاستاذ منذر الشارني
المحامي

والكاتب العام للمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب

ينص الفصل 48 من الدستور التونسي ان القانون يحدد الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها ولا توضع هذه الضوابط إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وتهدف الى حماية حقوق الغير، او لمقتضيات الامن العام او الدفاع الوطني او الصحة العامة او الاداب العامة مع احترام التناسب بين هذه الضوابط وموجباتها وتتكفل الهيئات القضائية بحماية الحقوق والحريات من اي انتهاك….

وتنص المادة 76 من الدستور”….. يتولى رئيس الجمهورية: إعلان الحرب وإبرام السلم بعد موافقة مجلس نواب الشعب بأغلبية ثلاثة اخماس اعضائه.

وتنص المادة 79 منه أنه” لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وامن البلاد واستقلالها يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، ان يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية ، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية. ويعلن عن التدابير في بيان الى الشعب. ويجب ان تهدف هذه التدابير الى تامين عودة السير العادي لدواليب الدولة في اقرب الآجال.

ويعتبر مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة. وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة وبعد مرور ثلاثين يوما على سريان هذه التدابير، وفي كل وقت بعد ذلك يعهد الى المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب او ثلاثين من اعضائه البت في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه. وتصرح المحكمة بقرارها علانية في اجل اقصاه خمسة عشر يوما.

اما في المواثيق الدولية فقد جاء بالمادة 4 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية انه” في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تهدد حياة الامة والمعلن عن قيامها رسميا يجوز للدول الاطراف في هذا العهد ان تتخذ في اضيق الحدود الممكنة التي يتطلبها الوضع تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى هذا العهد شريطة عدم منافاة هذه التدابير للالتزامات الاخرى المترتبة عليها بمقتضى القانون الدولي وعدم انطوائها على تمييز يكون مبرره الوحيد هو العرق او اللون او الجنس او اللغة او الدين او الاصل الاجتماعي.

لا يجير هذا النص اي مخالفة لأحكام المواد 6 و 7 و 8 (فقرتين 1 و 2) و 11 و 15 و 16 و 18 .

على اية دولة طرف في هذا العهد استخدمت حق عدم التقيد ان تعلم الدول الاطراف الاخرى فورا، عن طريق الامين العام للأمم المتحدة بالأحكام التي لم تتقيد بها وبالأسباب التي دفعتها الى ذلك. وعليها في التاريخ الذي ينتهي فيه عدم التقيد، ان يعلمها بذلك مرة اخرى وبالطريق ذاته.”

في السادس والعشرون من شهر جانفي 1978 صدر الامر عدد 49 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ في تونس، وذلك بعد اعلان الاتحاد العام التونسي للشغل الاضراب العام في البلاد.

ينص الفصل الاول من الامر المذكور انه” يمكن اعلان حالة الطوارئ بكامل تراب الجمهورية او ببعضه اما في حالة خطر داهم ناتج عن نيل خطير من النظام العام، وإما في حصول احداث تكتسي بخطورتها صبغة كارثة عامة”.

وحسب الدستور وكذلك حسب الامر عدد 49 فان حالة الطوارئ – وهي تدبير استثنائي – حددت بمدة ثلاثين يوما.

وتكون المحكمة الدستورية هي المختصة بعد ذلك بتمديدها (التمديد يكون بأمر حسب الامر عدد49 وهو ما يناقض الدستور).

من بين الصلاحيات المعطاة بالأمر 49 لوزير الداخلية وضع بعض الاشخاص تحت الاقامة الجبرية.

نص الفصل 51 انه ” يمكن لوزير الداخلية ان يضع تحت الاقامة الجبرية ، في منطقة ترابية او ببلدة معينة، اي شخص يقيم بإحدى المناطق المنصوص عليها بالفصل الثاني اعلاه يعتبر نشاطه خطيرا على الامن والنظام العامين بتلك المناطق.

يتعين على السلط الادارية اتخاذ كل الاجراءات لضمان معيشة هؤلاء الاشخاص وعائلاتهم”.

خلال حالة الطوارئ يمكن لوزير الداخلية او للوالي في الحدود الترابية للولاية اتخاذ عديد الاجراءات الاحترازية الاخرى المنصوص عليها بالأمر 49 .

وبعد العملية الارهابية التي استهدفت حافلة نقل اعوان من الامن الرئاسي بتونس العاصمة وأدت الى استشهاد اثنى عشر عونا وجرح آخرين يوم 24/11/2015 اعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ لمدة شهر، كما اعلن حظر الجولان بمنطقة تونس الكبرى خلال الفترة الليلية ، وإخضاع عديد الاشخاص الى الاقامة الجبرية.

ويمكن تعريف الاقامة الجبرية بأنها اجراء اداري او تنفيذي يتم بمقتضاه حرمان شخص معين من حريته بدون توجيه اتهامات اليه وذلك لدواع أمنية محضة ضمن احدى المناطق المشمولة بحالة الطوارئ.

-1– اجراء استثنائي:

لا تلجا السلطات التنفيذية الى اجراء الاقامة الجبرية إلا لأسباب امنية لتفادي خطورة الشخص المعني على النظام او الامن العامين. ويكمن الطابع الاستثنائي للإجراء في انه يسمح للدولة بحرمان الشخص من حريته رغم عدم توجيه اتهام جنائي إليه فقط بناء على انه يمثل تهديدا للأمن في الحاضر او في المستقبل. وتترك للحكومة لتقرير درجة ضرر نشاط الشخص المعني بأمن الدولة الداخلي او الخارجي.

-2- الشرعية:

لا يتخذ قرار الاقامة الجبرية إلا طبق الاجراءات القانونية الموجودة سلفا . ويعتبر غير شرعي اي قرار لا يستند الى قواعد قانونية سابقة الوضع.

ومن مبادئ الشرعية ان يكون النص القانوني متوافقا مع الدستور ومع الاتفاقيات الدولية.

ويجب ان تعلن الدولة رسميا عن القرار حتى يعلم به العموم ومنهم من سيشملهم ذلك القرار ، وذلك بتحديد نطاقه الزمني والترابي ودوافعه.

تنص المادة 9 فقرة 1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أنه » لا يجوز حرمان احد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقا للإجراء المقرر فيه… «

حسب الفصل من الامر 49 فان الاقامة الجبرية تتخذ بقرار رسمي يصدره وزير الداخلية.

من مبادئ الشرعية كذلك ان يكون القرار كتابيا وفرديا، يهم احد افراد الناس ، تونسيا كان ام اجنبيا مقيما، ولا يصح ان يصدر القرار ضد مجموعة سياسية او عرقية او دينية او سكان منطقة معينة ، وإلا اعتبر قرار مبنيا على التمييز لا يصح اتخاذ قرار الاقامة الجبرية إلا اثناء حالة الطوارئ وفي المناطق التي اعلنت فيها تلك الحالة (كامل تراب الدولة او بعض مناطقها)، ويجب ان يكون القرار مبررا تبريرا كافيا بدوافع الحفاظ على الامن والنظام العامين، وهو امر متروك للسلطة التنفيذية. وهي سلطة تقديرية ممنوحة لها بموجب الطبيعة الادارية للقرار المذكور والخاضعة للرقابة اللاحقة بالقضاء.

-3- الاعلام والتعليل:

بوصفه قرار فرديا، فان السلطة المصدرة للقرار يجب ان تعلم بصفة رسمية ووفقا للإجراءات القانونية المعمول بها الشخص المعنى بالقرار المتخذ ضده.

ويجب اعلام الشخص بالقرار وبأسبابه باللغة التي يفهمها. وللشخص المعني الحق في معرفة سبب اتخاذ القرار ضده. ويجب اعلامه بتلك الاسباب في اسرع وقت حتى يتمكن من الطعن فيها امام الجهة القضائية المختصة.

وطالما تعلق القرار بحق الفرد في الحرية، فان تعليل القرار الفردي واجب، ولا يمكن التعلل بالسرية أو بدوافع الأمن لإصدار قرارات غير معللة.

-4- الحق في الطعن:

من حق الشخص المشمول بقرار الاقامة الجبرية ان يطعن فيه امام جهة قضائية مستقلة لطلب مراجعته.

ولا يتيسر الطعن إلا اذا كان القرار معللا يوضح اسباب اتخاذه.

ويجب ان تكون الجهة التي تنظر في الطعن مستقلة ومحايدة، ويجب ان يحدد القانون اجال الطعن وإجراءاته بصفة واضحة لا لبس فيها، وان تكون الآجال معقولة واجل البت في الطعن كذلك.

وتنظر المحكمة في مدى شرعية القرار ويمكن لها ان تقرر الغاءه اذا كان غير شرعي او غير مبرر.

وبصدور حكم الغاء القرار ، يجب اعلام المعني به فورا وعلى السلطة التنفيذية احترام مقتضيات الحكم القضائي المذكور وإلا كنا ازاء حالة اعتقال تعسفي.

نصت المادة 9 فقرة 4 من ع د ح م س أنه » لكل شخص حرم من حريته بالتوقيف والاعتقال حق الرجوع الى محكمة تفصل دون ابطاء في قانونية اعتقاله . وتأمر بالإفراج عنه اذا كان الاعتقال غير قانوني .

لكل شخص كان ضحية توقيف او اعتقال غير قانوني الحق في الحصول على تعويض « .

يتيح القانون التونسي لمن صدر ضده قرار في الاقامة الجبرية اللجوء الى المحكمة الادارية لطلب الغائه او توقيف تنفيذه وفق اجراءات دعاوى الالغاء. كما يسمح الاجراء بطلب التعويض من الدولة في حال الغاء القرار لعدم شرعيته. ويجب ان تكون اجال النظر في الدعوى معقولة والا تطول اكثر من اللازم. وللشخص المعني الحصول على الاعانة العدلية وفق الاجراءات القانونية المعمول بها.

ويحق للشخص المعني طلب اعادة النظر في القرار الصادر ضده بصفة دورية. فاذا رفض الطعن في مناسبة اولى، فانه بالإمكان الطعن من جديد للتأكد مما اذا كان الشخص لا يزال يمثل تهديدا للأمن او للنظام العامين، وإصدار حكم بإلغاء الاجراء ان لم يعد يشكل ذلك التهديد.

من حق الشخص المعني بقرار الاقامة الجبرية حضور جلسات دعوى الالغاء او اعادة النظر بصفة شخصية او رفقة ممثله القانوني، وذلك للدفاع عن نفسه وللاعتراض على القرار الصادر ضده وعرض موقفه.

يفترض هذا الاجراء ان تسمح السلطات للمعني بالأمر بالحق في التنقل الى مقر المحكمة لحضور جلسات الدعوى.

-5– الوصول الى الاشخاص الخاضعين للإقامة الجبرية:

تنص المادة 5 من الامر 49 أنه » يتعين على السلط الادارية اتخاذ كل الاجراءات لضمان معيشة هؤلاء الاشخاص الموضوعين تحت الاقامة الجبرية وعائلاتهم « .

يتمتع الشخص المعني وعائلته بالرعاية الصحية وكل المستلزمات المعيشية التي يتمتع بها سكان منطقته. كما يحظر ممارسة التعذيب ضده او تسليط اي معاملات او عقوبات قاسية او مهينة او غير انسانية عليه او على عائلته.

ويسمح للمعنيين بالإجراء بتقديم الشكاوى الى السلط الادارية والقضائية المختصة حول ظروف تنفيذ الاقامة الجبرية . ومن واجب السلطات النظر في اقرب الآجال واتخاذ ما يلزم من الاجراءات لوقف الانتهاكات ان حصلت فعلا. ولا تكون الشكاوى سببا في ممارسة اي ضغوط على الشاكي. ومن واجب السلطات السماح للهيئات المخولة قانونا او بالاتفاق مع السلطات بأداء زيارات للشخص المعني وذلك للتأكد من تلقيه معاملة انسانية واحترام حقوقه الاساسية.

-6- نهاية الاقامة الجبرية:

حسب الأمر 49 مادة 11 فانه” ينتهي مفعول التدابير المتخذة طبقا لأحكام هذا الامر بانتهاء حالة الطوارئ.

يحتاج الأمر 49 إلى تنقيحات جوهرية حتى يتلاءم مع الدستور ومع المواثيق الدولية ، وذلك في العديد من جوانبه.

إن الوضع الحالي للأمر المذكور لا يوفر اي ضمانات للموضوعين تحت الاقامة الجبرية لا من حيث شكلية القرار او تعليله او الطعن فيه او مراقبة تنفيذ الاجراء او حماية الشخص المعني.

يكفي ان نؤكد اليوم ان المعنيين بالإجراء لا يتلقون نسخة كتابية من القرار ولا تعليلا. كما ان الطعن امام المحكمة الادارية يمكن ان يستمر لسنوات.