– أثر البطلان:

وإذ كان مؤدى البطلان أو الإبطال هو إعدام العقد إعدامًا يستند إلى وقت إبرامه فإنه يترتب على ذلك اعتبار تنفيذه كأن لم يكن، إن كان قد تنفذ، وهذا ما يقتضي إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها عند العقد، إن كان ذلك متيسرًا، فإن استحال على أحد المتعاقدين أن يعيد الآخر إلى الحالة التي كان عليها عند العقد، بأن تعذر عليه أن يرد له ما أخذه أو أفاد به نتيجة تنفيذ العقد، جاز للقاضي أن يلزمه بأن يقدم له أداءً معادلاً.

والمشروع، إذ يقرر، في الفقرة الأولى من المادة (187) أثر البطلان أو الإبطال، المتمثل في وجوب إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها عند العقد، قد حرص على أن يتحفظ في شأن الحالات الخاصة التي يقرر فيها القانون حكمًا يتغاير على نحو أو على آخر، كما هي الحال بالنسبة إلى تطبيق نظرية تحول العقد المنصوص عليها في المادة (192) من المشروع، وبالنسبة إلى ما هو مقرر من أن بطلان عقد الشركة لا يمنع من إعمال حكمه في تصفيتها، اعتبارًا بأنها تتمثل شركة واقع. وأراد أن يتحفظ على وجه الخصوص، في شأن الأثر المترتب على البطلان أو الإبطال، بالنسبة إلى عديمي الأهلية أو ناقصيها المنصوص عليها في المادة (188) من المشروع، وفي شأن ما يقتضيه مبدأ حماية الغير حسني النية على نحو ما يقرره المشروع في المادة (189).

فتورد المادة (188) استثناءً هامًا على قاعدة أنه يترتب على بطلان العقد أو إبطاله وجوب رد المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها عند إبرامه، وذلك في الحالة التي يرجع فيها البطلان أو الإبطال إلى عدم الأهلية أو نقصها. فتلك المادة تقضي بأن عديم الأهلية أو ناقصها لا يُلزم إلا بما عاد عليه، بسبب تنفيذ العقد الباطل أو المبطل، من نفع معتبر قانونًا، أي نفع أفاد به وأثرى، على نحو بعيد عما يجره إليه النزق أو الطيش أو عدم توافر الإدراك أو اكتماله من تبذير أو حماقة. والمادة (188) بالحكم الذي تقرره، تستند إلى مبرر عملي واضح، فهي تستهدف حماية عديم الأهلية أو ناقصها مما يجره إليه ما يعتوره من اضطراب أو ضعف أو نقص في إدراكه أو في الملكات الضابطة لتدبيره أمره.

وإن كان من شأن إعمال حكم هذه المادة أن يلحق المتعاقد مع عديم الأهلية أو ناقصها الضرر، فإن تحميله الغرم الواقع عليه يجد له ما يسوغه في الرغبة في جعل الناس يتحرزون في تعاملهم مع غيرهم بغية التأكد من توافر الأهلية عندهم، ثم إن عدم الأهلية أو نقصها أمر يغلب أن يكون ظاهرًا في صاحبه، بحيث يستحق من يتعاقد معه أن يتحمل مغبة فعله. ولقد كان من شأن من ما يستند إليه مبدأ حماية عديمي الأهلية وناقصيها، عند بطلان أو إبطال عقودهم، من مبرر قوي، إن وجد مكانه في قوانين البلاد المختلفة، عربية كانت أم أجنبية، ثم إن الفقه الإسلامي يأخذ به ويناصره، ولم يتخلَ قانون التجارة الكويتي بدوره عن السير على الدرب، فقد قنن المبدأ في المادة 138/ 2 في مجال البطلان، ثم عاد فقننه مرة ثانية في المادة (186) في مجال الكسب دون سبب.

وقد حرص المشروع على أن تجيء صياغة المادة (188)، على نحو يجعل حكمها شاملاً عديمي الأهلية وناقصيها، متلافيًا بذلك عيبًا في صياغة المادة 138/ 2 تجارة كويتي، التي جاءت على غرار المادة 142/ 2 مصري، مقصورة على ذكر ناقص الأهلية دون عديمها، وهو من بعد عيب عمد المشروع الكويتي نفسه إلى تفاديه في المادة (186) من قانون التجارة، حيث عمم صياغتها ليجعل حكمها ساريًا على من لم تتوافر فيه أهلية التعاقد، وهو نفس الأمر الذي فعله المشرع المصري من قبل، في المادة (186) مدني مصري. ويعرض المشروع، في المادة (189) لمبدأ هام أخذ يرسخ وجوده ويثبت أقدامه في دنيا القانون، ألا وهو مبدأ حماية الغير حسني النية مما عساه أن يرتبه لهم إبطال عقود من يتلقون الحق عنهم من فادح الضرر.

فقد عمد، في المادة (189) إلى أن يساير الفقه الإسلامي والفكر القانوني المعاصر في مبدأ حماية الخلف الخاص مما يترتب له من ضرر، نتيجة إبطال سند سلفه، لاجئًا إلى ضبط هذا المبدأ ورسم حدوده على النحو الذي يجعله متمشيًا مع ما تقتضيه المصلحة المتمثلة في توفير الائتمان والاعتداد بالثقة المشروعة، عندما يكون من حق الناس أن يعولوا عليهما في معاملاتهم. ووفقًا للفقرة الأولى، لا تتقرر الحماية إلا لمن يكون قد تلقى حقه عن شخص يكون، هو نفسه، قد تلقاه بمقتضى قد قائم ولكنه قابل للإبطال وقبل أن يقضى بإبطاله، فالحماية هنا لا تكون لمن تعامل مع أحد طرفي العقد الباطل، ذلك لأن العقد الباطل عدم، بحيث أن عاقده لا يتلقى منه شيئًا ألبته، حتى يمكنه أن يعطيه لم يتعامل معه بشأنه، ليتيسر بعد ذلك تقريره استمرار بقائه لهذا الأخير، أما العقد القابل للإبطال فأمره مختلف تمامًا، فهو ينتج أثره طالما بقي قائمًا، لم يُقضَ بعد بإبطاله.

ويلزم لثبوت الحماية للخلف الخاص، أن تكون خلافته قد تمت بمقتضى تصرف تعاوضي، فلا يفيد من الحماية المتبرع له. وقد ارتأى المشروع أن يقصر الحماية في هذا النطاق. إذ أن حماية الخلف الخاص تقع بالضرورة على حساب من تلقى سلفه الحق عنه، بمقتضى العقد الذي قضى بإبطاله، أي سلف السلف، ثم إن تلك الحماية تتقرر على خلاف منطق الإبطال وأثره الرجعي. ولذلك فمن العدل والمصلحة أن تقصر على المتعاوض دون المتبرع له، فدرء المغارم مقدم على جلب المغانم. وثمة أمر آخر تتطلبه الفقرة الأولى، وهو أن يكون الخلف الخاص حسن النية، وعلة هذا الحكم واضحة، إذ أن الحماية التي تقررها المادة (189) لا ينبغي أن تكون إلا لحسني النية من الأشخاص، وهي من بعد حماية استثنائية خاصة تجيء على خلاف منطق الإبطال ومتقضياته.

وتعرض الفقرة الثانية من المادة (189) لتحديد حسن النية في المتطلب في الخلف الخاص، ليتقي أثر إبطال سند سلفه، وهي تبنيه على جهل الخلف سبب إبطال سند السلف، طالما كان جهله هذا غير ناشئ عن خطأ منه، بأن كان في مقدوره أن يصل إلى العلم بسبب الإبطال، لو أنه بذل من الحرص ما تستوجبه ظروف الحال من الشخص العادي. والمشروع إذ يقرر تلك الحماية للخلف الخاص لمن تلقى حقه بمقتضى عقد قابل للإبطال، لم يشأ أن يساير القانون المصري فيقصرها في مجال العقار، فقد بسطها أيضًا على من يتعاملون في المنقولات، فلا توجد حكمة في التفريق. وتعرض المادة (190) للحالة التي يقتصر فيها البطلان أو الإبطال على شق من العقد دون باقيه، وتجيء الفقرة الأولى مقررة القاعدة العامة في هذا الصدد، قاضية بأن البطلان أو الإبطال يقتصر على الشق الذي لحقه العيب، دون باقي العقد، وهذا الحكم يتمثل إعمالاً لما يطلق عليه نظرية انتقاص العقد، وهي نظرية جرمانية الأصل، بدأ القانون الألماني بالنص عليها (المادة 139)، وشقت النظرية طريقها إلى القانون المصري (المادة 113) ومن القانون المصري انتقلت إلى كل القوانين العربية الأخرى التي استوحته ومن بينها قانون التجارة الكويتي (المادة 139).

وانتقاص العقد بقصر البطلان أو الإبطال على ما تعيب منه، دون ما لم يتعيب، أمر تقتضيه المصلحة، فما دام العقد قد اقتُطع منه ما تعيب، فالخير، بحسب الأصل، أن يستمر قائمًا في باقيه. على أن بقاء العقد قائمًا، بعد أن يقتطع منه الشق الباطل أو المبطل ليس إلا أصلاً عامًا، وهو أصل غير مطلق في تطبيقه. فالفقرة الثانية تورد عليه استثناءً هامًا في الحالة التي يُثبت فيها أحد المتعاقدين أنه ما كان ليرتضي العقد بغير الشق الذي انتزع منه نتيجة البطلان أو الإبطال، مقررة أن العقد في تلك الحالة، يبطل كله. وما هذا إلا مجرد إعمال لفكرة (السبب)، باعتباره ركنًا لازمًا لا يقوم العقد بغيره.

وتعرض المادة (191) للحالة التي يقع فيها العقد باطلاً، أو قابلاً للإبطال ثم يبطل، حالة أنه من الممكن أن يستخلص من وقائع إبرامه الأركان اللازمة لعقد آخر غيره، قاضية بقيام هذا العقد الآخر، ويطلق على هذا الحكم، في الفكر القانوني، نظرية تحول العقد، اعتبارًا بأن العقد الباطل أو المبطل يتحول إلى عقد آخر صحيح. ونظرية تحول العقد نظرية ألمانية النشأة، فقد قال بها القانون الألماني (المادة 140) ومن القانون الألماني شقت طريقها إلى قوانين أخرى كثيرة، منها القانون المدني المصري الحالي (المادة 144). ومن القانون المصري انتقلت إلى القوانين العربية الأخرى التي استوحته، ومن بينها قانون التجارة الكويتي (المادة 140).

والمشروع إذ يقضي، في المادة (191) بتحول العقد، يستهدف إنقاذ ما يمكن إنقاذه مما أراده المتعاقدان تنظيمًا لشأنهما، فإن بطل العقد الذي قصداه في الحقيقة، فلا أقل من أن يقوم مكانه العقد الذي كانا ينصرفان بإرادتهما إليه، لو علما بالبطلان، شريطة أن يكون من المقدور أن يستخلص من أنقاض العقد الباطل أركان العقد الصحيح الذي يصير التحول إليه. وقد عرضت الفقرة الثانية من المادة (191) للرضاء اللازم لقيام العقد الذي يصير التحول إليه قاضية، على نحو ما تفعل قوانين البلاد الأخرى، باعتبار هذا الرضا متوافرًا، إذا تبين للقاضي أن طرفي العقد الباطل كانا يريدان العقد الجديد، لو أنهما علما بالبطلان.

فالإرادة الحقيقية للطرفين لم تنصرف، في واقع الأمر، إلا إلى العقد الباطل، ولكن القاضي يستخلص من ظروف الحال أن المتعاقدين كانا يرتضيان العقد الجديد، لو أنهما علما بالبطلان، وإذا كان القاضي لا يستطيع هنا أن يقطع بأن المتعاقدين كانا يرتضيان العقد الجديد، فإنه يكتفي منه أن يرى احتمال هذا التراضي، فإن لم يقم العقد الجديد على أساس الإرادة الحقيقية لطرفيه فإنه يقوم على أساس إرادتهما الاحتمالية، أي تلك التي يرى القاضي أن الظروف تدل على أنه كان من المحتمل أن تكون.
ولا شك أن من شأن إعمال نظرية التحول على نحو ما يأخذ به الفكر القانوني المعاصر، وقننه المشروع، إعطاء القاضي دورًا إيجابيًا هامًا في إنشاء العقد الذي يصير التحول إليه، ولكن في الشروط المتطلبة لإعمال هذه النظرية ما يجعل القاضي بعيدًا عن التحكم.

وتعرض المادة (192) للحالة التي يبطل فيها العقد، نتيجة خطأ يعزى لأحد عاقديه، حالة كون المتعاقد الآخر بعيدًا عن كل خطأ، وتقرر لهذا الأخير الحق في تعويضه عما يرتبه له البطلان من ضرر، كما تقرر هذا الحق في التعويض للغير، الذي يتضرر من إبطال العقد حال كونه بدوره بعيدًا عن الخطأ. ووفقًا للفقرة الثانية من المادة (192) يعتبر الشخص الذي أصابه الضرر نتيجة بطلان العقد، سواء أكان هو المتعاقد الآخر أو أحدًا من الغير، متصلاً بالخطأ الذي يعزى إلى من جاء البطلان من ناحيته، ولا يكون له بالتالي الحق في التعويض، إذا كان قد أسهم فيما أدى إلى وقوع البطلان، أو كان يعلم بسببه أو كان ينبغي عليه أن يعلم به وفقًا لظروف الحال وما تقتضيه من فطنة الشخص العادي وحرصه.

وحكم المادة (192) يتمشى مع القواعد العامة في المسؤولية التقصيرية، وهو من بعد، إعمال لنظرية الخطأ عند تكوين العقد، بعد أن تصحح منها أساسها، برده إلى المسؤولية عن العمل الغير المشروع. وقد سبق للمشروع أن قنن تطبيقًا تشريعيًا للحكم الذي يورده في المادة (192) وذلك في خصوص القاصر الذي يلجأ إلى طرق احتيالية يُخفي بها حاله قصره (المادة 97 من المشروع)

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .