التفتيش القضائي الإلكتروني يضيق الخناق على الأخطاء.. ويقوِّم سير العمل في المحاكم
يجسد التفتيش القضائي بالمجلس الأعلى للقضاء أهمية بالغة في سير العمل القضائي بالمملكة، حيث يتولى التفتيش على أعمال القضاة، وذلك لجمع البيانات التي تؤدي إلى معرفة كفايتهم ومدى حرصهم على أداء واجبات وظيفتهم، والتحقيق في الشكاوى التي يقدمها القضاة، أو تقدم ضدهم في المسائل المتصلة بأعمالهم، ويكون إجراء التفتيش على أعضاء السلك القضائي مرة على الأقل ومرتين على الأكثر كل سنة.

وتطويراً للعمل أطلق المجلس الأعلى للقضاء مبادرة “التفتيش القضائي الإلكتروني” لرصد وتحليل وتقييم وتقويم كل ما يتعلق بالإجراءات العدلية وسير العمل في المحاكم، إضافة إلى أداء القضاة، فيما جاءت مدونته للعمل على تلافي أي تباين في إجراءات المحاكم.

وعلى الرغم من القدرات الكبيرة التي يتمتع بها القضاة، وحيادهم ونزاهتهم، وكفاءتهم العلمية والأهلية، وجعـل التقـاضي عـلى أكثـر مـن درجـة، وتمكـين المتقاضين من الطعن في الأحكام ومراجعتها، ورد القاضي عـن بعض القضايا؛ تأتي “مدونة التفتيش” لترصد كل تفاصيل الأحكام وتلاحق كل ملحوظاته، لتدارك مواضع القصور الذي يعتري العمل البشري بطبيعته.

تلافي الاختلاف

وفي سياق تطوير النظام العدلي وإجراءات التقاضي، أقر رئيس المجلس الأعلى للقضاء وزير العدل الشيخ الدكتور وليد الصمعاني، مؤخراً، قواعد “برنامج خارطة النظر القضائي”، وبرنامج “الإسناد بالتخطيط والمشورة”، واعتمد العمل بـ”نظام التفتيش القضائي الإلكتروني”.

ولتحقيق الجودة القضائية في المخرج النهائي، كان معالي رئيس المجلس، قد أطلق النسخة الأولى من مدونة التفتيش القضائي والتي تهدف إلى تلافي التباين والاختلاف في إجراءات المحاكم، وتتيح للقضاة نافذة سريعة لاستعراض الملحوظات المدروسة والمعتمدة من تقارير المفتشين القضائيين، وفق تبويب مرتب وسهل الاستيعاب.

وتتضمن المدونة الملحوظات في إجراءات الدعوى، والتنازل، والحكم، وقضايا إثبات صفة القتل، وقضايا التعزير، والحوادث المرورية، وقضايا المخدرات، إضافة إلى ملحوظات أخرى تغطي العديد من الموضوعات.

ويسعى المجلس الأعلى للقضاء من خلال إطلاق تلك المدونة لتحقيق مستوى أنضج وأكمل في العمل القضائي ومخرجات المحاكم، وتقريب مساحة الاختلاف والتباين فيه شكلا وموضوعا، كما أنها تعد أداة لقياس المستوى النوعي، والجودة الفنية في إنتاج التفتيش القضائي.

تفتيش بلا ورق

ودشن الدكتور وليد بن محمد الصمعاني “نظام التفتيش القضائي الإلكتروني” في جميع محاكم المملكة، منهياً بذلك بقية المعاملات الورقية في التفتيش القضائي بنسبة 100 % بعد انتهاء المرحلة التجريبية، وذلك ضمن إقراره لقواعد “برنامج خارطة النظر القضائي”، وبرنامج “الإسناد بالتخطيط والمشورة” الذي أتم مرحلته التجريبية التي امتدت 10 أشهر.

هذه الخطوات التطويرية في مجال التفتيش القضائي، قال عنها الصمعاني “إنها تأتي ضمن السعي الحثيث للمجلس لتطوير أدائه ومهامه في إشرافه على المحاكم والقضاة وأعمالهم، وتنفيذًا لبرنامج المجلس الأعلى للقضاء للتطوير التقني”.

مسارات القضايا

وفي سياق متصل يتيح برنامج “خارطة النظر القضائي” في مرحلته الأولى مسار الإجراءات لنحو 50 قضية لموضوعات متنوعة، والتي وافق الدكتور وليد الصمعاني على قواعدها المنظمة.

ويحدد البرنامج مسار نظر كل نوع من أنواع القضايا المشمولة بالبرنامج، ومتطلبات النظر الإجرائية والموضوعية والعلمية، وفقًا لما نُص عليه شرعًا ونظامًا، وبما يحفظ استقلال النظر القضائي”.

كما أن البرنامج يعد استرشادًا توعويًا للقضاة والمهتمين بالشأن القضائي، ويعرض من خلال برنامج تقني تفاعلي قابل للتطوير والتحديث المستمر.

سرعة الإنجاز

ويسعى برنامج خارطة النظر القضائي إلى هندسة الإجراءات القضائية الموضوعية، وتوحيد إجراءات سير القضايا في عموم المحاكم، تحقيقًا للعدالة العامة وسرعة الإنجاز والجودة في النظر القضائي، إضافة إلى تيسير الوصول إلى المعلومة الشرعية والنظامية.

كما يهدف البرنامج الذي يشمل محاكم الأحوال الشخصية والمحاكم العامة والمحاكم الجزائية والمحاكم التجارية والمحاكم العمالية التي من المنتظر انتقالها إلى القضاء العام بعد نحو شهرين، إلى توضيح مراحل التقاضي، ومتطلبات النظر للقاضي، والمستفيد من الخدمة القضائية، ومساعدة القضاة برسم خارطة لنظر القضايا، وتقريب المعلومة الإجرائية والقضائية، والتسبيبات الشرعية والنظامية، وتقليل مدة البحث والاستدلال؛ مع حفظ الجودة في العمل.

وصمم للبرنامج سبع حقائب بحيث تندرج تحت كل نوع من القضايا المشمولة الحقائب كافة، وهي: حقيبة متطلبات ولوازم نظر القضية للمتقاضي، وحقيبة متطلبات ولوازم نظر القضية للدائرة القضائية، وحقيبة ما يتعين ملاحظته عند النظر القضائي، وحقيبة ذات رسم تشجيري لمراحل نظر القضية، وحقيبة الصياغات النموذجية المقترحة للدعوى والإجابة والدفوع والتسبيب والحكم، وحقيبة المواد العلمية القضائية المتعلقة بكل نوع من أنواع القضايا المشمولة بالبرنامج، كالأنظمة والتعاميم العدلية والمدونة القضائية والمبادئ القضائية ومدونة التفتيش القضائي ومدونة محاكم الاستئناف ومجموعة الأحكام القضائية، وآخر الحقائب تحتوي على المدونات والبحوث والدراسات الفقهية المتعلقة بالقضايا الخمسين التي يشملها البرنامج.

وأكد المجلس أن الأنواع الخمسين للقضايا سيتم اختيارها وفقاً لمعيار الحاجة الملحة لضبط خارطة النظر، بالإضافة إلى معيار آخر وهو كثرة نظر هذا النوع من القضايا في المحاكم.

ويمر البرنامج بتسع مراحل، تبدأ بجمع المادة العلمية الفقهية والقضائية والنظامية، مرورًا بمرحلة تتبع واقع العمل القضائي من خلال خبرات أعضاء الفريق ومخرجات التفتيش القضائي، حيث سيتم استخراج ما يتطلبه النظر المتكامل للقضية، وعوائق الإنجاز وما قد يقع فيه القضاة من أخطاء أو يغفلون عنه.

وحدد البرنامج مرحلة مخصصة لدمج وضبط العلاقة بين الجوانب الموضوعية (الفقهية، والقضائية) والإجرائية النظامية، بالإضافة إلى مرحلة إعداد مسار نظر القضية موضوعيا (فقهيًا وقضائيًا وإجرائيًا)، كما سيتم إعداد هيكلة لخارطة النظر القضائي تكون قاعدة أساسية للبرمجة التقنية.

الإسناد بالتخطيط والمشورة

كما أطلق المجلس الأعلى للقضاء مبادرة ” الإسناد بالتخطيط والمشورة” والعمل به في عموم المحاكم، والذي يهدف إلى تحقيق سلامة سير القضية وضمان إنجازها في الوقت المناسب مع الحفاظ على جودة الحكم.

وأشار المجلس إلى أن البرنامج سيضبط مراحل النظر القضائي، وسيسهم في إنجاز القضايا في الوقت المتناسب مع طبيعة القضية ومتطلبات نظرها، وضمان نظر القضية في مسارها الصحيح شرعًا ونظامًا، بالإضافة إلى تيسير نظر القضية بالإسناد القضائي الفقهي والنظامي والإجرائي والمشورة الموضوعية، مع تجويد أعمال الجهات الإدارية المساندة، وتحقيق مفهوم الوقاية من الخلل والخطأ القضائي بالتوجيه والمتابعة الإشرافية.

ويغطي برنامج الإسناد بالتخطيط والمشورة القضايا المتعثرة، والقضايا ذات البعد الدولي، والقضايا ذات الاهتمام من الرأي العام، والقضايا الكبيرة ذات التفريعات والخطوات الإجرائية المتنوعة، والقضايا النوعية المستجدة مما تندرج تحت معنى النوازل القضائية المعاصرة. ​

إعادة نشر بواسطة محاماة نت