حق تأديب الزوجة..مفهوم الشريعة وخلاف القانون.

المحامي ياسر الوزني

تقتضي قوامة الرجل في الأسلام أن يكون له حق تأديب زوجته عند نشوزها ،وهي معصية الزوج ، والنشوز مأخوذة من النشز أي الأرتفاع ،فكأنها أرتفعت وتعالت عما أوجب الله عليها من الطاعة ،يستند هذا الحق على مضمون الآية الكريمة((واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن وأهجروهن في المضاجع وأضربوهن فأن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا)). ومن المتفق عليه أن المعاصي لاحد لها ،و يندرج في مقابلة غير المحارم ،الخروج دون أذن ،عصيان أوامر الزوج ،تبذير مال الزوج وترك فرائض الله إذا كانت مسلمة ،صدور خطأ عنها يلحق الضرر بالأسرة ،وتثاقلها على الزوج إذا دعاها ….الخ.
يرى الأمام مالك وأبو حنيفة أن الضرب لايكون لأول معصية وأنما لتكرارها والأصرار عليها ويترتب على الأخذ بهذا الرأي أن يعاقب من يضرب زوجته لأول أو ثاني معصية ،أما من يضربها لثالث معصية فلاعقوبة عليه لأنه أستعمل حقه في حدوده المقررة ،كما يعاقب من ضرب زوجته عند المعصية الثالثة في حال لم يكن وعظها أو هجرها قبل ذلك .ويذهب الشافعي والحنبلي الى رأي آخر، فمن حق الزوج ضرب زوجته سواء تكررت المعصية أم لا،وسواء سبق الضرب وعظ الزوجة وهجرها أو لم يسبق على أساس أن عقوبات العاصي لاتختلف بالتكرار لأن (الواو ) في قوله تعالى ((فعظوهن وأهجروهن في المضاجع وأضربوهن )) جاء لمطلق الجمع وليس للترتيب.
تعريف الضرب :ويعني الضغط على الجسم دون أن ينشأ عنه قطع أو تمزق وقد لايترك أثرا” البتة ،وكما يحصل بالعصا يحصل باليد والركل بالقدم ،ولايشترط أن يكون الضرب على درجة معينة من الجسامة وبالتالي يجب العقاب عليه ولو لم يؤدي إلا ألم بسيط مؤقت وهو مايعبر عنه بالضرب البسيط ،أما العنف فهو تعبير عن حالات الأعتداء التي لاتبلغ من حيث الجسامة درجة الجرح أو الضرب أو أعطاء مادة ضارة ،ويعتبرمن قبيل العنف التهديد بأستعمال السلاح أو بأطلاق الرصاص فوق رأس المجنى عليه.
حد الضرب :أن حق الزوج في ضرب زوجته إجراء وقائي يقصد منه الأصلاح أي الضرب غير المبرح بعيدا” عن الوجه والمواضع المحسنة والمخوفة كالبطن وذلك حفاظا” على كرامة المرأة ،وأن لايترك اثرا” ولايحدث عاهة في جسمها ،فلايجوز للزوج أن يخرج عن حدوده وإلا عد فعله أعتداءا” لاتأديبا”،أن التأديب ليس واجبا” على الزوج أنما هو حق له وأستعمال هذا الحق مقيد بشرط السلامة وبخلافه يتعرض الزوج الى المسوؤلية الجنائية والمدنية .

في هذا الجانب أودأن ألفت نظر القاريء الكريم الى موضوع قد لانجد له مكانا” مناسبا” في سياق مانتحدث عنه لكن الترابط في جوهر الفكرة قد يخدم في أحيان خاصة ،عليه فأني وجدت من الفائدة أن أستعرض مفهوما” يعتبره البعض متطورا” في تفسيرنص الآية الكريمة وقرآءة مختلفة عن سابقاتها ، وقد حاول الكثيرون تطبيق هذه القراءة المختلفة ، وإستخدموا غنى اللغة العربية وثراءها فى التفسير حتى تستقيم مع الغايات الكلية للإسلام ومنها تكريم المرأة وتقديس العلاقة الزوجية (كما يدعون)، ففهموا معنى الضرب بمعنى آخر غير معناه المباشر،أي معنى العراك والشجار باليد..الخ، ولنقرأ التفسير الجديد :

)) وبالنظر إلى كلمة ضرب نجدها تدل على إيقاع شئ على شئ يترك فيه أثراً، وتختلف فى الإستخدام مثل الضرب فى الأرض سفراً مثل آية ” وإذا ضربتم فى الأرض “، وهناك ضرب الأمثال مثل آية ” فلاتضربوا لله الأمثال”، وهناك ضرب الخمار ” وليضربن بخمورهن على جيوبهن”، وهناك ضرب الناى وضرب النقود، وكلها معانى لاتحمل معنى الضرب باليد أو العصا، ويقال للصنف من الشئ ضرب، وهناك الإضراب عن العمل وهو حجز النفس عن العمل وعن الطعام ، وعندما نقول ضربت الدولة المتلاعبين بالأسعار معناه هو أن الدولة تتخذ منهم موقفاً حازماً، وهذا هو المعنى الذى تقصده الآية أي عندما لاتفيد الموعظة والهجر فى المضاجع أي الهجر مع بقاء الزوج فى الفراش، بعدها يأتى الحل العلنى وهو إتخاذ موقف المقاطعة الإجتماعية، وهذه كلها درجات من التعامل فى حالة الخصام حتى لانصل إلى الطلاق ونتفاداه بقدر الإمكان، ولذلك لم ينصح القرآن الزوج بالتمادى فى هذا الإضراب الإجتماعى لذلك جاءت الآية التالية مباشرة لتقول ” وإن خفتم شقاق بينهما فإبعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها، وكذلك فى نشوز الرجل لابد من البحث عن الصلح من خلال الأسرة أو مؤسسات المجتمع ككل، فيقول القرآن عن نشوز الرجل ” وإن إمرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلاجناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير((
مما يؤيد التفسير السابق للضرب (كما يدعي أنصاره) بالإضراب الإجتماعى أو الخصام الإجتماعى عدم إستخدام القرآن للضرب هنا بتحديد ماهيته ونوعيته باللطم أو الركل…الخ كما عودنا القرآن فى مواضع أخرى، ومنها الآية التى تقول” فأقبلت إمرأته فى صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم “، وصكت هنا تعنى الضرب على الوجه، وعندما قتل موسى الرجل قال القرآن “فوكزه موسى فقضى عليه ” ولم يقل ضربه موسى…. الخ، أذن يبقى هذا القول في التفسير وجهة نظر قد تتطابق مع وجهات نظر قريبة أو قد تتباعد بل تتناحر مع ماجاء به مفسرين آخرين حسموا موضوع الضرب ومعناه دون أن يتركوا للآخرين حجة الرد .

تأديب الزوجة في بعض القوانين الجنائية المقارنة:

لقد أجازت البعض من القوانين أعمالا” تعد في ذاتها غير مشروعة لولا أن فيها فائدة أجتماعية ومنها تأديب الزوجة على أعتبارمافيه من مصلحة للاسرة والمجتمع مما يقتضي أن يكون لبعض أفرادها سلطة على بعضهم الآخر ،وأن تدعم هذة السلطة بالحق في توقيع الجزاء على من يخرج عليها ،على أن هذة المصلحة التي ترقى الى مرتبة حق للمجتمع ترجح على حق الخاضع لسلطة التاديب في سلامة جسمه بالغاية من التاديب ،وهذة الغاية هي تهذيب من يخضع له وحمله على السلوك الذي يتفق مع مصلحة الاسرة والمجتمع ،لكن مجرد منح رئاسة الاسرة للزوج لايمنحه حق تاديب زوجته دون إجازة بنص صريح ،فالقانون الفرنسي لعام 1965 مثلا أعترف للزوج برئاسة الاسرة دون منحه حق تاديب زوجته .

لكن قوانين أخرى أجازت للزوج تأديب زوجته ولكن يصورة غير مباشرة بأعتمادها المبدأ المقر لهذة الأجازة في الشريعة الأسلامية مثل قانون العقوبات المصري ،المادة 60 ((لاتسري أحكام هذا القانون على كل من أرتكب بنية سليمة عملا” بحق مقرر بمقتضى الشريعة الأسلامية ))وبهذا المعنى قضت محكمة النقض المصرية بقرارها 7/6/ 1965 …وأن أبيح للزوج تأديب زوجته تأديبا” خفيفا” على كل معصية لم يرد في شأنها حد مقرر ،إلا أنه لايجوز له أصلا” أن يضربها ضربا” فاحشا” وأن يكون محكوما” بغاية الأصلاح والتهذيب وهومايتفق مع العلة في تقريره…ويتطابق مع مضمون المادة آنفا” المشرع الليبي في المادة 69 عقوبات واللبناني في المادة 183 عقوبات والسوداني في المادة 44 عقوبات .

بينما أجاز القانون الأردني في المادة 62عقوبات والسوري في المادة 185 عقوبات للآباء تأديب أولادهم على نحو مايبيحه العرف العام وسكتا عن تأديب الزوج زوجته ويرى البعض أن الأجازة واردة في القانون الأردني على أعتبار أن القياس إذا كان محظورا” على الأطلاق في مجال قواعد التجريم والعقاب فأنه لايوجد مايحول دون إعماله في مجال قواعد التبرير ،فتأديب الزوج لزوجته يمكن قياسه على تأديب الآباء لأولادهم وعلى نحو ماتجيزه الشريعة الأسلامية بأعتبارها جزءا” من النظام القانوني في هذا المجال ، كما يرى البعض الآخر أن المادة 185 /2 من القانون السوري قد أجازت التاديب في مظهرين أولهما تأديب الزوجة والثاني تأديب القاصر كما أن القانون المدني قد أجاز هذا الحق على أساس أعتماد مباديء الشريعة الأسلامية ،لكن هذا البعض واجه أشكالا” قانونيا” من بعض المعترضين على أعتبار أن القانون المدني هو من فروع القانون الخاص الذي ينظم العلاقات بين الأفراد أنفسهم في الروابط المالية والأحوال الشخصية وبينهم وبين الدولة ليس بصفتها صاحبة السيادة والسلطة العامة ،وإنما بوصفها شخصا” عاديا” يمارس النشاطات التي يمارسها الأشخاص في المجتمع كالبيع والشراء والأستثمار ،في حين أن القانون الجنائي هو من فروع القانون العام الذي ينظم العلاقات بين الأفراد والدولة ولأن تأديب الزوجة فيه إيذاء للجسم فانه يخضع للقانون الجنائي الذي أقر حق العقاب .

الضرب والتفريق القضائي :

يعتبرالتفريق القضائي طريقة من طرق إنهاء الحياة الزوجية ويتحقق لقرار قضائي بعد إجراءات قانونية محددة ،والضرر هو أحدى الوسائل التي يعتد بها للتفريق ، والمقصود به أن يسيء الزوج معاملةالزوجة سواء بالضرب المبرح أو الشتم المقذع أو أن يجبرها على أتيان بعض المعاصي أو أن يهجرها من حيث المراجعة الشرعية دون سبب مشروع ،بينما وسع المشرع العراقي هذا الحق الى حالة الأضرار بأحد الزوجين من الزوج الآخر أو بأولاده ،وجاء في نص المادة 40/1 من قانون الأحوال الشخصية لسنة 1959 المعدل على أنه :لكل من الزوجين طلب التفريق إذا أضر أحد الزوجين بالزوج الآخر أو بالاولاد ضرر يتعذر معه أستمرار الحياة الزوجية ….الخ.لقد ذهب البعض من الفقهاء الى أن المقصود بالضرب المبرر للتفريق هو الأيذاء المادي فقط دون المعنوي لكن الأخير قد يضر بالصحة البدنية على أساس أن الأهانات المتكررة تولد حالة نفسية تؤثر في صحة الزوجة وتعرضها للخطر فيجوز عده سببا” للتفريق، وفي الواقع إن الايذاء ماديا كان أم معنويا” تتعدد صوره وتطبيقاته ولقاضي الموضوع سلطه تقديريه واسعة في تقدير مدى جسامته والاعتداد به . فاذا أعتدى الزوج على حياة زوجته أو أعتاد إيذاءها إيذاء ا”جسميا ويعرض صحتها للخطر جاز للزوجة أن تطلب التفريق أيا” كانت الوسيلة المتبعة، ولا فرق في أن يقوم بالاعتداء بنفسه أم بمشاركة آخرين بشرط أن يكون الاعتداء صادرا” عن قصد ، فلا يكفي الاصابة الخطأ ، ولا يلزم التكرار، ويجب أن يكون الايذاء من شأنه تعريض صحة الزوجة للخطر ويكون عن طريق كل اعتداء اقل مرتبة من الاعتداء على الحياة المباشرة بحيث يترك أثرا” في الجسم ، وعليه قضي بأن ( إدعاء الزوجة أن زوجها قد دأب في الاعتداء عليها بالضرب وهي بسبيل هذا لم تقدم ما يؤيده ، فأن أعتداء أحد الزوجين على الاخر بالضرب الذي لم يترك أي أثر لا يجيز التفريق. فاعتداءأحد الزوجين على الاخر بالضرب الذي لم يترك أي أثر لايكون سببا” مباشرا” للتفريق ، ولكنه قد يعد سببا “للشقاق والخلاف المبرر للتفريق كسبب غير مباشر.

القانون العراقي :

خص المشرع العراقي جرائم الجرح والضرب والأيذاء العمد بالمواد (412_416) عقوبات ، وتختلف عن بعضها بالنظر الى جسامتها ،فمن ضرب الى جرح بسيط ،الى أيذاء بليغ ،الى ضرب يفضي الى عاهة مستديمة .ومن هذة الجرائم ماهو من نوع الجنح وماهو من نوع الجنايات كما يضيف المشرع للبعض منها ظرفا” مشددا” ويجعل الأخذ بها ألزاميا” على المحكمة.

القصد المباشر والقصد الأحتمالي :

إذا كان مرتكب الفعل يقصد أيذاء المجنى عليه في جسمه أو صحته ،أو إذا كان يعلم بخطورة الفعل الذي يأتيه متوقعا” ماقد يترتب عليه من نتائج تمس حق الأنسان في سلامة الجسم فأن قصده في هذه الحالة هو قصد مباشر ،وقد لايتوفر لدى الجاني علم أكيد بالنتيجة التي تترتب على فعله أو بطبيعة المادة التي يعطيها للمجني عليه وإنما يتوفر لديه أحتمال بأن يمس فعله جسم المجنى عليه أو صحته دون أن يهدف الى ذلك أساسا” ،والقاعدة في مثل هذة الحالة ان الجاني يعتبر متعمدا اذاكان على الرغم من علمه باحتمال تحقق النتيجة عند إتيانه الفعل يستوي لديه حدوثها وعدم حدوثها أي أنه قبل المخاطرة بها عند الاقدام على الفعل وهذا هو القصد الجرمي.

تاديب الزوج زوجته :

بمقتضى المادة 41 عقوبات يباح للزوج تأديب زوجته بالضرب الخفيف في حدود ماهو مقرر شرعا وقانونا ويمكن التعرف على قصد الزوج من جسامة الضرب وبناءا” على ذلك يخرج عن حدود ماللزوج من حقوق تاديب زوجته أن تسقط على الارض جراء دفع الزوج لها وأصابتها بضرر كما يخرج عن حدود الاباحة للزوج ضرب الزوجة ضربا مبرحا وعضها وكيها بالنار وفي هذا الصدد قررت محكمة التمييز (قرار رقم 452 في 1976/5/9)بأن أعتداء الزوج على زوجته بضربها على وجهها وجر شعرها في الشارع العام أمام المارين يخرج عن حدود التاديب المسموح به للزوج ويشكل جريمة طبقا للمادة 415 عقوبات.

وأنا أختم الموضوع راودتني فكرة! ماذا لو أنقلب الموضوع ؟ماذا سيكون مصير الأزواج ؟ ماذا لو سمعنا صرخات أزواج تضربهم زوجاتهم بما ينذر بتحول (سي سيد ) بطل المسلسل المصري الى (سي سوسو)؟لاتعجبوا فهي ظاهرة عالمية وعليكم سماع الآرقام! ففى الهند كانت نسبة الأزواج ” المضروبين ” 11% , وفى بريطانيا 17% , وفى أمريكا 23% , وفى العالم العربى تراوحت النسبة بين 23% و 28% , وتبين أن النسب ا لأعلى تكون فى الأحياء الراقية والطبقات الإجتما عية الأعلى أما فى الأحياء الشعبية فالنسبة تصل إلى 18% فقط . وهذا الفرق بين الطبقات يمكن أ ن يكون فرقا حقيقيا بمعنى أن المرأة فى الطبقات الإجتماعية الأعلى استفادت أكثر من جهود تحرير المرأة وتمكين المرأة فعلا صوتها ” وسوطها ” أكثر من المرأة فى الأحياء الشعبية والتى لم تصلها تلك الجهود وما زالت تنظر لزوجها باحترام أكثر ولا تهفو إلى منافسته أو مزاحمته أو القفز على مكانته سؤال أخير ؟ ماذا لو تحولت المودة والرحمة الى شجار ونقمة ؟ حماكم الله وحما دياركم .