أبحاث قانونية ودراسات حول القضاء المالي

مقال حول: أبحاث قانونية ودراسات حول القضاء المالي

القضاء المالي في تونس من دائرة الى محكمة : أي مصير ؟

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

القضاء المالي في تونس من دائرة الى محكمة أي مصير

أقرّ دستور 27 جانفي 2014 ضمن بابه الخامس أنّ القضاء المالي يمثل مكوّنا من مكونات السلطة القضائية وأورد بشأنه الفرع الرابع تحت عنوان “القضاء المالي” وأفرد له الفصل 117 إلى جانب القواسم المشتركة التي تحكم السلطة القضائية والمبادئ العامّة التي جاء بها الدستور والتي تؤسّس لنظام جمهوري ديمقراطي تشاركي يقوم على مبدأ الفصل بين السلط والتوازن بينها والحكم الرشيد وتضمن فيه الدولة علوية القانون وإستقلال القضاء. وهكذا أحال الفصل 117 من الدستور إلى القانون في خصوص تنظيم محكمة المحاسبات وضبط إختصاصاتها والإجراءات المتبعة لديها، والنظام الخاص بقضاتها.

وتاريخيا فإنّ دستور غرة جوان 1959 قد أحدث دائرة المحاسبات ومتّعها بالصبغة القضائية مما يضمن لها الإستقلالية والحياد والموضوعية اللازمة للقيام بأعمالها ويؤهّلها لأن تكون شريكا متميّزا في إرساء إنفاق عمومي جيّد.

وبصدور القانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016 المؤرخ في 28 أفريل 2016 والمتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء فقد نصّ صلب الفصل 8 منه على أنه : ” يتكوّن المجلس الأعلى للقضاء من أربعة هياكل: مجلس القضاء العدلي ومجلس القضاء الإداري ومجلس القضاء المالي والجلسة العامة للمجالس القضائية الثلاثة”.

على أن التساؤل يطرح حول تركيبة دائرة الحاسبات و إختصاصاتها و أي مصير لهذه الدائرة بعد أن منحها دستور 27 جانفي 2014 صفة المحكمة؟

الـفـقـرة الأولـى: تـركـيـبـة دائـرة الـمـحـاسـبـات

أقرّ القانون عدد 8 لسنة 1968 المؤرخ في 8 مارس 1968 مجال تدخّل دائرة المحاسبات وأقر لها سلطة واسعة فهي تختصّ بالنظر في حسابات وتصرف الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات والمنشآت العمومية وجميع الهيئات مهما كانت تسميتها والتي تساهم الدولة أو البلديات أو الولايات في رأس مالها كما تقوم بتقدير نتائج الإعانة الإقتصادية أو المالية التي تمنحها الدولة أو البلديات أو الولايات للمؤسسات الخاصّة.

وفضلا عن ذلك تباشر الدائرة مراقبة على أموال الأحزاب السيّاسية حيث تقضي إبتدائيا ونهائيا في حسابات المحتسبين العموميين وتنظر في التصرّفات الفضوليّة، كما يمكن لها أن تثير إختصاصها في شأنها الحسابات التي أسندت تصفيتها إلى السلطة الإداريّة وتبت في شأن القرارات الصادرة عن تلك السلطة وفي شأن الأحكام الصادرة عن الدائرة نفسها.

كما تقوم بمهمة مراقبة عامة على المتصرفين في أموال الدولة والمؤسسات العمومية وكذلك الجماعات المحليّة طبقا لأحكام مجلة الجماعات المحلية الصادرة بمقتضى القانون الأساسي عدد 29 لسنة 2018 المؤرخ في 9 ماي 2018.

إضافة إلى ذلك تصدر دائرة المحاسبات تصريحا عاما في المطابقة بين حسابات المحاسبين والحساب العام لإدارة المالية وتنظر في الحسابات والتصرف الإقتصادي والمالي للمؤسسات وللمنشآت العمومية وجميع الهيئات التي تساهم الدولة أو الولايات أو البلديات في رأس مالها بصفة مباشرة أو غير مباشرة، وتقدّر الدائرة نتائج الإعانة الإقتصادية أو المالية مهما كان شكلها والتي تمنحها الدولة أو الجماعات المحلية للمؤسسات الخاصة في شكل إعفاء جبائي أو ضمان أو إختصاص أو منح أو غيرها.

كما أسند القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 والمتعلّق بالإنتخابات والإستفتاء والمنقّح والمتمّم بمقتضى القانون الأساسي عدد 7 لسنة 2017 المؤرخ في 14 فيفري 2017 مهمّة الرقابة عن حسابات الأحزاب السياسية.

كما أن الدائرة ملزمة طبقا لأحكام القانون عدد 17 لسنة 1987 المؤرخ في أفريل 1987 المتعلّق بتلقي التصريح بمكاسب أعضاء الحكومة وبعض الأصناف من الأعوان العموميين والواقع إلغاؤه وتعويضه بمقتضى القانون عدد 46 لسنة 2018 والمؤرخ في 1 أوت 2018 والمتعلّق بالتصريح بالمكاسب والمصالح حيث نصّ الفصل 8 فقرة 2 من هذا القانون على أن تتولى هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد بتوجيه نظير من التصريح إلى محكمة المحاسبات.

و حدّد القانون عدد 8 لسنة 1968 المؤرخ في 8 مارس 1968 أصناف الغرف وحدّد مشمولاتها حيث نجد:

غـرفـة الـخـزيـنـة وحـسـابـات الـدولـة: وتختصّ هذه الغرفة بالرقابة القضائية على حسابات المحتسبين العموميين للدولة والرقابة على غلق ميزانية الدولة ورقابة على عمليات الخزينة والدّين العمومي.
غـرفـة الـتـصـرف فـي مـصـالـح الـدولـة: وتختص برقابة الحسابية الإدارية للدولة وتقدير طرق تصرف مصالح الدّولة.
غـرفـة الـجـمـاعـات الـمـحـلـيـّة: وتختصّ بتسليط رقابة قضائيّة على حسابات محتسبي الجماعات المحليّة وتقدير طرق تصرّفها.
غـرفـة الـمـؤسـسـات الـعـمـومـيـّة والـهـيـئـات الـشـبـيـهـة بها: وتختص بتسليط رقابة قضائية على حسابات محتسبي المؤسسات العمومية الإداريّة والهيئات الشبيهة وتقدير طرق التصرّف فيها.
غـرفـة الـهـيـئـات ذات الـمـسـاهـمـات الـعـمـومـيـة فـي قـطاعـي الـفـلاحـة والـصـنـاعـة: وتختص برقابة الحسابات وتقدير طرق تصرّف الهيئات ذات المساهمات العموميّة في قطاعي الفلاحة والصناعة.
غـرفـة الـهـيـئـات ذات الـمـسـاهـمـات الـعـمـومـيـة فـي قـطـاعـي الـمـالـيـة والـخـدمـات: وتختّص الدائرة بتسليط رقابة على الحسابات وتقدير طرق تصرف الهيئات ذات المساهمات العمومية في قطاعي المالية والخدمات.
الـغـرفـة الـجـهـويـة بـسـوسـة: وتختص بالرقابة على الحسابات وتقدير طرق التصرف بالجماعات المحلية والمؤسسات العموميّة الإداريّة والمنشآت العمومية الموجودة بولايات سوسة والمنستير والمهديّة والقيروان.
الـغـرفـة الـجـهـوية بـصـفـاقـس: وتختص بالرقابة على الحسابات وطرق التصرف بالجماعات المحلية والمؤسسات العمومية الإدارية والمنشآت العمومية الموجود بولايات صفاقس وقابس ومدنين وتطاوين.
الـغـرفـة الـجـهـويـّة بـجـنـدوبـة: وتختص بالرقابة على الحسابات وتقدير طرق التصرف بالجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بولايات جندوبة وبنزرت وباجة والكاف وسليانة.
الـغـرفة الـجـهـويـة بـقـفـصـة: وتختص بالرقابة على الحسابات وتقدير طرق التصرف بالجماعات المحليّة والمؤسسات العمومية الإدارية والمنشآت العمومية الموجودة بولايات قفصة والقصرين وسيدي بوزيد وتوزر وقبلي.
الـفـقـرة الـثـانـيـة: الـرّقـابـة الـلاحـقـة لـدائـرة الـمـحـاسـبـات

تنقسم الرقابة اللاحقة لدائرة المحاسبات إلى ثلاثة أصناف: الرقابة القضائية والرقابة على الحسابية الإدارية وغلق قانون الميزانية.

الـرقـابـة الـقـضـائـيـة:
نص الفصل 4 جديد من القانون عدد 8 لسنة 1968 المؤرخ في 8 مارس 1968 والمتعلق بتنظيم دائرة المحاسبات والمؤرخ في 20 أفريل 1970 والقانون الأساسي عدد 82 لسنة 1980 المؤرخ في 29 أكتوبر 1990 والقانون الأساسي عدد 75 لسنة 2001 والمؤرخ في 17 جويلية2001 على أن دائرة المحاسبات تقتضي إبتدائيا ونهائيا في حسابات المحاسبين العموميين.

كما نصّ الفصل 15 جديد من نفس القانون أن دائرة المحاسبات تضبط وتصفي كلّ الحسابات المعروضة عليها وهي التي تحكم نهائيا ببراءة ذمة المحاسبين أو لديهم بقايا أو مطالبون بما تخلّد بذمتهم.

وتهدف الرقابة القضائية المجراة على حسابات المحاسبين العموميين إلى التثبت من أن العمليات التي قام بها المحاسب خلال السنة قد تم تسجيلها بدقة وتدعيمها بوثائق الإثبات الضروريّة إلى جانب تقدير مسؤولية المحاسبين من خلال المساعي المبذولة لإستخلاص الديون العمومية وصحة عمليات الصرف على أن التساؤل الذي يطرح من هم المحاسبون الخاضعة حساباتهم لقضاء الدائرة؟؟

بالرجوع إلى أحكام مجلة المحاسبة العمومية وخاصّة الفصل 176 المنقح بالقانون عدد 86 لسنة 1996 المؤرخ في 6 نوفمبر 2003 وبالرجوع إلى نصّ الأمر عدد 219 لسنة 1971 المؤرخ في 29 ماي 1971 والمنقح بالأمر عدد 820 لسنة 1986 المؤرخ في 22 أوت 1986 فإن المحاسبين العموميين الذين تخضع حساباتهم لقضاء دائرة المحاسبات هم:

أمين المال
الأمين العام للمصاريف
قبّاض المالية
أمناء المال الجهويون
المحاسبون بالمراكز الديبلوماسية والقنصلية بالخارج
حافظ مستودع الطابع الجبائي
المحاسب المركزي لأملاك الدولة الخاصة
قبّاض الديوانة
محاسبو المجالس الجهوية
محاسبو البلديات والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية التي تفوق ميزانيتها السنوية العادية مليون دينار.
وتجدر الملاحظة أن حسابات المحاسبين الخاضعين لقضاء دائرة المحاسبات تحال سنويا ووجوبا على كتابة الدائرة قبل 31 جويلية في السنة الموالية للسّنة التي ضبطت في شأنها تلك الحسابات وذلك بعد تهيئتها للنظر فيها من المصالح المالية المختصّة بوزارة الماليّة.

ويتمثل حساب التصرف في وثيقة محاسبيّة سنويّة تتضمن العمليات المالية التي قام بها المحاسب الأول بداية من غرة جانفي إلى 31 ديسمبر من السّنة. ويبرز حساب التصرّف السنوي وضعيّة المركز المحاسبي في بداية السّنة وتفصيل العمليات على إختلاف أنواعها قبضا وصرف والمنجزة خلال السّنة مع بيان ما كان نابعا منها للميزانية وما كان خارجا عنها مع بيان وضعية المركز المحاسبي في موفّى السّنة.

وتضاف إلى الحساب قائمة عامّة في أوراق الصرف المتعلّقة بالمصاريف المدفوعة خلال السّنة والمدلى بها رفقة الحسابات الشهرية.

وقد نصّ الأمر عدد 218 لسنة 1971 المؤرخ في 29 ماي 1971 والمتعلّق بتسيير دائرة المحاسبات على وجوبيّة التحقيق في حسابات تصرف محاسبي الدولة والحسابات المالية للجماعات المحليّة والمؤسسات العموميّة وذلك بالتثبت من أنّ الحساب مهيّأ للنظر فيه وأنّه يستجيب للشروط القانونية وفي صورة تقديم الحساب غير مهيأ فإنّه يتم العمل على تسوية وضعيّته عن طريق النيابة العموميّة إضافة إلى التثبت من الميزان الحسابي الأفقي والعمودي للحساب مع الإشارة إلى أن هذا العمل ينجز حاليا بواسطة تطبيقات الإعلامية والقاضي ملزم بالتثبت من إنجاز هذه الرقابة.

كما يشمل التحقيق التثبت من الفواضل وضبط الحساب وفحص الوثائق المصاحبة مع مقارناتها بحساب التصرّف للتثبت من صحة نقل الفواضل والتأكد من أنّ الوثائق المصاحبة تتوفر فيها الشروط الشكلية وفقا للإجراءات المعمول لها إلى جانب مراقبة الديون التي وقع طرحها للتأكد من إحترام مقتضيات مجلّة المحاسبة العمومية ومراقبة البقايا للإستخلاص للتأكدّ من أن المحاسب قام بالمساعي اللازمة لتحصيل الديون وتحمل عن كاهل المحاسب مبالغ الديون التي تقادمت بالنص بسبب تقصيره إضافة إلى التثبت من أن الرقابة على الحسابيّة الإداريّة لآمري الصرف لم تفض لوجود مصاريف غير معلّلة يمكن تحميلها على كاهل المحاسب فإنّه يقع إحالة الأمر إلى القاضي المكلف بالتحقيق في حساب تصرّف المحاسب الذي قام بتأدية هذه المصاريف، كما يمكن للقاضي عند الإقتضاء التنقل على عين المكان بعد موافقة الرئيس الأوّل لدائرة المحاسبات، ويمكن طلب تدخلّ النيابة العموميّة بواسطة مذكّرة ممضاة من قبل القاضي ومؤشر عليها من طرف رئيس الغرفة.

وبعد الإنتهاء من التحقيق يتم إدراج الملاحظات التي أفضت إليها عمليات التثبت أو التصفية ضمن وثيقة وتدرج الملاحظات في شكل مقترحات معلّلة ويجب أن تتم صياغة الملاحظات بصفة دقيقة ومقتضبة وأن تكون وثائق الإثبات المعنية بالملاحظة محدّدة بوضوح.

وبالمقابل يعرض القاضي ملاحظاته والمآخذ المترتبة عنها ويقترح توصيات يبيّن بها كلّ ملاحظة وفي صورة مؤاخذة المحاسب لأوّل مرة تصدر الجلسة حكما وقتيا يتم إعلامه به عن طريق النيابة العمومية وعلى المحاسب أن يمّد الدائرة بردّه في أجل شهرين من تاريخ إعلامه بذلك وتصدر الغرفة حكما نهائيا تبت فيه أو تلغي الحكم الوقتي وذلك على ضوء ردود المحاسب أو بإنتهاء الأجل المذكور. ويعتبر كلّ حكم لا يتضمن مؤاخذة حكما نهائيا بصفة آلية.

الـرّقـابـة عـلـى الـحـسـابـيـّة الإداريـّة
إضافة إلى الرقابة القضائية على حسابات المحاسبين العموميين تمارس دائرة المحاسبات رقابة عامّة على آمري صرف نفقات الدولة والجماعات المحليّة والمؤسسات العموميّة ويقوم المحاسبون الخاضعون لقضاء الدائرة بإيداع حساباتهم سنويا وإجباريا لدى كتابة الدائرة في أجل أقصاه 31 جويلية في السنة الموالية للسنّة التي تمّ بعنوانها إعداد الحسابات، وتقوم المصالح المختصة بوزارة المالية مسبقا بتهيئة تلك الحسابات، كما ترسل الوثائق المؤيدة للنفقات إلى كتابة الدائرة في نفس التاريخ.

ويقوم آمرو الصرف بالنسبة إلى الدولة والجماعات المحليّة والمؤسسات العموميّة خلال أوّل شهر من كل ثلاثية بموافاة الدائرة بجدول حول الإعتمادات المتعهد بها والمأمور بصرفها خلال الثلاثية الأولى من كلّ سنة بموافاة الدائرة بجدول حول الوضعية العامّة للإعتمادات المتعهّد بها والمأمور بصرفها خلال السّنة السّابقة مؤشر عليها من قبل مصلحة مراقبة المصاريف العموميّة.

ويتولّى القاضي القيام بالتثبت من شموليّة الوثائق بمقارنة مجموع المبالغ التي تمّ ضبطها من طرف الكتابة مع الجداول الجمليّة المستخرجة من طرف منظومة “أدب” من جهة مع الحساب العام لإدارة المالية أو مع الحسابات المالية من جهة أخرى ويمكن للقاضي أن يطالب المحتسبين كتابيا بتقديم ما وقع السّهو عنه من وثائق. ويقوم القاضي في مرحلة الثانية بالتثبت من مطابقة النفقات المنجزة للنصوص والتراتيب الجاري بها العمل في مجال المالية العموميّة.

أمّا بخصوص الصفقات العمومية فإنّ القاضي يتأكّد من مطابقة العمليات المنجزة للتشريع الجاري به العمل في هذا المجال، ويمكن أن تكون الرقابة إنتقالية وتقتصر على وزارة أو مؤسسة معينة كما يمكن أن تشمل مجالا ما من خلال هياكل متعدّدة يعرف بالرقابة الأفقية.

ويتثبت القاضي خلال تحقيقه في حالات عدم إحترام التراتيب الجارية بخصوص الصفقات العموميّة (التغيير في حجم الأشغال- الختم النهائي- خطايا التأخير…) وكذلك التنزيل الخاطئ للنفقات والديون المتخلّدة بذّمة الهيكل العمومي وحالات عدم إدراج الإقتناءات بدفاتر الجرد وتجزئة الطلبات وحالات عدم إحترام التراتيب الجاري بها العمل في مجال التأجير.

ويمكن للقاضي عند الضرورة التنقل على عين المكان بعد الترخيص له في ذلك طرف الرئيس الأول لدائرة المحاسبات.

ج- الـنـظـر فـي مـشـروع غـلـق الـمـيـزانـيـة:

طبقا لأحكام الفصل 79 من الأمر عدد 218 لسنة 1971 المؤرخ في 29 ماي 1971 والمتعلّق بسير دائرة المحاسبات تصدر دائرة المحاسبات تصريحا عاما في مطابقة حسابات تصرّف المحاسبين العموميين للحساب العام لإدارة المالية.

وعملا بأحكام الفصل 46 من القانون عدد 53 لسنة 1967 المؤرخ في 8 ديسمبر 1967 والمتعلّق بالقانون الأساسي للميزانية والمنقح بالقانون عدد 103 لسنة 1996 المؤرخ في 25 نوفمبر 1996 وبالقانون عدد 42 لسنة 2004 المؤرخ في 13 ماي 2004، يعدّ وزير المالية سنويّا مشروع قانون غلق ميزانية الدولة ويتم عرض مشروع قانون غلق الميزانية على دائرة المحاسبات للنظر فيه.

ويتأسس مشروع قانون غلق الميزانية على معاينة المبلغ النهائي للموارد المستخلصة ولأذون المصاريف الواقعة خلال التصرف وإلغاء الإعتمادات الباقية إضافة إلى الترخيص في نقل نتيجة السّنة إلى الحساب القار لتسبيقات الخزينة بعد طرح المبالغ الباقية من المداخيل ذات الإستعمال الخاص.

وعند إنجاز الجداول في العمليات المنصوص عليها بمشروع قانوني غلق الميزانية فإنه لا بّد من الأخذ بعين الإعتبار ما يلي:

مصاريف ميزانية الدول: وتضمّ التقديرات الأصليّة والتنقيحات والدفوعات موزّعة حسب الأبواب والأقسام والفصول.
مقابيض الدولة: وتشمل التقديرات الأولويّة والتنقيحات والإستخلاصات موزعة حسب الأبواب والفصول.
المقارنة بين المبلغ الجملي لتقديرات المقابيض والمصاريف وعند الإقتضاء التنقيحات المدخلة عليها من جهة والإنجازات من جهة أخرى بالنسبة إلى كل ميزانية مؤسسة عمومية ميزانيتها ملحقة ترتيبيا بميزانية الدولة وإلى كل حساب خاص في الخزينة.
إنجازات الصناديق الخاصة على مستوى الموارد والنفقات.

وتجدر الملاحظة أن غرفة الخزينة وحسابات الدولة تتولى قبل إصدار التصريح بالمطابقة:

فحص مشروع قانون الميزانية وذلك بمقارنة تقديرات وإنجاز المقابيض والمصاريف المضمّنة بالحساب العام لإدارة المالية على التوالي مع معطيات قانون المالية وحساب تصرّف أمين المال العام.
إعداد تحليل إجمالي لعملية تنفيذ الميزانية وذلك بمقاربة الإنجازات بالتقديرات بالنسبة إلى ميزانية الدولة وصناديق الخزينة وميزانيات المؤسسات العمومية ذات الميزانيات الملحقة ترتيبيا بميزانية الدولة والمراكز الديبلوماسيّة والقنصلية بالخارج.
إعداد تحليل مفصّل لموارد ونفقات ميزانية الدولة وصناديق الخزينة والصناديق الخاصة وميزانيات المؤسسات العمومية ذات الميزانيات الملحقة ترتبيا بميزانية الدولة والمراكز الدبلوماسية والقنصلية بالخارج، وبناءا على هذا التحليل تفسّر الغرفة الفوارق بين التقديرات والإنجازات لنفس السّنة كما تفسّر الفوارق بين إنجازات السّنة الحاليّة والسنة السابقة.
تستخلص النتائج العامّة لتنفيذ قوانين الماليّة وفي النهاية يتم تدوين نتائج هذه الأعمال وعلى أساسها تصدر الجلسة العامّة لدائرة المحاسبات تصريحا عامّا بمطابقة حسابات تصرّف المحاسبين العموميين للحساب العام لإدارة المالية وذلك بحضور المندوب العام للحكومة، ثم يحال التصريح العام بالمطابقة ومشروع قانون غلق الميزانية إلى مجلس الوزراء للنظر فيه قبل عرضه على مجلس النواب.

الـفـقـرة الـثـالـثـة: أي مـصـيـر لـلـقـضـاء الـمـالــي؟

مثلما سبق الإشارة إليه سابقا أصبح القضاء المالي بمقتضى دستور 27 جانفي 2014 ثالث الثلاثة (القضاء العدلي و القضاء و الإداري و القضاء المالي) بصريح النصّ الدستوري بمقتضى أحكام الفصل 117 من الدستور الذي نص على أنّه : ” يتكوّن القضاء المالي من محكمة المحاسبات بمختلف هيئاتها…/ و يضبط القانون تنظيم محكمة المحاسبات ، و إختصاصاتها ، و الإجراءات المتبعة لديها ، و النظام الأساسي الخاص بقضاتها.”

وقد تم إيداع مشروع قانون أساسي جديد في البرلمان و هو مشروع القانون الأساسي عدد 38/2016 المتعلق بضبط إختصاصات محكمة المحاسبات و تنظيمها و الإجراءات المتبعة لديها ويتضمّن هذا المشروع 168 فصلا موزعة على تسعة أبواب وهي التالية : أحكام عامة (الباب الأول)، إختصاصات محكمة المحاسبات (الباب الثاني)، تنظيم محكمة المحاسبات (الباب الثالث)، القضاء في الحسابات (الباب الرابع)، زجر أخطاء التصرّف (الباب الخامس)، الرّقابة على التصرّف (الباب السادس)، مراقبة الأحزاب السياسية والجمعيات والتعاونيات والمؤسسات والهيئات الخاصّة مهما كانت تسميتها (الباب السابع)، مساعدة السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية (الباب الثامن)، أحكام ختامية وإنتقالية (الباب التاسع).

أحـكـام عـامـة
من المستجدّات التي جاءت في مشروع القانون ما ورد بالفصل 3 منه بخصوص الإستقلال المالي والتسيير الذاتي لمحكمة المحاسبات وهي من شروط إستقلالية الأجهزة العليا للرّقابة. وفي هذا المجال نص الفصل المذكور على أن تمارس محكمة المحاسبات مهامها بإستقلالية تامة وتتمتع بالإستقلال الإداري والمالي في إطار ميزانية الدولة وبالتسيير الذاتي. وتضع الدولة على ذمّتها جميع الموارد اللاّزمة لحسن آداء مهامها. وتحرص المحكمة على حسن إستعمال الموارد الموضوعة على ذمتها وفقا لمبادئ الإقتصاد والكفاءة والفعالية. فالاستقلالية تعني كذلك خضوع المحكمة نفسها لمبادئ الشفافية والمساءلة.

إخـتـصـاصـات مـحـكـمـة الـمـحـاسـبـات
تعرّض مشروع القانون إلى إختصاصات محكمة المحاسبات في الفصول من 4 إلى 19، ونصّ الفصل 4 على أن تمارس محكمة المحاسبات إختصاصاتها إزاء الدولة والمؤسسات العمومية التي تكون ميزانياتها ملحقة ترتيبيا بميزانية الدولة والجماعات المحلية، والمؤسسات العمومية التي لا تكتسي صبغة إدارية والمنشآت العمومية وكل الهيئات مهما كانت تسميتها والتي تساهم الدولة أو الجماعات المحلية والمنشآت العمومية في رأس مالها بصفة مباشرة أو غير مباشرة، والهيئات الدستورية المستقلة، والهيئات التعديليّة وغيرها من الهيآت العموميّة المستقلّة، بمعنى أن إختصاصات محكمة المحاسبات تشمل كامل قطاع المالية العمومية بمفهومه الواسع والشامل ممّا يعزّز دور محكمة المحاسبات في حماية المال العام في مختلف أوجهه ومجالاته. وبالمقارنة مع التشريع القديم أضاف المشروع إختصاصات محكمة المحاسبات إزاء الهيئات الدستورية المستقلة والهيئات التعديلية.

وأبرز المشروع إختصاصات محكمة المحاسبات القضائية منها وغير القضائية من خلال الفصل 5 الذي ضبط لها إختصاصين قضائيين يتعلقان بالقضاء في حسابات المحاسبين العموميين وبزجر أخطاء التصرف وإختصاص رقابي شامل يمارس على كافة الهياكل المحددة بالفصل 4 من المشروع.

أما فيما يخصّ الإختصاصات غير القضائية فإن مشروع القانون أتى بإضافات هامّة تدعّم صلاحيات المحكمة من جهة وتضيف صلاحيات جديدة من جهة أخرى بناء على أحكام الفصل 117 من الدستور وتراعي أيضا الإصلاحات التي تشهدها المالية العمومية ولا سيما من خلال تركيز منظومة التصرّف في الميزانية حسب الأهداف والتي تسعى الحكومة لإرسائها عبر مشروع القانون الأساسي الجديد للميزانية بغرض تكريس مزيد من الشفافية على التصرف العمومي وإرساء ثقافة المساءلة ودعم الرّقابة الخارجية التي تمارسها محكمة المحاسبات وما يتطلبه ذلك من مواكبة للتطورات الحاصلة في مجال الرقابة على تنفيذ قوانين المالية وعلى المحاسبة العمومية.

وفي هذا الإطار أوكل لمحكمة المحاسبات خاصة:

التصريح بمطابقة حسابات المحاسبين العموميين للحساب العام للدولة وإبداء الرأي بخصوص القوائم المالية السنوية للدولة (الفصل 7) والمساهمة في تقييم السياسات والبرامج العمومية (الفصل 8)، وهي مهام تمكن محكمة المحاسبات من تقييم السياسات القطاعية العمومية مع إمكانية نشر نتائج أعمالها في إطار التقارير الخصوصية ؛
مساعدة السّلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في مراقبة تنفيذ قوانين المالية وغلق الميزانية، وفضلا عن ذلك يمكن للرئيس الأول لمحكمة المحاسبات أن يقدم بيانات إلى مجلس نواب الشعب حول النتائج النّهائية لأعمال المحكمة بخصوص مراقبة التصرف في المال العام (الفصل 9)؛
رقابة أصحاب اللزمات والمؤسسات المكلفة بإنجاز مشاريع عمومية أو بإدارة مرافق عمومية في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص (الفصل 11)؛
وفي إطار مزيد دعم الإستقلالية الوظيفيّة للمحكمة طبقا لدستور 27 جانفي 2014 أدرجت أحكام تتعلّق بنشر تقاريرها (الفصل 15) ومن خلال ذلك تساهم في إعلام المواطنين حول التصرّف العمومي كما تتولى محكمة المحاسبات متابعة نتائج أعمالها بنفسها (الفصل 16).

وتجدر الإشارة إلى أنه على محكمة المحاسبات وبالنسبة للهيئات الخاضعة لقضائها أو رقابتها أو تقديرها أن تكشف عن المخالفات وتأذن بالتصحيح اللازم وتقيم طرق التصرف وتقدم التوصيات التي يتجه إدخالها ( الفصل 12 من المشروع). كما أضاف الفصل المذكور في فقرته الثانية أنه إذا وقفت المحكمة عند إنجاز أعمالها على أخطاء من شأنها أن تشكل جناية أو جنحة يتم تبليغها إلى النيابة العمومية المختصة قصد تتبع مرتكبيها أمام المحاكم ذات النظر.

تـنـظـيـم مـحـكـمـة الـمـحـاسـبـات
فيما يتعلق بتنظيم محكمة المحاسبات فمن المستجدّات التي وردت في مشروع القانون ما يتعلق بتعديل تركيبة هيئات المحكمة بما يوافق مقتضيات التقاضي على درجتين، فتم إحداث دوائر إستئنافية وهيئة تعقيبية تنظر في الطعون المرفوعة ضد القرارات الإستئنافية.

وقد نصّ الفصل 20 من المشروع على تركيبة محكمة المحاسبات وأبرز موقع النيابة العمومية لدى محكمة المحاسبات كجزء من القضاء المالي تسهر على تطبيق القانون.

وتمّ التنصيص على طريقة تسمية القضاة في الوظائف العليا بمحكمة المحاسبات بالفصول 21 و22 و23 من المشروع التي تتعلّق على التوالي بالرئيس الأوّل لمحكمة المحاسبات وبوكيل الرئيس الأوّل وبوكيل الدولة العام وذلك تجسيما للأحكام الدستورية في هذا الشأن.

ومن إضافات المشروع كذلك أنه تم ضبط مهام النيابة العمومية بدقة (الفصل 24) والتنصيص على أن التصريح بالحكم لا يكون إلا في جلسات علنية (الفصل 28).

وفي خصوص الإستقلالية الإدارية والمالية فقد وضعت أسسها خاصة الفصلان 21 و41 من المشروع حيث أوكل الفصل 21 مسؤولية تسيير المحكمة إلى الرئيس الأوّل وأعطاه صفة آمر صرف بما يمكّنه من مقومات القيادة والتسيير للمؤسسة التي يرأسها ويدير شؤونها. وتخضع العمليات المالية لمحكمة المحاسبات لرقابة لاحقة من قبل لجنة يتم تعيينها من قبل مجلس القضاء المالي للغرض (الفصل 41).

الـقـضـاء فـي الـحـسـابـات
تحت عنوان “القضاء في الحسابات” إشتمل الباب الرابع من مشروع القانون على الفصول من 42 إلى 110 بما يمثّل 68 فصلا مخصصة للقضاء في حسابات المحاسبين العموميين ويمكن تفسير هذا العدد الهام من الفصول بمقتضيات ضبط مختلف مراحل وأوجه العملية الرقابية القضائية في إطار يضمن حقوق المحاسب وحسن تطبيق القانون وحماية المال العام.

وتم التعرض ضمن باب “القضاء في الحسابات” إلى مسائل رفع الدعوى، والتحقيق، والحكم، والإعلام بالأحكام وتنفيذها، وطرق الطعن ومنها مراجعة قرارات السلطة الإدارية ومراجعة الأحكام الصادرة عن المحكمة وإجراءات الإستئناف والتعقيب.

كما نصّ مشروع القانون على إقرار الصبغة القضائية من حيث الفصل بين مراحل إثارة الدعوى والتحقيق والحكم، والعمل بآليات القضاء على درجتين، والحق في الطعن وفق قواعد الطعن بالإستئناف والطعن بالتعقيب وإقرار علنية الجلسات وإنهاء العمل بالأحكام الوقتية ثم النهائية وبالتالي تبسيط إجراءات التقاضي والتقليص في آجال المحاكمة، وكذلك إعادة النظر في آليات تحديد مسؤولية المحاسب العمومي ومراجعة سقف إختصاص وزارة المالية في ما يتعلق بالتصفية الإدارية، وتطوير إجراءات تسليط الخطايا.

5. زجـر أخـطـاء الـتـصـرّف
تضمّن الباب الخامس من مشروع القانون تحت عنوان “زجر أخطاء التصرف” الفصول من 111 إلى 145 موزعة على الأقسام التالية : الأشخاص الخاضعون وأخطاء التصرف والعقوبات والإجراءات والتحقيق والحكم.

ومن الإضافات التي وردت بمشروع القانون أنّه حدد الأشخاص الخاضعين متبعا في ذلك التوجّهات الحديثة في مجال نظام مسؤولية المتصرفين العموميين التي تقر بمسؤولية المتصرف العمومي عند ثبوت إرتكابه لأخطاء تصرف و بمراقبة جميع المتدخلين من غير أي تمييز من حيث الصفة أو المهام (إيطاليا، إسبانيا، البرتغال، اليونان) فضلا عن مستلزمات الشفافية والمساءلة في مجال التصرف المالي العمومي.

وقد نص الفصل 111 من مشروع القانون على أن تتولى محكمة المحاسبات زجر أخطاء التصرف المرتكبة من قبل أعوان الدولة أو المؤسسات والمنشآت العمومية أو الجماعات المحلية أو من قبل أعوان ومتصرّفي وممثلي المؤسسات التي تمتلك الدولة أو الجماعات المحلية، مباشرة أو غير مباشرة، نسبة 50 بالمائة أو أكثر من رأسمالها. كما تتولى زجر أخطاء التصرف المرتكبة من قبل رؤساء وأعوان الهيئات الدستورية المستقلة والهيئات التعديلية وغيرها من الهيآت العمومية المستقلة. وللتذكير فإن قانون 1985، الذي مضت عليه 30 سنة يستثي الوزراء من منظومة زجر أخطاء التصرف.

وحدّد الفصل 113 من مشروع القانون الأعمال التي تعتبر أخطاء تصرف وهي أعمال غالبا ما تكون لها إنعكاسات هامّة على التصرف في المال العام كما ضبط الفصل 114العقوبات والتي تتمثل في خطايا مالية يتراوح مقدارها بين الجزء الثاني عشر وكامل المرتب الخام السنوي الذي يمنح للمعني بالأمر في تاريخ إرتكاب الخطأ وذلك بصرف النظر عن العقوبات التأديبية أو الجزائية التي قد يستوجبها خطأ أو أخطاء التصرف المرتكبة.

ومن إضافات مشروع القانون تكريس مقومات المحاكمة العادلة في مجال زجر أخطاء التصرف (الفصول من 118 إلى 145) ومنها الجهات المؤهلة لرفع الدعوى وشروطها وإجراءات التحقيق وتركيبة الهيئة الحكمية وإجراءات الحكم وضمان حقوق الدفاع وإصدار الأحكام مع إمكانية الإستئناف والطعن بالتعقيب والمراجعة.

الـرقـابـة عـلـى الـتـصـرّف
لم يعد عمل الهيئات العليا للرقابة يركّز فقط على مراقبة الشرعية بل أصبح يشمل أيضا تقييم أداء الهيئات الخاضعة للرقابة بالنظر إلى معايير الفعالية والنجاعة والإقتصاد والمحافظة على البيئة. وفي هذا الإطار تعرّض مشروع القانون للرّقابة على التصرّف في الفصول من 146 إلى 154 وجاء بالفصل 146 أن الرقابة على التصرف الموكولة إلى محكمة المحاسبات ترمي إلى التأكد من مطابقة أعمال التصرف المنجزة من قبل الهيئات الخاضعة لرقابة محكمة المحاسبات للتشريع والتراتيب الجاري بها العمل، كما ترمي إلى تقييم تصرف تلك الهيئات للتأكد من مدى إستجابته لمتطلبات الحكم الرشيد خاصة من حيث مراعاة مبادئ الإقتصاد والكفاءة والفعالية والشفافية ومقتضيات التنمية المستدامة.

وتتم مهمّات الرّقابة حسب البرنامج السنوي لأعمال المحكمة ويتولىّ رئيس الدائرة المختصّة تعيين القسم أو أعضاء الدائرة المكلفين بإنجاز مهمات الرقابة وبتقديم تقرير في ذلك (الفصل 147). ومن إضافات مشروع القانون ما جاء بالفصل 153 الذي يقرّ إمكانية متابعة محكمة المحاسبات لنتائج الملاحظات والتوصيات التي تبلغها إلى الهياكل محل الرقابة وعند الإقتضاء إلى جهات الإشراف على تلك الهياكل.

مـراقـبـة الأحـزاب الـسـيـاسـيـة والـجـمـعـيـات والـتـعـاونـيـات والـمـؤسـسـات والـهـيـئـات الـخـاصـة مـهـمـا كـانـت تـسـمـيـتـها
نص الفصل 155 من مشروع القانون على أن تباشر محكمة المحاسبات من تلقاء نفسها رقابتها على الأحزاب السياسية والجمعيات والتعاونيات والمؤسسات والهيئات الخاصة مهما كانت تسميتها التي تتمتع بمساعدات إقتصادية أو مالية من الهيئات الخاضعة لرقابة محكمة المحاسبات وترمي هذه الرقابة إلى التأكد من مدى مطابقة منح الإعانة للأحكام القانونية ومن مدى إستخدامها في الأغراض المخصصة لها وفقا لمتطلبات حسن التصرّف.

مـسـاعـدة الـسـلـطـة الـتـنـفـيـذيـة والـسـلـطـة الـتـشـريـعـيـة
تعتبر مهام مساعدة السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية من المهام الجديدة الموكولة لمحكمة المحاسبات والمنصوص عليها بالفصل 117 من الدستور وهي موضوع الفصول من 160 إلى 165 من مشروع القانون.

ويتبيّن من مضامين الفصول المذكورة أنه يتعيّن على محكمة المحاسبات إعداد تقارير جميعها قابلة للنشر أو يتم نشرها مما يعزز مبدأ الشفافية ومتطلبات إعلام الرأي العام، ومنها التقرير العام السنوي حول النتائج التي إنتهت إليها أعمالها خلال السنة المنصرمة ويتضمن هذا التقرير الملاحظات والإستنتاجات التي خلصت إليها المحكمة كما يحتوي على إقتراح الإصلاحات التي تراها مناسبة ويرفع الرئيس الأول لمحكمة المحاسبات التقرير السنوي العام إلى كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس نواب الشعب ورئيس الحكومة ورئيس المجلس الأعلى للقضاء (الفصل 164) وهذا من شأنه التعريف بأعمال محكمة المحاسبات وإنارة الرأي العام في المسائل المتعلقة بالتصرف في الأموال العمومية، كما تعدّ محكمة المحاسبات عند الإقتضاء تقارير خصوصية يمكن نشرها (الفصل 161)، وتعدّ محكمة المحاسبات تقريرا عن مشروع قانون غلق ميزانية الدولة وينشر هذا التقرير ( الفصل 162). وتعدّ محكمة المحاسبات تقريرا يتعلق بالمصادقة على القوائم المالية السنوية للدولة من حيث سلامتها وصدقها وتعبيرها بصورة أمينة عن الوضعية المالية للدولة (الفصل 163).

وفضلا عن ذلك ومن إضافات مشروع القانون ما جاء بالفصل 164 منه والذي نصّ على أنّه يمكن لكل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس نواب الشعب ورئيس الحكومة توجيه طلبات لمحكمة المحاسبات قصد إنجاز أعمال تندرج ضمن مشمولات أنظارها المتعلقة بالرقابة على تنفيذ قوانين المالية وغلق الميزانية. وتستجيب محكمة المحاسبات لتلك الطلبات حسب مقتضيات العمل لديها.

أحـكـام إنـتـقـالـيـة وخـتـامـيـة
تضمن مشروع القانون أحكاما ختامية وإنتقالية تتعلق بدخوله حيزّ النّفاذ بعد مرور سنة على تاريخ نشره بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية وتنصّ على أن الأحكام الواردة به والمتعلقة بالقضاء في الحسابات لا تنطبق على الحسابات المقدمة قبل تاريخ دخوله حيز النفاذ والتي تم في شأنها إصدار أحكام وقتية تم تبليغها إلى الأطراف المعنية بها. كما نصّت هذه الأحكام على إحالة الملفات المنشورة لدى دائرة الزجر المالي في تاريخ دخول هذا القانون حيز النفاذ إلى محكمة المحاسبات على أن تبقى القضايا الجارية في هذا التاريخ خاضعة للأحكام القانونية المعمول بها في تاريخ صدوره إلى أن يقع البت فيها نهائيا من قبل محكمة المحاسبات ما لم تكن أحكام هذا القانون أرفق للمتقاضي.

و في المحصلة فإن دستور 27 جانفي 2014 قد أقر أن القضاء المالي هو ثالث الثلاثة ترجمه فيما بعد القانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016 المؤرخ في 28 أفريل 2016 المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء إلى جانب وجود مشروع قانون أساسي عدد 38/2016 المتعلق بضبط إختصاصات محكمة المحاسبات و تنظيمها و الإجراءات المتبعة لديها و الذي ظل يراوح في مكانه منذ سنة 2016.

و في هذا السياق نوصي بضرورة الإسراع بالمصادقة على هذا القانون و نشره خصوصا و أن مجلة الجماعات المحلية قد حمّلت محكمة المحاسبات وظائف خاصة تتمثل في بسط رقابة حصرية على 350 بلدية و ما يقتضي ذلك من ضرورة الإسراع بتركيز الدوائر الإبتدائية الجهوية و توفير الموارد البشرية و اللوجستية علما و أن سنة 2019 هي سنة إنتخابية و ما لمحكمة المحاسبات من دور مهم في مراقبة الحملة الإنتخابية و التصدي لما من شأنه أن يمس من سلامة المسار الإنتخابي./.

الـمـراجـع الـقـانـونـيــة:

القانون عدد 8 لسنة 1968 المؤرخ في 8 مارس 1968 المتعلّق بتنظيم دائرة المحاسبات والمنقح بالقانون عدد 17 لسنة 1970 المؤرخ في 20 أفريل 1970، وبالقانون الأساسي عدد 82 لسنة 1990 المؤرخ في 29 أكتوبر 1990 وبالقانون الأساسي عدد 75 لسنة 2001 المؤرخ في 17 جويلية 2001.
القانون عدد 17 لسنة 1987 المؤرخ في 10 أفريل 1987 والمتعلق بالتصريح على الشرف بمكاسب أعضاء الحكومة وبعض الأصناف من الأعوان العموميين.
الأمر عدد 218 لسنة 1971 المؤرخ في 29 ماي 1971 والمتعلق بسير دائرة المحاسبات.
الأمر عدد 219 لسنة 1971 المؤرخ في 29 ماي 1971 والمتعلّق بتعيين المحتسبين الخاضعة حساباتهم لقضاء دائرة المحاسبات والمنقح بالأمر عدد 820 المؤرخ في 22 أوت 1986.
الأمر عدد 528 لسنة 1982 المؤرخ في 17 مارس 1982 والمتعلّق بتنظيم دائرة المشاريع العمومية لدائرة المحاسبات وطرق تسييرها.
الأمر عدد 1071 لسنة 1992 المؤرخ في غرّة جوان 1992 والمتعلق بتنظيم الكتابة العامّة لدائرة المحاسبات.
الأمر عدد 2303 لسنة 2001 المؤرخ في 2 أكتوبر 2001 المتعلّق بضبط عدد مندوبي الحكومة لدى دائرة المحاسبات.
الأمر عدد 2304 المؤرخ في 4 أكتوبر 2001 المتعلق بإحداث غرفة جهويّة لدائرة المحاسبات بسوسة وبضبط نطاقها الترابي.
الأمر عدد 2635 لسنة 2003 المؤرخ في 23 ديسمبر 2003 المتعلق بإحداث غرفة جهوية لدائرة المحاسبات بصفاقس.
الأمر عدد 1594 لسنة 2005 المؤرخ في 23 ماي 2005 والمتعلق بإحداث غرفة جهوية متفرعة عن دائرة المحاسبات بقفصة وبضبط نطاقها الترابي.
مرسوم عدد 6 لسنة 1970 المؤرخ في 23 سبتمبر 1970 المتعلق بالقانون الأساسي لأعضاء دائرة المحاسبات والمنقح بالمرسوم عدد 18 لسنة 1974 المؤرخ في 23 جانفي 1981 وبالقانون عدد 76 لسنة 1976 المؤرخ في 28 جويلية 1986 وبالقانون الأساسي عدد 83 لسنة 1990 المؤرخ في 29 أكتوبر 1990 وبالقانون الأساسي عدد 77 لسنة 2001 المؤرخ في 24 جويلية 2001.
القانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016 المؤرخ في 28 أفريل 2016 المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء.
القانون الأساسي عدد 29 لسنة 2018 المؤرخ في 9 ماي 2018 والمتعلق بمجلة الجماعات المحلية.
القانون الأساسي عدد 46 لسنة 2018 المؤرخ في 1 أوت 2018 و المتعلق بالتصريح بالمكاسب و المصالح و بمكافحة الإثراء غير المشروع و تضارب المصالح.
القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 والمتعلق بالإنتخابات والإستفتاء كما تم تنقيحه وإتمامه بالقانون الأساسي عدد 7 لسنة 2017 المؤرخ في 14 فيفري 2017.
دستور غرة جوان 1959.
دستور 27 جانفي 2014.
مشروع القانون الأساسي عدد 38/2016 المتعلق بضبط إختصاصات محكمة المحاسبات و تنظيمها و الإجراءات المتبعة لديها.
تقرير شرح الأسباب حول مشروع القانون الأساسي عدد 38/2016 المتعلق بضبط إختصاصات محكمة المحاسبات و تنظيمها و الإجراءات المتّبعة لديها.

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.