وفاة المكلف وأثر ذلك في خصم الخسائر الضريبية

المؤلف : حيدر نجيب احمد فائق سعيد المفتي
الكتاب أو المصدر : الخسائر الضريبية في قانون ضريبة الدخل العراقي

أن لشخصية المكلف اثر بارز في خصم الخسائر التي يتعرض لها وهذا ما تقضي به القواعد العامة ، وبالتالي فإن البحث في أثر وفاة المكلف في خصم الخسائر الضريبية ومدى إمكانية ورثة المكلف من الاستفادة من خصم الخسائر أو عدم إمكانية ذلك يحتم علينا أن نتناول أولاً رأي الفقه القانوني في أثر وفاة المكلف في خصم الخسائر الضريبية، وثانياً نتكلم عن أثر وفاة المكلف في خصم الخسائر في التشريع الضريبـي العراقي، ونتناول ثالثاً أثر وفاة المكلف في خصم الخسائر الضريبية من الناحية العملية.

أولاً: رأي الفقه القانوني في أثر وفاة المكلف على خصم الخسائر الضريبية
أثار موضوع أثر وفاة المكلف على خصم الخسائر الضريبية نقاشاً وجدالاً بين الفقهاء، إذ أنقسم الفقه في أثر وفاة المكلف في خصم الخسائر الضريبية إلى اتجاهين، اتجاه يرى جواز خصم الورثة لخسائر المورث ، واتجاه آخر ذهب إلى عدم جواز خصم الورثة لخسائر مورثهم المكلف، ولكل اتجاه فقهي ما يستند إليه من مبررات تدعم اتجاهه :
الاتجاه الأول: يرى هذا الاتجاه الفقهي إن الورثة لهم الحق في المطالبة بخصم الخسائر التي تعرض لها مورثهم المكلف قبل وفاته ، وقد استند هذا الاتجاه إلى بعض المبررات هي :

1-طالما كانت شخصية الورثة هي امتداد لشخصية المكلف المورث وإن حقوق والتزامات المكلف المورث تنتقل إلى الورثة فإذن يكون نتيجة ذلك هو إعطاء الحق للورثة للمطالبة بخصم الخسائر التي تعرض لها المكلف المورث(1).
2- في حالة استمرار الورثة بممارسة النشاط الاقتصادي للمكلف المورث فإن ذلك يدعو إلى إعطاء الحق للورثة بخصم خسائر المكلف المورث، إذ يعتبر استغلال الورثة للمنشأة أو المشروع العائدة للمكلف المورث والتي تعرض فيها إلى خسارة والاستمرار بهذا الاستغلال حجة على جواز خصم الخسائر من جانب الورثة(2).

الاتجاه الثاني: يذهب إلى عدم جواز مطالبة الورثة بخصم خسائر المكلف المورث بعد وفاته ، وقد استند هذا الاتجاه إلى المبررات التالية:
1- إن الورثة وإن استمروا في ممارسة النشاط الاقتصادي للمكلف المورث إلا إنهم مكلفين جدد ولهم ذمة مالية مستقلة عن الذمة المالية للمكلف المورث وبالتالي فإن ما يتوجب عليهم من دفع لضريبة الدخل يرتبط أساساً بالأرباح المتحققة من استغلالهم للمنشأة أو المشروع وحسب حصة كل وريث منهم نتيجة الاستمرار باستغلال المنشأة أو المشروع ولا علاقة لذلك بجواز المطالبة من جانب الورثة بخصم خسائر المكلف المورث(3).
2- طالما كانت شخصية الورثة تختلف عن شخصية المكلف المورث وإن الخسائر شخصية تتعلق بشخص المكلف وحده دون غيره كما إن حق المطالبة بخصمها من الحقوق الشخصية للمكلف المورث ، فلا يجوز والحالة هذه إعطاء الحق للورثة بالمطالبة بخصم خسائر المكلف المورث(4).

ثانياً: اثر وفاة المكلف في خصم الخسائر الضريبية في التشريع الضريبـي العراقي
بالرجوع إلى قانون ضريبة الدخل العراقي رقم (113) لسنة 1982 المعدل ومن خلال مطالعة نص المادة (11) من نفس القانون والتي تبنى فيها المشرع معاملة الخسائر التي يتعرض لها المكلف لا نجد إشارة بشكل صريح إلى جواز مطالبة الورثة بخصم خسائر المكلف المورث متى ما استمروا في ممارسة النشاط الاقتصادي لمورثهم. والحقيقة إن عدم النص على جواز أو عدم جواز خصم خسائر المكلف من جانب الورثة يعد قصوراً في التشريع الضريبـي العراقي، فكان من الأجدر بالمشرع الاهتمام بهذه المسألة وأن يوضح ذلك بنص صريح يكون حداً فاصلاً للعديد من جوانب الشك والاختلاف في وجهات النظر ولتلافي بعض الاشكالات حول هذه النقطة. ويلاحظ إن المشرع الضريبـي العراقي قد أشار في نص المادة (24) من قانون ضريبة الدخل النافذ حالياً إلى أن الورثة أو من يتولى توزيع التركة يتحمل دفع دين المكلف المورث الخاص بضريبة الدخل من التركة(5).

وبذلك يكون الورثة بشكل خاص هم المسؤولين عن متطلبات تقدير ضريبة الدخل للمورث المكلف بعد وفاته من الناحية القانونية الضريبية(6).

ومن خلال مطالعة نص المادة (24) من قانون ضريبة الدخل المشار إليه والتي تضمنت مسؤولية الورثة وغيرهم عن تسديد دين الضريبة، نعتقد إن المشرع الضريبـي قد أشار ضمناً إلى إمكانية مطالبة الورثة بخصم خسائر المكلف المورث طالما كان الورثة مسؤولين عن دفع دين الضريبة الخاص بمورثهم المكلف، وقد بنينا رأينــــا على بعض الحجج التالية:

1- طالما إن الورثة يمارسون نفس النشاط الاقتصادي الذي كان يمارسه المورث المكلف واستمروا في ذلك، فيكون الورثة بمثابة امتداد للمكلف المورث في ممارسة النشاط الاقتصادي، ويكون خصم الخسائر الخاصة بمورثهم تشجيعاً لهم على الاستمرار بمزاولة النشاط وبما يعزز الاقتصاد القومي وتقويته وذلك باستمرار الوحدة الإنتاجية بالعمل وممارسة نشاطها خاصة إذا ما كانت خسارة المكلف المورث كبيرة وتؤثر على الإنتاج . هذا من ناحية ومن ناحية ثانية في حالة ممارسة الورثة لنفس النشاط الاقتصادي للمورث المكلف نجد إن هذا النشاط يقوم على رأسمال مستثمر ولكنه محدود نظراً لتعرض المكلف المورث إلى خسارة، وما دام إن القواعد المالية والمحاسبية تقتضي المحافظة على رأس المال سليماً دون أن يصيبه أي نقص فإن ذلك يدعو إلى جواز مطالبة الورثة بخصم خسائر المكلف المورث حتى وإن كانت الخسائر شخصية تتعلق بشخص المكلف وحده، لأن في ذلك محافظة على رأس المال وتعزيزه.

2- إن حق مطالبة الورثة بخصم خسائر المورث المكلف هو حق تقتضيه العدالة الضريبية، فإذا كانت الضريبة تفرض على دخل المكلف المورث فيكون من العدالة أيضاً الالتفات إلى ما لحق المكلف المورث من خسارة وخصمها من وعاء الضريبة وتكون المطالبة بخصمها عادة من جانب الورثة لأن المكلف قد توفي ولا مجال لمطالبته بخصمها من جانبه، هذا من جانب، ومن جانب آخر إن القول بعدم السماح للورثة بخصم خسائر المورث المكلف فإن ذلك يمثل اعتداءً على حق من حقوق المورث، فمن المعروف إن المشرع الضريبـي العراقي قد أعطى الحق للمكلف بخصم وتنـزيل جميع التكاليف التي تحملها في سبيل الحصول على الدخل وبموجب نصوص صريحة بالقانون ، وبالتالي يجب مراعاة حقوق المكلف المورث من هذا الجانب عند تقدير دخله وفرض الضريبة عليه، وطالما كان الورثة مسؤولين عن متطلبات تقدير دخل المكلف وذلك بصراحة نص المادة (24) من القانون الضريبـي فيكون الورثة لهم الحق بالمطالبة بخصم الخسائر أيضاً الخاصة بالمورث المكلف، وهذا ما تقتضيه قواعد العدالة الضريبية ، إضافة إلى مطالبتهم بتنـزيل بقية التكاليف التي تحملها المكلف المورث للحصول على الدخل، وبعبارة ثانية إذا كان الورثة لا يجوز لهم المطالبة بخصم خسائر المكلف فلا يجوز لهم أيضاً المطالبة بتنـزيل التكاليف والنفقات التي تحملها المورث للحصول على الدخل الذي يكون محلاً للضريبة ، في حين نجد هذه الحقوق ثابتة قانوناً للمكلف وهذا ما يتنافى مع مقتضيات العدالة .

وإضافة للمادة (24) نجد إن المشرع قد أشار أيضاً ضمنياً إلى جواز خصم الخسائر من قبل الورثة، فعند مطالعة نص المادة (11) من قانون ضريبة الدخل نجدها تسمح بجواز خصم خسائر المكلف المورث والمطالبة بذلك من جانب الورثة، فالفقرة الثانية من نص المادة تشترط تنـزيل الخسائر ترحيلاً أن يكون خصم الخسائر من نفس مصدر الدخل الذي نتجت عنه والذي تتحقق فيه أرباح خلال سنوات الترحيل الخمس، وطالما كان النشاط الاقتصادي الذي كان يمارسه المكلف المورث والذي تعرض فيه إلى خسارة هو نفس النشاط الاقتصادي الذي استمر الورثة على ممارسته والذي تحققت لهم فيه أرباح، فإذن هناك اتحاد في مصدر الدخل الذي نتجت عنه الخسارة وفي نفس الوقت تولدت منه أرباح ، وهذا ما يدعونا أيضاً إلى جواز خصم خسائر المكلف المورث من قبل الورثة(7).

 

ثالثاً: أثر وفاة المكلف في خصم الخسائر الضريبية من الناحية العملية
تتجه السلطات المالية في العراق إلى جواز مطالبة الورثة بخصم الخسائر التي تعرض لها المكلف المورث، فحالة الوفاة تختلف عن حالة التنازل أو التصرف بالمنشأة أو المشروع من قبل المكلف إلى الغير. فإذا توفي المكلف وكان قد تعرض إلى خسارة عندما كان على قيد الحياة وممارساً لنشاطه الاقتصادي، ففي هذه الحالة نجد إن التطبيقات العملية للهيئة العامة للضرائب في العراق تتجه إلى السماح للورثة عند استمرارهم في ممارسة النشاط الاقتصادي للمكلف المورث بالمطالبة بخصم خسائر هذا الأخير استناداً لنص المادة (24) من قانون ضريبة الدخل رقم (113) لسنة 1982 المعدل.

ونرى إن السماح للورثة بالمطالبة بخصم خسائر المكلف المورث من قبل الهيئة العامة للضرائب اتجاه سليم وله أهمية بالغة من الناحية العملية، فطالما كان الورثة وبموجب نص القانون وما تضمنته المادة (24) من قانون ضريبة الدخل النافذ مسؤولين عن دفع دين الضريبة الخاص بمورثهم متى ما كان قد توفي ولم يتحاسب ضريبياً فيكون إذن بالمقابل من حق الورثة أيضاً المطالبة بخصم خسائر المكلف المورث، وهذا ما تقتضيه العدالة الضريبية.

إضافة إلى ذلك إن هذه الحالة وهي السماح للورثة بالمطالبة بخصم خسائر المكلف المورث هي حالة تتناقض مع المبدأ العام الذي يقضي بأن الخسائر تتعلق بشخصية المكلف وحده دون غيره، وإن خصم هذه الخسائر يقوم على أساس وحده الشخص القائم بالاستغلال (ممارسة النشاط الاقتصادي)، إلا إننا نلاحظ إمكانية خصم هذه الخسائر في هذه الحالة لوجود ما يشير إلى جواز المطالبة بخصمها من جانب الورثة ضمناً في نص القانون .
_____________________
1- محمد مرسي فهمي، ضريبة الأرباح التجارية والصناعية، القاهرة، 1951، ص136.
2- د. صالح يوسف عجينة، مصدر سابق، ص402.
– محمود رياض عطية، الوسيط في تشريع الضرائب، مصدر سابق، ص455.
كذلك أنظر من أنصار هذا الاتجاه في جواز مطالبة الورثة بخصم خسائر المكلف المورث: منير أبو علم، المحاسبة في قضايا الضرائب، مطبعة الفكرة، القاهرة، 1949، ص292. كذلك حبيب المصري باشا، مصدر سابق، ص528.
وتجدر الملاحظة إلى أن البعض يذهب إلى جواز مطالبة الورثة بخصم خسائر المكلف المورث استناداً إلى نص المادة (24) من قانون ضريبة الدخل رقم (113) لسنة 1982 المعدل والتي تجعل الورثة مسؤولين عن دفع وتسديد دين وضريبة المكلف المورث، مشار إلى ذلك لدى د. عوض فاضل إسماعيل، موقف المشرع العراقي من الخسارة الضريبية، مصدر سابق، ص83. في حين نجد البعض الآخر يتجه إلى عدم جواز ذلك وإن نص المادة (24) من القانون المشار إليه ليست إلا تطبيقاً لقاعدة فقهية إسلامية وهي (لا تركة إلا بعد سداد الدين)، مشار إلى ذلك لدى هشام العمري، اتجاهات المشرع الضريبـي العراقي، مصدر سابق، ص243، كذلك أنظر هشام العمري، الضرائب على الدخل، مصدر سابق، ص88، مشار إلى ذلك أيضاً لدى د. عوض فاضل إسماعيل، موقف المشرع العراقي من الخسارة الضريبة، نفس المصدر السابق، ص84.
3-عماد الدين ناصر، مصدر سابق، ص1178.
4- أحمد ثابت عويضة، ضريبة الأرباح التجارية والصناعية في القانون المصري، مصدر سابق، ص320.
أنظر أيضاً من أنصار هذا الاتجاه في عدم جواز مطالبة الورثة بخصم خسائر المكلف المورث في : عاطف صدقي، التشريع الضريبـي المصري، دار النهضة العربية، القاهرة، 1968، ص221.
5- تجدر الملاحظة إلى أن دفع دين الضريبة في هذه الحالة لا يعتبر ضريبة تركات وإنما المكلف المورث لم يتم تقدير دخله أساساً قبل وفاته.
6- لمزيد من الإيضاح راجع نص المادة (24) من قانون ضريبة الدخل رقم (113) لسنة 1982 المعدل.
7-قررت بعض التشريعات الضريبية جواز مطالبة الورثة بخصم خسائر المكلف المورث كما هو الحال في التشريع الإنكليزي وكذلك التشريع الضريبـي الفرنسي إذا ما استمر الورثة في مزاولة نشاط المكلف المورث، مشار إلى ذلك لدى د. صالح يوسف عجينة، مصدر سابق، ص401-402، أنظر أيضاً د. عوض فاضل إسماعيل، موقف المشرع العراقي من الخسائر الضريبية، مصدر سابق، ص84.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت