الوظائف الخضراء ودورها في التخفيف من البطالة

لمياء الطريبق

باحثة في العلوم القانونية

يتأثر عالم الشغل بتدهور البيئة وتغير المناخ وبالانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون، كما تولد فرص للعمل وتختفي أخرى في مسار التنمية المستدامة، لهذا فإن القرن الواحد والعشرون يواجه مشكلتين أساسيتين، تكمن أولها في درء مخاطر تغير المناخ وتدهور الموارد الطبيعية، التي من شأنها تهديد نوعية حياة الأجيال الحالية والمستقبلية، وتتمثل الأخرى في تحقيق التنمية الاجتماعية والعمل اللائق للجميع[1].

لذا يتجه العالم نحو العمل على نشر “وظائف الياقات الخضراء” كمبادرة وخطة عمل دولية للتحول نحو وظائف تسهم في تقليص معدلات البطالة في أوساط الشباب وتخفف معدلات الفقر، والمغرب أكيد ليس استثناء من دول العالم، خاصة وأنه يعاني بشدة من مشكلة البطالة، لذا يجب عليه وضع استراتيجية للاستفادة من إيجابيات هذا النوع من الوظائف، ونتساءل هنا عن ملامح هذه الاستراتيجية والتي تتناسب مع خصوصيات ومتطلبات البلد، وهذا ما سنجيب عنه بتحديد ماهية الوظائف الخضراء (المحور الأول)، والتطرق لتجارب ناجحة في استحداثها (المحور الثاني)، واستراتيجية الوظائف الخضراء التي يمكن اعتمادها في المغرب (المحور الثالث).

المحور الأول: مفهوم الوظائف الخضراء

تسمى الوظائف المدنية التي تتم في المكاتب من دون أعمال ثقيلة، كأعمال الإدارة وشؤون الموظفين والمبيعات مع وجود الأجر الشهري “وظائف الياقات البيضاء”، وتسمى “وظائف الياقات الزرقاء” الوظائف التي تستوجب ارتداء زي خاص للعمل بلون ازرق، وتنصب على العمل اليدوي المهني كالبناء والصيانة والميكانيك والتصنيع، مع وجود الأجر اليومي أو بالساعة، أما “وظائف الياقات الوردية” فتخص المرأة للعمل في أماكن آمنة.

فيما تعتبر “الوظائف الخضراء” إحدى مقاربات “الاقتصاد الأخضر” الذي يرتكز مفهومه على إعادة تشكيل وتصويب الأنشطة الاقتصادية لتكون أكثر مساندة للبيئة والتنمية الاجتماعية[2]، بحيث تشكل طريقا نحو تحقيق التنمية المستدامة، ويقصد بها تلك التي تكفل تخفيف الأثر البيئي للشركات والقطاعات الاقتصادية، وتؤدي إلى تخفيض مستوياته إلى حدود يمكن تحملها”[3]، إذ تعرفها منظمة العمل الدولية[4] بأنها “عمل لائق من شأنه أن يخفف من آثار نشاط الشركات والقطاعات الاقتصادية على البيئة، وخفضها إلى مستويات مستدامة، أو أنها عمل يتضمن وظائف تحافظ على البيئة وتعيد تأهيلها”[5].

وهكذا تركز الوظائف الخضراء على سمات المسؤولية الاجتماعية وحماية البيئة والاستمرارية، وعلى التقنيات البديلة وكفاءة استخدام الطاقة والوعي البيئي، إضافة إلى ذلك، فهي تساهم في حماية النظم البيئية والتنوع الحيوي، وتخفيف استهلاك الطاقة والموارد والمياه من خلال استراتيجيات عالية الكفاءة، وإرساء اقتصاد خال من الكربون ويعمل على تجنب إنتاج جميع أشكال النفايات وبشكل دائم، ومن أمثلة هذه الوظائف تلك التي توجد في قطاعات كثيرة من الاقتصاد، كالطاقة وإعادة تدوير المخلفات، وفي الزراعة والتشييد والنقل.

المحور الثاني: أهم المبادرات التي أسست للوظائف الخضراء

تعد المبادرة التي أطلقتها منظمة العمل الدولية في مارس 2007 بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة والمنظمة الدولية لأرباب الأعمال والاتحاد الدولي لنقابات العمال[6] أهم المبادرات التي أسست للوظائف الخضراء، وقد أثمرت جهود الشركاء الأربعة في هذه المبادرة إصدار تقرير بعنوان “الوظائف الخضراء: نحو العمل اللائق في عالم مستدام أقل إنتاجا للكربون”، وهذا البرنامج العالمي ينشط حاليا في 15 دولة عضو[7] وفي عدة قطاعات، في كل من أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا، وتتراوح مبادرات هذا النوع من الوظائف بين دعمها في مجال الوقود الإحيائي والإسكان الاجتماعي في البرازيل، وفي الزراعة المستدامة والسياحة البيئية في كوستاريكا، وفي توليد الوظائف الخضراء في قطاع البناء في جنوب أفريقيا، وتدعيم تنظيم المشاريع الخضراء من قبل الشباب في كينيا وتنزانيا وأوغندا، وبين دعم استحداث فرص العمل الخضراء في مجال الطاقة والصناعة الثقيلة وإعادة التدوير في الصين، وفي تحقيق التنمية المحلية والطاقة المتجددة في الهند[8].

كما تقوم منظمة العمل الدولية بإجراء دراسة عالمية تعتمد فيها على دراسات الحالة لعدد من الدول، لتقييم المهارات المطلوبة في مجال استحداث الوظائف الخضراء في قطاعات مختلفة، وإصدار توصيات حول السياسة الخاصة بتنمية المهارات واستراتيجيات التدريب، ودعما لهذا المسار، أطلق المكتب الإقليمي للدول العربية التابع لمنظمة العمل الدولية عددا من المبادرات الخاصة بالوظائف الخضراء التي من شأنها أن تسهم في استحداث فرص العمل، وتحقيق الاستدامة البيئية والحد من الفقر في هذه البلدان، ففي سوريا مثلا، تعاون المكتب الإقليمي للدول العربية مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في إطار برنامج الأمم المتحدة المشترك الخاص بتنمية المجتمع لتحقيق أهداف التنمية للألفية، بهدف دعم الوظائف الخضراء في قطاع الطاقة الشمسية عبر تنمية مهارات الشباب في بعض القرى الأكثر فقرا في البلاد[9].

كما تجري منظمة العمل الدولية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي دراسة في لبنان لتقييم إمكانية استحداث هذه الوظائف في القطاعات الاقتصادية الأساسية، مثل الطاقة والبناء والزراعة وإدارة النفايات، وتوفر هذه التقييمات بيانات حول الوضع الحالي لهذه القطاعات وإمكانية خضرنتها، كما تحدد العدد الحالي للوظائف الخضراء الموجودة في كل قطاع، وتوفر تقديرات لعدد الوظائف المحتملة التي يمكن استحداثها أو خسارتها في حالة إتمام تطبيق سياسات خضراء، والمشاكل المحتملة التي تحول دون تطبيق السياسات المرتبطة باستحداث فرص العمل من هذا النوع[10].

ويمكن الاستشهاد بتجربة الهند في هذا المجال إذ صدر “قانون ضمان التشغيل الريفي القومي” لسنة 2006، وهو بمثابة نظام حماية اجتماعية وأمن معيشي لفقراء الريف، يستثمر في الحفاظ على رأس المال الطبيعي وتجديده، يتخذ هذا القانون صورة برنامج أشغال عامة، يضمن على الأقل 100 يوم عمل مدفوع الأجر في السنة لكل أسرة يتطوع منها أحد أفرادها البالغين ضمن هذا البرنامج، إذ تضاعف حجمه أربع مرات منذ بدايته، وبلغت استثماراته سنة 2010 نحو 8 مليار دولار أمريكي، وقد تم استحداث 3مليارات من أيام العمل، واستفادت منه59 مليون أسرة، وتخصص من هذه الاستثمارات نحو %84 للحفاظ على المياه وتنمية الأراضي ونظم الري[11].
لذلك وعلى الرغم من بعض الصعوبات التي تواجه تطبيق برامج التوظيف الأخضر إلا أنها تثبت فاعليتها وإمكانية تكرارها وتوسيعها.

المحور الثالث: استراتيجية للوظائف الخضراء في المغرب

الوظائف الخضراء هي فرص عمل جديدة تسهم في تقليل معدلات البطالة التي عمقتها الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، لذا على المغرب أن يسير في هذا الطريق، وعلى خطى تجارب الدول التي سبق وتطرقنا لها، لتشجيع خلق الوظائف الخضراء من خلال وضع استراتيجية تركز على:

خلق وتشجيع ابتكار أنشطة تصنف ضمن الوظائف الخضراء.
تشجيع وتقديم التحفيزات للاستثمار في الوظائف الخضراء.
إنشاء ورشات تدريب العمال على إمداد وتشغيل وصيانة الأجهزة التي تعمل بواسطة الطاقات البديلة كسخانات المياه العاملة على الطاقة الشمسية، سعيا إلى زيادة قابلية الاستخدام في هذا القطاع، ولتحسين معايير العيش لهؤلاء العمال وعائلاتهم.

تشجيع البناء الموفر للطاقة والمحافظ على البيئة، وهو ما يتطلب عمالا مؤهلين مما سيؤدي إلى زيادة الطلب على العمالة في قطاع البناء.

تنظيم قطاع التخلص وتدوير النفايات، فلن يصبح التدوير نشاطا أخضر فعليا إلا مع إضفاء السمة المنظمة عليه، خاصة بالنسبة للذين يشتغلون بشكل عشوائي، وهناك أمثلة على ذلك في البرازيل وكولومبيا وكسريلانكا، حيث تم تنظيم الناس الذين يعملون في إعادة التدوير في تعاونيات تستحدث فرصا مهمة للإدماج الاجتماعي، وتحسن ظروف العمل والسلامة والصحة وتحصيل الإيرادات.

خاتمة:

تهدف الوظائف الخضراء إلى الدمج بين أهداف الحد من الفقر وتلك الخاصة بتقليص الوقع البيئي للمنشآت والقطاعات الاقتصادية لتصل إلى مستويات مستدامة، لذلك يمكن الاعتماد عليها في تقليص نسبة البطالة في المغرب، وهي كذلك مناسبة للترويج للطاقة النظيفة والمساهمة في محاربة التلوث والمحافظة على الموارد الطبيعية، لذا على المغرب أن يستغل هذا المفهوم على أحسن وجه، بواسطة استراتيجية فعالة تراعي الخصوصيات المغربية.

الهوامش
[1] – مكتب العمل الدولي، مجلس الإدارة، الدورة 310، يناير –مارس 2911، الوثيقة رقم 2/312. GB، ص:6.
[2] – رلي مجدلاني، “إدارة التنمية المستدامة والإنتاجية”، الأمم المتحدة، اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، (15/12/2010)، ص: 5.
[3]- الأمم المتحدة، الجمعية العامة، اللجنة التحضيرية لمؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، “التقدم المحرز حتى تاريخه والثغرات المتبقية في تنفيذ نتائج مؤتمرات القمة الرئيسية في ميدان التنمية المستدامة، وتحليل المواضيع المطروحة في المؤتمر” ، (17-19 ماي 2011)، A/CONF.216/PC/2، ص: 25.
[4]- منظمة العمل الدولية (ILO)، تأسست عام 1919 ، مقرها مدينة جنيف في سويسرا ، كردة فعل على نتائج الحرب العالمية الأولى، وتأثرت بعدد من التغييرات والاضطرابات على مدى عقود، وتعتمد على ركيزة دستورية أساسية، وهي أن السلام العادل والدائم لا يمكن أن يتحقق ألا إذا استند على العدالة الاجتماعية ، حددت الكثير من العلامات المميزة للمجتمع الصناعي، مثل تحديد ساعات العمل في ثماني ساعات، وسياسات أخرى تتعلق بالسلامة في مكان العمل والعلاقات الصناعية السليمة.
[5]- الأمم المتحدة، المكتب الإقليمي للدول العربية التابع لمنظمة الأمم المتحدة، “اعتماد الوظائف الخضراء لتعزيز توظيف الشباب في ست من القرى السورية المائة الأشد فقرا”، ورشة عمل من تنظيم منظمة العمل الدولية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتدريب العمال الريفيين على سخانات المياه العاملة على الطاقة الشمسية في محافظة حلب، (بيروت، 25–27 مارس 2011)، ص: 1.
[6] – اتحاد النقابات الدولي ITUC : أكبر اتحاد نقابات في العالم، تشكل في 1 نوفمبر 2006 بعد اندماج بين الاتحاد الدولي لنقابات العمال الحرة والاتحاد العالمي للعمل، جرى المؤتمر التأسيسي لاتحاد النقابات الدولي في فينا النمسا وسبقه مؤتمران لإعلان حل الاتحاد الدولي لنقابات العمال الحرة والاتحاد العالمي للعمل.
[7]- الأمم المتحدة، منظمة العمل الدولية، المكتب الإقليمي للدول العربية، “تقييم الوظائف الخضراء في لبنان، التقرير التوليفي”، بيت الأمم المتحدة، بيروت، يونيو 2011، ص: 2.
[8]- الأمم المتحدة، منظمة العمل الدولية، المكتب الإقليمي للدول العربية، “تقييم الوظائف الخضراء في لبنان، مرجع سابق، ص: 4.
[9]- الأمم المتحدة، المكتب الإقليمي للدول العربية التابع لمنظمة العمل الدولية، “اعتماد الوظائف الخضراء لتوظيف الشباب في ست من القرى السورية الأكثر فقرا”، مرجع سابق، ص: 1-2.
[10]- الأمم المتحدة، المكتب الإقليمي للدول العربية التابع لمنظمة العمل الدولية، “تقييم الوظائف الخضراء في لبنان، مرجع سابق، ص:4
[11] – مكتب العمل الدولي جنيف ” التقرير الخامس التنمية المستدامة والعمل اللائق والوظائف الخضراء” مؤتمر العمل الدولي، الدورة 102، 2013، ص: 72.