بحث قانوني هام عن أركان عقد الزواج بين التشريع الجزائري والفقه الإسلامي

الأسرة هي الخلية الأساسية للمجتمع يصلح بصلاحها ويفسد بفسادها، وقد أولاها الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز ورسوله الأكرم صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث أهمية كبرى.
ولهذا فقد خاض فيها الفقهاء المسلمون بمختلف مذاهبهم واضعين لعقد الزواج الذي تنشأ به الأسرة أركانا وشروطا خاصة به منها ما اتفقوا عليه ومنها ما اختلفوا فيه، وهو الشيء الذي أثر بدوره على مختلف التشريعات العربية فكان اختلافها على اختلاف المذاهب الفقهية الإسلامية، بل إن من التشريعات لم من أدمجت بين المذاهب ومن بينها قانون الأسرة الجزائري الذي لم يكتف فقط بالدمج بين المذاهب في المسائل المنصوص عليها فيه وإنما ألزم القاضي في نص المادة 222 منه بالرجوع إلى الشريعة الإسلامية في حال غياب النص القانوني في مسألة من المسائل من دون أن يبين له ما هو المذهب الذي يعود إليه، وهذا ما جعل الموقف الذي اتخذه المشرع الجزائري يطرح مشاكل عملية بالنسبة للقضاة أثناء رجوعهم إلى الشريعة الإسلامية خصوصا فيما يتعلق بموضوع الأركان والشروط التي يقوم عليها عقد الزواج وكذا في الآثار المترتبة على مخالفتها أو تخلفها، ولذا فقد ارتأيت أن أقوم ببحث يتعلق بهذا الموضوع محاولا بذلك الإجابة على الإشكاليتين التاليتين:
ما هي أركان وشروط عقد الزواج وأثر تخلفها في الشريعة الإسلامية والقانون؟
وإلى أي حد وفق المشرع الجزائري لما ألزم القاضي بالرجوع إلى قواعد الشريعة الإسلامية في حالة عدم وجود نص في قانون الأسرة ؟

الفصــل التمهيـــدي:

إن التطرق إلى أركان وشروط عقد الزواج يستلزم التعرض أولا إلى تعريف هذا العقد وأهميته ثم حكمه الشرعي وطبيعته.

المبحــث الأول: تعريـف وأهميــة الـزواج

نظرا لما للزواج من أهمية في حياة الأفراد والمجتمعات اهتم فقهاء الشريعة الإسلامية بتعريفه وكذا بأهميته، ولهذا سنتناول هاتين النقطتين كما يلي:

المطلب الأول: تعريف الزواج

يعرف الزواج لغة بأنه اقتران لأحد الشيئين بالآخر وازدواجهما بعد أن كان كل منهما منفردا عن الآخر ومنها أخذ اقتران الرجل بالمرأة بعد أن كانا منفصلين صارا يكونان أسرة واحدة.
أما اصطلاحا فقد تعددت تعاريف الزواج عند الفقهاء المسلمين إلا أننا نجدها تقريبا متفقة على الغرض المبدئي له و ذلك رغم اختلافهم في التعابير فإنها تدور حول نفس المعنى، فهناك من عرّفه بأنه عقد يفيد حل استمتاع كل من العاقدين بالآخر على الوجه المشروع، ويعرّفه آخرون بأنه عقد وضع لتملك المتعة بالأنثى قصدا، وما يلاحظ على هذه التعاريف أنه ينطبق عليها ما قاله فيها الإمام أبو زهرة بأنها تدور حول امتلاك المتعة وأنه من أغراض الزواج جعل المتعة حلالا ومن أهدافه أيضا في الشرع الإسلامي التناسل وحفظ النوع الإنساني وأن يجد كل من العاقدين في صاحبه الأنس الروحي الذي يؤلف الله تعالى به بينهما ولهذا فقد عرّف الزواج ” بأنه عقد يفيد حل العشرة بين الرجل و المرأة وتعاونهما ويحدد ما لكليهما من حقوق وما عليه من واجبات”، ومن التعريفات التي تشتمل على معنى الزواج نجد ما ذهب إليه الأستاذ عبد العزيز سعد ” بأنه عقد معاهدة ذات أبعاد دينية ودنيوية يتعهد فيها الزوج بإسعاد زوجته واحترام كرامتها، وتتعهد الزوجة بموجبها بإسعاد زوجها ومساعدته، وأن يتعاهدا معا على التضامن والتعاون من أجل إقامة شرع الله وإنشاء أسرة منسجمة ومتحابة تكون نواة لإقامة مجتمع المودة والرحمة والاستقرار وفقا للآية الكريمة رقم 21 من سورة الروم ” ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها ”.

المطلـب الثـانـي: أهميــة الـزواج

للزواج أهمية كبرى نظرا لما يحققه من مصلحة للبشرية جمعاء وتتمثل هذه الأهمية في عدة أمور نجد منها:

الفرع الأول: حفظ النوع الإنساني بطريقة شريفة:
كل كائن حي لكي يحتفظ ببقاء نوعه لا بد أن يتكاثر وهو ما ينطبق على الإنسان لكن نظرا لما يتميز به الإنسان من تكريم في خلقه اقتضى الأمر أن يشرع له طريقة شريفة لكي يتكاثر بها ألا وهي الزواج، فلو ترك تكاثر الإنسان عن طريق الاختلاط دون أي ضابط لاختلطت الأنساب وكثرت النزاعات وانهارت القيم بذلك، أما إذا تم التكاثر عن طريق الزواج اختص كل شخص بزوجته أو زوجاته في حدود الشرع وهذه الأهمية تؤكدها الآية الكريمة رقم 223 من سورة البقرة بحيث يقول تعالى: ” نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم ”، والحرث المقصود به في هذه الآية هو للإنبات أي النسل، ونجد كذلك قول الرسول صلى الله عليه و سلم ” … تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ”.

الفـرع الثاني: تحقيق الأنس والراحة والمودّة بين الزوجين :
إن من بين الغايات التي يهدف إلى تحقيقها الزواج هي استقرار وسكون كل من الزوجين إلى الآخر نظرا للكيان الذي يجمع شملهما بعد الزواج، بحيث يصبح كل واحد منهما لباسا للآخر و نجد في الآية الكريمة رقم 21 من سورة الروم ما يثبت هذا بحيث يقول تعالى: ” ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ”، وإذا بنيت الأسرة على الأنس والراحة والأمان بين الزوجين صلح المجتمع كله.

الفـرع الثالث: تحصين النفس بقضاء الحاجة الجنسية للزوجين:
إن من بين الأهداف والغايات التي يرمي إليها الزواج هي أن يقضي الإنسان حاجته الجنسية عن طريق شريف سليم أي أنه لولا الزواج لاتجه كل من المرأة والرجل إلى التعدي على الحرمات وفتحوا باب الفساد والفسق وهذا ما نجد مضمونه في الحديث الشريف التالي بحيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجــاء ”.

المبحـث الثـانـي: حكـم الـزواج وطبيعتـه

و نتناول في هذا المبحث حكم الزواج شرعا و طبيعته القانونية والفقهية في مطلبين هما كالتالي:

المطلب الأول: حكم الزواج شرعـا

ويقصد بحكم الزواج شرعا الوصف الشرعي الذي يتصف به وهو في الاصطلاح لا يخرج عن الحالات التالية: الوجوب، الإباحة أو الندبة، الفرض، الكراهية، الحرمة ونتعرض لها كما يلي:

الفـرع الأول: الزواج الفرض أو الواجب

يكون الزواج فرضا على من كان متأكدا بأنه يقع في الزنا وهو قادر على الزواج والعدل مع أهله ويكون واجبا إذ كان يغلب على ظن الشخص الوقوع في الزنا إن لم يتزوج مع مقدرته على الزواج والعدل مع أهله.

الـفـرع الثانـي: الزواج المباح أو المندوب
يكون الزواج مندوبا إذا كان الشخص معتدلا لا يقع في الزنا إن لم يتزوج ولا يخشاه ولا يقع في الظلم ولا يخشاه إذا تزوج هذا عند الجمهور، أما عند الظاهرية فيرون بأنه في هذه الحال فرض، ويكون مباحا للمتزوج إذا أراد التعدد مع وجود نية العدل والقدرة عليه.

الفـرع الثالـث: الزواج المكروه أو المحرم
الزواج المكروه هو أن يغلب على ظن الزوج بأنه سيظلم زوجته إن تزوج أما إذا كان الزوج غير قادر على النفقة ومتأكدا بأنه يقع في ظلم أهله قطعا فإن زواجه هنا محرم.

المطلـب الثاني: طبيعة الـزواج

اختلف الفقه حول الطبيعة القانونية للزواج فمنهم من اعتبره عقد ومنهم من قال بأنه مجرد اتفاق هذا من جهـة ومن جهة أخرى انقسم الذين اعتبروا الزواج بأنه عقد بين من يقول بأنه عقد مدني وبين من يقول بأنـه عقد ديني وكذا انقسموا أيضا حول طبيعة هذا العقد هل هو رضائي أم شكلي؟ و هذه النقاط سنتعرض لها كما يلي:

الفـرع الأول: الـزواج عقـد أم مجرد اتفاق
قبل التطرق إلى ما ذهب إليه المشرع الجزائري نعرج قليلا على ما ذهب إليه الفقه، فيذهب البعض منه إلى اعتبار الزواج مجرد اتفاق ولا يرقى لأن يكون عقدا ومن بين الذين يقولون بهذا الرأي الأستاذ السنهوري الذي يقول: ” بأنه يجدر أن لا تدعى هذه الاتفاقات عقود، وإن وقعت في نطاق القانون الخاص لأنها تخرج عن دائرة المعاملات المالية، فـي حين يرد أصحاب الاتجاه الذين يعتبرون الزواج بأنه عقد لما له من مواصفات العقد فهو تصرف إرادي ويرتب التزامات فكما يقول الأستاذ الغوثي بن ملحة :
Le marriage considéré au plan de ses effects juridiques, apparait comme un contract par ce qu’il comporte des structures contractuelles , il requiert l’échange de concentements et impose aux parties des obligations réciproques.
ولقد فصل المشرع الجزائري في الطبيعة القانونية للزواج وذهب إلى اعتباره عقد وهو ما جسّد في المادة الرابعة من قانون الأسرة بحيث تنص ” الزواج هو عقد يتم بين رجل وامرأة على الوجه الشرعي … ” وهو في رأيي الموقف المرجح لأنه بالزواج تنشأ الأسر و المجتمعات فكيف لا يرقى إلى أن يكون عقدا بل هو أكثر من ذلك وقد سماه المولى عز وجل في كتابه بالميثاق الغليظ، قال تعالى في سورة النساء: ” … وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا… ” وقد سمى الله العهد الذي أخذه من أنبيائه بالميثاق الغليظ، قال تعالى في سورة الأحزاب: ” وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ” وكأن الحق سبحانه وتعالى يشبه الميثاق الذي تأخذه الزوجة من زوجها بالميثاق الذي أخذه من أنبيائه أن يتحملوا عبء نقل الإسلام للبشر فما أثقلها من أمانة وهي التي ناءت السماوات والأرض والجبال عن حملها، قال تعالى في سورة الأحزاب: ” … إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ”.

الفـرع الثاني: الـزواج عقـد مدني أم ديني أم هو ذو طبيعة أخرى
ذهب بعض من الفقه إلى اعتبار عقد الزواج عقد مدني واستندوا فيما ذهبوا إليه إلى أن القانون المنظم للأحوال الشخصية هو فرع من القوانين الوضعية ومن بينهم نجد عمر فروخ يقول” بأن الزواج أو النكاح كما يسمى في الشرع عقد مدني لفظي أو خطي بين رجل وامرأة بالغين راشدين يحفظان به عفافهما وصلاحهما ثم تنشأ منه الأسرة ” ويذهب البعض إلى اعتبار عقد الزواج عقد ديني يخضع للأحكام الدينية مستدلين على أن القانون المدني ينظم المعاملات المالية فقط أما عقد الزواج فيخضع للأحكام الدينية و هناك من ذهب إلى اعتباره عقد مدني ذو طبيعة خاصة لاحتوائه على قدسية معينة في حين نجد من اعتبره بأنه ذو طابع شرعي لورود النصوص الشرعية الواصفة والمحددة له ولكيفية إبرامه ولكن لم تشترط طقوس معينة مثلا كحضور رجل الدين وبالرجوع إلى نص المادة الرابعة من قانون الأسرة التي عرفت عقد الزواج وحددت طبيعته بأنه عقد شرعي.

الفـرع الثالث: عقد الزواج بين الرضائية والشكلية
ذهب البعض إلى اعتبار عقد الزواج بأنه عقد رضائي باعتبار أن أساسه هو رضا في حين ذهب أغلب الفقهاء إلى اعتباره عقدا شكليا لما يشترط فيه من حضور الشهود واشتراط الولي أثناء إبرام عقد الزواج وهذين الشرطين يعتبران شرطين شكليين وهذا ما ذهب إليه القضاء الجزائري القديم ويعتبر هذا الرأي الذي يقول بـأن عقد الزواج عقد شكلي صائب لأنه إضافة إلى الشرطين السابقين أضاف المشرع شروط إدارية وتنظيمية لكي يرتب عقد الزواج آثاره.
وبعد التطرق إلى تعريف عقد الزواج وأهميته وحكمه الشرعي وطبيعته نتعرض إلى النقاط الأساسية في الموضوع ألا وهي أركان وشروط عقد الزواج وأثر تخلفها.

الفصـل الأول: أركـان عقد الزواج وأثر تخلفها

اختلف الفقهاء المسلمون في تحديد أركان عقد الزواج فمنهم من جعلها ركنين: الإيجاب والقبول كالحنفية وهناك من جعلها ثلاثة: الصيغة، المحل، الولي وهناك من جعلها أربعة الصيغة، الولي، الزوج والزوجة، الصداق كالمالكية وهناك من جعلها خمسة كالشافعية، و الاختلاف حول تحديد أركان عقد الزواج لم يقتصر على الفقهاء المسلمين وإنما تعد إلى التشريعات العربية وهذا منطقي جدا باعتبار كل تشريع أخذ بمذهب ما وهناك تشريعات أدمجت بين المذاهب مثلما هو الحال بالنسبة للتشريع الجزائري الذي حدد أركان عقد الزواج في المادة التاسعة من قانون الأسرة بأربع أركان وهي الرضا، الولي، الشاهدين، الصداق، وتعرضنا لأركان عقد الزواج يكون بناءا على ما نص عليه قانون الأسرة الجزائري.

المبحـث الأول: ركن الرضا في عقد الزواج وأثر تخلفه

لقد اتفق كل من فقهاء الشريعة الإسلامية وفقهاء القانون ومختلف التشريعات وكذا الاتفاقيات الدولية على أن الرضا هو الركن الأساسي في عقد الزواج وهو القائم الذي يقوم عليه ويتوقف وجوده عليه وأختلف في تسميته فهناك من يطلق عليه تسمية الإيجاب والقبول وهناك من يسميه الصيغة وهناك من يسميه العنصر النفسي في عقد الزواج و هذا الاختلاف هو لفظي فقط أما المعنى فهو واحد، ولقد نصت المادة 16 من ميثاق حقوق الإنسان على أنه ” لا يعقد الزواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما زواجا كاملا لا إكراه فيه ” ونصت المادة 23 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والمادة 10 من العهد الدولي لحقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على ” لا ينعقد زواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاء كاملا لا إكراه فيه ”، ونصت المادة 16 من اتفاقية إلغاء التميز ضد المرأة لسنة 1975 على ” للمرأة الحرية في اختيار الزوج وفي عدم الزواج إلا برضاها الحر والكامل ” و نجد أن معظم التشريعات العربية قد سارت في هذا النهج وكمثال عن ذلك المشروع العربي الموحد لقانون الأحوال الشخصية نص في مادته 23 على أنـه ” ينعقد الزواج بإيجاب من أحد المتعاقدين وقبول من الآخر صادرين عن رضا تام .

المطلـب الأول: المقصود بركن الرضـا في عقد الزواج

لم يعرف قانون الأسرة ركن الرضا وإنما اكتفى فقط في الفقرة الأولى من المادة العاشرة بتحديد قسمي الرضا واللفظ بصفة عامة الذي يحوز به التعبير عن الإيجاب والقبول، وعدم تعريف المشرع الجزائري لركن الرضا يتركنا نذهب إلى التعريف الذي وضعه له الفقه ومن بين تلك التعريفات نجد السيد سابق يعرّفه ” بأنه توافق إرادة الطرفين في الارتباط بواسطة التعبير الدال على التصميم على إنشاء الارتباط وإيجاده، وأنه ما صدر من الأول يعتبر إيجابا وما صدر من الثاني يعتبر قبولا ” ويعرّفه الدكتور بدران أبو العينين بدران بأنه ” الإيجاب والقبول الصادرين من التعاقدين الذين يرتبط أحدهما بالآخر فيفيدان تحقق المراد من صدورهما ”.
ومن خلال اطلاعنا على هذه التعاريف ونص المادة 10 من قانون الأسرة نستخلص أن ركن الرضا في عقد الزواج ينقسم إلى قسمين وهما الإيجاب والقبول.

المطلب الثانـي: الإيجاب والقبول

إن نص المادة 10 فقرة 01 جاءت متفقة تماما مع ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية وهو أن ركن الرضا يتكون من شقين الإيجاب والقبول لكن ما يؤخذ على هذه المادة أنها حددت الإيجاب والقبول من دون أن تعرفهما ولم تحدد شروطهما ولهذا ووفقا لنص المادة 222 من قانون الأسرة نرجع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية في هذا الموضوع:

أولا : تعريف كل من الإيجاب والقبـول
أ- الإيـجـاب: يتفق الفقهاء على أن الإيجاب هو ما يصدر من أحد العاقدين يدل على أنه يود الارتباط بعلاقة زوجية مع طرف العقد الآخر ويسمى بالتالي موجبا ويكون أولا وغالبا ما يصدر من الزوج أو وكيله فيقول لولي الزوجة زوجني( أو أنكحني) وليتك فلانة، ولا مانع أن يكون الإيجاب من ولي الزوجة كما حدث مع نبي الله شعيب الذي عرض إحدى ابنتيه على نبي الله موسى، قال تعالى في سورة القصص: ” … قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إنشاء الله من الصالحين ” أي أنه عرض عليه ابنته على مهر أن يخدمه ثماني سنين وإن أتم عشرا فمن عنده.
ب- القبـول: يعرف الفقهاء القبول بأنه الكلام الذي يصدره المتعاقد الثاني الذي وجه له الإيجاب يدل على موافقته على ما أوجبه الموجب ويسمى القابل، وغالبا ما يكون من ولي الزوجة فيقول مثلا قبلت أن أزوجك وليتي ولا مانع أن يكون القبول من الزوج أو وكيله ففي القصة السابقة قال نبي الله موسى ردا على عرض سيدنا شعيب قال تعالى على لسانه: ” … قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل ” أي لقد قبلت عرضك والله شاهد على ما نقول.

ثـانيـا: شروط صحة الإيجاب والقبول
لصحة الإيجاب والقبول اشترط الفقهاء المسلمين أن تتوافر فيهما شروط معينة منها ما اتفقوا عليها ومنها ما اختلفوا فيها وهي كالتالي:

المطلـب الثـالث: صيغة الإيجـاب والقبول

تنص المادة العاشرة من قانون الأسرة على أن ” يكون الرضا بإيجاب من أحد الطرفين وقبول من الطرف الآخر يكل لفظ يفيد معنى النكاح شرعا ”، وما يستخلص من هذه المادة أن المشرع الجزائري لم يحدد الألفاظ التي يتم بها التعبير عن الإيجاب والقبول ولم يحدد اللغة التي يتم بها العقد وصيغة الفعل عند التعبير عن الإيجاب والقبول وهذا ما يؤدي بنا لتحديدها الرجوع إلى ما ذهبت إليه الشريعة الإسلامية وفقا لنص المادة 222 من قانون الأسرة ولقد أفاض الفقهاء المسلمين في الحديث عن هذه المسألة وهي كالتالي:

الفـرع الأول: الألفـاظ المعبـرة شرعـا عن النكـاح
وتعرض للألفاظ المعبرة شرعا عن النكاح في نقطتين أساسيتين وفقا لما ذهب إليه الفقهاء المسلمين.

أ- الألفاظ المتفق عليها أنها تؤدي معنى النكاح شرعا أو لا تؤدي معناه:
لقد اتفق الفقهاء المسلمون سنة منهم أو شيعة بأن الزواج ينعقد بألفاظ الزواج، النكاح سواء كانت الألفاظ فصيحة أو مصحفة على اختلاف اللهجات العربية( مثل: تزوزت أو تجوزت … مع قصد الزواج) منشدين في ذلك أن معظم الآيات والأحاديث المتعلقة بالزواج جاءت بهذين اللفظين كما اتفقوا على أن الزواج لا ينعقد بالألفاظ التالية: الإباحة، الإحلال، الإيداع، الإعارة، الرهن، الوصية، الإجازة وذلك بسبب أنها لا تؤدي مفهوم الزواج حقا.

ب- الألفـاظ المختلف فـي أدائها لمعنى النكـاح:
ذهبت المالكية والحنفية بأنه يجوز ويصح أن يكون الإيجاب بالألفاظ التالية: الهبة، التمليك، البيع، الصدقة والجعل مشترطين فقط أن تدل تلك الألفاظ على بقاء الحياة الزوجية مدى الحياة.
وتجدر الإشارة التعبير عن الرضا في عقد الزواج بالكتابة أو الإشارة بالنسبة للعاجز عن الكلام.