إنجاز وإبرام اتفاق التسوية الودية.

يأمر رئيس المحكمة التجارية، بمجرد ما تبين له أن اقتراحات رئيس المقاولة الفردية أو الجماعية المملوكة على الشياع، أو الممثل الشرعي للشركة –الشخص الاعتباري- والفقرة الأخيرة من المادة 545 من مدونة التجارة وفي شأنها أن تسهل تصحيح وضعية المقاولة، بفتح إجراء التسوية الودية، ويعين المصالح (المادة 553 من المدونة) الذي تؤكد إليه مهمة التقريب والتفاوض بين المقاول المدين وبين دائنيه لإنقاذ المقاولة المتعثرة التي تعاني من الصعوبات المالية ، الاقتصادية ، الاجتماعية أو القانونية، أو التي هي في حاجة إلى الأموال قصد تمويل أو توسيع مشاريعها أو أنشطتها.
وإذا كان التشريع يكلف رئيس المحكمة التجارية بتحديد مهمة المصالح (م 554) في مسطرة التسوية الودية، كما هو الشأن في مهمة الوكيل الخاص في مسطرة الوقاية الخارجية فإنه تدخله كان بارزا وصارما سواء فيما يتعلق بالمهمة ذاتها أو بأجلها، في المسطرة الأولى على خلاف الثانية.
لقد منح التشريع سلطة واسعة لرئيس المحكمة التجارية في مسطرة الوقاية الخارجية تبدو من قراءة المادة 549 من مدونة التجارة ومن خلال هذه المادة السالفة الذكر أنه تعود لرئيس المحكمة التجارية كامل السلطة التقديرية دون شرط أو قيد، أما مهمة المصالح وأجلها فتخضع لقيود يبررها التدخل القوي للدائنين في مسطرة التسوية الودية دون مسطرة الوقاية الخارجية، إذ تتركز مهمة الوكيل الخاص في تخفيف الاعتراضات المحتملة للمتعاملين المعتادين مع المقاولة لا على إبرام اتفاق ودي الذي هو موضوع مسطرة التسوية الودية، وهكذا فمدة عمل أو مهمة المصالح لا تتجاوز ثلاثة أشهر قابلة للتمديد شهرا على الأكثر بطلب من هذا الأخير (المادة 553 من مدونة التجارة). أما مهمته فتتمثل في تسهيل سير المقاولة والعمل على إبرام اتفاق مع الدائنين (المادة 554 من مدونة التجارة).
والمؤسف أن المادة 554 تضمنت خطأ جوهريا نتيجة للترجمة، حيث ترجمت للكلمة الفرنسية “entreprise” ب “الشركة” فكلمة الشركة تضيق من نطاق المسطرة على خلاف إرادة المشرع، وقد تدخل بعض رجال القانون يظنون خطأ أن مسطرة التسوية الودية لا تجرى إلا على المقاولات التجارية التي تتخذ شكل شركة، في حين أن سائر المقاولات التجارية كانت فردية أو جماعية على الشياع، اتخذت شكل شركة أم لا، تخضع لهذه المسطرة. على غرار ما بينا سابقا وطبقا للمادة 550 التي جاء في مطلعها “يكون إجراء التسوية الودية مفتوحا أمام كل مقاولة تجارية أو حرفية…”
ولا يقبل الأمر الصادر عن رئيس المحكمة التجارية بالوقف المؤقت للإجراءات أي وجه للطعن، لأن الطعن يتنافي مع طبيعة المسطرة التي تروم إنقاذ المقاولة بسرعة، ولقصر مدته التي لا يجوز في كل الأحوال أربعة أشهر وبعبارة أخرى لانتهائه بانتهاء مدة المصالح، ولكون المقاولة غير متوقفة عن الدفع أو الأداء زيادة إلى أن المسطرة ترمي إل إبرام اتفاق ودي.
ولا يجري اتفاق التسوية الودية إلا على الدائنين والموقعين عليه، أما الدائنون غير الموقعين فيبقون خارج هذا الاتفاق، ولا تمسهم آثاره وتدفع هذه القاعدة إلى التساؤل حول مصير ديون الدائنين غير الرئيسيين في حالة إبرام اتفاق التسوية الودية بين المدين المقاول والدائنين الرئيسيين فحسب؟
لقد تولى المشرع بنفسه هذه الإشكالية، بطريقة تحفظ حقوق ومصالح الدائنين الثانويين أو غير الرئسيين، الذين لم يشاركوا في الاتفاق، إما طوعا واختيارا أو وقع تهميشهم بسبب ديونهم الزهيدة أو الصغيرة، وتتجلى الحماية في وجوب أداء الديون التي لم يشملها الاتفاق.

الفقرة الثانية : آثار التسوية الودية
يترتب عن إبرام اتفاق التسوية الودية أثرين أساسيين نصت عليهما المادة 588 في مدونة التجارة هما:
1- يوقف اتفاق التسوية الودية أثناء مدة تنفيذه، كل دعوى قضائية وكل إجراء فردي، يكون الهدف منها الحصول على سداد الديون موضوع الاتفاق، سواء كانت تلك الدعوى أو ذلك الإجراء يخص منقولات المدين أو عقاراته، أما الديون التي ليست موضوع الاتفاق فلا تكون مشمولة بهذا الأثر، حيث يجوز بهذه الديون إقامة ما شاءوا من الدعاوى القضائية والإجراءات الفردية.
كما أن الدعوى القضائية والإجراء الفردي اللذين لا يكون الهدف منهما الحصول على سداد الديون موضوع الاتفاق، لا يسري عليهما هذا الأثر، كدعاوى البطلان أو الفسخ أو النزاع في أصل الدين ووجوده.
2- يوقف إجراء التسوية الودية الآجال المحددة للدائنين تحت طائلة سقوط أو فسخ الحقوق المتعلقة بهؤلاء الدائنين.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذين الأثرين لا يسريان على الدائنين الذين لم يوقعوا على الاتفاق ولم تكن ديونهم مشمولة به، وبالتالي يملك هؤلاء الدائنون الحق في المطالبة بديونهم وإقامة الدعوى والقيام بالإجراءات الفردية على منقولات المدين أو عقاراته.

الفقرة الثالثة: فسخ اتفاق التسوية الودية
إن عدم تنفيذ الالتزامات الناشئة عن اتفاق التسوية الودية سواء من طرف رئيس المقاولة (المدين) أو من طرف مسيرها في حالة اتخاذ المقاولة شكل شركة، يعد إخلالا ومسا خطيرا بالتسوية الودية، وضربا بأهدافها التي تسعى وتسهر على إنقاذ المقاولة وإعادة الحياة إليها من جديد وبالتالي الحفاظ على فرص الشغل وموارد الدولة والإنتاج، وحفاظا كذلك على مصالح المدين نفسه والدائنين الموقعين على الاتفاق.
مما يؤدي إلى فسخ الاتفاق وسقوط كل الآجال الأداء الممنوحة، وذلك ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 558 من مدونة التجارة والتي جاء فيها: “في حالة عدم تنفيذ الالتزامات الناجمة عن الاتفاق تقضي المحكمة بفسخ هذا الأخير وبسقوط كل آجال الأداء الممنوحة”.
وبالتالي رتبت هذه الفقرة الثانية من المادة 558 من م.ت أثرين هامين إلى جانب آثار أخرى على عدم تنفيذ الالتزامات الناشئة عن الاتفاق وهما:
أ- فسخ الاتفاق.
ب- سقوط كل الآجال الأداء الممنوحة بمقتضاه.
ويضاف إلى الأثرين أعلاه أثر ينقل المقاولة من مساطر الوقاية إلى مساطر المعالجة والتي تكون إما مساطر التسوية القضائية (التصحيح القضائي) إذا لم تكن وضعية المقاولة مختلة بشكل لا رجعة فيه وإما مساطر التصفية القضائية إن كانت مختلة بشكل لا رجعة فيه (المواد 560 و568 و619 من مدونة التجارة).
كما تتم فتح مساطر المعالجة إذا كانت المقاولة غير قادرة على سداد الديون الناجمة عن الالتزامات المبرمة في إطار الاتفاق الودي إلى جانب عجزها عن سداد الديون الأخرى المستحقة عند الحلول (المادة 560 من م.ت) وتعد حالة مستقلة عن الأخرى.
وتخضع دعوى الفسخ للقواعد العامة في القانون العادي لقانون لالتزامات والعقود وللمسطرتين التجارية والمدنية وتختص بالنظر فيها المحاكم التجارية (المادة 558، فقرة 2) التابعة لها مؤسسة التاجر الرئيسية أو المقر الاجتماعي للشركة( المادة 11 من القانون رقم 53.95 القاضي بإحداث المحاكم التجارية).

وبعد فسخ الاتفاق الودي فإن للمحكمة أن تثير تلقائيا فتح مسطرة من مساطر المعالجة في حق المقاولة المدينة، وذلك استنادا على مقتضيات المادة 563 سواء تعلق الأمر بالتوقف عن دفع الديون التي لم تكون موضوع الاتفاق، أو الديون التي كانت موضوع اتفاقية التسوية الودية حيث نصت على ما يلي: “يمكن فتح المسطرة بمقال افتتاحي للدعوى لأحد الدائنينن كيفما كانت طبيعة دينه، يمكن للمحكمة أيضا أن تضع يدها على المسطرة تلقائيا أو بطلب من النيابة العامة لا سيما في حالة عدم تنفيذ الالتزامات المالية المبرمة في إطار الاتفاق الودي المنصوص عليه في المادة 556”.
لكن ما يلاحظ عل هذه المادة (556 من م.ت) هو أن عدم تنفيذ الاتفاق الودي لا يؤدي حتما إلى فتح مسطرة من مساطر المعالجة لكون هذه المادة استعملت عبارة “يمكن للمحكمة” والتي تفيد الخيار بين فتح المسطرة من عدمه ، لتبقى للمحكمة سلطة تقدير مدى توافر شروط إحدى مساطر المعالجة، وما إذا كان عدم التنفيذ ناتج عن عدم القدرة على الأداء، وان المقاولة متوقفة عن الأداء أو الدفع، وكأنها وضعت يدها على المسطرة لسبب آخر غير عدم تنفيذ الاتفاق.

وهو ما يتضح من الحكم الصادر عن المحكمة التجارية بالرباط بتاريخ 2000/07/12 الذي جاء في حيثياته: “… وحيث إذا كانت مساطر معالجة صعوبات المقاولة تفتتح في حالة عدم تنفيذ الالتزامات المبرمة في إطار الاتفاق الودي فإنه من باب أولى تطبيقها في حالة استحالة إنجاز هذا الاتفاق الودي أصلا، خاصة وأن المصالح في هذه النازلة تؤكد استحالة وعدم جدوى تحقيق هذه المسطرة باعتبار أن المقاولة تراكمت عليها ديون كثيرة ومنها ديون الضرائب والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ، وان المقاولة فقدت ثلاث أرباع رأسمالها كما أنها لا يمكنها ممارسة نشاطها لاعتبار أن هذه الأخيرة لا يمكنها الحصول على صفقات طالما لم تحصل على شهادة تقدير براءة ذمتها من الضرائب وديون الضمان الاجتماعي ،وهو ما لا يمكن للمقاولة القيام به بالنظر لحجم هذه الديون…”.

ومع أن المشرع لم ينظم كيفية وضع المحكمة بدها تلقائيا على المسطرة، فإن المحاكم التجارية تحيل الملف على النيابة العامة بناء على هذا الطلب المقدم، وتبقى حالات الحكم تلقائيا بفتح المسطرة نادرة جدا، ومنها ما ذهبت إليه المحكمة التجارية بطنجة في حكم صادر عنها بتاريخ 2001/11/21 معللة ذلك كما يلي:
“… حيث أن الفصل 563 من مدونة التجارة يخول للمحكمة الحق في أن تضع يدها على المسطرة تلقائيا أو بطلب من النيابة العامة، وحيث أن المشرع المغربي لم يحدد مسطرة خاصة يتعين سلوكها في هذا الشأن، وهو ما يفيد أن للمحكمة الحق بالقيام بذلك وأن تسلك طريقا محدد، اللهم ما تعلق منه بالاستماع للمثلين القانونيين للشركة المقترح فتح المسطرة بشأنها، وهو أمرتعذر تحقيقه في نازلتنا لعدم حضور الممثل القانوني للشركة رغم التزام دفاعه بذلك….
وخلاصة القول أن مناعة الاتفاق الودي اتجاه الفسخ ونجاح مسطرة السوية الودية، متوقفان على مدى استحضار المصالح للطابع التفاوضي والرضائي للمسطرة أثناء استمرار الحياة الاقتصادية لمقاولته وتفهم المدين لحق الدائنين في استيفاء ديونهم.