اهداف العقوبات في الفكر القانوني المقارن

د.صبري محمد خليل / أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه بجامعه الخرطوم

أولا: أهداف العقوبة في الفكر القانوني الغربي:

أولا: النظرية الجزائية:

اعتبرت ان الغاية من العقوبة هي إيقاع الجزاء على خرق القواعد الاخلاقيه والقانونية. فكانط مثلا يرى على ان العقوبة يجب ان تكون متطابقة مع الجريمة المرتكبة ، فالمذنب يجب ان يعاني من ذنبه ، والنظام الأخلاقي والعدالة الجنائية تتطلبان لوناً من ألوان العقوبة(امانويل كانت، فلسفة القانون، إدنبرة،1887).أما اوينك فيرى انه لا يوجد سبب جوهري لإدانة الجناية عن طريق إنزال الأذى بالجناة ، ما لم تكن المنفعة المتحققة من إنزال العقاب بالجناة نافعة، على مستويي الجاني والضحية، إلى درجة تعلن لهم بان خرق القانون على الصعيد الأخلاقي ، يجب ان يواجهه المجتمع بطريقة تمنع حصوله مستقبلاً(إي سي اوينك ،أخلاقية العقوبة، لندن، 1929). أما هيغل فيرى ان العقوبة ضرورية إبطال العمل الجنائي الذي ارتكبه الجاني، وبتعبير آخر، فان العقوبة لا تتحدد بتعويض الضحية، بل تتعدى إلى إنزال العقوبة الجسدية بالجاني (هيغل ،فلسفة الحقوق. أكسفورد،1942( . لان الجاني قد اخل بميزان النظام الأخلاقي في المجتمع؛ ولا يمكن تصحيح ذلك الخلل إلا بجعل الجاني يعاني من الألم جزاء عمله الإجرامي الذي ارتكبه. وبتعبير آخر، لما كانت الجناية إبطالا للحق، فان العقوبة إبطال لذلك الإبطال، ولذلك فإنها ـ حسب المنطق الديالكتيكي ـ وسيلة إلى إرجاع الحق إلى نصابه.

ثانيا: النظرية النفعية :

اعتبرت أن الغاية من العقوبة هي زجر الناس عن خرق القواعد الاخلاقيه والقانونية. فجيرمي بنثام مثلا يرى انه من الخطأ أخلاقيا إنزال العقوبة بفرد ما حتى لو كان جانياً ، وان العقوبة يمكن تبريرها فقط إذا كانت الآثار الايجابية المتولدة عنها تفوق الآثار السلبية الناجمة عن إنزال المعاناة والأذى بإنسان آخر وهو الجاني ،وهنا يجب ان عدم اللجوء إلى العقوبات الصارمة التي تنـزل الأذى بالجناة(جيرمي بنثام، مقدمة في مبادئ الأخلاق والتشريع ، لندن، 1789)، ويقدم (جيرمي

بنثام) اقتراحاً فلسفياً يقضي بإصلاح الجناة عن طريق معين ، وهو إدخالهم السجون او نفيهم من أوطانهم ،على شرط ان لا تتجاوز هذه العقوبة الإصلاحية جوهر الشر الذي أدى إلى إنزال الأذى بالضحية، ولكن إذا كانت العقوبة النازلة بالجاني قد تجاوزت الأذى الذي ألحقه بالضحية أصبحت العقوبة ـ عندئذ ـ قضية ظالمة لا يمكن تبريرها .

ثالثا: نظريه الإصلاح:

اعتبرت أن الغاية من العقوبة إصلاح الجاني،ويمثلها جرومتكا ونظريته فى الدفاع الاجتماعي ،ومضمونها استبدال مفاهيم القانون الجنائي القديمة بمفاهيم جديدة، فبدلا من الجريمة هناك الفعل إلا اجتماعي وبدلا من المجرم هناك الشخص الااجتماعى وبدلا من العقوبة هناك اعاده تأهيل الجاني اجتماعيا .
تقويم: وهكذا فان النظرية الجزائية ركزت على عنصر الجزاء ، بينما النظرية النفعية ركزت على عنصر الردع ،كما ركزت نظريه الدفاع الاجتماعي على عنصر الإصلاح، بينما مشروعيه العقوبة تستند إلى العناصر الثلاثة معا .

ثانيا: أهداف العقوبة في الفكر القانوني الاسلامى:

أما الفكر القانوني الاسلامى فيجمع بين عناصر الجزاء(اى كون العقوبة هي جزاء على خرق مجموعه القواعد القانونية التي تشكل النظام القانوني الاسلامى ) ، والردع(اى ان من غايات العقوبة الزجر الكافي والمناسبً للمحافظة على قوة الإلزام في القواعد القانونية التي تشكل النظام القانوني الاسلامى )، والإصلاح ، يقول تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله) والنكال المنع، يقول الشيخ محمد أبو زهره في تفسير الايه (هذا العقاب فيه جزاء كفاء للجريمة، وفيه منع لغير المرتكب عن ان يرتكب الجريمة) (محمد أبو زهره، الجريمة والعقوبة في الفقه الاسلامى، العقوبة ، دار الفكر العربي، ص192). أن نظرية الجزاء في الفكر القانوني الاسلامى لا تقوم على أساس الانتقام،قال تعالى : ( ولكم في القصاص حياة ) { البقرة : 179 } ( الاحتفاظ للجرم بجزاء شخصي في الآخرة ، واستبدال الدية بالعقوبة والتوبة ، والعفو )، بل هي مثل كل أحكام الإسلام ، قائمة على ما يحقق مصالح البشر ، أو حماية المصالح كما يقال في فقه القانون الجزائي(حفظ النفس بتحريم القتل والعقل بتحريم الخمر،والنسل بتحريم الزنا،والمال بتحريم السرقة) ، وذلك بالزجر الكافي والمناسب ً للمحافظة على قوة الإلزام في القواعد القانونية التي تشكل النظام القانوني الاسلامى.كما اقر الفقهاء بالإصلاح كغاية للعقوبة بالاضافه إلى الغايات السابقة (الجزاء والردع) لا سيما في عقوبات التعزير.