يقصد بحرية العقيدة أن يكون للإنسان الحق في اختيار ما يؤدي إليه تفكيره ويستقر عليه ضميره من عقيدة دون إكراه أو ضغط من أجل اعتناق عقيدة معينة أو لتغيير عقيدته باي وسيلة من وسائل الإكراه. او انها تعني حرية الفرد في اختيار الدين الذي يراه ملائماً له، سواء أكان سماوياً أو غير سماوي، أم عدم اعتناق اي دين، وحرية الفرد في تغيير ديانته بلا قيد(1)، كما ان حرية العبادة تعني حرية اقامة الشعائر والطقوس الدينية والقيام بالمواكب الدينية ،وتعني ايضا حق الشخص في اقامة بيوت العبادة مثل المساجد والكنائس والمعابد وحرية تدريس التعاليم والمعتقدات الدينية واقامة المؤسسات والمدارس لذلك واصدار الكتب والمطبوعات بذلك ونشرها. ان حرية العقيدة والعبادة تتضمنان في طياتها العديد من الحريات اذ ان الاعتراف بهما يعني حرية كل فرد في اتباع ديانة ما والعدول عنها الى غيرها او عدم اتباعه اية ديانة اذ ان حرية العقيدة تعني بصورة اخرى الحرية في عدم اعتناق اية عقيدة ،وبعبارة اخرى فانه يتطلب لضمانهما ضمان معظم الحريات تقريبا.

وتعد حرية العقيدة متصلة بالجانب الداخلي او الروحي للفرد التي لايمكن للقانون ان يتدخل فيها او يحاسب عليها وان كانت مخالفة للنظام العام او الاداب العامة مادامت لم تتخذ مظهرا خارجيا اذ ان القانون يحاسب على السلوك الخارجي للانسان فقط ولا يحاسب على مايكنه الشخص في باطنه اما اذا مااتخذت حرية العقيدة مظهرا خارجيا عدت صورة من صور حرية التعبير وعند ذاك يجب ان لاتخالف النظام العام والاداب العامة للمجتمع.وهذا مااكده دستور جمهورية العراق النافذ في المادة(42)منه بان يكون لكل فرد حرية العقيدة ولم يقيد ذلك باي قيد عدا القيد العام الوارد في المادة (46)منه،كما اكد في البند (ثانيا )من المادة(43) على كفالة حرية العبادة وحماية مكانها وهو موقف محمود اخذ به المشرع الدستوري ولكن لايمكن قبول موقفه في الفقرة (أ) من البند (اولا) من المادة المذكورة بكفالته حرية ممارسة الشعائر الدينية دون اي قيد او شرط عدا القيد العام الوارد في المادة(46) من الدستور(2).

ويجوز للادارة التدخل في حرية ممارسة الافراد لعبادتهم ومنعها اذا ماوجدت في تلك الممارسة مخالفة للاخلاق العامة للمجتمع ،وبهذا الاتجاه اصدرت محكمة القضاء الاداري المصرية حكمها الذي قررت فيه ان حرية العقيدة وان كانت مكفولة في الدستور الا انها ليست مطلقة من كل قيد بل يجب ان تخضع للعادات المرعية وان تجد حدها عند عدم الاخلال بالنظام العام او منافاة حرمة الاداب(3)،وذهبت في حكم اخر الى القول بان حرية العقيدة لاتبيح للشخص الجهر باقوال طعنا في عقيدة المجتمع والدعوة الى ازدرائها لان في ذلك تصادما مع النظام العام(4)،مقرة في كلا الحكمين بصحة عمل الادارة ومشروعيته في التدخل في ممارسة الافراد لحريتهم في العبادة او التعبير عن عقيدتهم واننا نرى ان الحكمين المذكورين قد خلطا بين حرية العقيدة وحرية التعبير اذ ان حرية العقيدة … تتعلق بالجانب الروحي والداخلي للانسان من دون ان تتخذ مظهرا خارجيا ولذلك فان الجهر باقوال طعنا في عقيدة المجتمع مثلا لاتمثل للشخص القائل حرية عقيدة بل انها تعد من حريات التعبير ومن ثم فان التعارض يكمن بين حرية التعبير والاخلاق العامة(النظام العام الادبي) لعدم تصور وجود تعارض بين حرية العقيدة والاخلاق العامة للمجتمع.

ونؤكد في هذا المجال على ان حرية العقيدة والعبادة وما يفرضه الدين من واجبات على معتنقيه قد يتعارض مع حقوق اخرى لاشخاص اخرين كالدولة او صاحب العمل وفي هذه الحالة يجب ان ترجح حرية العقيدة والعبادة فقد قضت المحكمة الدستورية العليا في سويسرا في الدعوى المقامة من أحد المسلمين التي يطالب فيها إعفاء ابنته الطالبة المسلمة من دروس السباحة لأسباب دينية تتمثل في أن العقيدة الإسلامية تنهى عن الاستحمام المختلط، وقد أجابته المحكمة إلى طلبه مقدرة أنه من خلال موازنة المصلحة العامة التي تفرض الالتزام بالانتظام في الدراسة مع مصالح الطالب في أن يعيش مع أسرته على وفق معتقداته الدينية بشرط ان لايؤدي الإعفاء من درس السباحة الى مشكلات تنظيمية جسيمة(5) وكذلك قررت المحكمة الدستورية الأسبانية أنه لا يجوز لأي سلطة عامة أن تنتهك دائرة المعتقد الخاصة أو أن تلزم المواطن بأعمال تخالف معتقداته الشخصية(6). ويتبين من هذين الحكمين ان حرية العقيدة والعبادة تمثل خطا احمر لايمكن تجاوزه او تجاهله من الادارة ولكن لايعني ذلك باي حال من الاحوال ان حرية العبادة يمكن ان تكون مطلقة وانما تكون مقيدة بالنظام العام والاخلاق العامة في المجتمع بخلاف حرية العقيدة التي تكون مطلقة لعدم وجود مظهر خارجي لها .

______________

1- د. إسماعيل البدوي- دعائم الحكم في الشريعة الإسلامية والنظم الدستورية المعاصرة- ط1 -دار الفكر العربي – القاهرة- 1981- ص134 ، ساسي سالم الحاج- المفاهيم القانونية لحقوق الإنسان عبر الزمان والمكان، مطبعة الجامعة المفتوحة- طرابلس (ليبيا)- 1995- ص178.

2- كما نصت المادة (46) من الدستور المصري على كفالة الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية.

3- ق.د في 16/6/1954 – ق1255 – س6 – مجموعة السنة 8 – بند 813- ص1550- اشار اليه فاروق عبد البر – دور مجلس الدولة المصري في حماية الحقوق والحريات العامة – الجزء الاول – مطابع سجل العرب -1988- ص262.

4- ونعتقد انه يقصد بالنظام العام في هذا المجال هو احد عناصره المتمثل في المحافظة على الاخلاق العامة للمجتمع وحمايتها انظر في ذلك قرار محكمة النقض المصرية بالطعون 481،478،475 لسنة 1965 جلسة 5/8/1996 – اشار اليه المستشار الدكتور عبد الفتاح مراد- شرح الحريات العامة وتطبيقات المحاكم بشأنه – المكتب الجامعي الحديث – الاسكندرية –سنة الطبع غير مذكورة – ص283.

5- حكم المحكمة الدستورية السويسرية لعام1993، نقلا عن الدكتور أحمد فتحي سرور- الحماية الدستورية للحقوق والحريات-دار الشروق -1999 -ص95.

6- أشار إليه- العميد امين صليبا-دور القضاء الدستوري في إرساء دولة القانون – منشورات المؤسسة الحديثة للكتاب-2002 -ص334.

المؤلف : نجيب شكر محمود
الكتاب أو المصدر : سلطة الادارة في حماية الاخلاق العامة واثرها في الحريات العامة
الجزء والصفحة : ص122-125

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .