تطور فكرة العدل عبر العصور

إن مفهوم العدل لم يصبح مفهوما شائعا في عصرنا الحاضر إلا بعد الثورات الكبر ى التي أريقت فيها الدماء أزهقت في الأرواح وعانت البشرية منها ويلات الجوع والتشرد والدمار إن هاته الثورات المتعاقبة كانت تهدف إلى تحقيق العدل والمساواة وأن الظلم في التفاوت ولكن أليست المساواة المطلقة ظلما ؟ لقد اختلف المفكرون واختلفت المذاهب لتحديد إجابة شافية لهذا التساؤل وسنتعرض إلى الفكر الغربي ونظرته للعدل وكذا إلى الفكر الإسلامي ومكانة العدل فيه .

المطلب الأول : تطور فكرة العدل في الفكر الغربي :

لقد رأى أنصار التفاوت في الفكر الغربي لفكرة العدل أنها تتأسس على احترام التفاوت الموجود ويريدون في ذلك حججا تتعلق بالفوارق الطبيعية والفوارق الاجتماعية وحجج أخرى تبرر هذه الفوارق المختلفة .
نقـد : بالرغم إنه لا يمكننا إنكار فكرة المساواة إلا انه لا يمكن مساواة الناس في الحقوق والواجبات لأنه تختلف إمكانيتهم وقدراتهم العقلية والجسدية والعملية، فإذا سلمنا بالمساواة التامة والمطلقة فكيف يخدم بعضهم البعض .

المطلب الثاني : فكرة العدل في الفكر الإسلامي :

إن العدل معناه إزالة الفوارق المصطنعة والفروق الواسعة التي نشأت بين أفراد والمجتمعات بطرق غير مشروعة ولابد من فتح الطريق أمام الجميع وتكافئ لا فضل لعربيا)الفرص في جميع المجالات، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : يعتبر العدل أحد المبادئ الأساسية لنظام الحكم(على عجميا إلا بالتقوى وغايته المقصودة وقد حرص الإسلام على تقريره حفاظا على كيان المجتمع ويقصد(وأمرت لأعدل بينكم)البشري فقد جاء في قوله تعالى على لسان نبيه : بالعدل في الإسلام بوجه عام تنفيذ حكم بمعنى الحكم بمقتضيات ما جاءت به الشريعة الإسلامية وهو واجب في علاقة الفرد بنفسه وعلاقته بغيره من الناس وعلاقة الحاكمين بالمحكومين ومن شدة حرصه تعالى على العدل أنه لم يشدد على استعمال القوة مع مقترف أكبر الكبائر أي الشرك بينما شدد في استعمال القوة مع الباغي والمعتدي ومع الطرف الغير القائم بالعدل ويتضح ذلك قوله تعالى: (فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلو التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) يا أيها الذين آمنوا)وإذا كان الله تعالى قد وجه الخطاب بالعدل للمؤمنين كونوا قوامين لله شهداء بالقسط) إن المساواة في الإسلام لها أهمية كبيرة يا أيها الناس إن خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا)يقول تعالى: “5”، يتضح من هذه الآية أن(وقبائل لتعرفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم الإسلام يقر مبدأ المساواة بين جميع الناس ويجعلها أحد أصوله التي تجد أساها في العقيدة التي جاءت لتكريم الإنسان باعتباره من أصل واحد وهو آدم فلا مجال للإدعاء بالانتساب إلى جنس أسمى مما عداه من الأجناس أو إلى طبقة هي أرقى الطبقات فالإسلام لا يعترف إلا بمفاضلة قوامها الأعمال وليس الإنسان وللمساواة صور كثيرة في الفقه والتاريخ الإسلامي نذكر منها المساواة بين الأفراد جميعا في تطبيق القانون فالكل في مستوى واحد أما القانون فلا فرق بين الحاكم والخليفة أو من هم في مناصب السلطة العليا وبين عامة الناس وتثبت هذه المساواة كذلك أمام القضاء فلا وجود لمحاكم خاصة تختص بالنظر في خصومات طائفة معينة من المجتمع ومحاكم أخرى مختصة (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)لعامة الناس. قال تعالى : ولو شاء ربك لا أمان من في الأرض كلهم أ فأنت تكره الناس حتى)ويقول: وقد طبق هذا المبدأ على ارض الواقع وعلى أوسع نطاق فلا(يكونوا مؤمنين يخلو كتاب من كتب الرسول صلى الله عليه وسلم منها موجه للقبائل “ومن كان tيهوديا او نصرانيا فانه لا يفتن عنها وعليه الجزية” ويقول عمر بن الخطاب في معاهدته مع أهل بيت المقدس عقب فتحها ” هذا ما أعطى عمر أمير المؤمنين أهل إليياء من الأمان أعطاهم أمان لأنفسهم ولكنائسهم وصلبانهم … لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقصه منها ولا من خيرها ولا من صلبهم لا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم “. إن الإسلام لم يعطي للإنسان مساواة مطلقة )إلا في حدود الحقوق والواجبات فهناك تفاوت مكفول للإنسان بقول تعالى وكل إنسان مسير لما خلق له فلكل ذي حق حقه .(ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات