أثر تعديلات الدستور على نصاب جلسات مجلس النواب

نصاب جلسات مجلس النواب بعد تعديل الدستور –

د.ليث نصراوين

شهدت جلسة مجلس النواب الأخيرة التي خصصت لمناقشة مشروع القانون المعدل لقانون البلديات مغادرة عدد من السادة النواب أروقة المجلس من دون عذر مقبول مما أدى إلى فقدان الجلسة نصابها القانوني وبالتالي رفع الجلسة. إن النصاب القانوني لجلسات مجلس النواب قد طرأ عليه تعديل جوهري ضمن سلسلة التعديلات الدستورية الأخيرة, حيث تم تعديل المادة (84) من الدستور والتي أصبحت تعتبر أن جلسات مجلس النواب لا تعتبر قانونية إلا إذا حضرتها الغالبية المطلقة لأعضاء المجلس على أن تستمر الجلسة قانونية ما دامت هذه الأغلبية حاضرة فيها. أما النص الدستوري قبل التعديل فكان يشترط لقانونية جلسات مجلس النواب أن يحضرها ثلثا أعضاء المجلس على أن تستمر الجلسة قانونية ما دامت أغلبية أعضاء المجلس المطلقة حاضرة فيها.

إن حقيقة ما قام به المشرع الدستوري في التعديل الأخير أنه قد خفض من النصاب القانوني لجلسات مجلس النواب بحيث تعتبر الجلسة قانونية بحضور نصف عدد أعضاء المجلس زائد واحد, في الوقت الذي كان يشترط فيه النص الدستوري قبل التعديل حضور أغلبية ثلثي أعضاء المجلس.

إن مثل هذا التخفيض في قانونية نصاب جلسات مجلس النواب يعد مكافأة من المشرع الدستوري للسادة النواب الذين يتغيبون من دون عذر مقبول عن حضور الجلسات أو الذين يتعمدون مغادرة المجلس لتفقد الجلسة نصابها القانوني وبالتالي يتم رفعها لموعد آخر. ففقدان النصاب القانوني وتغيب السادة النواب عن الجلسات من دون عذر مقبول قد أصبح الميزة الأساسية لمجلس النواب الحالي وهو ما انعكس سلبا على آدائه من الناحية التشريعية. فخلال فترة الأربعة أشهر الماضية من عمر الدورة العادية أقر مجلس النواب ما مجموعه أربعة قوانين فقط, وهو ما يثير مخاوف من قدرة المجلس في التعامل مع الاستحقاقات التشريعية المقبلة المتمثلة في قوانين الإصلاح السياسي التي تقدمت بها الحكومة إلى مجلس النواب لإقرارها خاصة مع اقتراب فض الدورة العادية والأوامر الملكية بإجراء الانتخابات التشريعية خلال العام الحالي.

كما أن ما يزيد المخاوف من تكرار غياب النواب عن جلسات المجلس وتعمدهم المغادرة لفقدان الجلسة لنصابها القانوني غياب أية نصوص قانونية رادعة في النظام الداخلي لمجلس النواب في هذا الخصوص. فالمادة (149) من النظام الداخلي التي تنص على أنه لا يجوز للعضو أن يتغيب عن احدى جلسات المجلس أو لجانه إلا إذا أخطر الرئيس بذلك مع بيان العذر لا يتقيد بها أي من السادة النواب. كما أن المادة (150) من النظام الداخلي التي تلزم أمين عام المجلس في حال عدم انعقاد الجلسة بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني بأن يضع جدولا بأسماء النواب المتغيبين من دون عذر ويدرج ذلك في محضر الجلسة التالية غير مطبقة على أرض الواقع.

لذلك وبدلا من أن يعالج المشرع الدستوري ظاهرة تكرار غياب السادة النواب عن جلسات المجلس من خلال التشدد في النصاب القانوني للجلسات وفرض جزاءات على النواب الذين تتكرر غياباتهم من دون عذر عن جلسات المجلس, نجده يتساهل مع النواب غير الملتزمين من خلال تخفيض النصاب القانوني لافتتاح جلسات مجلس النواب من ضرورة حضور 80 نائبا في النص الدستوري قبل التعديل إلى اشتراط حضور 61 نائبا فقط بعد التعديل الدستوري الأخير. وهو ما من شأنه أن يؤثر على دستورية القرارات التي تصدر عن مجلس النواب وخصوصا تلك التي تشترط لصدورها موافقة غالبية الأعضاء الحاضرين. فمن الممكن بعد أن تم تخفيض نصاب حضور الجلسات أن تصدر قرارات عن مجلس النواب يكون عدد المصوتين لصالحها بالنسبة إلى العدد الإجمالي من السادة النواب قليلة لا يذكر, فتكون تلك القرارات فاقدة لشرعيتها الدستورية كونها لا تمثل إلا فئة قليلة جدا من عدد أعضاء مجلس النواب.

إن الطريف بالأمر أن السادة النواب الذين تغيبوا عن جلسة مناقشة تعديل قانون البلديات من دون عذر والذين غادروها بشكل أفقد الجلسة نصابها القانوني هم نفسهم الذين سبق لهم وأن تهافتوا قبل فترة وجيزة إلى التوقيع على مذكرة نيابية لحجب الثقة عن وزير الدولة لشؤون الاعلام والاتصال راكان المجالي بحجة تغيبه عن حضور اجتماعات اللجنة الإدارية في مجلس النواب, ليكون أفضل ما يمكن وصف مجلس النواب به بأنه كمن ينهى عن فعل ويأتي بمثله.