أزمة النزوح و انتهاكات لحقوق المرأة العراقية

منال داود العكيدي
لم يكن ما تعرضت له المراة من شتى صنوف المعاناة التي تبدأ بالامية والزواج المبكر او تحت الاكراه وانتهاء بالفقر والعوز يضاهي ما تواجهه اليوم في ظل النزوح والتهجير القسري وترك المأوى والتشرد في بلاد الله وكأنها تنسلخ عن جسدها لتعيش حالة التشرذم بين ما كانت عليه وما عانته وبين ما هي عليه اليوم فبعد ان كانت احلامها تنحسر بالتعليم او الحصول على وظيفة او توفير العيش الكريم لأطفالها تخلت اليوم عن كل تلك الاحلام التي باتت تشكل ترفا قياسا الى حاجتها الى مأوى الذي هو من اهم متطلبات الحياة و اهم وضروراتها …

ظلت ذكرى زواجها الثانية تسيطر على خيالها على طول المسافة بين خيمتها والمكان الذي يجلبون منه الماء في ذلك المخيم البائس الذي اضحى كالمعتقل بل انه اسوأ فلا خدمات ولا ماء ولا كهرباء مجموعة من الخيم تفضلت بها الجمعيات الخيرية والمنظمات الانسانية متناثرة هنا وهناك دون أي تخطيط او تنظيم وراحت تفكر في ما ستفعله بعد ان نفد منها المال و اصبحت حياتها رهينة بإحسان تلك المنظمات بعد ان بات الامل بالعودة الى ديارها وبيتها يتضاءل يوما بعد يوم بل انه اصبح حلما بعيد المنال!!

اكملت طريق عودتها الى الخيمة فاذا بها ترى النار وقد اتت عليها واحتجزت بداخلها طفلتها الصغيرة ذات الاربعة اشهر فلم تشعر بنفسها الا وقد ارتمت وسط الجموع المتجمهرة في محاولة يائسة لاخراج ابنتها من السنة اللهب ولكن القدر ابى الا ان يحملها الى الرفيق الاعلى لتلحق بوالدها الذي طالته احدى رصاصات الغدر فاردته قتيلا .. لم تكن هي وحدها التي مزقتها الحياة باظافرها هناك المئات من النساء التي عانين نفس الظروف بل اسوأ من ذلك دون ان يجدن أي دعم لا من الحكومة ولا من المنظمات الانسانية الا بخيمة حقيرة و احيانا تصبح من المستحيلات فقد اضحى وضع النساء العراقيات اكثر خطورة واشد تعقيدا مما كان عليه و اصبحت التحديات اقسى و امر في ظل الاضطهاد والخوف وفقدان الامن وفقدان المأوى فيوم العراقية اصبح بمثابة معركة تنتهي عند نومها ان وجدت اليه سبيلا لتبدا معركة اخرى في صباح اليوم التالي وفي كل يوم يمر يعد بمثابة تحد للحياة وانتصار عليها ..

وقد يرى البعض ان الكلام المتقدم مبالغ فيه او انه محض خيال ولكن عملية النزوح تحمل في طياتها الكثير من التداعيات والنتائج الخطيرة التي تترتب عليه فهو ليس مجرد خسارة في الممتلكات المادية او تدميرها فحسب بل ان اثارها تنال من حياة النازحين انفسهم فهم يعيشون متشرذمين تحت وطأة ظروف استثنائية تؤدي الى اعادة توزيع الادوار والمسؤوليات بين الرجل و المراة وغالبا ما يقع العبء الاكبر على المراة التي قد تضطر الى القيام بالكثير من الاعمال التي لم يسبق لها ان قامت بها خصوصا ان كانت لم تعان ذل الفقر ومهانته في حياة ما قبل النزوح حيث لن تستطيع المراة في ظل الظروف الجديدة و اعني بها ظروف النزوح من السعي لكسب العيش الا على نطاق محدود لاسيما في ظروف غياب الذكور من الاسرة و احساس المراة الطاغي بعدم الامان بسبب وقوعهم في الاسر او انضمامهم (شاءوا ام ابوا) الى الجماعات المسلحة مما يضاعف مسؤولية الاعالة لديها لتلبية احتياجات الاطفال وكبار السن، وفي خضم هذه المسؤولية المضاعفة وسيادة الفوضى وانعدام القانون والنظام تتعرض المراة الى خطر العنف المتزايد والاعتداء الجنسي او تصبح هدفا للهجمات التي تشنها الاطراف المتقاتلة بهدف الانتقام .

ان هذا الوضع المزري يجعل من المراة النازحة مطالبة بالكثير رغم انها من الشرائح الضعيفة في المجتمع في الظروف الطبيعية فما هو الحال وهي تحت وطأة النزوح.

و ازاء هذه الظروف المتردية لم يعد للمساعدات الانسانية أي دور عدا ما تقدمه من حلول وقتية او ترقيعية لا تخرج عن خيمة او حفنة من المواد الغذائية لا تسمن ولا تغني من جوع ! والتي مهما بذلت من جهد فانها عاجزة عن مواجهة ما تحتاجه اللاجئات حقا فتلك المساعدات العرجاء افرغت من محتواها مسبقا وعجزت عن التصدي لإشكال الظلم والفاقة والاضطهاد والعنف الذي تعاني منه النازحات ..

لذا فان الايام القادمة تقتضي العمل الدؤوب المثابر والمخلص لاجل انتشال المراة من بئر التشرد والتشرذم من خلال تفعيل المواثيق الدولية والقوانين من قبل مؤسسات الدولة كافة والمؤسسات المعنية بحقوق المرأة ، او من خلال برامج المنظمات الدولية للاغاثة وغيرها وكذلك جهود المنظمات غير الحكومية المحلية والمجتمع كافة ، لتدارك ما يمكن تداركه في ظل اوضاع معيشية صعبة جدا وفقدان للامن والسلام في عموم البلاد والذي تكون ضحيته دوما من النساء فهن من يدفع ثمنها.