العقبات القانونية وصناعة التكافل
د. عبد القادر ورسمه غالب
في مؤتمر التكافل واعادة التكافل السنوي الذي عقد الأسبوع الماضي بالبحرين شاركت مع نخبة من رجال التكافل والمصارف والقانون في جلسة نقاش تناولت، ضمن أشياء أخرى، العقبات القانونية التي تواجه صناعة التكافل وما هو المطلوب لتفهم تطبيق التكافل وتجاوز العقبات الماثلة لتمكين صناعة التكافل من الانطلاق جنبا الى جنب مع صناعة التأمين المزدهرة منذ عقود طويلة والتي تشكل أحد أهم أضلاع تأمين مقابلة المخاطر التي تواجه التجارة والخدمات في كل مجالاتهما.

صناعة التكافل، مقارنة مع التأمين، ما زالت تحبو وتتطلع نحو الوقوف علي أرجلها لتبدأ خطوات المشي الأولى في طريق مساندة ودعم التجارة والنشاطات والخدمات المرتبطة بها.

ويجدر بنا أن نشير الى أن التكافل وبالرغم من حداثة سنه الا أنه أثبت وجوده وبدأ صوته يرتفع كل يوم لتقديم نفسه وما في أحشائه كبديل أو منافس للتأمين التقليدي.

يقوم التكافل على هدف نبيل ينادي بالتآزر والتعاضد والتكامل والتكاتف كيد واحدة لمقابلة الأخطار التي تحدق أو تضر بالعمليات التجارة والصناعية والخدمية وكل ما يحتاج له الطرف الثالث.

وفي هذا المنحى السامي، يضع الجميع أياديهم فوق بعض لمؤازرة ومعاضدة بعضهم البعض في مواجهة أي خطر يتم التعرض له.

ومن هنا يسمو الجميع عن التفكير الفردي الذاتي بل يؤثرون الآخر ولو كان بهم خصاصة، ومن هنا تنبع أهمية التكافل ومثاليته.

وفي هذه الخصوصية فان التكافل يختلف جذريا عن التأمين التقليدي الذي تقوم شركة التأمين بموجبه بتغطية أضرار التأمين دون أي مساندة من المؤمن عليهم الآخرين والذين يسعي كل منهم للحصول على أكبر قطعة من الكيكة اذا لزم الأمر.

كما ذكرنا فان التأمين التقليدي بدأ منذ فترة طويلة مستمرة دون انقطاع مما أكسبه الدراية والخبرة بعد أن تجاوز غالبية العقبات، ان لم نقل جميعها، المرتبطة بممارسة هذه الصناعة الهامة.

هذا اضافة الى وجود قوانين للتأمين تم وضعها منذ حقبة طويلة وفق ضوابط مهنية فائقة وهي تتضمن عصارة التجارب والممارسات التأمينية الطويلة، كما تم اختبار هذه القوانين أمام المحاكم التي أصدرت أحكاما قضائية هامة شكلت سوابق هامة في تطوير أعمال التأمين، كما تم نشر الكثير من المنشورات القضائية والآراء الفقهية والأدبيات القانونية والاصدارات والمؤلفات الأكاديمية… كل هذه الثروة القانونية الثرة ساعدت في وضع أرضية قانونية سميكة تمضي عليها صناعة التأمين بكل ترو وثبات.

ومن الجهة الأخرى، اذا نظرنا من هذه الناحية لصناعة التكافل نجدها ما زالت «فقيرة» وتحتاج للمزيد من الوقت لتنمو وتتكاثر للخروج من مرحلة الفقر الي المرحلة التي تمكنها من الاكتفاء الذاتي ثم الانطلاق العام.

نجد بعض المحاولات التشريعية في بعض الدول التي قامت بإصدار قوانين خاصة لتقنين صناعة التكافل واعادة التكافولكن هذه القوانين، مقارنة مع قوانين التأمين، ما زالت «طرية» وتحتاج للامتحان عبر الممارسة اليومية واختلاف الآراء وربما الاحتكام للمحاكم لإصدار قرارات قضائية لوضع آليات واضحة لتفسير هذه القوانين الحديثة عبر اصدار الأحكام القضائية والسوابق والمنشورات والآراء المخالفة وغيره… وكل هذا مطلوب لتعريض التجربة التشريعية المبتدئة للصقل والفلترة كما يعرضها للعديد من التجارب الفعلية العملية ذات الأفكار المتلاقحة والمتجاذبة.

وبالطبع فان صقل القوانين وشحذها يوضح الرؤية مما يدعم تطور الممارسة وفق أطر قانونية سليمة توفر الحدود المطلوبة لتحقيق العدالة بين كافة الأطراف.

التكافل كأحد روافد العمليات المالية الاسلامية يجب أن تتم ممارسته وفق الضوابط الشرعية والتعليمات الصادرة من الجهات الإشراقية التي تشترط وجود هيئات شرعية في شركات التكافل لضمان أنه يتم وفق الضوابط والمعايير الشرعية السليمة النابعة من الشريعة الغراء.

ومن العقبات القانونية عدم وجود هذه المعايير الشرعية بصورة واضحة قاطعة وهذا ربما يعود لحداثة التجربة وعدم عمقها في بعض المناطق ولهذا يضطر البعض للرجوع للمبادئ القانونية العامة للاسترشاد بها وفق السوابق القضائية الصادرة من المحاكم… ولذا نلاحظ وجود بعض الضبابية فيما يتعلق ببعض المعايير الشرعية نظرا لبعض التداخل الذي حدث بين المعايير الشرعية والتفسير القانوني المرتبط بها، وهذا المجال يشكل بعض العقبات القانونية في طريق سير قطار التكافل.

واذا أخذنا مثلا، «التبرع» كأحد مرتكزات التكافل وتقديم المساعدة في شكل «هبة» وهبات، فهناك اختلافات واضحة بين مبادئ الشريعة والمبادئ القانونية فيما يتعلق بكيفية تحديد وحدود هذه المعطيات.

فمثلا هل يتم سحب والغاء التبرع والهبة؟ وماذا يحدث اذا تم الالغاء؟ وما هي الآثار القانونية لهذه التصرفات؟

كذلك الوضع بالنسبة للشخص المختار و»المعين» كمستفيد من مخرجات التكافل، وما هو وضع هذا الشخص «المعين» في حالة التضارب مع حقوق الورثة أصحاب الحق الشرعي؟

وكيف تتم معالجة التضارب اذا حدث؟ أيضا اذا حدثت فوائض مالية عند شركة التكافل، ماذا يتم حيال هذه الفوائض، وهي ترجع للشركة أو لمساهميها؟ ولماذا؟

كل هذه نقاط لها بعدها «الشرعي» وفق مبادئ الشريعة الغراء، كما لها بعدها القانوني وفق مبادئ القانون العامة.

وهناك تباين واضح بين البعدين مما يشكل العقبات وبعض المخاطر القانونية في طريق التكافل.

وللخروج من هذا الوضع، لا بد من وضع قوانين ذات أحكام واضحة تحكم كثل هذه النقاط ومن المستحسن أن تتضمن هذه القوانين الأحكام الفقهية المتفق عليها وبالعدم فان التضارب الشاذ والتناطح القوي الضار سيكون سيد الموقف مما يؤثر سلبا علي التكافل واستمراريته وبقائه لتقديم أحد الخيارات المقبولة لضمان تأمين العمليات التجارية.

ولهذا لا بد من وجود التشريعات القانونية الملائمة التي تضمن تجاوز التضارب لدرجة تمكن مسيرة التكافل من الاستمرار.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت