مقال قانوني حول صعوبات تطبيق الحوكمة في نظام الشركات السعودي .

اتجاهات ومعوقات تطبيق الحوكمة في الشركات السعودية
د. عبدالعزيز المزيد
باحث مالي

انتشر مؤخراً مصطلح حوكمة الشركات “Corporate Governance”على الساحة الدولية بشكل كبيراً حيث يعني “اسلوب ممارسة الادارة الرشيدة”، فقد ظهرت الحاجة اليها نتيجة الى اعتماد بعض الدول على القطاع الخاص في تنمية اقتصادها أي النظم الرأسمالية، فقد نشأة الحوكمة نتيجة لبعض القصور الذي تخلل القوانين والتشريعات التي تحكم ممارسة الاعمال والانشطة التجارية مما ادى الى حدوث الكثير من حالات الافلاس والتعثر المالي للعديد من الشركات والمؤسسات مما سبب ضرر بالغ للمساهمين واصحاب رؤوس الاموال، وعليه فان السعودية لا تختلف كثير عن تلك الدول في حاجاتها الى حوكمة الشركات وتطبيقها على مؤسساتها من اجل تحسين البيئة الاقتصادية للمملكة وكذلك تجنباً لحدوث الازمات المالية التي قد تعصف بالاقتصاد السعودي، ومن هنا نستطع ان نطرح السؤال التالي ماهي اتجاهات الحوكمة في المملكة العربية السعودية؟، وماهي المعوقات التي قد تحد من تطبيقها في المؤسسات بشكل ناجح وفعال؟

ساهم عدم التطبيق الكامل لمعايير الحوكمة في المملكة الى حدوث تعثر في بعض المؤسسات الاقتصادية الكبرى وهنالك العديد من الامثلة في شتى القطاعات منها قطاع التأمين وقطاع المصارف وكذلك انهيار “النكسة” في سوق المال السعودي (تداول) عام 2006م، وغيرها، الا ان هنالك بعض المؤسسات التي تطبق منهج الحوكمة والادارة الرشيدة من خلال التعليمات الموجهة للقطاعات التي تشرف عليها، كهيئة سوق المال ومؤسسة النقد العربي السعودي، فقد اشار تقرير ادارة هيئة سوق المال الى تطبيق جزئي بمعايير ومفاهيم معينة للحوكمة من قبل بعض الشركات في المملكة، ولكن لا يوجد تطبيق عام للمفهوم بكامل جزئياته ، حيث تؤكد ان قواعد حوكمة الشركات (استرشاديه) وغير ملزمة حيث تهدف الى رفع مستوى الادارة في الشركات وحماية حقوق المساهمين ، وبالرغم من ذلك فان التطبيق الجزئي للحوكمة غير كافي حيث يجب ان يتم تطبيق النظام الشامل للحوكمة في الشركات لتحقيق اقصى استفادة منه ورفع كفاءة السوق.

ونجد ان هنالك توجه من قبل ادارة هيئة سوق الاوراق المالي السعودي باستخدام احدث التقنيات في انظمة التداول المعمول بها في الاسواق الاقليمية ، وتبني أسس وقواعد حوكمة الشركات مستقبلاً كمتطلب للإدراج في السوق المالية والعمل على زيادة الوعي لدى الافراد بأهمية الحوكمة، وبالرغم من ذلك فان هنالك العديد ممن يروا ان هذا التوجه لا يكفي لجذب الاستثمارات لسوق راس المال السعودي ما لم يرافقه تطور الانظمة والتعليمات والقوانين التي تحكم الشركات ، وعليه نجد ان التوجه العام نحو تطبيق الحوكمة في المملكة يفتقر الى ثقافة ممارسة الحوكمة الشاملة في الشركات باعتبارها غير ملزمة في الكثير من الحالات ولكن نجد ان التطبيق الجيد للحوكمة خاصة في الافصاح والشفافية يساهم في حماية المستثمرين وزيادة ثقتهم مما يزيد من حجم التداول وحركة السيولة، لذا وجوب الاهتمام بنشر ثقافة الحوكمة بمفهومها الواسع بين الشركات والعمل على تحديث القانوني التنظيمية التي توفر الحماية اللازمة للمستثمرين.

فا بالرغم من الانتشار الواسع لحوكمة الشركات الا اننا نجد ان مازالت هنالك العديد من العقبات والتحديات التي تواجه تطبيقها في المملكة بشكل كامل ، ومنها الركود في الغرف التجارية حيث ان بقاء اعضاء مجالس هذه الغرف في مواقعهم لمدة طويلة هو ظاهرة خطيرة تؤدي الى انعكاسات سلبية بالغة، وكذلك القصور الذي يكتنف البيئة القانونية بالرغم من الجهود المبذولة لتطويرها ما يعني ان الشركات المساهمة توجه قصوراً في الضوابط الداخلية والخارجية، وايضا محدودية عدد الشركات المساهمة العامة ، وكذلك المدرجة منها في سوق المال ، وسيطرة الملكية العائلية على هيكل القطاع الخاص من ناحية ملكية راس المال او من ناحية الادارة، وضعف الوعي الاستثماري لدى جمهور صغار المستثمرين رغم المحاولات الجادة التي تقوم بها هيئة سوق الاورق المالية وعدم وجود جمعية لحماية حقوق المستثمرين الصغار، وان تطبيق بعض مواد لائحة الحوكمة يتطلب وجود هذه اللائحة داخل الشركات المساهمة وهذا يتطلب وجود ادارة كبيرة لدى الهيئة لمتابعة وجود هذه اللائحة داخل الشركات المساهمة وبالتالي جهازاً اداريا اكبر مما يؤدى الي كبر التكلفة الاقتصادية.

واخيراً نجد ان حوكمة الشركات تعتبر من انجح الوسائل التي ترفع من درجة الثقة للشركة والاقبال عليها من المستثمرين وذلك من خلال رفع جودة المعلومات التي يتم الافصاح عنها، لذا على الشركات السعودية وادارتها العمل على بذل المزيد من الجهود لتطبيق حوكمة الشركات والعمل على إزالة كل مايعوق تطبيقها في الشركات وذلك عبر منح المزيد من الصلاحيات لاصحاب المصالح في ممارسة الدور الرقابي على الادارة كبداية وكذلك تعزيز ممارسات حوكمة الشركات عبر عقد الندوات والمؤتمرات التدريبية والترشيد عن اهمية حوكمة الشركات والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت