أطروحة العدالة في سن القانون

عامر صالح الفتلاوي

ليست القوانين الوضعية هدفا غائيا بحد ذاتها سواء عند مشرعيها او عندجهاتها التنفيذية من جانب بل حتى عند افراد المجتمع الذي صيغت تلك القوانين بين اطنابه وتحت خيمته

من جانب آخر وليس من الضروري ان يكون الاصل في التشريعات التقليدية في حال سمو تكاملي يفوق عقلية من وضع تلك الهالة من القوانين التي يراد منها تسيير المفردات اليومية لحالة اجتماعية متواترة, وانما الغرض من سن هكذا قانون وضعي هو لتنظيم تفاصيل حياة الافراد وبالتالي توزيع المسؤوليات والحقوق بنفس الدرجة الفاعلة عبر كل زوايا ذلك المجتمع للنأي به عن طبائع وحوش الغاب واساليب نهج البراري, اذن لابد ان تكون اطروحة العدالة في كيفية تطبيق الشرائع والتشريعات الملزمة هي الاصل في اعتماد سن أي من تلكم القوانين التي لايمكن لها ان تكون منتجة وفعالة دونما الالتزام بمشروطية افتراض تطبيق العدالة المتأصلة فطريا وعقائديا ضمن تقاليد المجتمع الذي يعد صانعا اصيلا لهذه العادات الموجبة التي تدحض في مجملها كل ما هو سالب من الاجتماعيات التي قد تنبع عن جهل او جهالة على حد سواء, لذا لايمكن بحال من الاحوال ان نقول بقانون لايعتمد الانصاف في الميدان العملي الموكل به ولا يتخذ العدالة كقاعدة ينطلق على اساسها في حالة تفعيله ضمن ميدانه, الامر الذي سيولد تجنبا او ابتعادا في اقل تقدير عن اطروحة ما يسمى بعدالة القانون بل قد يحدث احيانا ما يشبه الالتباس في الاخذ بمفاهيم النصوص التشريعية عن البعض ممن يقتبسون سننهم من اصول التشريعات الموضوعة سلفا وهذا ما يسبب الخلط الذي يوجب الاشتباه الموصل احيانا الى التجرد الشديد من ارتداء عباءة البحث والتقصي لمثل هكذا تنظيمات تقليدية جامدة, وعلى هذا يكون لوثوب قانون العدالة الباع الاكبر لاحتمالية ملائمة اصوله وتماشيه مع ما يتطلبه تقويم السنن الاجتماعية المتوارثة من جيل الى جيل من غير اللجوء الى ارساء ما قد طرأ نتيجة الحوادث المرحلية الزائلة مع زوال اسبابها او آثارها, وبذلك يكون الاساس في اعتقادنا بصواب فكرة الاصالة في احتمالية اطروحة قانون العدالة نابعاً عن فكرة افتراض اختلاق تقاليد القانون الذي يبعث في اصل الحياة الاجتماعية نسقا منتظما يلقي على المجتمع مسؤوليات لابد من الالتزام بها من جهة ويحاسب من اعرض عن التفاعل معها من افراد او جماعات قد ينتمون لذلك المجتمع او غيره من المجتمعات التي تدين وتخضع لتقاليد قانون نمطي قد يعطي نفس الثمار او النتائج من جهة اخرى، وتكون التواترات النمطية في بعض تطبيقاتها مجحفة في حالة ظهورها بشكل جلي في ميدان عدالة القانون الوضعي لعدم اصالة القاعدة التي تنطلق منها تلك الاطروحة كما نوهنا, بل قد يكون التعاطي معها في بعض الاحيان داعيا الى تسويق مبدأ التعسف الذي يبتعد بطبعه عن اقامة العدالة في مواضعها المعروفة، فليس من العدل تطبيق فقرات قانون ناشئ عن مجتمع له خلفية بعينها في غير اصل ذلك المجتمع الذي يتمتع باعتقادات تختلف عن منابع تقاليد المجتمع الاول في جوهرها وطابعها, اذن فالقانون بحد ذاته ليس معتقدا ثابتا لايمكن تغييره او حتى الغائه وقد تعتبر امكانية تعديله او تحويله من ثوابت قانون العدالة التي لا يمكن تعديل مفاهيمها دون اللجوء الى مصدر غير تقليدي, لذا تكون تعاليم مبادئ العدالة راسخة في جذر الفطرة التي جبلت عليها المجتمعات الانسانية سواء العقائدية منها او سواها, على ان الاخيرة منها تعتبر خلوها من المفاهيم العقائدية ظرفا طارئاً لابد من زواله، وهو ايضا من التقاليد المعتبرة في كنف جميع الاقوام, وهذا ما يمنح اصل العدالة قانونا واضحا وثابتا في كل وقت ومكان, لذا يكون بديهيا ان نقول للعدالة قانون لايمكن تعديله على اساس وضعيات جامدة, ويمكننا ان نعتقد بالقول الذي يذهب الى عدم وجود العدالة في خضم قانون تقليدي وضعي ناجز او غير ناجز في حقبة زمنية معينة قد تطول او تقصر حسب انجازات ذلك المجتمع ومستوياتها او اخفاقاتها ومدياتها، فالاصل في التفاعل المنتج مع قانون العدالة الاصيل وليس التماشي الاعمى مع متغيرات عدالة مفترضة في بنود قانون تقليدي جامد يقتصر في مضامينه على شواهد عينية حاضرة لايمكن ان تتيقن من عواقب اغراضه، بل قد لاتتمكن من تطبيق ما افتت بتشريعه لسبب او لآخر يخرج عن نطاق قدرتها المادية او العقلية او غيرها, لهذا يبقى التفاعل الحي من قبل المجتمعات في سعيها الحقيقي في بحثها وعملها على كيفية احياء الاصول الثابتة من مبادئ قوانين العدالة وجعلها الموضوعة الرئيسة في كفاحها من اجل خلق حالة من التكامل الاجتماعي الذي يتضمن فيما يتضمن عدالة التكافل في كل ميادين الحياة فلا ضير من محاولة تجميع المفاهيم السامية لمبادئ العدالة في لوائح قانونية تؤسس لكيفية تطبيق تلك القواعد الاساسية وليس العمل على محاولة تجديد واختلاق قوانين وضعية تخدم مرحلة قصيرة قد لاتتعدى فترة دراسة الاوضاع الظرفية المؤقتة, وذلك لأن نوايا التجديد المقصود تعني بشكل او بآخر التخلي صراحة عن تلك المبادئ التي من شأنها ان تحقق سقفا معينا من ميزان العدالة المرجوة في كل مكان، وتشير بما لايقبل الشك الى عدم امكانية ذلك المجتمع على تفنيد المزاعم المراد بها تجريد الاحكام المباشرة عن دواعي العدل الاجتماعي ومن ثم الابتعاد عن اطروحة تفعيل الارادة الجماهيرية بذريعة عدالة القانون التي قد لا تنطلق عن آمال وتطلعات الشعوب, مما ينبغي لتلك الامم والشعوب ان تنتبه الى امكانية تعدد الاحتمالات وتنوع الخيارات التي لابد ان تتعامل معها فتنتقي وفق برامج علمية وتختار عن دراسة موضوعية لتفرق بحكمة شديدة بين مباحث عدالة القانون وتفاصيل اطروحة قوانين العدالة وتشعباتها ضمن ثقافة قانونية تندرج ضمن فصول الحياة الصاخبة التي يعتمدونها كفاحا ورجاء واملا .