القانون الدولي الإنساني
منصور الزغيبي
بحكم ما تمر به المنطقة من ظروف قاسية ومآسٍ مؤلمة، يأتي هنا دور القانون الدولي الإنساني، الذي يطلق عليه «قانون النزاعات المسلحة» و«قانون الحرب»، بهدف معالجة الكثير من المسائل الدولية العالقة، والذي لا بد من إظهار فاعليته والحد من النزاعات المسلحة، وخصوصاً في العالم العربي وتحديداً في سورية.

من الناحية التاريخية، كانت ولادة القانون الدولي الإنساني بعد عقد مؤتمر دبلوماسي في 1864 دعت إليه الحكومة السويسرية، بتشجيع من الأعضاء المؤسسين للجنة، الأعضاء الخمسة في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وحضرته 16 دولة وفيه اعتمد اتفاق جنيف الأصلي وتبعته اتفاقات وتطورات متصلة في الموضوع ذاته.

وظهر في ظروف شبيهة بما نراه الآن في بعض البلدان العربية، إذ تعود نشأته بعد وقوع معركة عظيمة في 1859، بين النمسويين من جهة والفرنسيين والإيطاليين من جهة أخرى، وهي ما تعرف بـ«معركة سلفارينو»، التي أنتجت آثاراً بشعة وجثث القتلى والجنود الجرحى الذين تُركوا من دون رعاية وحماية في ميدان المعركة. ومن النتائج الإيجابية بعد هذه المعركة أنه تم إنشاء اتفاقات جنيف الأربعة في 1949 وبرتوكولين إضافيين، إذ تعتبر هي اللبنة الأولى للقانون الدولي الإنساني، وأيضاً يعتبر القانون الوحيد الذي تطبق قواعده أثناء النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، والذي يهدف إلى تنظيم الحرب والحد من الأضرار التي تنتج من النزاعات المسلحة.

إن القانون الإنساني الدولي قائم على تنظيم العلاقات بين الدول والمنظمات الدولية، وهو يعتبر فرعاً من فروع القانون الدولي العام، وهو يهدف إلى حل القضايا الإنسانية الناشئة من النزاع المسلح، سواء أكان ذا طابع إنساني أم غير دولي بحسب تعريف المختصين.

وإن من ضمن قواعد القانون الدولي الإنساني الأساسية، كما هو معلوم ومتفق عليه، أنه وقت النزاع يجب على جميع الأطراف التمييز بين المدنيين والمقاتلين، لأجل حمايتهم من الضرر وحتى الممتلكات المدنية، ويكون شن الهجوم ضد الأهداف العسكرية، وكذلك يحظر جرح أو قتل عدو بعد استسلامه أو من كف عن المشاركة في الأعمال العدائية.

ومن المعلوم عند المختصين في هذا الحقل أن قانون حقوق الإنساني الدولي وحقوق الإنسان يعتبران هيئتان تكميليتان للقانون الدولي ويشاركانه في بعض أهدافه، ويسعى القانون الدولي، وكذلك القانون الدولي لحقوق الإنسان، إلى حماية أروح الأفراد وصحتهم وكرامتهم وإن كان من زوايا مختلفة، والتشابه بينهما في جوهر القواعد على رغم الاختلاف في الصياغة، ومن أبرز الأمثلة التي تورد في ذلك: يحظر القانونان المذكوران التعذيب أو المعاملة القاسية ويوجبان حقوقاً أساسية للأشخاص المعرضين لإجراءات جنائية ويحظران التمييز، ويتضمنان أحكاماً لحماية النساء والأطفال، وينظمان جوانب للحق في الغذاء والصحة، وبينهما كذلك اختلافات مهمة: أصولهما ونطاق تطبيقهما والهيئات التي تنفذهما، وهكذا. فمن ناحية الأصول فتدوين القانون الدولي الإنساني تعتبر أصوله قديمة في النصف الثاني من القرن الـ19 بفضل تأثير هنري دونان، الذي يعتبر الأب المؤسس للجنة الدولية للصليب الأحمر، وأما قانون حقوق الإنسان فهو أحدث وترجع أصوله إلى بعض إعلانات حقوق الإنسان الوطنية متأثرة بأفكار عصر التنوير، كما هو معلوم ومذكرو في المدونات.

ومن حيث النطاق الزمني ينطبق القانون الدولي الإنساني حصرياً في النزاع المسلح، بينما ينطبق قانون حقوق الإنسان من حيث المبدأ في كل الأوقات، في وقت السلم ووقت النزاع المسلح. خلاصة القول؛ من أبرز أسباب ارتكاب الجرائم الدولية هو الجهل بالقانون، ولأن كذلك القانون الدولي بما في ذلك القانون الدولي الإنساني، يفتقر إلى نظام مركزي فعال لفرض العقوبات الرادعة، وما هذه إلا محاولة موجزة في تقريب الصورة نحو القانون الإنساني الدولي.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت