رؤية قانونية في إحالة وزير الداخلية السابق للمحاكمة أمام محكمة الجنايات

في ظل ما تشهده البلاد حالياً من محاولة اقتلاع رؤوس الفساد ة المُفسدين ، أحيل عدد من الوزراء السابقين إلى المُحاكمة بتهم مُتعددة ، وكان من بين هؤلاء وزير الداخلية السابق / حبيب العادلي الذي وجهت له النيابة العامة عدة اتهامات منها قتل المُتظاهرين والتحريض والمُساعدة على ذلك خلال أحداث المظاهرات السلمية التي بدأت اعتباراً من 25/1/2011 احتجاجاً على سوء وتردى الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية بالبلاد،، ثم انتهت النيابة العامة في قرار الإحالة إلى المُطالبة بتوقيع نصوص المواد “40، 41/1، 45/1، 46/1، 230، 231، 235 من قانون العقوبات والمادة 116 مكرراً من قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 المُعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008، ومن ثمَّ كان إحالة الوزير سالف الذكر ومن شاركه في الاتهامات المنسوبة إليهم إلى محكمة الجنايات بدائرة استئناف القاهرة وفقاً لأمر الإحالة .

إلا إننا نتساءل هل محاكمة الوزراء يصح أن تتم أمام المحاكم العادية ووفقاً للإجراءات المُتبعة فيها ؟؟؟
فحتى لا يكون الخطأ في الإجراءات داعياً لإفلات هؤلاء المُجرمين من العقاب أو يكون هذا الخطأ منفذاً لمُحاولة إظهار أن مُحاكمتهم لم تتم وفق الأصول القانونية المتبعة وأنها نوع من تصفية الحسابات ، فإننا نرى بُطلان قرار إحالة الوزراء إلى محاكم الجنايات العادية ، وذلك لأن القانون المنظم لإجراءات محاكمتهم وبيان المحكمة المُختصة بنظر هذه المحاكمة هو القانون رقم 247/1956 بإصدار قانون محاكمة رئيس الجمهورية و الوزراء وهو قانون – على حد علمي – لم يزل قائماً لم يُلغَ منذ صدوره ، وإن كان قد صدر قانوناً مستقلاً بمحاكمة الوزراء وهو القانون رقم 79لسنة بإصدار قانون محاكمة الوزراء في الإقليمين المصري والسوري 1985 وهو الأمر الذي سبق للدكتور / فتحي سرور رئيس مجلس الشعب السابق تأكيده على ذلك عام 2006 رداً على الاقتراح المُقدم من الأستاذ / طلعت السادات عضو مجلس الشعب آنذاك بشأن إصدار قانون بمحاكمة رئيس الجمهورية تفعيلاً للمادة (85) من الدستور ، حيث أصدر مجلس الشعب قراراً بحفظ ذلك الاقتراح مؤسساً قراره هذا على أن هناك بالفعل قانوناً لمحاكمة رئيس الجمهورية والوزراء وهو القرار بقانون رقم ٢٤٧ لسنة ١٩٥٦، وصدر بعد ذلك القرار بقانون رقم ٧٩ لسنة ١٩٥٨، معدلاً القرار بقانون السابق، ومن ثم يبقي سارياً القانون رقم ٢٤٧ لسنة ١٩٥٦ سالف الذكر، رغم تعديله جزئياً فيما يخص الوزراء بالقانون رقم ٧٩ لسنة ١٩٥٨.

وإذا كان القانونين سالفي الذكر قد تضمنا إجراءات مُحددة بشأن محاكمة الوزراء فنصت المادة الأولى من الباب الأول بشأن الهيئة المُختصة بمحاكمة الوزراء على : (تتولى محاكمة الوزراء محكمة عليا تشكل من اثن عشر عضوا ستة منهم من أعضاء مجلس الأمة يختارون بطريق القرعة وستة من مستشاري محكمة النقض ومحكمة التمييز يختار ثلاثة منهم بطريق القرعة مجلس القضاء الأعلى في كل إقليم.
ويختار بذات الطريقة عدد مساو من أعضاء مجلس الأمة والمستشارين بصفة احتياطية.
وفي حالة غياب احد الأعضاء الأصليين أو قيام مانع منه يحل محله أقدم الأعضاء الاحتياطيين إذا كان من المستشارين واكبر الأعضاء سنا إذا كان من أعضاء مجلس الأمة.
ويرأس المحكمة أعلى المستشارين في الدرجة الأقدمية.)
كما نصت المادة (3) على أنه : ( يقوم بوظيفة الادعاء أمام المحكمة ثلاثة من أعضاء مجلس الأمة ينتخبهم المجلس بالاقتراع السري بأغلبية الأعضاء الذين يتكون منهم المجلس وذلك بعد صدور قرار الاتهام ويجوز أن يعاونه واحد أو أكثر من رجال النيابة العامة يندبه النائب العام بناء على طلب مجلس الأمة.
وفي حالة صدور قرار الإحالة من رئيس الجمهورية يقوم بتمثيل الادعاء أمام المحكمة النائب العام في الإقليم المصري أو النائب العم لدى محكمة التمييز في الإقليم السوري حسب الأحوال أو من يقوم مقامه ويعاونه من يرى الاستعانة به من رجال النيابة العامة.)
وفي المادة (4): ( تنعقد المحكمة في دار محكمة النقض بالقاهرة ، ويقوم قلم كتابها بأعمال قلم الكتاب في المحكمة العليا. )
فالقانونين سالفي الذكر قد حدداً تفصيلاً إجراءات محاكمة الوزراء ورئيس الجمهورية ، وتحديد لمسؤولية الوزراء وما يوجه إليهم من اتهامات والعقوبات المقررة لذلك و إجراءات الاتهام والمحاكمة ، فهل يصح مع بقاء هذين التشريعين اللجوء إلى محاكمة الوزراء ورئيس الجمهورية السابق بمقتضى قانون آخر ، وما مدي قانونية محاكمتهم خلافاً لما جاء بهذين التشريعين ؟؟؟ كل هذه الأطروحات جديرة بالمناقشة فهل من مناقش ؟؟؟؟؟

إن الفقيه هو الفقيه بفعلــه ….. ليس الفقيه بنطقــه ومقاله
وكذا الرئيس هو الرئيس بخلقه ….. ليس الرئيس بقومه ورجاله
وكذا الغني هو الغني بحالـــه ….. ليس الغني بملكــه وبماله
( الإمام الشافعي – رحمه الله )

وليـد حلمي السقا
مُحــام