لبيان أثر تنازل المكلف وتصرفه بالمنشأة أو المشروع في خصم الخسائر لا بد أولاً من بيان مفهوم التنازل وثانياً أثر هذا التنازل في خصم الخسائر الضريبية وعلى النحو التالي:

أولاً: مفهوم التنازل

يقصد بالتنازل (التخلي عن الشيء بعوض أو بدون عوض. والتخلي عن العقار معناه انتقال ملكيته أو حق التصرف فيه من شخص إلى آخر، وإذا كان التنازل بعوض فيأخذ حكمه حكم البيع، وإذا كان بدون عوض فيصبح هو والهبة على صعيد واحد)(1). كذلك يمكن تعريفه (انتقال المنشأة من يد إلى يد بعقد بين الأحياء بعوض أو بغير عوض، فهو ينشأ إذن عن بيع أو هبة أو قسمة أو عن أي تعاقد آخر يترتب عليه انتقال ملكيتها من شخص إلى آخر)(2). إذن يمكن تعريف التنازل بأنه كل تصرف يقوم به المكلف يترتب عليه انتقال ملكية المنشأة أو المشروع إلى الغير بحيث يصبح من صدر التصرف لمصلحته هو المالك الجديد وتنقطع علاقة المالك القديم بالمنشأة أو المشروع، ويتم هذا التصرف بموجب عقد يحفظ حقوق والتزامات كل من الطرفين، وإن هذا التصرف قد يكون بمقابل (بعوض) كالبيع مثلاً أو يكون بدون مقابل (بدون عوض) كما هو الحال في الهبة .إضافة إلى ذلك فإن التصرف بجزء أو بعض الأصول العائدة للمنشأة أو المشروع إلى الغير لا يعتبر تنازلاً أو تصرفاً بالمنشأة أو المشروع كلياً. فإذا كانت هناك منشأة تقوم بتأجير السيارات الخاصة للغير ثم قامت ببيع بعض السيارات إلى الغير سواء كان بطريق المزاد العلني أو بالبيع المباشر، فإن المشتري لا يعتبر شريكاً في المنشأة لشرائه هذه السيارات ولا يعتبر هذا المشتري قد اشترى المنشأة(3).

ثانياً: أثر التنازل عن المنشأة أو المشروع في خصم الخسائر الضريبية

تدور هذه النقطة هنا حول مسألتين أساسيتين: الأولى، أن يكون التصرف أو التنازل عن المنشأة أو المشروع صادر من قبل الشخص الطبيعي إلى شخص طبيعي آخر ومدى تأثير هذا التصرف في خصم الخسائر الضريبية. أما النقطة الثانية، فهي إذا ما كان التصرف صادر من قبل شخص طبيعي إلى شخص معنوي وأيضاً مدى تأثير ذلك في خصم الخسائر الضريبية وعلى النحو التالي:

1. التصرف أو التنازل الذي يتم من قبل شخص طبيعي إلى شخص طبيعي آخر

السؤال الذي يرد في هذا الصدد هو : ما الحكم في حالة قيام المكلف بالتنازل أو التصرف بالمنشأة أو المشروع العائدة له إلى الغير وكانت المنشأة التي وقع عليها التصرف قد تعرضت إلى خسارة قبل إجراء هذا التصرف، فهل يجوز للمتنازل له أو المالك الجديد (المشتري) للمنشأة أو المشروع المطالبة بخصم الخسائر التي تعرضت لها المنشأة أو المشروع من الأرباح التي تتحقق فيها بعد التنازل أو التصرف بها ؟.الحقيقة إن قانون ضريبة الدخل العراقي رقم (113) لسنة 1982 المعدل لم يشر إلى حكم هذه المسألة وبالتالي يتعين علينا الرجوع إلى آراء فقهاء القانون حول هذه المسألة فيما يتعلق بتغيير شخصية المكلف نتيجة لتنازله وتصرفه بالمنشاة او المشروع. تقضي القواعد العامة بأن خصم الخسائر التي يتعرض لها المكلف لا علاقة لها بغيره من المكلفين، أي أن المكلف الذي تعرض إلى خسارة في سنة مالية معينة يكون وحده له الحق بالمطالبة بخصم هذه الخسارة، وبالتالي لا يكون لغيره من المكلفين الحق بالمطالبة بخصمها حتى وإن كان الأخير هو المتنازل له أو المالك الجديد للمنشأة أو المشروع. وبعبارة ثانية، إن المكلف الجديد الذي أصبح مالكاً للمنشأة أو المشروع لا يحق له المطالبة بخصم الخسائر التي تعرض لها المكلف القديم عندما كان الأخير مالكاً للمنشأة او المشروع الذي وقع عليه التصرف.

ويلاحظ إن الحكم بعدم جواز مطالبة المالك الجديد للمنشأة أو المشروع بخصم الخسائر التي تعرض لها المالك القديم يبقى ثابتاً حتى وإن استمر المالك الجديد بممارسة نفس النشاط في المنشأة أو المشروع والذي كان يمارسه المالك القديم في هذه المنشأة أو المشروع، ذلك لأن الخسائر تتعلق بشخص المكلف (المالك القديم) لا بالمنشأة أو النشاط(4). ومن البديهي إن الخسائر الجديدة التي تتعرض لها المنشأة أو المشروع بعد التصرف بها تكون ممكنة الخصم بالنسبة للمالك الجديد وسواء أكان هذا الخصم تنـزيلاً لهذه الخسائر من أرباح المصادر الأخرى العائدة للمكلف أو بترحيلها إلى سنوات لاحقة لسنة الخسارة، استناداً لنص المادة (11) من قانون ضريبة الدخل رقم (113) لسنة 1982 المعدل.

2. التصرف أو التنازل من الشخص الطبيعي إلى شخص معنوي(5).

إن ما يتعلق بالأشخاص الطبيعيين من حكم في عدم جواز المطالبة بخصم الخسائر في حالة التصرف أو التنازل عن المنشأة أو المشروع من قبل المتنازل له أو من صدر التصرف لمصلحته ينطبق أيضاً على الأشخاص المعنوية. من المسلم به إن المنشأة يمكن أن تعود ملكيتها إلى شخص طبيعي سواء كان فرداً أو مشاركة ، وهذه الأخيرة حكمها حكم الشخص الطبيعي من الناحية القانونية(6). إذا تم التصرف بهذه المنشأة من قبل مالكها وهو الشخص الطبيعي إلى الغير وكان هذا الغير هو شخص معنوي كشركات المساهمة مثلاً، فلا يحق للشخص المعنوي وهو شركة المساهمة المطالبة بخصم الخسائر التي تعرضت لها المنشأة قبل التصرف بها من الأرباح التي تتحقق في هذه المنشأة بعد التصرف بها(7). وفي هذا الصدد يثور السؤال التالي:

لو كان أحد أعضاء الشركة الجدد أو البعض منهم نفس المكلفين والمالكين القدماء للمنشأة أو المشروع التي تم التصرف بها، فهل يجوز لهم حق المطالبة بخصم خسارة المنشاة أو المشروع المتحققة قبل التصرف بها من الأرباح التي تتحقق لهم حسب حصة كل واحد منهم بعد التصرف؟. الجواب على ذلك هو إن الأعضاء في الشركة القديمة لهم الحق بخصم الخسارة التي تعرضت لها المنشاة القديمة قبل التصرف بها من الأرباح التي تتحقق لهم من المنشأة بعد التصرف وحسب حصة كل منهم، والسبب في ذلك هو إن هؤلاء الأعضاء هم نفس الأشخاص الذين كانوا يمتلكون المنشأة أو المشروع التي تعرضت إلى خسارة قبل التصرف (وإن الشركة هي امتداد لمنشأتهم القديمة من الوجهة الاقتصادية)، وهذا من ناحية، ومن ناحية ثانية يجب توافر شروط معينة لإجراء هذا الخصم وهي :

-أن يكون المالكون القدماء للمنشأة يمتلكون الأسهم في الشركة خلال السنة التقديرية التي يجري فيها تقدير الضريبة على دخولهم.

-أن تكون الشركة قد مارست نشاطها خلال المدة التي يحق لهم فيها تنـزيل الخسارة.

-أن تكون الشركة ممارسة لنشاط اقتصادي مشابه أو نفس النشاط الاقتصادي الذي كان يمارس من قبل المساهمين في المنشآت القديمة(8).

وبناءً على ما تقدم نلاحظ إن تغير شخصية المكلف يحول دون إمكانية خصم الخسائر الضريبية، وسواء كان التصرف بين أشخاص طبيعية أو معنوية أو كان التصرف من شخص طبيعي إلى معنوي أو بالعكس. … ونرى إن هناك قصوراً في التشريع الضريبـي العراقي حول مسألة التصرف أو التنازل عن المنشأة أو المشروع إلى الغير من حيث إمكانية أو عدم إمكانية خصم الخسائر التي يتعرض لها المكلف قبل التصرف أو بعده من قبل المالك الجديد، فكان من الأفضل على المشرع الضريبـي العراقي أن يوضح ذلك بنصوص صريحة تحكم هذه المسألة لتلافي العديد من الاشكالات التي تتولد في سبيل معالجة مثل هذا الموضوع.

_____________________

1- د. صالح يوسف عجينة، مصدر سابق، ص202.

2- حبيب المصري باشا، ضرائب الدخل في مصر، مطبعة مصر، 1945، ص538-539.

3-حبيب المصري باشا، نفس المصدر السابق، ص539.

4- صالح يوسف عجينة، مصدر سابق، ص397-398.

كذلك أنظر بنفس المعنى : د. عوض فاضل إسماعيل، موقف المشرع العراقي من الخسارة الضريبية، مصدر سابق، ص80.
عماد الدين ناصر، التشريعات الضريبية في الجمهورية العربية المتحدة وأثر القوانين الاشتراكية عليها، 1966، ص1178.
حبيب المصري، مصدر سابق، ص527-528.
أحمد ثابت عويضة، ضريبة الأرباح التجارية والصناعية في القانون المصري، مصدر سابق، ص319.
محمود رياض عطية ، الوسيط في تشريع الضرائب، مصدر سابق، ص455.
هشام العمري، اتجاهات المشرع العراقي في ضريبة الدخل، شرح قانون ضريبة الدخل رقم (95) لسنة 1959 المعدل ، مصدر سابق، ص243.
هشام العمري، الضرائب على الدخل، مصدر سابق، ص87.
سونيا الياس، ترحيل الخسائر في الضريبة الموحدة على الأشخاص الطبيعيين – دراسة مقارنة، المؤتمر الضريبـي السابع، 18-19 مارس/ 1995، كلية التجارة، جامعة عين شمس، دار الدفاع الجوي، مصر الجديدة ، ص11.

5- عرفت الفقرة الخامسة من المادة الأولى من قانون ضريبة الدخل رقم (113) لسنة 1982 المعدل الشخص المعنوي بأنه (كل إدارة أو مؤسسة يمنحها القانون شخصية معنوية كالجمعيات على اختلاف أنواعها والشركات المعرفة في الفقرة السادسة من هذه المادة)، كذلك فقد تضمنت الفقرة السادسة من المادة المشار إليها في الفقرة أعلاه بيان لأنواع الشركات التي منحها القانون الشخصية المعنوية وهي (الشركة، الشركة المساهمة أو ذات المسؤولية المحدودة، المؤسسة في العراق أو في خارجه وتتعاطى الأعمال التجارية أو لها دائرة أو محل عمل أو مراقبة في العراق).

6- مثل شركات التضامن والتوصية، وقد اعتبر قانون ضريبة الدخل رقم (113) لسنة 1982 المعدل المشاركة حكمها حكم الشخص الطبيعي في المعاملة الضريبية ولم يمنحها الشخصية المعنوية، كما أن المشرع الضريبـي العراقي، ميز بين المشاركات وبين الأشخاص المعنوية، لمزيد من التفاصيل راجع د. عوض فاضل إسماعيل، خصائص الضريبة على دخل الشركات في قانون ضريبة الدخل العراقي رقم (113) لسنة 1982 المعدل، بحث منشور في مجلة جامعة صدام، المجلد الثالث، العدد الثالث، تموز، 1999، ص44-45.

7- د. صالح يوسف عجينة، مصدر سابق، ص398.

8- د. صالح يوسف عجينة، مصدر سابق، ص398-399.

المؤلف : حيدر نجيب احمد فائق سعيد المفتي
الكتاب أو المصدر : الخسائر الضريبية في قانون ضريبة الدخل العراقي
الجزء والصفحة : ص87-91

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .