حكم تمييز ( تزوير – شروع في سرقة )

محكمة التمييز
الدائرة الجزائية
جلسة 21/ 6/ 2005
برئاسة السيد المستشار/ كاظم محمد المزيدي – رئيس الجلسة، وعضوية السادة المستشارين/ محمود دياب ومجدي أبو العلا وجاب الله محمد جاب الله وعلي الصادق عثمان.
(20)
(الطعن رقم 556/ 2004 جزائي)
1 – إثبات “بوجه عام” و”إقناعية الأدلة وتساندها”. حكم “ضوابط التسبيب”. محكمة الموضوع “سلطتها في تكوين عقيدتها”.
– محكمة الموضوع تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر الدعوى. لها الأخذ من أي بينة أو قرينة ترتاح إليها دليلاً لحكمها. لا يشترط أن ينبئ كل دليل ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى. علة ذلك: تساند الأدلة.

2 – تزوير. اشتراك. جريمة. محكمة الموضوع “سلطتها في استخلاص توافر الاشتراك في جريمة التزوير”.
– الاشتراك في جرائم التزوير. كيف يتم. تستخلصه محكمة الموضوع من ظروف الدعوى وملابساتها. شرطه.
3 – تزوير. جريمة “الركن المعنوي”. قصد جنائي. بنوك.

– القصد الجنائي في جريمة التزوير في أوراق البنوك. مناط تحققه. يكفي احتمال وقوع الضرر في الوقت الذي تم فيه تغيير الحقيقة.

4 – إثبات “طرق الإثبات. الصورة الضوئية للمستندات”. تزوير. جريمة. حكم “تسبيب غير معيب”. محكمة الموضوع “سلطتها في إثبات جرائم التزوير”.

– عدم وجود المحرر المزور. لا يترتب عليه حتمًا عدم ثبوت التزوير. علة ذلك. مثال بشأن الصورة الضوئية لشيك مزور.
– للمحكمة تكوين عقيدتها لإثبات التزوير بكافة طرق الإثبات ولها الأخذ بالصورة الضوئية كدليل في الدعوى. علة ذلك. مثال.
– محكمة الموضوع ليست ملزمة بتعقب المتهم في كل جزئية يثيرها في مناحي دفاعه الموضوعي. اطمئنانها إلى الأدلة التي عولت عليها. مفاده.

5 – تزوير. عقوبة. جريمة “أركانها”. شيك. دفاع “دفاع ظاهر البطلان”. حكم “تسبيب غير معيب”. بنوك.
– التزوير المعاقب عليه في أوراق البنوك. مناطه: أن تكون الورقة التي حصل تغيير @الحقيقة فيها قد صدرت أو من شأنها أن تصدر من موظف بأحد البنوك مختص بتحريرها أو بالتدخل فيها.

– قيام موظف البنك بإجراء تحويل للشيك المزور لحساب أحد المتهمين. اعتبار الحكم التزوير الواقع في الشيك تزويرًا في ورقة من أوراق البنوك. صحيح. التفات الحكم عن دفاع الطاعن بأن الشيك ليس ورقة من أوراق البنك. لا يعيبه. علة ذلك.
6 – إجراءات المحاكمة. دفاع “الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره”. إثبات “إجراءاته”. تزوير. مضاهاة.

– عدم قيام المحكمة بإجراء سكت الخصم عن المطالبة به ولم تر هي حاجة إليه. لا يوفر الإخلال بحق الدفاع.
– تعذر إجراء المضاهاة. لا يمنع من إثبات حصول التزوير بكافة الأدلة الأخرى.
7 – تزوير “أوراق البنوك”. عفو فردي. شكوى. دعوى جزائية “تحريكها”. بنوك.

– جريمتا الاشتراك في تزوير ورقة من أوراق البنوك والشروع في الاستيلاء بالتحايل على مال بإيجاد سند دين غير حقيقي. ليستا من الجرائم التي تستلزم شكوى لتحريكها. العفو الفردي أو التصالح فيهما. غير جائز. أساس ذلك.

1 – من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى، وأن تأخذ من أي بينة أو قرينة ترتاح إليها دليلاً لحكمها ولا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم ينبئ كل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، إذ الأدلة في المواد الجزائية متساندة يكمل بعضها بعضًا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال عقيدة المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.

2 – الاشتراك في جرائم التزوير يتم غالبًا دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة تدل عليه، ولهذا يكفي أن تستخلص محكمة الموضوع حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها، ما دام في وقائعها ما يسوغ الاعتقاد بوقوعه.
3 – يتحقق القصد الجنائي في جريمة التزوير في أوراق البنوك متى تعمد الجاني تغيير الحقيقة في هذه الأوراق مع انتواء استعمالها في الغرض الذي من أجله غيرت الحقيقة، تغييرًا من شأنه أن يسبب ضررًا، لا يشترط أن يقع بالفعل، بل يكفي احتمال وقوعه في الوقت الذي تم فيه تغيير الحقيقة بغير التفات إلى ما يطرأ من بعد.

4 – من المقرر أن عدم وجود المحرر المزور لا يترتب عليه حتمًا عدم ثبوت التزوير، إذ الأمر في هذا مرجعه إلى إمكان قيام الدليل على حصول التزوير ونسبته إلى المتهم، وللمحكمة أن تكون عقيدتها في ذلك بكافة طرق الإثبات ولها أن تأخذ بالصورة الضوئية كدليل في الدعوى، إذ لم يجعل القانون الجزائي لإثبات جريمة التزوير طريقًا خاصًا، وكان البيّن من الحكم المطعون فيه، فيما حصله من شهادة…….. – الموظف ببنك بيت التمويل الكويتي – أنه أعاد أصل الشيك المزور إلى الطاعن – بعد تصويره – بحجة ضرورة مراجعة الفرع المفتوح به حساب الساحب، وقد عول الحكم – ضمن ما عول – في ثبوت التزوير، على ما شهد به المجني عليه:…..، بأن إدارة بنك بيت التمويل عرضت عليه صورة ذلك الشيك، فتبين أن أصله كان قد نُزع من دفتر شيكاته، وأن التوقيع الثابت فيه مزور عليه، وأنه لا يعرف اسم المستفيد الثابت به، فإن ما يثيره الطاعن بشأن خلو أوراق الدعوى من أصل المحرر المزور، ومن الدليل اليقيني على مقارفته ما نسب إليه، بما يظاهر دفعه بنفي التهمة، يكون بدوره جدلاً فيما لمحكمة الموضوع من سلطة تقدير أدلة الدعوى، وفهم الواقع فيها، بغية الوصول إلى نتيجة أخرى غير التي انتهى إليها الحكم، ولا يعيبه إن التفت عن الرد عليه، لما هو مقرر من أن المحكمة ليست ملزمة بتعقب المتهم في كل جزئية يثيرها في مناحي دفاعه الموضوعي، لأن اطمئنانها إلى الأدلة التي عولت عليها، يدل على إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، دون أن تكون ملزمة ببيان علة إطراحها.

5 – من المقرر أن مناط العقاب على التزوير في أوراق البنوك، في مفهوم نص المادة 259/ 1 من قانون الجزاء، هو أن تكون الورقة التي حصل تغيير الحقيقة فيها قد صدرت أو من شأنها أن تصدر من مستخدم بأحد البنوك – مختص بتحريرها – أو بالتدخل فيها، فإذا كان المستخدم قد حرر الورقة كلها، أو اعتمدها، فإن الورقة تُعد من محررات هذا البنك في جميع أجزائها، وإذ كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الشيك – محل التهمة الأولى – قد تم تزوير توقيع الساحب فيه – فضلاً عن جميع بياناته – ، وأن ذلك وإن كان – في الأصل – مما يحرر بعيدًا عن تدخل مستخدم البنك، إلا أنه لما كان الثابت أن الطاعن والمحكوم عليهما الآخرين، قدموا هذا الشيك إلى بنك بيت التمويل الكويتي، لتحويل القيمة الثابتة فيه، لحساب المحكوم عليه الثالث، فقام موظف البنك بإجراء التحويل فعلاً، وبما يُعد اعتمادًا منه للشيك – المار بيانه – ، الأمر الذي يترتب عليه، اعتبار ما وقع فيه من تزوير، تزويرًا في ورقة من أوراق البنوك، طبقًا للمادة 259/ 1 من قانون الجزاء، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون، ولا تثريب على المحكمة إن هي التفتت عن الرد على دفاع الطاعن في هذا الخصوص، بحسبانه دفاعًا قانونيًا ظاهر البطلان، وبعيد عن محجة الصواب، ومن ثم فإن نعي الطاعن على الحكم في هذا الشأن يكون غير سديد.

6 – إذ كان الثابت من مذكرة دفاع الطاعن أمام محكمة الاستئناف إشارته إلى أنه لو كان أصل الشيك موجودًا بأوراق الدعوى لطلب إجراء مضاهاة توقيع الساحب على توقيع المجني عليه، إلا أنه يعلم بتعذر تلك المضاهاة، إزاء عدم وجود أصل الشيك، دون أن يطلب في مذكرته أو مما أبداه من دفاع، إجراء ثمة تحقيق في هذا الخصوص، فإنه لا يحق له من بعد أن ينعى على المحكمة أنها لم تقدم بإجراء سكت هو عن المطالبة به ولم تر هي حاجة إليه، ومن ثم تنتفي عن الحكم قالة الإخلال بحق الدفاع هذا إلى ما هو مقرر من أن تعذر إجراء المضاهاة لا يمنع المحكمة من إثبات وقوع التزوير بكافة الأدلة الأخرى.

7 – إذ كانت المادة 240 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية قد بينت على سبيل الحصر الجرائم التي يجوز فيها للمجني عليه العفو عن المتهم أو التصالح معه، وكانت جريمتا الاشتراك في تزوير ورقة من أوراق البنوك والشروع في الاستيلاء بالتحايل على مال بإيجاد سند دين غير حقيقي – اللتان دين بهما الطاعن – ليستا من الجرائم التي يتوقف رفع الدعوى الجزائية فيها على تقديم شكوى، كما أنهما لا تدخلان في عداد سائر الجرائم المنصوص عليها في المادة سالفة الذكر، فإن ما ينعاه الطاعن بشأن عدم إعمال الحكم أثر عفو المجني عليه عنه، يكون غير قويم.

الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلاً من: 1 – …… 2 – …… (الطاعن) 3 – ……. لأنهم في يوم 9/ 6/ 1999 بدائرة مخفر شرطة المباحث الجنائية – محافظة العاصمة: المتهمون جميعًا: 1 – اشتركوا مع آخر مجهول في ارتكاب تزوير في ورقة من أوراق البنوك على نحو يوهم بمطابقتها للحقيقة هي الشيك رقم 8400 بمبلغ عشرون ألف دينار كويتي المنسوب صدوره إلى المجني عليه…… مسحوبًا على بنك بيت التمويل الكويتي بأن اتفقوا مع ذلك المجهول على تزويره وساعدوه بأن أمدوه بأصل الشيك الذي تحصل عليه أولهم وأثبت به ثانيهم خلافًا للحقيقة صدوره لأمر المتهم الثالث، فمهره المجهول بتوقيع نسبه زورًا إلى صاحب الحساب ودفعوا بالشيك إلى موظف بنك بيت التمويل الذي سايرهم واعتمد بياناته وأجرى تحويل قيمته إلى حساب فتحه المتهم الثالث بفرع آخر للبيت لهذا الغرض، فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة، وكانت الورقة بعد تغيير الحقيقة فيها صالحة لأن تستعمل على هذا النحو المبين بالأوراق. 2 – شرعوا في الاستيلاء بالتحايل على مبلغ عشرون ألف دينار من حساب…… بنك بيت التمويل الكويتي بإيجاد سند دين غير حقيقي هو الشيك موضوع التهمة الأولى ولم يتموا جريمتهم بسبب لا دخل لإرادتهم فيه هو علم إدارة البنك ببغيتهم ووقف صرف قيمة الشيك.

المتهم الأول: سرق الشيك موضوع التهمتين سالفتي البيان والمملوك للمجني عليه…… وذلك على النحو المبين بالأوراق. وطلبت عقابهم بالمواد: 45، 46، 48/ ثانيًا وثالثًا، 52/ 1، 217، 219، 231، 232، 257، 259/ 1 من قانون الجزاء. حكمت محكمة الجنايات: – غيابيًا للمتهم الثاني وحضوريًا للأول والثالث:

أولاً: بحبس المتهم الأول أربع سنوات مع الشغل والنفاذ عما نسب إليه. ثانيًا: بحبس المتهم الثاني ثلاث سنوات مع الشغل والنفاذ عما نسب إليه، ثالثًا ورابعًا: بحبس المهتم الثالث سنة مع الشغل والنفاذ – عن تهمة الشروع في الاستيلاء، وببراءته من تهمة الاشتراك في التزوير وأمرت بإبعاد المتهمين عن البلاد بعد تنفيذ العقوبة. عارض المهتم الثاني، والمحكمة حكمت باعتبار المعارضة كأن لم تكن. استأنف المحكوم عليه الثاني ومحكمة الاستئناف قضت بتاريخ 30/ 10/ 2004 بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق التمييز.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون.
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي اشتراك في تزوير ورقة من أوراق البنوك وشروع في استيلاء بالتحايل على مال المجني عليه قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال واعتوره الخطأ في القانون،

وانطوى على الإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه أغفل الرد على دفوع الطاعن بعدم توافر أركان جريمة التزوير في حقه، إذ اقتصر دوره على مجرد كتابة بيانات الشيك – محل التزوير – وهو ما لا جريمة فيه، وقد أخبره المتهم الأول بأن المجني عليه هو الذي وقع عليه، دون أن يعلم الطاعن بسرقته له، وبانتفاء الضرر، وأن أوراق الدعوى خلت من أصل ورقة ذلك الشيك، ومن الدليل اليقيني على مقارفة الطاعن ما نسب إليه، وبما يظاهر دفعه بنفي الاتهام، فضلاً عن أن الشيك سند الدعوى – بفرض وجوده – لا يعد من أوراق البنوك، إذ لم يصدر من أحد المختصين فيها أو يتدخل فيه، وكان على محكمة الموضوع أن تجري المضاهاة بين توقيع الساحب فيه وبين توقيع المجني عليه، هذا إلى أن الحكم لم يعمل الأثر القانوني المترتب على عفو المجني عليه عن الطاعن، وكل ذلك يعيب الحكم ويستوجب تمييزه.

ومن حيث إن الحكم الابتدائي المندمج في الحكم المستأنف والمؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بقوله: “إنه لرغبة المتهم الأول في الحصول على المال قام بالاستيلاء على شيك مملوك للمجني عليه (……) واتحدت إرادة المتهمين على الاستيلاء على مبلغ عشرين ألف دينار من حساب الأخير فقام المتهم الثاني بتحرير بيانات الشيك بذلك المبلغ لأمر المتهم الثالث ليتم تحويل المبلغ لحسابه الذي تم فتحه بفرع آخر لبنك بيت التمويل لهذا الغرض، وقام مجهول بالاتفاق معهم بمهر الشيك بتوقيع نسبه زورًا للمجني عليه، ثم قدموا الشيك إلى بنك بيت التمويل لتحويل قيمته لحساب المتهم الثالث بعد الاتفاق مع أحد موظفي البنك والذي أبلغ رؤساءه فطلبوا منه مسايرة المتهمين، فقام بتحويل مبلغ الشيك ورده إليهم – بعد تصويره –

وأثبتت إدارة البنك قيدًا عكسيًا بقيمة الشيك، ليفوت على المتهمين مقصدهم”. وساق الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة في حق الطاعن – والمحكوم عليهما الآخرين – أدلة استمدها من شهادة شهود الإثبات…… و…… و…… و……. وما أقر به الطاعن في التحقيقات وما ثبت من كشف حساب المجني عليه لدى بنك بيت التمويل. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى، وأن تأخذ من أي بينة أو قرينة ترتاح إليها دليلاً لحكمها ولا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم ينبئ كل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، إذ الأدلة في المواد الجزائية متساندة يكمل بعضها بعضًا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال عقيدة المحكمة

واطمئنانها إلى ما انتهت إليه. وأن الاشتراك في جرائم التزوير يتم غالبًا دون مظاهر خارجية وأعمال مادية محسوسة تدل عليه، ولهذا يكفي أن تستخلص محكمة الموضوع حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها، ما دام في وقائعها ما يسوغ الاعتقاد بوقوعه، ويتحقق القصد الجنائي في جريمة التزوير في أوراق البنوك متى تعمد الجاني تغيير الحقيقة في هذه الأوراق مع انتواء استعمالها في الغرض الذي من أجله غيرت الحقيقة، تغييرًا من شأنه أن يسبب ضررًا، لا يشترط أن يقع بالفعل، بل يكفي احتمال وقوعه في الوقت الذي تم فيه تغيير الحقيقة بغير التفات إلى ما يطرأ من بعد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه لم ينسب إلى الطاعن أنه الذي قارف تزوير الشيك محل الجريمة – موضوع التهمة الأولى – ، وإنما آخذه عن الاشتراك في تزويره، وكان ما أورده الحكم في بيانه للواقعة واستعراضه الأدلة والقرائن التي اطمأن إليها – في نطاق السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع – يسوغ في مجموعه – ما رتب عليه، ويصح استدلال الحكم به على ثبوت اشتراك الطاعن في جريمة تزوير الشيك – كورقة من أوراق البنوك – بطريقي الاتفاق والمساعدة، وعلمه بتزويره، فإنه يكون قد التزم صحيح القانون، ولا يعيبه أنه التفت عن الدفاع بعدم تحقق أركان هذه الجريمة، ما دام مؤدى ما أورده في بيانه لواقعة الدعوى، وما استعرضه من أدلتها،

ما يدل على توافر أركان تلك الجريمة، وفيه الرد الكافي على هذا الدفاع، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد ينحل – في حقيقته – إلى جدل موضوعي حول سلطة محكمة الموضوع في استخلاص أركان الجريمة والمساهمة فيها من الواقع في الدعوى، مما لا تقبل إثارته لدى محكمة التمييز. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن عدم وجود المحرر المزور لا يترتب عليه حتمًا عدم ثبوت التزوير، إذ الأمر في هذا مرجعه إلى إمكان قيام الدليل على حصول التزوير ونسبته إلى المتهم، وللمحكمة أن تكون عقيدتها في ذلك بكافة طرق الإثبات ولها أن تأخذ بالصورة الضوئية كدليل في الدعوى، إذ لم يجعل القانون الجزائي لإثبات جريمة التزوير طريقًا خاصًا، وكان البيّن من الحكم المطعون فيه، فيما حصله من شهادة (……) الموظف ببنك بيت التمويل الكويتي – أنه أعاد أصل الشيك المزور إلى الطاعن – بعد تصويره – بحجة ضرورة مراجعة الفرع المفتوح به حساب الساحب، وقد عول الحكم – ضمن ما عول – في ثبوت التزوير، على ما شهد به المجني عليه:……، بأن إدارة بنك بيت التمويل عرضت عليه صورة ذلك الشيك، فتبين أن أصله كان قد نُزع من دفتر شيكاته، وأن التوقيع الثابت فيه مزور عليه، وأنه لا يعرف اسم المستفيد الثابت به، فإن ما يثيره الطاعن بشأن خلو أوراق الدعوى من أصل المحرر المزور، ومن الدليل اليقيني على مقارفته ما نسب إليه، بما يظاهر دفعه بنفي التهمة، يكون بدوره جدلاً فيما لمحكمة الموضوع من سلطة تقدير أدلة الدعوى، وفهم الواقع فيها،

بغية الوصول إلى نتيجة أخرى غير التي انتهى إليها الحكم، ولا يعيبه إن التفت عن الرد عليه، لما هو مقرر من أن المحكمة ليست ملزمة بتعقب المتهم في كل جزئية يثيرها في مناحي دفاعه الموضوعي، لأن اطمئنانها إلى الأدلة التي عولت عليها، يدل على إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، دون أن تكون ملزمة ببيان علة إطراحها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن مناط العقاب على التزوير في أوراق البنوك، في مفهوم نص المادة 259/ 1 من قانون الجزاء، هو أن تكون الورقة التي حصل تغيير الحقيقة فيها قد صدرت أو من شأنها أن تصدر من مستخدم بأحد البنوك – مختص بتحريرها – أو بالتدخل فيها، فإذا كان المستخدم قد حرر الورقة كلها، أو اعتمدها، فإن الورقة تُعد من محررات هذا البنك في جميع أجزائها، وإذ كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الشيك – محل التهمة الأولى – قد تم تزوير توقيع الساحب فيه – فضلاً عن جميع بياناته – ،

وأن ذلك وإن كان – في الأصل – مما يحرر بعيدًا عن تدخل مستخدم البنك، إلا أنه لما كان الثابت أن الطاعن والمحكوم عليهما الآخرين، قدموا هذا الشيك إلى بنك بيت التمويل الكويتي، لتحويل القيمة الثابتة فيه، لحساب المحكوم عليه الثالث، فقام موظف البنك بإجراء التحويل فعلاً، وبما يُعد اعتمادًا منه للشيك – المار بيانه – ، الأمر الذي يترتب عليه، اعتبار ما وقع فيه من تزوير، تزويرًا في ورقة من أوراق البنوك، طبقًا للمادة 259/ 1 من قانون الجزاء، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون، ولا تثريب على المحكمة إن هي التفتت عن الرد على دفاع الطاعن في هذا الخصوص، بحسبانه دفاعًا قانونيًا ظاهر البطلان، وبعيد عن محجة الصواب، ومن ثم فإن نعي الطاعن على الحكم في هذا الشأن يكون غير سديد.

لما كان ذلك، وكان الثابت من مذكرة دفاع الطاعن أمام محكمة الاستئناف إشارته إلى أنه لو كان أصل الشيك موجودًا بأوراق الدعوى لطلب إجراء مضاهاة توقيع الساحب على توقيع المجني عليه، إلا أنه يعلم بتعذر تلك المضاهاة، إزاء عدم وجود أصل الشيك، دون أن يطلب في مذكرته السالفة أو في سواها مما أبداه من دفاع، إجراء ثمة تحقيق في هذا الخصوص، فإنه لا يحق له من بعد أن ينعى على المحكمة أنها لم تقدم بإجراء سكت هو عن المطالبة به ولم تر هي حاجة إليه، ومن ثم تنتفي عن الحكم قالة الإخلال بحق الدفاع. هذا إلى ما هو مقرر من أن تعذر إجراء المضاهاة لا يمنع المحكمة من إثبات وقوع التزوير بكافة الأدلة الأخرى – وعلى نحو ما سلفت الإشارة إليه. لما كان ذلك، وكانت المادة 240 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية قد بينت على سبيل الحصر الجرائم التي يجوز فيها للمجني عليه العفو عن المتهم أو التصالح معه، وكانت جريمتا الاشتراك في تزوير ورقة من أوراق البنوك والشروع في الاستيلاء بالتحايل على مال بإيجاد سند دين غير حقيقي – اللتان دين بهما الطاعن – ليستا من الجرائم التي يتوقف رفع الدعوى الجزائية فيها على تقديم شكوى، كما أنهما لا تدخلان في عداد سائر الجرائم المنصوص عليها في المادة سالفة الذكر، فإن ما ينعاه الطاعن بشأن عدم إعمال الحكم أثر عفو المجني عليه عنه، يكون غير قويم.
ولما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس، متعينًا رفضه موضوعًا.