أنواع الضغوطات الانتخابية على الناخبين و طرق معالجتها

الضغوطات الانتخابية على الناخبين … أنواعها وطرق معالجتها !!!

د. ليث كمال نصراوين

يعد مبدأ حرية التصويت من أهم المبادئ الدستورية التي تحكم نزاهة وشفافية الانتخابات النيابية، حيث يقضي هذا المبدأ أن يكون لكل ناخب الحق في اختيار مرشحه المستقل الذي يريده والقائمة الوطنية التي يقتنع بها من دون ممارسة أي نوع من أنواع الضغوطات الانتخابية عليه والتي من شأنها أن تؤثر في إرادته وأن تعيق حريته في التصويت.

إن هذه الضغوطات الانتخابية ليست واحدة، بل تتنوع وتتعدد باختلاف الأزمنة والتطورات السياسية والتكنولوجية في كل دولة على حدة. فمن أقدم أنواع الضغوطات الانتخابية التي كانت تمارس على الناخبين الضغوط الجسدية، حيث كان بعض المرشحين يلجأون إلى تحريض مؤيديهم ومناصريهم إلى افتعال المشاكل مع المرشحين الآخرين في الدائرة نفسها الانتخابية وذلك بشتى الصور والأشكال كإطلاق النار على مقراتهم الانتخابية أو إضرام النار فيها بغية إثارة الخوف في نفوس أنصارهم من الناخبين ليحجموا عن المشاركة في الانتخابات.

مثل هذه الحوادث عادة ما نشهدها في كل دورة انتخابية، لذا فقد جرم قانون الانتخاب الأردني الحالي رقم (25) لعام 2012 هذا النوع من الضغوطات في المادة (17) منه والتي تحظر على المرشح التعرض لأية دعاية انتخابية لغيره من المرشحين سواء بصورة شخصية أو بوساطة أعوانه في حملته الانتخابية.

أما النوع الثاني من الضغوطات الانتخابية التي تمارس على الناخبين والتي هي أكثرها انتشارا وتهديدا لإرادة الناخبين فتتمثل في الضغوطات المالية، والتي تتمحور حول قيام بعض المرشحين أو مندوبيهم بدفع مبالغ من المال مقابل شراء أصوات الناخبين ودفعهم للتصويت لهم أو لقائمتهم الوطنية أو عدم التصويت لشخص أو قائمة معينة مستغلين ظروفهم المعيشية الصعبة وحاجتهم إلى المساعدة المادية. إن هذا النوع من الضغوطات الانتخابية هو الأكثر تخريبا لإرادة الناخبين ويؤدي إلى إفساد العملية الانتخابية برمتها، لذا فقد تشدد قانون الانتخاب الأردني في التصدي لجريمة شراء الأصوات في المادة (20) منه وذلك من خلال تغليظ العقوبة المقررة لمن يثبت تورطه في شراء ذمم الناخبين أثناء حملته الانتخابية إلى الأشغال الشاقة مدة لا تزيد على سبع سنوات.

ومع ذلك، فإن معالجة قانون الانتخاب لجريمة شراء الأصوات تبقى قاصرة عن تحقيق الغاية منها، والدليل على ذلك حالات شراء الأصوات والمال السياسي التي تشهدها الدعاية الانتخابية الحالية والتي تتمثل في قيام المرشحين وقوائمهم الوطنية بالتأثير سلبا على إرادة الناخبين ودفعهم إلى التصويت لهم مقابل ما يغدقون عليهم من منافع وعطايا. وقد توسع مفهوم جريمة شراء الأصوات ليشمل شراء مرشحين وقوائم انتخابية كاملة وذلك على ضوء التزاحم الذي تشهده الساحة الانتخابية جراء العدد غير المسبوق من المرشحين المستقلين والقوائم الوطنية.

إن أهم ما يميز الدعاية الانتخابية الحالية عن سابقاتها تفعيل المال السياسي وبكثافة من قبل أولئك الذين يملكون الأموال ولا يمانعون من صرف الملايين لشراء مقاعد لهم في مجلس النواب. فالبذخ الذي يقوم به بعض المرشحين من حجز الصفحات الأولى من الجرائد الرسمية لصورهم وبرامجهم الانتخابية التي أجزم كل الجزم أنهم لا يعون ما جاء بها ولا يدركون حقيقة ما قام الغير بالكتابة لهم، لهو أكبر دليل على تغول المال السياسي في العملية الانتخابية. من هنا فقد آن الأوان أن يتدخل المشرع الأردني بأن يضع سقفا معينا للحملات الانتخابية للمرشحين وقوائمهم الوطنية وذلك تجنبا للإفراط في صرف الأموال، ورحمة في المواطنين الذين يمنون النفس في أن تنتهي زوبعة الانتخابات بأقرب وقت ممكن لكي تعود الصحف المحلية إلى سابق عهدها، وذلك أسوة ببعض الدول العربية المجاورة كمصر ولبنان وتونس وحتى ليبيا في عهدها الديمقراطي الجديد والتي تأخذ بهذه الآلية الوقائية للحد من المال السياسي.

أما النوع الثالث من الضغوطات الانتخابية التي تمارس على الناخبين فهي الضغوطات الإعلامية والتي تتمثل في احتكار بعض المرشحين والقوائم الوطنية لوسائل الإعلام السمعية والبصرية الرسمية والخاصة منها في حملاتهم الانتخابية. لذا، فقد تصدى قانون الانتخاب الحالي لهذا النوع من الضغوطات في المادة (19) منه عندما حظر إجراء الدعاية الانتخابية في الوزارات والدوائر والمؤسسات الرسمية العامة، كما حظر على موظفي الحكومة والمؤسسات الرسمية والعامة أن يقوموا بالدعاية الانتخابية لصالح أي من المرشحين في أماكم عملهم، في حين أعطت الهيئة المستقلة جميع المرشحين والقوائم الوطنية حقا متساويا في استعمال وسائل الإعلام الرسمية في حملاتهم الانتخابية.

ومع ذلك فقد كان للتطور التكنولوجي في مجال الإعلام وانتشار ظاهرة المواقع الالكترونية الإخبارية دور في مفاضلة المرشحين والقوائم الانتخابية عن بعضهم بعضا، فأهم ما يميز الدعاية الانتخابية هذه الأيام أنها لم تعد تقتصر على تعليق صور المرشحين وشعاراتهم الانتخابية كما كان عليه الوضع في السابق، بل تطور الأمر إلى حجز أماكن الصدارة في أكثر المواقع الالكترونية الإخبارية قراءة وتصفحا من الناخبين، وهو ما يشكل مظهرا جديدا من مظاهر المال السياسي الذي تجب محاربته.

ويتبقى النوع الرابع من الضغوطات الانتخابية على الناخبين والذي يعد من الأنواع الحديثة التي بدأنا نشاهدها في الانتخابات الحالية والذي يتمثل في استطلاعات الرأي التي تجريها مراكز الدراسات والمؤسسات الإحصائية الخاصة والمواقع الإخبارية الالكترونية حول نسبة المشاركة المتوقعة في الانتخابات، وتوقعاتها لنتائج غير رسمية حول أشخاص الفائزين في كل دائرة انتخابية وعدد الفائزين من كل قائمة وطنية.

إن لهذا النوع من استطلاعات الرأي غير الرسمية تأثير سلبي كبير على إرادة الناخبين، ذلك أنه إذا ما أظهرت نتائج وتحليلات إخبارية أن حظوظ أحد المرشحين أو القوائم الوطنية بالفوز تتزايد فإن ذلك سيؤدي إلى تراخي مؤيديها وتراجعهم عن التصويت لصالحها رغم اقتناعهم ببرنامجها الانتخابي. أما إذا كانت التوقعات تشير إلى أن المنافسة بين المرشحين شديدة ونتائجها متقاربة فإن ذلك سيزيد من التوتر بين المرشحين ويدفعهم إلى ممارسة الأنواع السابقة من الضغوطات على الناخبين من اعتداءات جسدية وشراء أصوات.

وتفاديا للآثار السابقة لاستطلاعات الرأي والتوقعات غير الرسمية لنتائج الانتخابات فقد كان يجب على قانون الانتخاب أن يحظر نشر أية نتائج أو توقعات غير رسمية عن مجريات ونتائج الانتخابات أثناء الحملة الانتخابية وحتى إقفال آخر صناديق الاقتراع، وذلك أسوة بقانون الانتخاب الفرنسي رقم (808) لعام 1977 الذي يحظر في المادة الحادية عشرة منه أن يتم أثناء الحملات الانتخابية ويوم الانتخابات نشر أي استطلاع رأي حول سير الانتخابات والنتائج المتوقعة بأية وسيلة من وسائل الإعلام المختلفة.