ماهية الوفاء بالتدخل :

نظم القانون المدني أحكام الوفاء من غير المدين في المواد من ٣٢٣ حتى ٣٢٧ ، واكتفى القانون المدني بأن أجاز الوفاء من الغير دون أن يفرض قبوله على الدائن، ودون أن يعمل على تشجيعه بتمكين الموفى من الحلول قانوناً محل الدائن في الدين والإفادة تبعاً لذلك من التأمينات والضمانات التي تكفله وتضمنه، وأعطى للمدين الذي حصل الوفاء عنه بغير إرادته الحق في أن يمنع الغير الذي وفى من الرجوع عليه بما وفاه متى أثبت أن له أية مصلحة في الاعتراض على الوفاء. لذلك تدخل القانون التجاري رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ ونظم أحكام الوفاء من غير المدين أي الوفاء بالتدخل في المواد من ٤٥٤ حتى ٤٥٨ ، وقام بتشجيع هذا الوفاء. حيث رتب على رفض الحامل الوفاء بالتدخل فقد حقه في الرجوع على كل من كانت ذمته تبرأ بهذا الوفاء، ورتب عليه أيضاً براءة ذمة الملتزمين اللاحقين للملتزم الذي حصل التدخل لمصلحته، وأحل الموفى محل الحامل فيما به من حقوق وما عليه من واجبات بحكم القانون. أنه يجوز قبول الكمبيالة بالتدخل، ويجوز أيضاً للغير الوفاء بقيمة الكمبيالة بالتدخل في جميع الأحوال التي يكون فيها لحاملها عند حلول ميعاد الاستحقاق أو قبل حلوله حق الرجوع على الملتزمين بها(المادة ٤٥٤/١ تجاري) وتظهر فائدة الوفاء بالتدخل في الحالة التي يكون فيها الموفى بالتدخل مديناً للملتزم الذي يتدخل لمصلحته حيث ينقضي الدينان بالمقاصة.

شروط الوفاء بالتدخل :

لا يرتب الوفاء بالتدخل أثاره إلا إذا توافرت الشروط الآتية :

١-أن يقع الوفاء بالتدخل من شخص غير ملتزم بدفع قيمة الكمبيالة :

يجب أن يصدر الوفاء بالتدخل من شخص غير موقع على الكمبيالة أي غير ملتزم التزاماً صرفياً بها، وبالتالي لا يعتبر الوفاء الصادر من أحد الموقعين على الكمبيالة وفاء بالتدخل، فلا يقع الوفاء بالتدخل من الساحب أو المسحوب عليه القابل أو أحد المظهرين أو الضامن الاحتياطي لأن هؤلاء ملتزمين أصلاً وفقاً لأحكام قانون الصرف بقيمة الكمبيالة، ولكن يجوز أن يقع الوفاء بالتدخل من المسحوب عليه غير القابل لأنه غير ملتزم بدفع قيمة الكمبيالة. والموفى بالتدخل قد يتدخل من تلقاء نفسه بقصد معاونة أحد معارفه أثناء تحرير احتجاج عدم الدفع وحرصاً منه على سمعته التجارية وقد يتدخل الموفى – وهو الوضع الغالب – بتكليف من أحد الموقعين على الكمبيالة تفادياً لمباشرة إجراءات الرجوع في مواجهته(1) والغير الأجنبي عن الكمبيالة قد يكون له مصلحة في الوفاء بالتدخل لمصلحة أحد الملتزمين فيها بدلاً من الوفاء البسيط للحامل، لأنه يكتسب بالوفاء بالتدخل جميع الحقوق الناشئة عن الكمبيالة(2).

٢-أن يقع الوفاء بالتدخل على مبلغ الكمبيالة بالكامل :

يشترط على الموفى بالتدخل أن يقوم بدفع مبلغ الكمبيالة بالكامل، وفي ذلك تنص المادة ٤٥٤/٢ على أنه “ويكون هذا الوفاء بأداء كل المبلغ الذي كان يجب على من حصل التدخل لمصلحته أداؤه” . فلا يجبر الحامل على قبول الوفاء بالتدخل إذا كان جزئياً واقعاً فقط على جزء من مبلغ الكمبيالة، هذا بخلاف الحال حينما يقوم المسحوب عليه بالوفاء الجزئي حيث يجبر الحامل على قبول هذا الوفاء لما له من تخفيف العبء على الملتزمين بضمان الوفاء بقيمة الكمبيالة والحامل لا يفيد من الوفاء بالتدخل إلا إذا كان هذا الوفاء يغنيه عن الرجوع على الضامنين.

٣-يجب أن يقع الوفاء بالتدخل على الأكثر في اليوم التالي لآخر يوم يجوز فيه عمل احتجاج عدم الوفاء :

لأنه حتى هذا التاريخ من الجائز أن يقوم المسحوب عليه بالدفع، لذلك يجب أن يقع الوفاء بالتدخل بعد استحقاق الكمبيالة، لأنه قبل ذلك لا يجوز للحامل الرجوع على المسحوب عليه للمطالبة بالوفاء، وحتى اليوم التالي لآخر يوم يجوز فيه عمل احتجاج عدم الوفاء، وفي ذلك تنص المادة ٤٥٤/٣ من قانون التجارة على أنه “ويجب أن يقع الوفاء على الأكثر في اليوم التالي لآخر يوم يجوز فيه عمل احتجاج عدم الوفاء”.

٤-أن يحدد الموفي بالتدخل الملتزم الذي تدخل لمصلحته :

لا يقع الوفاء بالتدخل إلا لمصلحة أحد الملتزمين بالكمبيالة، حيث يشترط أن يقع الوفاء بالتدخل لمصلحه الساحب أو أحد المظهرين أو المسحوب عليه القابل أو الضامن الاحتياطي، ويجب على الموفى بالتدخل بيان الشخص الذي تدخل لمصلحته بكتابة مخالصة على الكمبيالة يعين فيها من حصل الوفاء لمصلحته، فإذا خلت المخالصة من هذا البيان اعتبر الوفاء بالتدخل حاصلاً لمصلحة الساحب، وافترض ذلك الهدف منه التخفيف على الموقعين على الكمبيالة. وفي ذلك تنص المادة ٤٥٧/١ من قانون التجارة على أنه “يجب بيان الوفاء بالتدخل بكتابة مخالصة على الكمبيالة يعين فيها من حصل الوفاء لمصلحته. فإذا خلت المخالصة من هذا البيان اعتبر الوفاء بالتدخل حاصلاً لمصلحة الساحب”. وحتى يثبت الموفى بالتدخل وفائه بقيمة الكمبيالة يجب عليه تسلم الكمبيالة والاحتجاج إن تم عمله لكي يستطيع الرجوع بما أوفاه على من له حق الرجوع عليه. وفي ذلك تنص المادة ٤٥٧/٢ من قانون التجارة على أنه “يجب تسليم الكمبيالة والاحتجاج إن عمل للموفى بالتدخل”.

آثار الوفاء بالتدخل :

يترتب على الوفاء بالتدخل الآثار الآتية :

١- براءة ذمة الملتزمين بالكمبيالة قبل الحامل :

يترتب على الوفاء بالتدخل براءة ذمة جميع الملتزمين في الكمبيالة قبل الحامل ويحق للموفي بالتدخل الرجوع على الملتزمين في الكمبيالة ولكن مركزه في الرجوع يتحدد بمركز الملتزم الذي تدخل لمصلحته، إذ ليس له أن يرجع إلا على الملتزم الذي تدخل لمصلحته والملتزمين السابقين عليه دون الملتزمين اللاحقين له، وإذا كان الموفى قد تدخل عن الساحب برئت ذمة جميع الموقعين على الكمبيالة وكان للموفي الرجوع على الساحب.وإذل تدخل الموصي لصالح أحمد المظهرين تبرأ ذمة المظهرين اللاحقين لمن حصل الوفاء لمصلحته، ولا يجوز للموفي بالتدخل تظهير الكمبيالة من جديد لأن الموفي بالتدخل لا يعد في حكم المظهر إليه، وفي ذلك تنص المادة ٤٥٨ من قانون التجارة في فقرتها الأولى على أنه “يكتسب من أوفي كمبيالة بطريق التدخل جميع الحقوق الناشئة عنها قبل من حصل الوفاء لمصلحته وقبل الملتزمين تجاه هذا الشخص بموجب الكمبيالة. ومع ذلك لا يجوز للموفي بالتدخل تظهير الكمبيالة من جديد”، وأضافت في الفقرة الثانية أنه “وتبرأ ذمة المظهرين اللاحقين لمن حصل الوفاء لمصلحته”.

٢- يحق للموفي بالتدخل الرجوع على من أوفي لمصلحته بدعوى شخصية قائمة على الوكالة إذا أوفى نيابة عنه أو الفضالة إذا كان غير ذلك:

وتقام هذه الدعوى وفقاً للقواعد العامة، هذا بالإضافة لحقه في الرجوع وفقاً لدعوى الحلول الصرفية وفقاً لأحكام قانون الصرف وفي هذه الحالة الأخيرة يلتزم الموفى بالتدخل بذات الواجبات والإجراءات التي كان يتعين على الحامل القيام بها وهي إعلان احتجاج عدم الدفع ورفع الدعوى في المواعيد المقررة قانوناً.

٣- تقدم أكثر من موفي للوفاء بالتدخل :

تنص المادة ٤٥٨/٣ من قانون التجارة على أنه “إذا تزاحم عدة أشخاص على الوفاء بالتدخل فضل من يترتب على الوفاء منه إبراء أكبر عدد من الملتزمين. ومن يتدخل للوفاء بالمخالفة لهذه القاعدة مع علمه بذلك يفقد حقه في الرجوع على من كانت ذمته تبرأ لو روعيت القاعدة”. قلنا أنه من مصلحة مديني أحد الملتزمين بالكمبيالة التدخل للوفاء بدلاً من الوفاء البسيط، لأن المدين يكتسب بالوفاء بالتدخل جميع الحقوق الناشئة عن الكمبيالة، لذلك فإنه من المتصور تزاحم أكثر من شخص من الغير للوفاء بالتدخل حيث تكون مصلحتهم في ذلك فإذا فرض وتقدم عدة أشخاص للوفاء بالتدخل، فإنه يفضل من يترتب على تدخله براءة أكبر عدد من الملتزمين بالكمبيالة، وبالتالي يتقدم من يتدخل لمصلحة المسحوب عليه القابل ويليه من يتدخل لمصلحة الساحب ثم المظهر الأول ثم المظهر الثاني وهكذا. وإذا تقدم لدفعها المسحوب عليه الأصلي وكان قد تم قبولها فإنه يتقدم على غيره. وإذا لم يراع هذا الترتيب في الأفضلية عند الوفاء بالتدخل وكان الموفى يعلم ذلك، فإنه يفقد حقه في الرجوع على من كانت ذمته تبرأ لو روعيت أحكام الترتيب المشار إليها.

___________________

1- سميحة القليوبي، الأوراق التجارية، الطبعة الثالثة ١٩٩٩ م ، دار النهضة العربية ، ص ٢٥٦ .

2- د/ مصطفى كمال طه، القانون التجاري، مؤسسة الثقافة الجامعية، طبعة3 ١٩٨، ص ١٨٩

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .