ما هي القرارات الإدارية السلبية؟

أثير- المحامي صلاح بن خليفة بن زاهر المقبالي

القرارات الإدارية هي وسيلة الجهات الإدارية في الدولة للتعبير عن إرادتها، وذلك يتضح من تعريف القرار الإداري الذي استقر عليه فقهاً وقضاء بأنه “إعلان الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إنشاء أو تعديل أحد المراكز القانونية متى كان ذلك ممكناً وجائزاً قانوناً وكان الهدف منه تحقيق المصلحة العامة، ويستوي أن يكون إعلان الإدارة لإرادتها صريحاً أو ضمناً” – يراجع في ذلك الاستئناف رقم (784) لسنة (13) ق.س في مجموعة المبادىء القانونية التي قررتها محكمة القضاء الإداري في العام القضائي الرابع عشر – ومن هذا التعريف يتضح بأن الإدارة عندما تريد أن تعبر عن إرادتها الملزمة تقوم بالتعبير عنها بالوسيلة القانونية المحددة لها للتعبير عن هذه الإرادة في صورة قرار إداري نهائي، وهذه الصورة في التعبير إما تكون بصفة صريحة بصدور قرار ما برقم معين أو أنها تلتزم حالة الصمت وتمتنع عن اتخاذ إجراء معين فيسمى قرارها في هذه الحالة بالقرار السلبي، وكل من القرارين تختص محكمة القضاء الإداري بالفصل في الطعون التي ترفع بشأنهما.

فالمادة (6) من قانون محكمة القضاء الإداري الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (91/99) والمعدلة بموجب المرسوم السلطاني رقم (3/2009) تنص على أن: “تختص محكمة القضاء الإداري – دون غيرها – بالفصل في الخصومات الإدارية ومنها الآتي: 1- الدعاوى التي يقدمها الموظفون العموميون بمراجعة القرارات الإدارية النهائية المتعلقة بسائر شؤونهم الوظيفية. 2- الدعاوى التي يقدمها ذوو الشأن بمراجعة القرارات الإدارية النهائية. … ويعد في حكم القرارات الإدارية المنصوص عليها في البندين رقمي (1، 2) من هذه المادة، رفض السلطات الإدارية أو امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه وفقا للقوانين واللوائح.”.

وقد يسأل سائل ما فائدة التفريق الذي وضعه المشرع العماني في المادة سالفة البيان للقرارت الإدارية فذكر في البندين (1، 2) القرارات الإدارية النهائية، وجاء في الفقرة الأخيرة وقال بأنه يعد في حكم هذه القرارات المواقف السلبية التي تتخذها الجهات الإدارية بشأن ما تلزمها به القوانين واللوائح، فقد عدّت هذه المواقف عبارة عن قرارات إدارية تقبل الطعن عليها أمام محكمة القضاء الإداري؟

وجواب هذا التساؤل مفصله معرفة المقصود بالقرار السلبي ثم التعريج على بيان فائدة وصف القرار بأنه سلبي، فبداية يعرّف القرار السلبي وفق ما ساقته المادة (6) في فقرتها الأخير بأنه الحالة التي تلتزمها الجهة الإدارية عن اتخاذ قرار أو رفضها اتخاذ قرار معين وكانت القوانين واللوائح تلزمها باتخاذ مثل هذا القرار، وفي هذا الشأن قالت محكمة القضاء الإداري العمانية بأن “مناط قيام القرار الإداري السلبي القابل للطعن عليه بدعوى عدم الصحة إنما هو امتناع الجهة الإدارية عن اتخاذ إجراء كان من الواجب عليها اتخاذه بحكم القانون أو اللوائح، أما إذ كانت القوانين أو اللوائح لا توجب عليها التدخل لاتخاذ قرار إداري في أمر معين، وإنما تركت لها الخيار في شأن التدخل إن شاءت فعلت وإن شاءت سكتت فإن امتناعها في هذه الحالة لا يشكل قراراً إدارياً سلبياً مما يجوز الطعن عليه وفقاً لنص الفقرة الأخيرة من المادة (6) من قانون محكمة القضاء الإداري، فإن التزامها الصمت إزاء ذلك الطلب لا يتولد عنه قرار إداري سلبي يقبل الطعن عليه بعدم الصحة أمام هذه المحكمة” – يراجع في ذلك الاستئناف رقم (224) لسنة (14) ق.س في مجموعة المبادىء القانونية التي قررتها محكمة القضاء الإداري في العام القضائي الرابع عشر –.

ومن منطلق ذلك يتضح بأن القرار السلبي مناط قيامه هو أن يكون هناك إلزام قانوني على الإدارة بأن تتخذ قراراً معيناً كأن يلزمها القانون بأن تمنح قطعة أرض لكل من تحققت به شروط المنح ووصله الدور لسحب القرعة، فإن امتناعها عن تمكينه من سحب القرعة وإدراج اسمه ضمن الذين يدخلون القرعة يعد قراراً سلبياً نهائياً يقبل الطعن عليه أمام محكمة القضاء الإداري، أما إذا لزمت الصمت ولم تكن القوانين تلزمها باتخاذ قرار معين أو أن القانون ترك لها الخيار في اختيار متى تصدر القرار فإنه بذلك لا يوجد قرار سلبي يجوز الطعن عليه ومثال ذلك كأن يتقدم شخص إلى إحدى الجهات الإدارية لتعيينه في وظيفة شاغرة لديها، فتلتزم الإدارة الصمت، ولا ترد عليه؛ فإن امتناعها هذا لا يعد قراراً إدارياً سلبياً يقبل الطعن عليه وذلك بحسبان أن التعيين على الوظائف العامة هو سلطة تقديرية للجهات الإدارية تقتضيه حاجات العمل وظروف المرفق العام، فالإدارة هي وحدها التي خولها المشرع سلطة اختيار الوقت المناسب لإصدار قرار التعيين على الوظيفة ومنحها في ذلك سلطة تقديرية واسعة.

ومن جانب آخر فإن القرار السلبي متى ما تحقق فإنه يأتي على وجهين أولهما أن ترفض الجهة الإدارية إصدار قرار كان من الواجب عليها إصداره، وهنا نكون أمام تعبير صريح بالرفض لإصدار القرار، والوجه الثاني يكون في صورة التزامها حالة الصمت وعدم اتخاذ أي إجراء، في حين أن القوانين واللوائح تلزمها في هذه الحالة أن تقوم بإصدار قرار.

ونعود إلى التساؤل الذي طرحنها سلفاً عن الفائدة العملية من هذا التقسيم للقرارات الإدارية ونعت القرارات بأنها سلبية، فالفائدة من اعتبار القرار بأنه سلبي تكمن في عدم تقيد هذا النوع من القرارات بالمواعيد والإجراءات التي قررتها المادة (9) من قانون محكمة القضاء الإداري الذي أشرنا إليه سلفاً، والتي نصت على: “… كما لا تقبل الدعاوى المنصوص عليها في البندين رقمي (1 ، 2) من المادة (6) إذا قدمت رأسا إلى المحكمة قبل التظلم إلى الجهة الإدارية التي أصدرت القرار أو إلى الجهة الرئاسية. ويقدم التظلم خلال ستين يوما من تاريخ إخطار صاحب الشأن بالقرار أو علمه به علما يقينيا، ويجب البت في التظلم خلال ثلاثين يوما من تاريخ تقديمه، ويعد مضي الثلاثين يوما المذكورة دون أن تجيب عنه الجهة المتظلم إليها بمثابة رفضه.

وترفع الدعوى خلال ستين يوماً من تاريخ إخطار المتظلم بنتيجة البت في تظلمه، أو من تاريخ انقضاء الثلاثين يوماً المقررة للبت في التظلم دون أن تجيب عنه الجهة المتظلم إليها. وترفع الدعوى في الحالات المنصوص عليها في البند (3) من المادة (6) خلال ستين يوماً من تاريخ إخطار صاحب الشأن بالقرار أو علمه به علما يقينيا.”،

وما يجب ملاحظته أنه ليس نوعي القرار السلبي لا يتقيدان بالمواعيد المقررة في هذه المادة فالقرار السلبي الذي يكون في صورة الرفض يتقيد بهذه الإجراءات والمواعيد فيجب التظلم منه وانتظار فترة الرد على التظلم ثم إقامة الدعوى طعناً عليه، إذ هو ولو كان قراراً سلبياً إلا أن التعبير عنه جاء بصورة صريحة بقرار صريح فإن دعوة الإدارة إلى مراجعة هذا القرار أولى قبل طرق باب المحاكم طعناً عليه، والحالة الوحيدة في القرارات السلبية التي لا تتقيد بالمواعيد هي عندما يكون القرار السلبي في صورة التزام الإدارة حالة الصمت أو الامتناع عن اتخاذ القرار الواجب عليها اتخاذه فقط، وذلك بحسب ما استقرت عليه أحكام القضاء الإداري تطبيقاً لصحيح الغاية التي قصدها المشرع من نص المادة (6) سالفة البيان، إذ ” العبرة في احتساب مواعيد الدعوى إنما تكون بتاريخ التظلم الأول حفاظاً منها على استقرار الوضعيات والمراكز القانونية وتجنباً لإطالة أمد النزاع، ولا يتسثنى من هذا المبدأ إلا القرارات السلبية بالامتناع التي يجوز تكرار التظلمات بشأنها ولا يترتب عن ذلك انقضاء مواعيد الطعن فيها ما دامت حالة الامتناع قائمة في جانب الجهة الإدارية المعنية” – يراجع في ذلك الاستئناف رقم (445) لسنة (14) ق.س في مجموعة المبادىء القانونية التي قررتها محكمة القضاء الإداري في العام القضائي الرابع عشر –.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت