أبحاث قانونية حول الخبرة أمام القضاء

منذ عدة سنوات أجريت دراسة بحثية حول الخبرة أمام القضاء؛ ركزت فيها على الخبرة الحسابية، وبعد صدور قانون الخبراء رقم /58/ تاريخ 1/9/2013 قمت بتحديث هذه الدراسة.

ولأهمية الموضوع وعلاقته بالشركات التجارية، ارتأيت نشره ضمن فصول هذا الكتاب.

مقدمة البحث :

انطلاقاً من أهمية الخبرة التي تجري أمام القضاء بشكلٍ عام والخبرة الحسابية بشكلٍ خاص في كونها من أهم الحيثيات التي يبني عليها القاضي حُكمه، وخاصةً في الدعاوى المدنية التجارية.

ومن خلال ممارستي لهذا العمل منذ سنوات عديدة لدى محاكم دمشق، واطلاعي على النصوص القانونية الناظمة له والأصول والأعراف المتصلة بها المتبعة لدى المحاكم وفي عمل الخبراء.

رأيت أنه من المفيد إعداد هذا البحث، علّه يُساهم في الوصول إلى الصيغة الأمثل لهذا العمل وفق مرجعيةٍ قانونيةٍ متطورة ومنهجيةٍ علميةٍ وعملية سليمة.

آملاً أن أكون قد وُفِّقت في ذلك، مع الإشارة إلى أن ما سيرد في هذا البحث قابلاً للدراسة والنقاش وخاصةً من قبل وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى باعتبارهما الجهة المعنية بذلك.

في المرجعية القانونية

للخبرة أمام القضاء

أولاً ـ نصَّ قانون الخبراء ـ رقم /58/ تاريخ 1/9/2013 على ما يلي:

المادة 1 :يقصد بالتعابير الآتية المعنى المبين إزاء كل منها في معرض تطبيق أحكام هذا المرسوم التشريعي.

الوزارة: وزارة العدل.

الوزير: وزير العدل.

المكتب: مكتب الخبرات القضائية.

اللجان الفرعية: هي لجان مختصة بانتقاء الخبراء في المحافظات تمارس أعمالها وفقا لأحكام هذا المرسوم التشريعي.

الخبير: كل شخص لديه معرفة بعلم أو فن أو مهنة يستطيع من خلالها إبداء الرأي سواء كانت هذه المعرفة ناجمة عن التحصيل العلمي أو نتيجة الممارسة العملية.

الخبرة: هي رأي فني يطلبه القاضي في مجال إثبات تقدير المسائل الفنية التي يحتاج تقديرها إلى معرفة فنية أو دراية علمية.

المادة 2: يحدث في الوزارة مكتب باسم مكتب الخبرات القضائية مهمته وضع شروط انتقاء الخبراء والإشراف على أعمالهم ومتابعتها في جميع المحاكم والدوائر القضائية والإشراف على أعمال اللجان الفرعية في جميع المحافظات.

المادة 3 : يتألف المكتب من رئيس بدرجة مستشار في محكمة النقض ومستشارين اثنين غير متفرغين تجري تسميتهم خلال شهر كانون الثاني من كل سنة بقرار من مجلس القضاء الأعلى.

المادة 4: قضاة المكتب مرتبطون بالوزير ومسؤولون أمامه عن سير الأعمال.

المادة 5: يتولى المكتب بالتنسيق مع الجهات المختصة المهمات الآتية:

أ- تحديد شروط انتقاء الخبراء من الاختصاصات كافة وفقا للقوانين النافذة.
ب- إصدار جدول بأسماء الخبراء.

ج- تشكيل لجان فرعية في المحافظات لانتقاء الخبراء على أن تتألف كل لجنة من ثلاثة قضاة غير متفرغين يسمى احدهم رئيسا بموجب قرار التشكيل لا تقل درجته عن مستشار استئناف تجري تسميتهم بقرار من مجلس القضاء الأعلى.

د- تنظيم الإحصاءات لمراقبة سير أعمال الخبراء في جميع المحاكم والدوائر القضائية.

هـ- ترتيب السجلات والملفات الخاصة بأحوال الخبراء.

و- تضع اللجنة الفرعية في كل محافظة تقريرا سنويا عن أعمال الخبراء الذين كلفوا لديها تبين فيه كيفية قيامهم بالأعمال الموكلة إليهم وتحفظ نسخة عن هذا التقرير لدى المكتب.

المادة 6 :

أ- تسمي المحاكم والدوائر القضائية خبراء اختصاصيين مدونة أسماؤهم في الجدول المشار إليه في الفقرة (ب) من المادة (5) من هذا المرسوم التشريعي.
ب- لا يحق للمحاكم والدوائر القضائية أن تعين خبيرا من غير المسجلين في الجدول إلا في الأحوال الآتية:

1- إذا كان الجدول خاليا من أسماء خبراء اختصاصيين في موضوع النزاع المعروض عليها.

2- عند اتفاق أطراف النزاع في الدعوى.

ج- يجوز للمحاكم والدوائر القضائية أن تستعين بخبراء غير مسجلين في الجدول ولو كانوا من غير العرب السوريين بالتنسيق مع الجهات المختصة وذلك بقرار توضح فيه الأسباب الداعية لذلك.

المادة 7 :

أ- يصدر المكتب قبل ثلاثة أشهر من انتهاء مدة العمل بجدول الخبراء الاختصاصيين قرارا بتحديد أنواع الخبرة وعدد الخبراء بما يراه كافيا لحاجة المحاكم والدوائر القضائية في كل محافظة من المحافظات.

ب- يعلن رئيس المكتب هذا القرار في لوحة إعلانات محاكم الاستئناف في المحافظات وفي الصحف محددا في الإعلان مدة لتقديم الطلبات من الراغبين بالتسجيل في جدول الخبراء الاختصاصيين على ألا تتجاوز ثلاثين يوما من تاريخ الإعلان.

ج- يجوز لرئيس المكتب تجديد المدة المشار إليها في الفقرة السابقة لنوع أو أكثر من الخبرة إذا لم يتقدم إليها العدد المطلوب.

المادة 8:

يشترط في الخبير المرشح أن يكون:

أ- عربيا سوريا أو من في حكمه متمتعا بحقوقه المدنية.

ب- قد مارس العمل في اختصاصه خمس سنوات على الأقل.

ج- خاليا من الأمراض السارية والعاهات التي تمنعه من القيام بالأعمال التي ستوكل إليه.

د- غير محكوم عليه بجناية أو جنحة شائنة.

هـ- غير مطرود أو معزول من أي عمل في الدولة.

و- موافقة الجهة التي يعمل لديها المرشح إذا كان من العاملين في الدولة مع تزكيته كخبير.

ز- رخصة ممارسة المهنة لخبراء التقييم العقاري المشمولين بأحكام القانون رقم 8 لعام 2012.

ح- ذا موطن ثابت في المحافظة التي سيزاول عمل الخبرة فيها.

ط- حائزا في مجال اختصاصه على إحدى الشهادات العربية السورية الآتية أو ما يعادلها:

الشهادات الجامعية وشهادات معاهد التعليم العالي.
شهادات المعاهد المتوسطة.
الشهادات الثانوية الفنية أو الاختصاصية.
الشهادات الأخرى التي يصدر بتحديدها قرار من الوزير بالتنسيق مع الوزير المختص.
ي- قد مارس العمل فعلا في مجال اختصاصه مدة خمس سنوات على الأقل بعد حصوله على إحدى الشهادات المنصوص عليها في الفقرة السابقة وتعد من مدة الممارسة الفعلية ما يقضيه حاملو الشهادات الجامعية في دراسة الاختصاص بعد إتمام مرحلة التعليم الجامعي وتحدد بقرار من الوزير بناء على اقتراح المكتب الوثائق المطلوبة لإثبات الممارسة.

المادة 9: لا يجوز تعيين أحد العاملين في الدولة ولو كان مسجلا في جدول الخبراء الاختصاصيين خبيرا في نزاع تكون الجهة التي يعمل لديها طرفا فيه.

المادة 10: أ- للوزير بناء على اقتراح المكتب الإعفاء من شرط حيازة الشهادة المنصوص عليه في الفقرة ط من المادة 8 في أي من مجالات الاختصاص في المحافظات التي لا يتوفر فيها حاملو الشهادة المطلوبة لهذا الاختصاص على إلا يمارس الخبير المسجل وفقا لحكم هذه الفقرة خبرته خارج نطاق المحافظة التي سجل فيها.

ب- يستثنى المرشحون لممارسة الخبرة في المناطق من شرط الشهادة المنصوص عليه في الفقرة ط من المادة 8 على إلا يمارس الخبير المسجل وفقا لحكم هذه الفقرة خبرته خارج نطاق المنطقة التي سجل فيها.

المادة 11: على من يرغب تسجيل اسمه في جدول الخبراء الاختصاصيين أن يتقدم إلى اللجنة الفرعية خلال المدة المحددة باستدعاء يذكر فيه نوع الخبرة التي يرغب بالتسجيل خبيرا فيها وعليه أن يرفق باستدعائه:

أ- نسخة عن سجله العدلي.

ب- نسخة عن سجله المدني.

ج- الشهادة العلمية.

د- وثيقة الممارسة مرفقة بموافقة من التنظيم النقابي أو المهني.

هـ- الشهادة الصحية التي تثبت خلوه من الأمراض السارية والعاهات التي تمنعه من القيام بالأعمال التي ستوكل إليه.

و- موافقة الجهة التي يعمل لديها.

المادة 12: تجري اللجان الفرعية بحثا عن كل مرشح حائز على الشروط القانونية المطلوبة وتستطلع رأي النيابة العامة في المحافظة ورؤساء المحاكم والدوائر القضائية ورئيس فرع نقابة المحامين فيها ثم تقترح تسجيل من تراه مقبولا من المرشحين في جدول الخبراء الاختصاصيين.

المادة 13:

أ- يرسل رؤساء اللجان الفرعية إلى المكتب قائمة بأسماء المرشحين الذين تقترح اللجان الفرعية تسجيلهم في جدول الخبراء الاختصاصيين.

ب- يقترح المكتب الخبراء من هذه القوائم ويصدر الوزير قرارا بتسجيلهم في جدول الخبراء الاختصاصيين كل حسب محافظته ونوع خبرته ويبلغ القسم الخاص من هذا القرار في كل محافظة إلى رئيس اللجنة الفرعية.

ج- يدعو رئيس اللجنة الفرعية الخبير المقرر تسجيله في الجدول لأداء اليمين الآتية:

“اقسم بالله العظيم أن أقوم بكل مهمة يعهد إلي بها بصدق وأمانة”.

وذلك أمام رئيس محكمة البداية المدنية الأولى في المحافظة.

ويعمل بهذا القسم في جميع المهمات التي يعهد بها إلى الخبير.

د- يرسل رؤساء اللجان الفرعية إلى المكتب كشفا بأسماء الخبراء الذين أدوا القسم القانوني.

هـ- ينظم المكتب جدول الخبراء الاختصاصيين المتضمن أسماء من أدوا القسم القانوني كل حسب محافظته ونوع خبرته ويصدر الوزير قرارا باعتماد الجدول ثم يعلن في لوحة إعلانات الوزارة ويبلغ إلى جميع المحاكم والدوائر القضائية.

المادة 14: تنظم اللجنة الفرعية ملفا خاصا لكل خبير مسجل في جدول الخبراء الاختصاصيين وتحفظ في هذا الملف:

أ- صورة عن التقرير الذي وضعه أثناء البحث عنه قبل اقتراح ترشيحه.
ب- ما يرد إليها من معلومات عن الخبير اثناء قيامه بعمله.

المادة 15: ينظم رئيس كل محكمة أو دائرة قضائية في شهر كانون الأول من كل سنة تقريرا عن أعمال الخبراء الذين كلفوا بمهمات لديها يبين فيها كيفية قيامهم بهذه المهمات ويضم التقرير إلى ملف الخبير المحفوظ لدى اللجنة الفرعية.

المادة 16: يمسك في كل محكمة أو دائرة قضائية سجل خاص يدرج فيه:

أ- رقم القضية ونوعها وأسماء الخصوم والخبير المعين فيها وتاريخ تعيينه وتبلغه ونوع العمل الموكول إليه والمدة المحددة لإتمامه وما طلبه من الأجور وما قررت له المحكمة أو الدائرة القضائية وتاريخ تقديم التقرير وملحوظات المحكمة أو الدائرة القضائية.

ب- يكون هذا السجل بتصرف اللجنة الفرعية للاطلاع عليه.

المادة 17: إن الخبراء المسجلين في الجدول ملزمون بأداء المهمات الموكولة إليهم مجانا لمصلحة الخصم الحائز على المعونة القضائية ويبقى لهم حق مطالبة الخصم الآخر بأجورهم إذا حكم عليه بنفقات الدعوى أو مطالبة الخصم الحائز على المعونة القضائية بعد يسره.

المادة 18: يتناول الإشراف من قبل اللجنة الفرعية الأعمال الآتية:

استقلال الخبير عن أي تأثيرات خارجية.
كيفية قيام الخبير بمهمته وكفاءته المسلكية وسلوكه.
الجهود التي يبذلها الخبراء للقيام بمهماتهم ضمن المواعيد المحددة لهم.
التزام الخبير بالخبرة المكلف بها في الدعوى.
المادة 19: يضع الوزير لائحة للتفتيش والإشراف على أعمال الخبراء ويجب أن يحاط كل خبير علما بكل ما يلاحظ عليه.

المادة 20 :

يخضع الخبراء للتفتيش القضائي تلقائيا أو بناء على طلب المكتب أو اللجنة الفرعية أو النيابة العامة أو رئيس المحكمة أو بناء على شكوى من احد الخصوم.
لإدارة التفتيش القضائي إحالة الخبير إلى لجنة التأديب أو حفظ الشكوى بموافقة الوزير .
المادة 21 : تشكل لجنة تأديبية بقرار من الوزير من ثلاثة قضاة لا تقل مرتبتهم عن درجة مستشار تتولى الاختصاصات الآتية:

اتخاذ القرار بعد الاستماع لدفاع الخبير بأحد التدابير الآتية:
حفظ الموضوع.
توجيه الإنذار المسجل.
التوقيف عن العمل مؤقتا من شهر إلى ثلاث سنوات .
شطب الخبير نهائيا من قبوله أمام المحاكم والدوائر القضائية.
تصدر لجنة التأديب قرارها في غرفة المذاكرة بشكل مبرم بالنسبة للعقوبات المشار إليها في البنود 1و2و3 من الفقرة السابقة أما قرار الشطب فيقبل الطعن أمام الغرفة المدنية الأولى لدى محكمة النقض وللنائب العام في الجمهورية حق الطعن بقرار الحفظ أمام هذه الغرفة ويصدر الوزير القرارات التنفيذية بالعقوبات المسلكية المفروضة.
تبلغ الوزارة القرارات التأديبية المنفذة الصادرة وفقا لأحكام هذه المادة إلى جميع اللجان الفرعية وسائر المحاكم.
إذا كان الخبير من العاملين في الدولة تبلغ الجهة التي يتبعها القرارات التأديبية المنفذة بحقه.
لا تخل الأحكام الواردة أعلاه بما ورد في المادة 157 من قانون البينات وبما ورد من أحكام في قانون العقوبات العام.
المادة 22 :

تحيط النيابة العامة كلا من الوزارة والمكتب علما بأسماء الخبراء الذين تصدر بحقهم عقوبة جنائية أو جنحية.
إذا حكم على الخبير بعقوبة جنائية أو بجنحة شائنة يشطب اسمه من الجدول نهائيا.

المادة 23 :

يستمر العمل بجداول الخبراء المعلنة من قبل الوزارة قبل نفاذ هذا القانون حتى تاريخ بدء العمل بجدول الخبراء المنظم وفقا لأحكامه.
يحدد تاريخ بدء العمل بالجدول المذكور لأول مرة بقرار من الوزير وينشر في الجريدة الرسمية قبل مدة لا تقل عن خمسة عشر يوما من التاريخ المحدد لبدء العمل به.
المادة 24 : يلغى القانون رقم 42 الصادر بتاريخ 15-3-1979.

المادة 25 : ينشر هذا المرسوم التشريعي في الجريدة الرسمية.

ثانياً ـ في الرأي والتطبيق :

بدراسة قانون الخبراء الجديد الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /58/ لعام 2013، نجد أنه جاء مطابقاً إلى حدٍ كبير قانون الخبراء رقم /42/ لعام 1979، ولم تأخذ اللجنة المكلفة بوضعه بالاقتراحات والملاحظات الواردة على قانون الخبراء ومنها:

إن تشكيل لجنة الخبراء في كل محافظة من ثلاثة قضاة يسمى أحدهم رئيساً على أن لا تقل درجته عن مستشار استئنافي، يستدعي إضافة عضواً إدارياً متفرغاً لعمل هذه اللجنة بحيث يقوم بتنظيم الملفات الخاصة بالخبراء وفقاً لنص المادة (14) ومتابعة كافة التقارير والمراسلات الخاصة بهم وتهيئة كل ما يلزم لعمل لجنة الخبراء المؤلفة أصلاً من ثلاثة قضاة غير متفرغين.
إن تحديد مدة العمل بجدول الخبراء بسنتين، وإلزام الخبراء بتقديم الوثائق المطلوبة كل سنتين، يبقى أمراً مربكاً لوزارة العدل والخبراء بآنٍ واحد.
ففي معظم الدول ـ كما علمت ـ يكون جدول الخبراء دائماً ويُعاد النظر به سنوياً في ضوء ما يطرأ من وقوعات عليه إضافةً أو حذفاً، أو تكون مدته لا تقل عن خمس سنوات، وفي هذه الحالة يقتصر طلب تقديم الوثائق المطلوبة كاملةً على الخبراء الجدد، ويُكتفى بالنسبة للخبراء المسجلين سابقاً بطلب تقديم الوثائق التي يمكن أن يطرأ عليها تبديل أو تغيير مثل السجل العدلي والشهادة الصحية، وتبقى الوثائق الأساسية كالشهادة العلمية ووثيقة الممارسة ثابتة ومن غير المعقول أن يتم تقديمها كل مرة وخاصةً أنه من المفروض أن يتم مسك ملف لكل خبير يحفظ فيه كل ما يتعلق به.

علماً بأن القانون الجديد لم ينص على تحديد مدة للعمل بجدول الخبراء الاختصاصيين.

يجب أن لا تقل ممارسة المرشح الفعلية في مجال اختصاصه عن عشر سنوات على الأقل، وبالتالي أن يكون متماً الخامسة والثلاثين من عمره. فمن غير المعقول أن يتكون خبير بأقل من ذلك.
إن ما ورد في المادة الثانية عشر حول استطلاع رأي النيابة العامة في المحافظة ورؤساء المحاكم والدوائر القضائية ورئيس فرع نقابة المحامين فيها، لا يمكن تنفيذه وفقاً لغاية المشرع، ويبقى البحث الذي تجريه اللجنة الفرعية عن كل مرشح كافياً لتحقيق غاية المشرع.

إن تنفيذ ما ورد في المادة (16) يحتاج إلى مساعد عدلي متفرغ في كل محكمة ودائرة قضائية، وأعتقد أنه من الأنسب (عملياً) أن تستبدل بالنص التالي:
مادة 16 : يُمسك في كل محكمة أو دائرة قضائية سجل خاص بالخبراء يدوّن فيه رئيس المحكمة أو الدائرة القضائية ملاحظاته حول عمل الخبراء لديه على مدار السنة، والرجوع إليه عند تنظيم التقرير المطلوب وفقاً للمادة 15 من هذا القانون. ويكون هذا السجل بتصرف اللجنة الفرعية للإطلاع عليه.

ثالثاً ـ نص الفصل الثاني من قانون البيّنات في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 359 تاريخ 10/6/1947 وتعديلاته على الأحكام التالية المتعلقة بالخبرة:

المادة 138 : إذا كان الفصل في الدعوى موقوفاً على تحقيق أمور تستلزم معرفة فنية كان للمحكمة من تلقاء نفسها أو بناءً على طلب الخصوم أن تقرر إجراء تحقيق فني بواسطة خبير أو ثلاثة خبراء.

المادة 139 : 1 ـ للخصوم أن يتفقوا على اختيار الخبير أو الخبراء الثلاثة.

2ـ وفي هذه الحالة تثبت المحكمة اتفاقهم في محضر الجلسة وتقرر تعيين الخبراء الذين وقع الاختيار عليهم.

3ـ وإذا لم يتفق الخصوم على اختيار الخبراء اختارتهم المحكمة ممن تثق بهم.

المادة 140 : يشتمل قرار تعيين الخبراء على ما يلي:

أسماء الخبراء وألقابهم وغير ذلك من البيانات الدالة على شخصيتهم.
اسم القاضي المنتدب للإشراف على أعمالهم.
بيان المسائل التي يراد الاستعانة بخبرتهم فيها وما يرخص لهم في اتخاذه من التدابير العاجلة عند الاقتضاء.
التاريخ المحدد لإنهاء المهمة التي أوكلت إليهم وإيداع تقريرهم.
المبلغ الذي يودع صندوق المحكمة لحساب نفقات الخبراء وأتعابهم والمهلة الممنوحة لإيداع هذا المبلغ في صندوق المحكمة ومن يلزم بإيداعه من الخصوم.
ما يؤدى للخبراء من المبلغ المودع قبل إتمام عملهم.
المادة 141 : متى قررت المحكمة تعيين الخبراء أجلت الدعوى مدى مدة مناسبة.

المادة 142 : للمحكمة أن تعين خبراء ليدلوا برأيهم شفوياً في الجلسة دون حاجة إلى تقديم تقرير، وفي هذه الحالة يثبت رأيهم في محضر الجلسة.

المادة 143 : إذا لم يودع من كلف من الخصوم المبلغ الواجب إيداعه خلال المهلة المعينة وفقاً لأحكام المادة 140 جاز للخصم الآخر أن يقوم بإيداع هذا المبلغ دون إخلال بحقه في الرجوع على خصمه.

المادة 144 :

1ـ في خلال الثماني والأربعين ساعة التالية لإيداع المبلغ المقرر في القرار الصادر بتعيين الخبراء يدعو القاضي المنتدب الخبراء ويفضي إليهم بمهمتهم وفقاً لمنطوق هذا القرار ثم يسلمهم صورة عنه.

2ـ وللخبير أن يطلع على الأوراق المودعة إضبارة الدعوى دون أن ينقل شيئاً منها ما لم يكن مأذوناً في ذلك بمقتضى قرار التعيين.

3ـ ويتعين على الخبير قبل البدء في مهمته أن يؤدي أمام القاضي المنتدب يميناً بأن يقوم بها بأمانة وصدق. ولا ضرورة لحضور الخصوم عند أداء اليمين ولا لإبلاغ محضر أدائها.

المادة 145 :

1ـ للخبير خلال الأيام الخمسة التالية لتسلمه صورة القرار الصادر بتعيينه أن يطلب إلى المحكمة إعفاءه من أداء المهمة التي أوكلت إليه وللمحكمة أن تجيبه إلى طلبه وفي هذه الحالة تعين المحكمة خبيراً آخر بدلاً عنه.

2ـ للمحكمة ـ في الأحوال المستعجلة ـ تقصير المهلة الممنوحة في الفقرة السابقة.

المادة 146 : يجوز رد الخبراء للأسباب التي تبرر رد القضاة.

المادة 147 :

1ـ يقدم طلب الرد إلى المحكمة التي تتولى النظر في الرؤى باستدعاء مبلغ للخبير في خلال الأيام الثلاثة التالية لصدور قرار تعيينه أو لإبلاغ هذا القرار إن كان قد صدر في غياب الخصم طالب الرد.

2ـ لا يسقط الحق في طلب الرد إذا كانت أسبابه قد جدت بعد المدة المذكورة أو قدم الخصم طالب الرد الدليل على أنه لم يعلم بتلك الأسباب إلا بعد انقضائها.

3ـ ولا يقبل طلب الرد في حق من يختاره الخصوم من الخبراء إلا إذا كان سبب الرد قد جد بعد أن تم الاختيار.

المادة 148 :

1ـ يفصل على وجه السرعة في طلب الرد في أول جلسة بعد تقديمه.

2ـ ولا يجوز الطعن في الحكم الصادر في هذا الطلب بأي طريق.

المادة 149 :

1ـ إذا لم يطلب الخبير إعفاءه ولم يرد وجب على القاضي المنتدب أن يعين تاريخاً قريباً لبدء أعمال الخبرة على أن لا يتجاوز هذا التاريخ الثمانية أيام التالية لانقضاء المهلة التي لا يجوز فيها رد الخبير أو لصدور حكم برفض طلب الرد.

2ـ ويدعو القاضي المنتدب الخبير والخصوم قبل الموعد المعين بأربع وعشرين ساعة على الأقل عدا مهلة المسافة بمذكرة ترسل بواسطة ديوان المحكمة تتضمن بيان مكان أول اجتماع واليوم والساعة اللذين سيعقد فيهما، ويقرر اتخاذ كل إجراء من شأنه تيسير العمل وضبطه.

3ـ ويباشر الخبير عمله ولو في غيبة الخصوم متى كانوا قد دعوا على الوجه الصحيح.

المادة 150 :

1ـ يعد الخبير محضراً بمهمته يتضمن بيان حضور الخصوم وأقوالهم وملاحظاتهم وبيان ما قام به من أعمال وأقوال الأشخاص الذين اقتضت الضرورة سماعهم.

2ـ ويوقع الخصوم على أقوالهم وملاحظاتهم ويوقع غيرهم من الأشخاص على ما يدلون به من أقوال. وإذا لم يوقعوا، يذكر السبب في المحضر.

المادة 151 :

1ـ يشفع الخبير محضره بتقرير يضمنه نتيجة أعماله ورأيه والأوجه التي يستند إليها في تبرير هذا الرأي. ويجب أن يكون التقرير دقيقاً وأن يكون موقعاً عليه من الخبير.

2ـ وإذا تعدد الخبراء واختلفوا فعليهم أن يقدموا تقريراً واحداً وأن يذكروا فيه رأي كلٍ منهم وأسبابه.

المادة 152 :

1ـ على الخبير ومن ينوب عنه بمقتضى توكيل خاص أن يسلم رئيس الكتاب في المحكمة تقريره وما يلحق به من محاضر الأعمال وما يسلم إليه من أوراق.

2ـ وعلى رئيس الكتاب أن يبلغ صورة عن التقرير للخصوم خلال الثلاثة الأيام التالية لإيداعه.

المادة 153 :

1ـ إذا تبين للخبير أنه لا يستطيع أن يودع تقريره في التاريخ المعين وجب عليه قبل انقضاء هذا التاريخ أن يقدم إلى المحكمة مذكرة يبيّن فيها ما أدّاه من الأعمال والأسباب التي حالت دون إتمام مهمته.

2ـ وتنظر المحكمة في هذه المذكرة في الجلسة المعينة للدعوى فإن رأت أن سبب التأخير مقبول منحته مهلة جديدة وإلا استبدلت بالخبير غيره.

3ـ إذا كان سبب التأخير ناشئاً عن خطأ الخصم حكم بغرامة 10 ليرات إلى 150 ليرة حكماً مبرماً أو جاز الحكم أيضاً بسقوط حقه في التمسك بالقرار الصادر بتعيين الخبير.

المادة 154 :

1ـ للمحكمة من تلقاء نفسها أو بناءً على طلب أحد الخصوم أن تأمر بدعوة الخبير لحضور الجلسة إذا رأت في تقريره نقصاً أو إذا رأت أن تستوضحه في مسائل معينة ولازمة للفصل في الدعوى.

2ـ وللمحكمة أن توجه إلى الخبير من تلقاء نفسها أو بناءً على طلب أحد الخصوم من الأسئلة ما يكون مفيداً في إيضاح تلك المسائل.

3ـ ولها إذا رأت عدم كفاية الإيضاحات أن تأمر من تلقاء نفسها أو بناءً على طلب أحد الخصوم بالقيام بتحقيق فني جديد أو بعمل تكميلي تعهد به إلى الخبير نفسه أو إلى خبير آخر.

المادة 155 : رأي الخبير لا يقيد المحكمة وإذا حكمت المحكمة خلافاً لرأي الخبير عليها بيان الأسباب التي أوجبت إهمال هذا الرأي كله أو بعضه.

المادة 156 : تقدر أتعاب الخبير ونفقاته وفقاً للقوانين النافذة.

المادة 157 :

1ـ إذا لم يقم الخبير بمهمته ولم يكن قد أعفي منها. أو استقال من مهمته بعد أن باشرها حكمت المحكمة عليه بالنفقات التي صرفها بلا فائدة وبرد ما يكون قد قبضه من السلفة، وبالتعويضات إن كان لها محل. ويجوز للمحكمة علاوة على ذلك أن تحكم عليه بغرامة نقدية من 10 ليرات إلى 300 ليرة سورية.

2ـ تطبق الفقرة السابقة أيضاً على الخبير الذي قررت المحكمة الاستعاضة عنه بغيره عملاً بالفقرة الثانية من المادة 153.

رابعاً ـ في الرأي والتطبيق :

بدراسة الأحكام المتعلقة بالخبرة الواردة بقانون البينات، نجد ما يلي:

إن ما ورد في المادة (144) بحاجة إلى إعادة نظر وفقاً لما يلي:

1ـ جرت العادة أن يتم تحديد موعد تسليم مهمة القيام بالخبرة في جلسة للمحكمة بعد تسديد سلفة أتعاب الخبرة، وإن تحديد مهلة الثماني والأربعين ساعة التالية لإيداع المبلغ المقرر يدعو خلالها القاضي المنتدب الخبراء لتسليمهم المهمة، يسبب إرباكاً للمحاكم.

2ـ في الخبرة الحسابية، لابد أن يطلع الخبير على الأوراق المودعة في اضبارة الدعوى كاملةً، وبعضها يحتاج إلى مراجعة وتدقيق ودراسة، وهذا لا يمكن أن يتم ضمن المحكمة. وبالتالي لابد أن تقوم المحكمة بتسليم اضبارة الدعوى إلى الخبير بموجب محضر أصولي ـ وهذا ما جرت عليه العادة منذ زمن طويل.

3ـ يجب أن يقتصر ما ورد في الفقرة الثالثة من المادة /144/على الخبير الذي تقوم المحكمة بتعيينه من خارج جدول الخبراء، حيث أن الفقرة ج من المادة /10/ من قانون الخبراء تنص على أن يدعو رئيس لجنة الخبراء الخبير المقرر تسجيله في الجدول لأداء اليمين أمام رئيس المحكمة البدائية في المحافظة ويعمل بهذا القسم في جميع المهام التي يعهد بها إلى الخبير.

ـ لا يلزم في جميع الأحوال إعداد محضرٍ بمهمة الخبير يبين حضور الخصوم وأقوالهم وملاحظاتهم وما قام به من أعمال، فهذا كله يُفترض وروده ضمن تقرير الخبير وفقاً لما نصت عليه المادة /151/، وإذا اقتضت الضرورة سماع أقوال فيمكن تنظيم محضر أو إقرار بها يوقع عليه الأشخاص الذين أدلوا بأقوالهم وإرفاقه بتقرير الخبرة.

ووفقاً لذلك، نرى الإستعاضة عن المادتين 150 و151 بالمادة التالية:

المادة 150-1- يعد الخبير تقريراً يضمنه نتيجة أعماله ورأيه والأوجه التي يستند إليها في هذا الرأي. ويجب أن يكون التقرير واضحاً وأن يكون موقعاً عليه من الخبير وعلى كافة صفحاته.

2- وإذا تعدد الخبراء واختلفوا فعليهم أن يقدموا تقريراً واحداً وأن يذكروا فيه رأي كلٍ منهم وأسبابه.

– وبهدف تسريع إجراءات التقاضي، يجب عدم إلزام المحكمة أو القاضي بتحديد موعد لتسليم الخبير مهمته بحضور أطراف الدعوى، على أن تقوم المحكمة أو القاضي بتسليم الخبير مهمته في أسرع وقت ممكن بموجب محضر ضبط أصولي.

اجتهادات محكمة النقض

(عن مجلة المحامون)

ليس للمحكمة أن ترفض طلب الخصم بإجراء الخبرة إلا إذا تأكد من البينات القائمة في الدعوى أن الخبرة غير منتجة في البت بالنزاع.
(نقض سوري رقم 1095 أساس عمالي 1105 تاريخ 30/9/1975)

يكون الأخذ بالخبرة واعتمادها كوسيلة إثبات من مطلق سلطات محكمة الموضوع مادام التقدير مألوفاً.
(نقض مدني 1965 قرار 1348 تاريخ 7/5/2000)

تقرير الخبرة ولئن كان غير ملزم للمحكمة فهو يعد من جملة الأدلة القابلة للمناقشة في الدعوى وعدم الأخذ به يجب أن يستند إلى دليل أقوى منه.
(نقض مدني 771 قرار 1654 تاريخ 30/12/2000)

ليس للمحكمة مخالفة الخبرة الجارية في الدعوى إلا بخبرة مماثلة.
(نقض مدني 3264 قرار 3452 تاريخ 22/11/2004)

لا شيء يلزم المحكمة بالأخذ بنتيجة الخبرة مادام تقييم رأي الخبراء متروكاً لها.
(نقض مدني 3991 قرار 3164 تاريخ 1/11/2000)

إذا جرت في القضية عدة خبرات فإنها تعتبر من الأدلة المعروضة على المحكمة وإن اعتمادها إحداها لا يشكل خطأً مهنياً جسيماً.
(هيئة عامة ـ مخاصمة أساس 498 قرار 343 تاريخ 21/11/1988)

تقرير الخبرة لا يكسب أحداً من الخصوم حقاً، وإنما يكتسبون هذا الحق بالحكم الذي يصدره القضاء.
(نقض سوري رقم 431 تاريخ 25/8/1952)

الخبرة غير ملزمة للمحكمة وهي لا تخرج عن كونها مشورة فنية ولا تشكل بحد ذاتها وسيلة إثبات إلا إذا اعتمدتها المحكمة في حكمها.
(نقض مدني 4276 قرار 878 تاريخ 13/4/1992)

اختيار الخبراء

لوحظ في الآونة الأخيرة محاولة النقابات المهنية إلزام وزارة العدل بإدراج وثيقة جديدة ضمن الوثائق المطلوبة من المرشحين لجدول الخبراء، وهي موافقة النقابة المعنية على ترشيح المتقدم، وهذا ما كانت وزارة العدل قد رفضته منذ زمنٍ بعيد نظراً لمخالفته روح قانون الخبراء ونصوصه والقواعد الدستورية في استقلال القضاء وما يستتبعه ذلك من استقلاله في تعيين مساعدي القضاء (الخبراء) ويلزم السلطة القضائية بمساعدين لها اختارتهم جهة أخرى.

وفي مطالعتها على طلب نقابة المهندسين بعام 1996، قالت وزارة العدل إضافةً لما ذكر:

إن الاستجابة لهذا الطلب يعني أن كل نقابة في مجال عملها سوف تطلب تطبيق هذا المبدأ وبالتالي سوف تنزع نهائياً صلاحية السلطة القضائية في اختيار مساعديها من الخبراء خلافاً لما هو معمول به في كل بلدان العالم الذي يأخذ بمبادئ مماثلة للتي يأخذ بها القطر. ثم أكدت وزارة العدل على أن نقابة المهندسين ليست مرجعاً لتقدير الثقة والحياد للمرشحين طالبي القيد في جداول الخبراء الاختصاصيين.

وأعتقد أن هذه المطالعة الدستورية والقانونية لوزارة العدل تنطبق على مختلف النقابات والجمعيات، ولا يجوز بحالٍ من الأحوال أن تتراجع وزارة العدل عن موقفها الذي هو في الأساس يستند إلى نصوص الدستور والقانون.

إن شهادة محاسب قانوني لا تعطي حاملها المؤهل والخبرة اللازمة لممارسة الخبرة الحسابية والمحاسبية في الدعاوى القضائية، التي تتطلب خبرة خاصة وممارسة طويلة في هذا المجال.

سألتُ بعض المحاسبين القانونيين عن معايير المحاسبة الدولية، ورجوتهم تزويدي بها، فكان جوابهم: إنها واسعة جداً، وهي غير محصورة، ومعايير المحاسبة غير معايير التدقيق.

وسألتهم: ألا يوجد لدى الجمعية كراس يتضمن هذه المعايير؟ فأجابوني: يوجد محاضرات حولها.

وهذا ما أكد النتيجة التي توصلت إليها بالبحث منذ عدة سنوات، بأن هذه المعايير ليست محددة وواضحة وواحدة على المستوى الدولي، وهي في الأساس مسائل علمية بحتة تدخل ضمن إطار علم المحاسبة وأبحاثه الحديثة، ويمكن أن يعتمد تشريع كل بلد معايير محددة، وهذا غير موجود في التشريع السوري، حيث نصت المادة /188/ من قانون الشركات أنه يجب أن يتضمن تقرير مدقق الحسابات أن الشركة تمسك حسابات وسجلات ومستندات منظمة وأن بياناتها المالية معدة وفقاً لمعايير المحاسبة الدولية، ونصت المادة /195/ من قانون الشركات أنه يجب على الشركة تنظيم حساباتها وتدقيقها وحفظ سجلاتها ودفاترها وفق معايير المحاسبة والتدقيق. والسؤال: ما هي هذه المعايير؟ بالتأكيد فهي غير محددة حتى في علم الذي وضع هذا النص..

وهذا ما يثبت أن جمعية المحاسبين القانونيين لا تمنح لمن ينتسب إليها شهادة أو مؤهل علمي، وإنما تمنح إجازة ممارسة مهنية، وتعمل على تطوير معارف أعضائها من خلال إقامة الدورات وإصدار النشرات، وتبقى الشهادة العلمية الاختصاصية هي الأساس. أقول هذا ولا أعني به على الإطلاق أنني أُعارض وجود جمعية المحاسبين القانونيين، ولكني أُعارض تجاوزها حدود كونها جمعية كسائر الجمعيات، وليس لها أن تحتكر لأعضائها العمل المحاسبي وخاصةً أن هناك عدداً كبيراً من المحاسبين القدامى الذين يحملون الشهادة العلمية الاختصاصية في التجارة والاقتصاد لم ينتسبوا لجمعية المحاسبين القانونيين كونهم لم يحصلوا على (شهادة محاسب قانوني) التي كانت تمنحها وزارة التموين والتجارة الداخلية وفقاً لوثائق وشروط متوفرة لدى معظم هؤلاء.

وهنا أسأل: ألا تتضمن مناهج التعليم في كليات التجارة والاقتصاد مواداً تتعلق بمعايير المحاسبة والتدقيق؟ واعتقد أنها لابد أن تتضمن ذلك، لأن علم المحاسبة يتضمن أصلاً مبادئ وأصول هي في حد ذاتها معايير أساسية للمحاسبة والتدقيق.

وفي هذا الصدد أسأل: من أين جاء تعبير (محاسب قانوني)؟! وهو غير مستخدم في أي بلد آخر حسب علمي، والتعبير المتعارف عليه في العالم هو (محاسب مجاز).

ولقد جاء المرسوم التشريعي رقم /30/ تاريخ 3/8/2014 المتضمن إحداث نقابة للعاملين في المهن المالية والمحاسبية، ليُغطي الفراغ الحاصل في هذا المجال، وإن كان من الأفضل أن يتضمن تحديداً للعلاقة بين جمعية المحاسبين القانونيين والنقابة.

إن مهمة الخبير القضائي، مساعدة المحكمة والقاضي في الوصول إلى الحقيقة لإحقاق الحق وتحقيق العدل.

إن عمل (الخبير) يتطلب خبرات مؤكدة متراكمة، ودراية بالأمور القانونية المتصلة بالقضايا التجارية والمدنية، وهذا ما يجعل الخبرة القضائية اختصاصاً بحد ذاته.

إن طبيعة عمل الخبير الحسابي في مجال القضاء بالتحديد، تختلف عن طبيعة عمل المحاسب القانوني وفقاً للقانون 33، وأن الخبير الحسابي ليس بالضرورة أن يكون محاسب قانوني.

وما يُقال عن جمعية المحاسبين القانونيين ينطبق إلى حدٍ كبير على النقابات المهنية المختلفة.

ويبقى الأهم في اختيار الخبراء إيجاد الآليات الناجعة للتأكد من تمتع الخبير بالأمانة في تعامله مع أطراف الدعوى والقاضي، والخبرة العملية التي تمكنه من الدخول في جوهر الخلاف في الدعوى وحله، وإلمامه الشامل والكبير للقواعد والمبادئ العلمية في مجال اختصاصه.

وهنا أرى أنه من المفيد أن تنظم وزارة العدل دورات مكثفة للخبراء، يتم خلالها تزويدهم بالمعارف والإرشادات اللازمة. ويمكن أن تتم هذه الدورات في المعهد القضائي.

حصانة الخبراء

أخضع القانون الخبراء للمساءلة المسلكية عن طريق إدارة التفتيش القضائي تصل إلى شطب الخبير نهائياً من جداول الخبراء، كما أخضعه إلى المساءلة مدنياً وفقاً لما نصت عليه المادة (157) من قانون البينات.

فإذا تبين للمحكمة أو الخصوم أن الخبير قد أهمل المهمة الموكولة إليه أو ارتكب خطأً فادحاً في أداء مهمته، يحق لهم طلب إحالته إلى إدارة التفتيش القضائي التي يحق لها تنبيهه أو إحالته إلى لجنة تأديبية.

ونصت المادة /402/ من قانون العقوبات حول التقرير الكاذب على أن الخبير الذي تعينه السلطة القضائية ويجزم بأنه منافٍ للحقيقة أو يؤوله تأويلاً غير صحيح على علمه بحقيقته يعاقب بالحبس ثلاثة أشهر على الأقل وبغرامة لا تنقص عن مائة ليرة، ويمتنع فضلاً عن ذلك أن يكون أبداً خبيراً.

ورغم أن نص هذه المادة واضح لا لبس فيه، فهو يطبق على (التقرير الكاذب) في حال الجزم بأنه منافٍ للحقيقة، فإن التطبيق القضائي لهذه المادة يدل دلالة أكيدة على أن الخبير ليس له أي حصانة رغم كونه جزءاً من الجسم القضائي عند قيامه بتنفيذ مهمة خبرة.

فيكفي أن يدعي أحد أطراف الدعوى إذا لم يأتي تقرير الخبير وفقاً لمصلحته بالإدعاء على الخبير بأن تقريره كاذب، لتقوم النيابة العامة بطلب تحريك الدعوى.

إن قيام أحد أطراف الدعوى بالإدعاء على الخبير بالتزوير أو الغش أو التلاعب قبل الحكم في الدعوى موضوع تقرير الخبرة، فيه تجاوزاً لمفهوم العدالة لاسيما إذا كان هذا الادعاء لا يستند إلى أدلة واضحة وأكيدة يتوجب على النيابة العامة تحريها حفاظاً على سمعة وكرامة الخبير وحرصاً على وقت المحاكم، وإن وجود أي نقص أو عيب في تقرير الخبرة لا يعطي الحق لأحد أطراف الدعوى باتهام الخبير بالتزوير والتلاعب والغش حيث حدد القانون الإجراءات المناسبة لاستدراك ذلك.

إن تسمية الخبير تتم بقرار من المحكمة أو هيئة التحكيم لإجراء الخبرة المطلوبة وفق ما ينص عليه هذا القرار، ويقوم الخبير بإجراء الخبرة المطلوبة وفق المعطيات الموجودة في ملف الدعوى ووفق الوثائق والبيانات التي يقدمها طرفا الدعوى بعد دراستها وتحليلها وفق الأصول وضمن إطار موضوع الدعوى أو التحكيم.

وعمل الخبير كعمل القاضي سيؤدي غالباً إلى قبول طرف واستياء الطرف الآخر، ووفقاً لما نص عليه القانون فإن تقارير الخبرة غير ملزمة للمحكمة ويمكن أن تقبلها أو لا تأخذ بها، كما يمكن تكليف خبراء آخرين بإجراء خبرة جديدة، ويحق لطرفي الدعوى إبداء الرأي في تقرير الخبرة وطلب الاستيضاح، والقرار النهائي في كل ذلك يعود للمحكمة التي تنظر في القضية.

كل ذلك يستوجب وضع الضوابط اللازمة لتطبيق المادة /402/ من قانون العقوبات تطبيقاً سليماً يتوافق مع غاية المشرع ويحقق الحصانة المطلوبة لعمل الخبير.

فمن حيث المبدأ، تبقى المحكمة التي تنظر في الدعوى موضوع الخبرة، هي الجهة الأنسب لتقييم مضمون تقرير الخبرة، وبالتالي هي الجهة الأقدر على تحديد فيما إذا كان التقرير كاذباً أم لا.

ووفقاً لذلك يتوجب على النيابة العامة استطلاع رأي المحكمة التي تنظر في القضية موضوع تقرير الخبرة حول الإدعاء بأن ما ورد فيه منافٍ للحقيقة، وسماع أقوال الخبير قبل تحريك الدعوى التي غالباً ما تكون كيدية أو بغرض التأثير على المحكمة أو هيئة التحكيم.

وأعتقد أن تحقيق ذلك لا يحتاج إلى نص تشريعي مبدئياً، ويكفي توجيه النيابات العامة بالتقيد بتحري الحقيقة بالشكل الأمثل.

وعند إصدار قانون جديد للخبراء أو تعديل القانون النافذ، يمكن وضع نص صريح يضمن حصانة للخبير وفقاً لما ذكر.

مع الإشارة إلى أن نص المادة /402/ من قانون العقوبات، يُستغل غالباً في مجال الدعاوى المدنية التجارية وتقارير الخبرة الحسابية التي لا يمكن من حيث المبدأ أن تكون منافية للحقيقة.

وحتى يتمكن الخبراء القضائيون من تأدية أعمالهم باستقلال، لا بد أن يكفل لهم القانون الضمانات والحماية اللازمة لتأدية أعمالهم.

لذلك لجأت معظم دول العالم المتقدم إلى وضع نص في الدستور يضمن ذلك، بحيث تشمل الحصانة الخبراء إضافةً إلى القضاة والمحامين.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت