إصلاح قانون المحاماة لدعم مؤسسة القضاء في عصر العولمة

خالد خالص

منذ عدة عقود تعيش شعوب الأرض مشاكل وإكراهات متشابهة بفعل ثورة المعلوميات وانتشار الإعلام الفضائي وكذا بسبب انتشار الشركات العالمية الكبرى العابرة للقارات حيث اصبح مصطلح العولمة متداولا بين الشعوب.
ويمكن فهم “العولمة” من الناحية الاصطلاحية – ودون الدخول في التفاصيل- بأنها حركة تهدف إلى تعميم تطبيق أمر ما على العالم كله لتكون هذه الحركة في النهاية هي الاطار الذي تتحرك فيه وتتأثر به كل الظواهر المجتمعية ( سواء منها الاقتصادية اوالسياسية اوالثقافية اوغيرها ) على المستوى الدولي.

ومنذ بداية التسعينات ادرك المغرب بانه لا يستطيع بمفرده التملص من ظاهرة العولمة والابقاء على نظامه الحمائي بل هو مجبر على مواكبة الحركية الاقتصادية التي يفرضها النظام الرأسمالي العالمي.

ومن اجل بناء اقتصاد وطني قادر على الانتاج والمنافسة ومواجهة تحديات العولمة قرر المغرب التوقيع على اتفاقية الكاط التي اصبحث تعرف فيما بعد بالمنظمة العالمية للتجارة وصار عضوا كامل العضوية في هذه المنظمة منذ فاتح يناير 1995.
ومنذ ذلك التاريخ اصبح المغرب يجند كل قواه من اجل رفع تحديات التنافسية لتعزيز موقعه في السوق العالمية. وباعتبار ان الهدف الاول للعولمة هو الاقتصاد فان لهذه العولمة تجليات وآليات ذات ابعاد اجتماعية وسياسية وثقافية بل وحتى عسكرية.

فإلى جانب الاوراش الكبرى التي انخرط فيها المغرب كالخوصصة وبناء الطرق السيارة والموانئ والسكك الحديدية وتأهيل السياحة وانشاء المناطق الحرة والاهتمام بالتعمير وبالطاقة وغير ذلك من المنجزات وصولا الى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية فان المغرب انكب على الصعيد القضائي باحداث عدة محاكم جديدة كالمحاكم الادارية والمحاكم التجارية والمحاكم الاستئنافية التجارية والمحاكم المالية ومحاكم الاسرة ومحاكم الاستئناف الادارية مع الاهتمام بالبنية التحتية لعدد هائل من المحاكم وبتكوين القضاة وتأهيلهم. كما وقع المغرب على الصعيد الدولي على اتفاقيات للتبادل الحر مع الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الوروبي وتركيا ودولة الامارات العربية المتحدة وغيرها من الدول العربية كتونس ومصر والاردن وغيرها. وانكب المغرب على الصعيد القانوني من اجل ملائمة التشريعات الوطنية لتواكب وتساير متطلبات العصر وتكون حافزا على الاستثمار وآلية من آليات التنمية البشرية. وهكذا تم سن عدة قوانين حديثة يصعب حصرها في هذا العرض الموجز انطلاقا من مدونة التجارة وقوانين الشركات الى مدونة الاسرة مرورا بمدونة الشغل وبقوانين اخرى لا تقل اهمية جاءت لتعزز مناخ الثقة وتعطي للمستثمر بصفة خاصة الشعور بالامان على امواله وتعطي للمواطن بصفة عامة نفسا جديدا للانخراط في مسلسل التنمية البشرية والاقتصادية.

الا ان القوانين التي تشكل النظام الذي يضبط سلوك الأفراد و يحدد حقوقهم وواجباتهم، انطلاقا من قبل مهدهم إلى لحدهم، بل و حتى إلى ما بعد وفاتهم، تستدعي وجود قضاء للبث فيما سنه المشرع وتعارف عليه الناس بانه “الحق” لأن القضاء هو الروح التي تضمن للقانون الحياة.
والقضاء هو وليد المجتمعات المنظمة أو شبه المنظمة وهو ملجأ المجتمع لحمايته من الفوضى و من انعدام الأمن وهو الساهر على إقرار السلام بين أفراده و لا يمكن بناء دولة ديموقراطية ومستقرة بدون قضاء و لا يمكن لأي مجتمع أن ينمو و أن يزدهر بدون قضاء.

واذا كان القضاء يعتبرأحد أعمدة الديمقراطية فانه يعتبر كذلك أداة للنهوض بالاستثمار و النماء الاقتصادي إذا ما عزز مناخ الثقة التي تعد حجر الزاوية للإقتصاد الليبرالي. فالتوجه الذي يسير عليه العالم نحو العولمة والإنفتاح على الآخر و القدرة على المنافسة الشرسة التي تقوم عليها اليوم النظم الاقتصادية العصرية في الاسواق الداخلية والخارجية يجعل من القضاء أداة لضمان الإستقرار الضروري للرقي الاقتصادي و أداة لتوفير مناخ تسوده الثقة لجلب الإستثمار الأجنبي وحافزا حقيقيا للمبادرة و الإستثمار الوطني.

واذا كان المغرب قد انكب منذ ان اصبح عضوا في المظمة العالمية للتجارة على ملائمة تشريعاته لتواكب وتساير متطلبات العصر وتكون حافزا على الاستثمار وآلية من آليات التنمية البشرية فانه لن يستثنى القضاء لا محالة من حملة الاصلاح حتى يتبوء المكانة التي تسمح له بان يكون قضاء فعالا، معززا لروح الثقة ومنبعا للاطمئنان.
والقضاء من خصائص الدولة التي تتوفر وحدها على القوة العمومية وهو من أخطر السلط و أوسعها لأن المجتمع ككل يسلم لمجرد شخص فان سلطة التحكم في أموال و حرية وشرف و حياة أمثاله. ويمكن القول بان جل المجتمعات في تركبتها المؤسساتية ارتأت ومنذ القدم خلق قوة مضادة للسلطة المطلقة للدولة،المجسدة في القضاء، والمفوض لها حق المتابعة و العقاب و الفصل في المنازعات. وهذه القوة المضادة هي الدفاع الهدف منها خلق نوع من التوازن للوصول الى الحقيقة والانصاف و تفادي الخطأ والظلم. والمحامي الى جانب مهامه الاخرى بطبيعة الحال هو الذي يمثل مؤسسة الدفاع ويدافع عنها ويساعد القاضي في البحث وتجهيز العناصر المتعلقة بالدعوى سواء تعلق الامر بالوقائع او بالقانون والكل بهدف اقرار العدل الى حد اعتبارالبعض بان المحامين “جزء من اسرة القضاء” . ولا يمكن بالتالي تصور قضاء بدون محاماة ولا تصور محاماة بدون قضاء اذ لا غنى لاحدهما عن الاخر.

واذا كانت الدولة المغربية منكبة الآن على تهيىء قوانين لاصلاح الادارة ولاصلاح القضاء – مشروع تعديل النظام الاساسي لرجال القضاء هو الآن لدى الامانة العامة للحكومة – فانها انكبت كذلك مع جمعية هيئات المحامين بالمغرب على تهيىء مشروع قانون لاصلاح مهنة المحاماة، هو الآن معروض كذلك على الامانة العامة للحكومة، من اجل دعم مؤسسة الدفاع ومن اجل دعم مؤسسة القضاء نظرا لمتطلبات العصر من جهة ونظرا للضغوط الداخلية والخارجية من جهة اخرى.

واعتقد انه قبل اصلاح القانون المنظم لمهنة المحاماة فانه لابد من الوقوف على القطاع المراد تنظيمه وما ينتظره المجتمع من هذا القطاع حتى يتم الاصلاح على اسس لا لبس فيها مع عدم الاقتصار على تعديل بعض الفصول التي لن يكون لها اي وقع على مستقبل القطاع. والتأمل يقتضي الوقوف عند الدور الذي من المفروض ان تقوم به مهنة المحاماة داخل المجتمع وما هي المكانة التي يجب ان تحضى بها من لدن هذا المجتمع.
بل اكثر من ذلك وباعتبار ان المحاماة جزء من كل فان التساءل المشروع هو هل يكفي تعديل بعض فصول القانون المنظم لمهنة المحاماة لوحده ام ان الامر يتطلب اعادة النظر في تنظيم المهنة ككل واعادة النظر كذلك في الكثير من القطاعات التي لها اتصال مباشر مع المهنة كقطاع التعليم مثلا وقطاع العدل ومن يدور في فلكه من خبراء وكتاب الضبط واعوان قضائيين وغيرهم للمرور الى قطاعات اخرى لا تقل اهمية عن الاولى كضباط الشرطة القضائية وموظفي الادارات العمومية والمؤسسات والوكالات العمومية وغيرهم.

فالمحاماة كما لا يخفى على احد ظهرت منذ أن وجدت الخصومة وهي من الحماية خلقت للدفاع عن حياة الإنسان وعن حريته وكرامته و عرضه و ماله. ومن تم تشكل المحاماة الركيزة الأساسية لتحقيق العدل. وإذا كانت المحاماة مهنة حرة ومستقلة فإن المحامون يشكلون مع ذلك جزء لا يتجزأ من أسرة القضاء بل جزء لا يتجزء من جهاز العدالة باعتبارهم يشاركون السلطة القضائية في تحقيق العدل و تأكيد سيادة القانون.

واذا كان الفصل الأول من القانون المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة ينص على أن “المحاماة مهنة حرة مستقلة تساعد القضاء في تحقيق العدالة وان المحامون بهذا الاعتبار جزء لا يتجزأ من أسرة القضاء” فان المحاماة أكبر بكثير من التعريف البسيط أو المبسط الذي جاء به القانون المذكور باعتبار ارتباط المحاماة بنصرة الحق و الدفاع عن المظلوم وإرساء دولة القانون والمؤسسات. ولا أحد يجادل في كون المحاماة تعد كذلك معقلا للدفاع عن الحرية و عن استقلال القضاء.

فحق الدفاع حق مقدس من الحقوق الأساسية للإنسان يقاس به المستوى الحضاري والديموقراطي للمجتمع.
ومن هذا المنطلق لم تكن مهنة المحاماة في يوم من الأيام مهنة غذائية بل هي رسالة إنسانية سامية، شريفة ونبيلة، رسالة مبادئ ومواقف تساهم في تكريس الحضارة و في دعم العمل الديمقراطي في المجتمع.
والمحاماة أمانة و مسؤولية ولا غرابة في ذلك إذ يعيش المحامون يوميا آلام وآمال المواطنين وهم مسؤولون عن الدفاع عن كرامة الإنسان، و رد الحقوق لأصحابها و دفع الاتهام الباطل عنهم و مراقبة التشريع ومناقشته وانتقاذه واقتراح البدائل والمساهمة في تطوير المجتمع بهدف تحقيق تقدمه وأمنه واستقراره إلى جانب المهام الأخرى الملقاة على عاتق المحامي والتي تطرقت لها في دراسات اخرى يمكن الرجوع اليها عند الضرورة.

ومن تم كان للمحامين و لا يزال إسهامات قوية في بسط العدالة وتحقيق الإستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في المجتمع و كان للكثير منهم نصيب الأسد في تقلد المناصب العليا ذات المسؤولية. ومن اطلع على التشكيلات الوزارية التي انطلقت في المغرب منذ فجر الإستقلال إلى اليوم سيكون له تصور عن ذلك. و قد كان الأمر دائما و أبدا على هذا النحو في الدول الأخرى حيث كان المحامي مبجلا مدللا إلى درجة قول لويز الثاني عشر ” لو لم أكن ملكا لفرنسا لوددت أن أكون محاميا ” أو كقول فولتير ” كنت أتمنى أن أكون محاميا …”. وقد صدر مؤخرا بفرنسا كتاب عنوانه “جمهورية المحامين” يبين بحق المكانة التي كان يحضى بها المحامون على مر الازمنة.

إلا أن الوضع أصبح اليوم مختلف تماما في المغرب بالنسبة للمحاماة التي أضحت تعاني الأمرين أمام عدم استقلال القضاء وامام عدم استقلال المحاماة وامام قانون متجاوز في الكثير من محاوره، قانون لم يتأقلم مع التطورالاجتماعي الوطني والاقليمي والدولي بحيث أصبحت توضع علامة استفهام أمام مستقبل هذه الرسالة وهذه المهنة اذا بقيت الاوضاع على ما هي عليه الآن.
ان القانون المنظم لمهنة المحاماة اصبح بحاجة الى التحديث في الكثير من جوانبه تمشيا مع متطلبات العصر ومناخ الانفتاح على الآخر و مناخ العولمة وتحرير الخدمات القانونية لتكون المحاماة فعلا دعامة اساسية اولى للقضاء وليصبح هذا الاخير يجسد فكرة العدالة في سموها وروعتها.

والاصلاح يجب ان يشمل جميع المحاور الواردة بالقانون مع اضافة محاور جديدة عند الضرورة لان مهنة المحاماة عرفت على الصعيد العالمي عدة متغيرات همت جوانب عديدة منها واصبح للمحامي دور فعال في مجال التجارة ومجال الاعمال ومجالات متعددة اخرى سواء داخل بلده او خارجها.
ولا يجب ان ينصب التعديل على الجانب المادي للمهنة فقط رغم ان هذا الجانب يلعب دورا مهما في تحصين المحامي اذ لا يمكن للمحامي القيام بمهامه بامانة ولا يمكنه ان يكون خير عون للقضاة ان هو لم يكن مستقل ماديا. الا ان هذا الجانب لا يشكل الا محورا من المحاور ولا يجب على هذا الجانب ان يطغى ويغيب عنا المحاور الاخرى التي لا تقل اهمية عن الجانب المادي والتي من الواجب دراستها وتقديم مقترحات بشأنها استعدادا لعولمة الخدمات القانونية و تحريرها الشىء الذي سيجعل المغرب غدا مرغم على فتح مجال ممارسة المهنة لرعايا الدول الاعضاء في المنظمة العالمية للتجارة بالاضافة الى فتح ابوابه منذ الان بناء على الاتفاقيات القضائية الدولية الثنائية.

واعتقد بان على القانون المقبل ان ينطلق من تضمين ديباجة تعرف بالمحاماة تعريفا حقيقيا وعلى المشرع ان يجتهد ويحلل ويشرح الدور الذي تلعبه المحاماة كرسالة وكمهنة داخل المجتمع كما عليه ان يحلل وان يشرح المهام الموكولة للمحامي وما ينتظره هذا المجتمع من هذا المحامي ومن المهنة ككل.
وحتى يكون المحامي المغربي غدا على كامل الاستعداد للمنافسة فان علينا الوقوف على شروط ولوج المهنة والتكوين والتكوين المستمر.

فهل نكتفي بالاجازة في العلوم القانونية ام يجب فتح المجال امام الشعب الاخرى كالعلوم السياسية والاقتصادية ؟. وهل نكتفي بالاجازة التي كانت والى الامس القريب تتطلب اربع سنوات واصبحت تحصل بعد ثلاث سنوات فقط ام نطالب بشواهد تفوق الاجازة او بدبلوم التخصص في المهن القانونية والقضائية ؟.

وبالنسبة للتمرين هل نبقي على النظام الحالي الذي لا يؤهل المتمرن لتحمل المسؤولية ام نرجع لفكرة المعاهد الجهوية للتكوين التي لم ترى النور منذ سنة 1993 ؟ ام نتبع النظام الفرنسي الحالي الذي حذف التمرين داخل مكاتب المحامين منذ يناير 2004 واقتصر على التدريب داخل المعاهد الجهوية ؟. وهل نحن بحاجة لمعاهد جهوية متعددة تتقل كاهل الهيئات وكاهل الدولة ام نكتفي بخلق معهد وطني للتكوين بمدينة افران مثلا تشيد به والى جانب اقسام الدراسة محكمة بجميع اقسامها يزاول بها المتمرن تدريبه على الجلسات والمرافعات والاجراءات ؟. هذه كذلك اسئلة للتأمل وللدراسة طبعا.
كما يمكن اثارة عدة تساؤلات اخرى سواء تعلق الامر بالمغاربة ام بالاجانب بخصوص التسجيل بالجدول.
فما هي الفئة التي من الممكن اعفاؤها من التمرين ؟. هل نقتصر على قدماء المحامين الذين انقطعوا عن مزاولة المهنة لمدة معينة؟ و ما هي هذه المدة ؟ ام نفتح الباب للقضاة وللاساتذة الجامعيين وقانونيي المقاولات ؟. ثم ما هي رتب ودرجات هؤلاء واؤلائك وما هي الشروط التي يجب ان يشترطها المشرع فيهم ؟ هل بتقديم استقالتهم ام باحالتهم على التقاعد الى جانب الشروط الاخرى ام يمكن السماح للاستاذ الجامعي بمزاولة المهنة الى جانب التدريس ؟. ثم هل من المعقول ان تفتح ابواب المهنة على مصراعيها للمتقاعدين قضاة اواساتذة جامعيين امام الافواج الهائلة من الشباب العاطل الذين هم احق واولى بالتشغيل.

ولابد من التفكير مليا كذلك في الاجانب الذين يرغبون في مزاولة المهنة بالمغرب مع دراسة اتفاقية المنظمة العالمية للتجارة التي تنص على تحرير الخدمات القانونية واتفاقيات التبادل الحر مع الاتحاد الاوروبي ومع الولايات المتحدة الامريكية ومع بعض الدول العربية وغيرها والاتفاقيات القضائية الثنائية. ثم هل ستبقى المكاتب الدولية والمحامين التابعين لها خاضعة غدا للنقابات الاجنبية الام ام انها ستخضع للمؤسسات الوطنية المحلية ؟.
ولا بد ان يوضح المشرع من جهة اخرى بعض المقتضيات القانونية الواردة في القانون الحالي او في المشروع “كالقدرة الفعلية على ممارسة المهنة بكامل اعبائها” والتفرقة بين السر المهني وسرية التحقيق ومقتضيات اخرى متناقضة او غامضة.
ويجب الوقوف هنا من جهة اخرى على صيغة القسم المؤدى من قبل المحامين المتمرنين او المعفيين من التمرين. واعتقد بان النص الحالي اصبح متجاوزا مع روح الانفتاح لانه يجبر المحامي على القسم على الخنوع ويعطي الدليل على عدم استقلال المحامي حتى قبل ولوجه المهنة. فهل حان الوقت لتغيير صيغة القسم بالاقتصار على الجانب المهني المتعلق بالكرامة والشرف والضمير والنزاهة والانسانية والاستقلال والسر المهني ام ان العقليات لم تنضج بعد ؟.

ثم ان مما لا شك فيه وفي سبيل مواجهة التحديات العالمية الجديدة فان المحامي مدعو للتكوين والتكوين المستمر وان على المشرع المغربي ان يلزم المعهد الوطني للتكوين اذا ما تم تبني هذه الفكرة او اجهزة الهيئات، في حالة العكس، بشراكة مع جهات اخرى ( كليات ومعاهد، ابناك، شركات، بورصة، … الخ ) لكي تقف مليا عند تكوين وتاهيل المحامي المغربي حتى يكون على بينة من المتغيرات المتلاحقة والسريعة ويكون بالتالي في المستوى المرغوب فيه وطنيا واقليميا ودوليا.
ونظرا لانفتاح المغرب على محيطه الخارجي فانه حان الوقت كذلك للتنصيص على امكانية مزاولة المهنة في اطار شركات مدنية مهنية والتنصيص على المحامي الاجير. فالكل يعلم اليوم بان العمل الجماعي منتج اكثر من العمل الانفرادي بالاضافة الى ما تسمح به الشركة من تخصص تجعل مردودية المكتب اكثر عطاء من الناحية العلمية وحتى من الناحية المادية.

ومن جهة اخرى فانه ربما حان الوقت كذلك لتوسيع مهام المحامي وفتح آفاق جديدة امامه لاخراجه من الازمة التي يتخبط فيها الان لانه مطالب غدا للعمل في مجال التجارة الدولية ومجالات اخرى. تم على القانون الجديد ان يجبر القوانين الداخلية لتحد من مضايقة المحامي سواء فيما يتعلق بتنقله مع موكليه مثلا او فيما يتعلق بقيود اخرى اكل عليها الدهر وشرب. فالتقاليد والاعراف تتغير حسب الظروف وحسب الازمنة والتشبث باعراف متجاوزة هو تشبث بآلة اصابها الصدأ ولم يعد بمقدور احد تشغيلها. وبدل مواصلة التضييق على المحامي من خلال القانون المقبل كالاذن المسبق للتوفر على موقع بالانترتيت مثلا والذي يعتبر مسا صارخا لحرية التعبير فان على المشرع ان يكون منطقيا ومنسجما مع المقتضيات الواردة في الدستور ومع تلك الواردة بالمواثيق الدولية يخصوص الحريات ومحاولة التوفيق بينها وبين ما سيرد في القانون المقبل.

ثم على المجتمع برمته ان يقتنع بضرورة احتكار المهنة من قبل المحامين حتى اتجاه الدولة والمؤسسات العمومية والشبه العمومية ولا يجب النظر لهذا الاحتكار من الزاوية المادية او من زاوية تشغيل المحامين فقط لان الامر اكبر مما يعتقد البعض بكثير. فالدولة تتحرر من عدة قطاعات بخصخصتها ولا معنى لان تحتفظ بالحق في التقاضي بصفة مباشرة او بواسطة العون او الوكيل القضائي للمملكة. ثم ان المساطر التي يباشرها المتقاضي بصفة شخصية عادة ما تحكم بعدم القبول لعدم المامه بالشكليات والدفوع القانونية فيتم اضاعة وقت المحكمة واضاعة مبالغ الصوائر القضائية والشبه قضائية وتعبئة محاكم برمتها وهدر المال العام ليتم ارجاع الملف مرة ثانية وربما ثالثة امام القضاء.
ومن جهة اخرى فان على المشرع ان يجعل المهنة في منآى عن الشركات التجارية الجديدة التي اصبحت تقوم باعمال ومساطر هي اصلا من صميم مهام المحامي.

ولابد من التسائل ايضا حول مغزى استمرار منع المحامي من ممارسة كل نوع من انواع التجارة في العصر الحالي امام ما يجري في الواقع حيث اصبح للمحامي مقاهي ومقاهي الانترنيت ومخادع للهاتف ونوادي للرياضة ومحلبات ومصانع للدواجن وانشطة عقارية مهمة ومصانع مختلفة. وباعتبار ان بعض الانشطة التي كانت والى الامس القريب تعتبر مدنية قد اصبحت تعتبر تجارية كجل العمليات العقارية وبعض الانشطة المرتبطة بالفلاحة او الرياضة او غيرها.
ويجب التسائل ايضا بخصوص المحامي الذي يجد نفسه امام ارث يتضمن انشطة تجارية او عقارية او فلاحة صناعية او غيرها مثلا ومعرفة هل حان الوقت لفتح المجال امام المحامي ليشارك بصفة عامة في الحركية الاقتصادية للبلاد خصوصا امام الازمة التي يعرفها المغرب والتي بامكان المحامي المساعدة على تذويب جزء ولو بسيط منها لو اتيحث له الفرصة. ويمكن للمرء ان يتسائل ايضا على المنع من ممارسة التجارة الذي يمتد الى آباء وابناء وزوجة المحامي مع العلم ان الذمة المالية لكل واحد مستقلة عن الذمة المالية للآخر. اما حان الوقت بعد وامام الظرفية الراهنة ان يتم اشراك المحامي في جميع المجالات الحيوية للبلاد سواء منها الثقافية او السياسية او الاقتصادية او الرياضية ؟.
ومن جهة اخرى وحتى يتمكن المحامي من القيام بمهامه باستقلالية فلا بد من التاكيد على دعمه بحصانة لا تقل درجة على حصانة القضاة نظرا لجسامة مسؤولياته ولخطورة المهام التي يتقلدها. كما ان على المشرع اعادة النظر يخصوص حظر التوقف عن العمل بالنسبة للمحامين لان هذا المنع مخالف للدستور الذي يضمنه ومخالف لجميع المواثيق الدولية التي تعتبر حق الاضراب عن العمل كوسيلة من وسائل الاحتجاج هو حق مقدس للانسان.
واعتقد كذلك انه لا بد للمشرع ان يقف على علاقة المحامي بالقضاء وبزملائه وبزبنائه وباجهزة الهيئة التي ينتمي اليها حتى يعرف الكل ما له وما عليه. كما لا بد له من الوقوف مليا عند صندوق الاداءات النقدية المرتقب لمعرفة المساوىء او المزايا ومعرفة الامكانات المادية والبشرية للهيئات في تسيير هذا الصندوق.
ولا بد من الاشارة هنا كذلك الى ان المحامي بالمغرب يقدم خدماته بالمجان في اطار المساعدة القضائية وهو موضوع يجب الوقوف عنده لتتحمل الدولة اتعاب المساعدة القضائية حتى تكون خدمات المحامي في المستوى المرغوب فيه وتتم مساءلته ومحاسبته عند الاقتضاء.

ومن جهة اخرى اما حان الوقت للتنصيص على المحامي الاجير كما هو الشأن في الدول الاخرى اذ لا يعقل تجاهل حقوق هذا الاخير وعدم اداء واجبات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وواجبات التغطية الصحية والتأمينات المختلفة الاخرى تحث غطاء المحامي المساعد.
ولا يمكن ان نتكلم عن المحاماة دون الكلام عن الاجهزة التي تتكون من الجمعية العمومية ومن النقيب ومن اعضاء مجلس الهيئة. وتثار عدة تساؤلات حول هذه الاجهزة وطريقة اختيار النقيب وكذا اعضاء مجلس الهيئة. هنالك من يقول بان على المشرع ان يمنح الجمعية العمومية اكثر من رأي استشاري وهناك من يطالب بان الجمعية العامةهي التي عليها اختيار النقيب و اختيار اعضاء مجلس الهيئة وهنالك من له رأي مخالف.
واعتقد ان الديموقراطية تقتضي الابقاء على الطريقة الحالية مع ادخال بعض الاصلاحات بخصوص الدور الثاني لانتخاب النقيب الذي يجب ان يقتصر الترشيح له على المرشحين الاثنين الذين حصلا على اكثر الاصوات في الدور الاول.
كما يجب ادخال بعض الاصلاحات بخصوص انتخاب اعضاء المجلس ليصبح الانتخاب يمر في دورة واحدة بدل دورتين مرهقتين وان يقتصر حق الترشيح على فترة واحدة وان تملآ ورقة التصويت بعدد اعضاء المجلس والا اعتبرت لاغية وان لا يترشح النقيب السابق لولاية اخرى سواء كنقيب او كعضو للمجلس باعتباره قضى فترة كنقيب وفترة كعضو للمجلس بقوة القانون.
واظن ان الاتجاه الذي تريد ان تسير عليه جمعية هيئات المحامين من فرض عدد من النقباء السابقين كأعضاء للمجالس يالاضافة الى النقيب التي انتهت ولايته هو اتجاه بعيد عن اللعبة الديموقراطية وبامكانه ان هو مرر ان يفقد الثقة في حقوقيين من المفروض ان يدافعوا عن الديموقراطية لا ان يكرسوا سياسة البقاء والخلود ويغلفونها بالقانون.
كما يجب الوقوف في القانون المقبل على تقنين لجنة تكلف بالسهر على الانتخابات ومنع المرشحين لمنصب النقيب او لمنصب العضوية ان يكونوا ضمن اعضاء هذه اللجنة وان يلتزموا الحياد.

وباعتبار ان الامر يتعلق بانتخابات ولو مهنية فعلى المشرع ان يفرض على المرشحين التعريف ببرامجهم وتصوراتهم لا ان يختبأ البعض وراء تقاليد لم يعد لها وجود في عصر الشفافية وعصر الانفتاح. وعلى المشرع ايضا ان يسمح بالحملة الانتخابية ويقننها ليعرف المرشح ما له وما عليه لان الامور اصبحت ” تشبه الى حد كبير حملات الانتخابات الجماعية” كما كتب احد الزملاء بل تجاوزتها من حيث مستوى الرداءة والانحطاط بحيث يخيل للمرء انه بصدد انتخابات سياسية سياسوية للوصول الى الحكم لا بصدد انتخابات مهنية من المفروض ان يكون الهدف منها هو خدمة المحاماة وخدمة المحامين لا اقل ولا اكثر.
ولا بد كذلك من الاشارة الى مقترح خلق هيئة وطنية للمحاماة او مجلسا وطنيا للنقابات بدلا من جمعية هيئات المحامين بالمغرب المؤسسة في اطار ظهير الجمعيات للتنسيق بين الهيئات المتواجدة او التي ستخلق وهي نقطة مطروحة هي الاخرى للتأمل والمناقشة.

ثم لن ننسى مالية الهيئة ليتم تقنين الضبط والمراقبة من قبل اخصائيين في الحسابات وفي تدقيق الحسابات بل لابد من مراقبة لاموال الهيئة من قبل المفتشية العامة لوزارة المالية نظرا لكون هذه الامال تعتبر اموالا عمومية لا يمكن التصرف فيها بدون رقيب.
اما بخصوص التأديب فالسؤال المطروح هو هل من المستحسن ان يبقى مجلس الهيئة مختصا بجميع اعضائه للنظر في الشكايات ؟ ام هل من المستحسن ارجاع بعض السلطات للنقيب اذا كان الامر يتعلق بمجرد حفظ الشكاية اواذا كان الامر يتعلق بتوجيه مجرد انذار شفوي او كتابي ؟.

وهل من المستحسن خلق مجلس تأديبي مصغر ليبث في القضايا التأديبية ما عدا قضايا التشطيب ؟ ام يجب الابقاء على الاوضاع الحالية ؟. ثم هل النقيب الذي يحيل الشكاية على مجلس الهيئة بعد ان حقق مع المحامي المعني بالامر( اي هو الذي يحرك المتابعة ) من حقه المشاركة في مناقشة الملف والمشاركة في التصويت على العقوبة التأديبية ام يجب عليه عدم الحضور او الالتزام بالحياد على الاقل وعدم المشاركة في التصويت ؟. كل هذه تساؤلات اطرحها للمناقشة.
ثم ان القانون الحالي به عدة ثغرات لا بد من ملئها كمراجعة اختصاصات الجمعية العمومية وكالقرار الضمني وكالمانع القانوني ونسبة الاتعاب وتقادمها ومدة توقيف المحامي وغير ذلك من الثغراث التي لا يتسع الوقت لعرضها. كما تجدر الاشارة الى ان مشروع القانون المعروض حاليا على الامانة العامة للحكومة يتضمن عدة تناقضات بين مواده كما يرد به سوء ترتيب الكلمات ( كالاعراف والتقاليد والصحيح هو التقاليد والاعراف ) وتتخلله العديد من النواقص كما انه سيطرح عدة اشكاليات قانونية وعملية بمجرد صدوره ولا يمكن بسطها في هذه الورقة المختصرة. واعتقد بكل صدق انه تم التسرع في ارسال المشروع الى الامانة العامة للحكومة على شكله الحالي وانه كان على جميع الهيئات المتواجدة بالمغرب ان تتحمل مسؤولياتها التاريخية في هذا الباب وان تدلوا بدلوها كما انه كان حريا على جمعية هيئات المحامين بالمغرب وعلى وزارة العدل اشراك بعض الفعاليات الحقوقية والاقتصادية والمالية وغيرها لاصدار نص يتماشى مع المتطلبات الوطنية والاقليمية والدولية في هذا المجال.
وخلاصة القول، ان قانون المحاماة المطبق بالمغرب حاليا اصبح متجاوزا في العديد من محاوره و هو بحاجة الى وقفة تأمل شمولية والى اصلاح جدري ليساير الحداثة والمعاهدات والاتفاقات الدولية وليس الاقتصار على تعديل البعض من فصوله. واصلاح قانون المحاماة وتقوية مؤسسة الدفاع هو دعم وتقوية لمؤسسة القضاء التي تجد في المحامي المساعد الاول في تنوير القاضي وتسهيل مهمته وتمكينه من اداء واجبه في ظل الظواهر المجتمعية الوطنية والاقليمية والدولية بهدف تطبيق القانون تطبيقا سليما لتحقيق العدل وتعزيز مناخ الثقة والشعور بالامان لاعطاء نفس جديد للجميع من اجل الانخراط في مسلسل التنمية اقتصادية كانت ام بشرية.