التصوير الواقعي للمــوطــن :

نجد في هذا التصوير أن التشريعات تغلب العنصر المادي على العنصر المعنوي في تصويرها للموطن فيعتبر الشخص متوطنا بإقليم الدولة إذا توافرت له الإقامة مقترنة بالاستقرار في هذا الإقليم وتحقق العنصر المادي يغني عن البحث في العنصر المعنوي وهو نية البقاء ذلك أن هذه النية تستخلص من توافر الإقامة على سبيل الاستقرار . وهذا التصوير يقوم على أساس من الواقع وتتجه (المانيا ، سويسرا ، البرتغال) إلى الأخذ بالتصوير الواقعي الذي يقوم على نظرة مادية هي وجوب المطابقة بين محل الإقامة والموطن.

ويترتب على هذا التصوير الواقعي للموطن نتيجتان :

الأولى : هي امكان تعدد الموطن بالنسبة للشخص الواحد وذلك إذا ما اتخذ لنفسه مقرا في مكانين أو أكثر إذ لا سبيل إلى اعتبار أحدهما موطناً دون الأخر إذ يتعدد الموطن بتعدد محال الإقامة العادية المستقرة ،أي إن هذا التصوير للموطن يعتمد على الإقامة العادية المستقرة .

الثانية : امكان انعدام الموطن ، إذا لم تتوافر له الإقامة بمعنى الاستقرار في مكان معين ، كما هو الحال لعديم الجنسية عندما لا تقبل أي دولة إقامته على إقليمها أو كحالة البدو الرحل الذين لا يقيمون عادة في مكان معين فإذا أريد اختصامهم يجب أن تقام الدعوى أمام محكمة الجهة التي يوجدون فيها وقت رفع الدعوى(1).ويلاحظ ان الدول التي تأخذ بالتصوير الواقعي للموطن تختلف فيما بينها فبعضها يكتفي بالعنصر المادي ( الاقامة المعتادة ) كما هو الحال في القانون البرتغالي والاسباني(2). بينما دول اخرى اضافت الى عنصر الاقامة المعتادة عنصر نية البقاء وهذا ما اخذ به القانون السويسري(3).

_____________________________

[1]- د.هشام علي صادق ، دراسات في القانون الدولي الخاص ، مدر سابق ، ص110 وما بعدها ، ويلاحظ أن من محاسن هذا التصوير أنه يسهل للدائنين مخاطبة مدينيهم في الموطن الأقرب ، لكن من مساوئه انه يؤدي إلى قيام ازدواجية لا تنسجم مع ضرورة تركيز موطن الفرد في مكان معين لمقتضيات الحياة القانونية وتنظيمها .

2- القانون الدولي الخاص البرتغالي الذي عرف الموطن في المادة (40) بانه (موطن الشخص هو المكان الذي تكون به إقامته الدائمة) وكذلك القانون الدولي الخاص الأسباني في المادة (40) يكون موطن الشخص في مكان إقامته العادية .

3- كالقانون السويسري الذي عرف الموطن في المادة (32) بانه (يكون موطن الشخص في المكان الذي يقيم فيه بنية الاستقرار) وكذلك القانون البرازيلي في الماد (30) .

التصوير الحكمي للمــوطــن :

نجد بعض التشريعات (كالقانون الهولندي والايطالي والفرنسي) تغلب العنصر المعنوي في تصوير الموطن ، أي يعتد المشرع بعنصر النية أكثر من اعتداده بعنصر الإقامة ، فإذا انصرفت نية الشخص صراحة أو ضمنا إلى أن يتخذ لنفسه مقرا في مكان معين فان القانون يعتبره متوطنا فيه حتى لو لم تقترن هذه النية بعنصر الاستقرار الفعلي ، وإذا تغيب الشخص عن هذا المقر فالمفروض انه إنما تركه بنية الرجوع إليه والبقاء فيه(1). فوفقا لهذا التصوير يعتبر موطن الشخص هو المكان الذي يوجد فيه المركز الرئيسي لأعمال الشخص ومصالحه وقد أخذ القانون المدني الفرنسي في المادة (102) بطريقة التصوير الحكمي للموطن ، حيث نصت هذه المادة على أن “موطن كل فرنسي من حيث استعماله لحقوقه المدنية ، إنما يكون حيث يوجد مركز عمله الرئيسي” ، وتختلف فكرة الموطن وفقا للتعريف الفرنسي عن محل الإقامة ، ذلك أن من المتصور أن يكون للشخص أكثر من محل إقامة إلا أنه من غير المتصور أن يكون لهذا الشخص نفسه أكثر من موطن واحد وفقا للقانون الفرنسي فان تصوير الموطن في القانون الفرنسي تصوير حكمي لأنه لا يعتد بمحل الإقامة ، لان المقر الرئيسي لأعمال الشخص قد تكون في مكان مغاير عن محل إقامته

ويترتب على التصوير الحكمي للموطن نتيجتان :-

الأولى : هي أن كل شخص لابد أن يكون له موطن ، لتنظيم مركز الشخص القانوني .

الثانية : وحدة الموطن في التصوير الحكمي ، إذ لا يكون الموطن إلا واحدا لان تحديد الموطن بمركز الأعمال الرئيسي للشخص لا يمكن أن يفترض وجود أكثر من موطن لان المركز الرئيسي لا يكون إلا واحدا(2) .

_____________________

[1]- د. فؤاد عبد المنعم رياض ، مصدر سابق ، ص274 .

2- د. أبو العلا علي أبو العلا ، مصدر سابق ، ص33 وقد اخذ كذلك القانون الإيطالي للعام 1942 بالتصوير الحكمي للموطن ففرق بين محل الإقامة والموطن ونص في المادة 43 على (أن موطن الشخص يكون حيث يوجد مركز أعماله ومصالحة الرئيسية) .

المؤلف : ريا سامي سعيد الصفار
الكتاب أو المصدر : دور الموطن في الجنسية
الجزء والصفحة : ص23

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .