مسلسل اقرار ” الحريات العامة ” في زمن الحماية او التميز العنصري

ان الحديث عن اقرار ” الحريات العامة ” ، يعني تحديد اللحظة التي ولدت فيهـا تلك الحريات قانونا ، لكننا قلنا ان الحريات العامة في المغرب لم يتم اقرارها فجأة ، و انمت هي نتيجة مسلسل طويل من التعثر و التقدم ، لذلك قـد تعـود جـدور هـذت المسلسل الى بداية القرن العشرين من خلال ما يعرف بمشاريع الاصلاح الاولـى التي رغم اهميتها ، لم يكتب لها النجاح و ظلت مصدرا الاستئناس او من خلال مطالب الشعب المغربي زمن الحماية . غير ان ان اهم محطات هذا المسلسل هي الفترة التي تلت الاستقلال حيث بـدأ الحأديث عـن ” حريات المواطبين ” بعد تحرير الدولة ، و ذلك من خلال مجموعة من النـصوص القانونية و الدستورية و التنظيمية شكلت في مجمـوعها مرجعـا لمل يعرف بـقانون ” الحريات العامة ” .

” الحريات العامة ” زمن الحماية و التميز العنصري

ان مجرد ما نقول الحماية فان ذلك يعني الانتقاص من الحرية ، و ان كانت نظريا تعني حسب المارشال ليوطي ‘ مجرد مراقبة دولة اخرى ‘ مع احتفـاض الـبلادج بمؤسساتها و ادارة شؤونها بنفسها .

لكن سرعان ما اتضحت نوايا فرنسا الاستعمارية في التطبيق ، و تحولت الحماية الى حكم مباشر اي الاستعمار ، ففقدت الدولة المحمية كل صفات الدولة الحرة .

لما خضع المغرب للحماية الفرنسية سنة 1912 ، صدرت بعض النصوص تقنن مماؤسى ” الحريات العامة ” الا انها اتـسمت بـالميز العنـصري ( اولا ) سرعان ما قوبل بالـرفض و الاستنكار من خلال مبادرات و مطالب الشعب المغربي ( ثانيا ) .

اولا : الحرية للفرنسيين كتكريس للتميز العنصري .

اولى تجليات هذا الميز العنصري تجلت في اول قانون للحريات العامـة فـي المغرب المحتل صدر سنة 1913 ، و هو قانون خاص بالصحافة الفرنسية يـسمح للفرنسيين انشاء صحف باللغة الفرنسية ة يعطيهم كامل الحرية و كامل الـضمانات القضائية ، اما الصحافة العربية فكانت ممنوعة الا باذن مـن الـصدر الاعظـم ، و معلوم ان الصدر الاعظم كان خاضعا لسلطات الحماية ، و لم يتم هـذا الاذن الا بعد حكم الجبهة الشعبية في فرنسا ذات الميول اليـساري المتعـاطف مـع حـق الشعوب في الحرية و في تقؤيؤ مصيريها ، و بعد مظاهرات قوية قادتها ” كثلة العمل الوطني سنة 1937 ، معتبرة مطلب حريـة الـصحافة مطلبـا مـستعجلا ، الا ان ممارسة هذه الحرية لم تدم سوى تسعة اشهر و تم سحب الاذن ” .

اما بالنسبة للاحزاب السياسية ، و الجمعيات الاجتماعية ، و الثقافية و الاقتـصادية ، فقد كان يسمح به للفرنسيين و يمنع منه المواطنون المغاربة ، و لذلك كان للفرنسيين طيلة تواجدهم بالمغرب زمن الحماية فروع الاحزاب الفرنسية ، و فروع للنقابـات الفرنسية ، و جمعيات اقتصادية و اجتماعية وثقافية .

اما القوانين المغربية التي صدرت في شكل ظهائر شريفة ، او انظـمة خاصـة ، او قرارات وزارية ، بخصوص موضع الحريات العامة زمن الحماية ، فبقية حبرا على ورق ، و كل من حاول ممارستها من المغاربة يكون مصيره الاعتقال و السجن ،الى ان عدلت بظهير 15 نونبر 1958 المعروف بقانون ” الحريات العامة “

نذكر منها :

– ظهير 14 مارس 1914 بشأن التجمهرات .

– ظهير 26 مارس 1914 بشأن تنظيم الاجتماعات العمومية .

– ظهير 3 يوليوز 1936 بشان تنظيم المظاهرات في الطريق العمومية .

نظام طنجة 13 غشت 1926 بشان الاجتماعات العمومية .

– قانون طنجة 19 دجنبر 1943 بـشان تنظـيم المـظاهرات فـي المنـطقة العمومية .

– قرار وزاري 11 ماي 1943 بـشان الاجتماعـات العموميـة فـي المنطقـة الشمـالية .

و الغريب هو ان فرنسا تعتبر نمودجا لاحترام الحقوق الحريات و ذلك من ثورتها لسنة 1789 الا انها لم تعمل على تطبيق هذا المبدأ في المغرب ، ليبقى الاستعمار هو الاستعمار حيث تنعدم الحرية .

ثانيا : مطالب الشعب المغربي ” التحرر من اجل الحرية “

بعد تشييق الخناق على ممارسة المواطنيين المغاربة لحقوقهم و حرياتهم الفردية و الجماعية ، و لم يسمح لهم بان يتمتعوا حتى بالظهائر و القرارات التي وافقت عليها سلطات الحماية نفسها ، طالبت بعض القوى السياسية المغربية بضرورية توفير حد ادنى من الحقوق الحريات ، و ذلك بمحاربة الاستعمار بنفس اسـلحته ، و طالبتـه بالوفاء بالشعارات التي رفعها عند الاحتلال ( اي هدف الحماية هـو التحـديث و تحسين و ضعية المواطنيين و ضمان حريتهم و حقوقهم ) سواء في منطقة النفـود الاسباني او في منطقة النفود الفرنسي ، و قد تمحورت المطالبة بالاصلاح في اطار الحماية حول برنامج مطالب :

* ففي منطقة الشمال تم تقديم مذكرة منسوبة لعبد السلام بنونة بتاريخ فاتح ماي 1931 الى السلطات الاسبانية ، و مما و رد فيها ان ” النوع البشري محتـاج الـى قسط من الحرية لا يمكنه بالمرة ان ينمو و يتطور بدونها ، هذا لا شك فيـه مهـما زعم اصحاب نظريات الحكم الفردي الذين لا يعتبرون الا السلطة و القوة هـازئين باقداس حقوق الانسان ” .

* اما في منطقة النفود الفرنسي فقد تمخضت هذه المطالب عن كتلة العمل الوطني سنة 1934 و تم تقديمها الى الملك و الاقامة العامة الفرنسية تضمنت العديـد مـ، الحريات الشخصية و العامة منها :

-وضع حد لسياسة الميز العنصري بين المغاربة و الفرنسيين .

– كفالة التعبير عن الاراء و الافكار بكل الوسائل القانونية دون خضوع للمراقبة السابقة .

-حرمة المنزل و سرية المراسلات ، و حرية الاجتماع و حرية التنقل و توحيد تشريع الصحافة ، و تاسيس الجمعيات .

عدم متابعة الافراد او ايقافهم او سجنهم او نفيهم الا في الحالات و طبقا للقانون .

-منع الرق و الاتجار فيه .

– تناسب العقوبة مع الجريمة ، و الحق في المحاكمة العادلة و تحـسين و ضـعية السجون ، و منع السجن في المطامير و غيرها مـن الامـاكن القـدرية ، و وضـع اجراءات خاصة بالسجين السياسي .

– المساواة بين الموظفين الفرنسية في التسمية و الترقية و الـرخص و التاديـب و التقاعد متى كانوا في نفس الدرجة .

الا ان هذه المطالب ظلت من قبيل المتمنيات ، لان فترة الاحتلال الفرنسي تدل على مقاومة اعطاء الحريات العامة المطالب بها طبعا وضعيا لترتبط المطالبـة بالاستقلال ، بالحرية .

فكيف تم التعامل مع ” الحريات العامة ” في المغرب المـستقل ؟ و هـل هنـاك تلازم بين تحرر الدولة و حريات المجتمع