مبادئ توجيهية بشأن الحق في المساعدة الإنسانية*

 

اعتمدت من قبل مجلس إدارة معهد سان ريمو الدولي للقانون الدولي الإنساني في دورته المنعقدة في نيسان/أبريل 1993

تصدير
لم يزل القانون الدولي الإنساني يغتني منذ نشأته في القرن التاسع عشر بمفاهيم وقواعد جديدة. وليس هناك ما يدعو لتلخيص هذا التطور التاريخي المعروف لنا تماما في هذه العجالة. كل ما في الأمر أن السبب الرئيسي لهذا التطور يرجع إلي أن عددا كبيرا من المبادئ المهمة قد تغيرت في الحالات الخاضعة لهذا الفرع من القانون الدولي. وهذه المبادئ الجديدة هي مبادئ متنوعة للغاية، بيد أن المبادئ الأساسية الأكثر تأثيرا هي علي الأخص المبادئ التالية الذكر: تسيير العمليات العسكرية، وتصرف الدول علي الصعيد السياسي، وتطور بنية المجتمع الدولي والمفاهيم القانونية الدولية، وابتكار تكنولوجيات مختلفة جديدة. ومن أجل أخذ هذه التغييرات بعين الاعتبار أو التكيف بها، تطلب الأمر تعديل المبادئ الأولية للقانون الدولي الإنساني التي لم تعد مناسبة في بعض الأحيان، بل تطلب الأمر ابتكار مفاهيم جديدة لضمان التطبيق الفعلي للقواعد المقررة والمتبعة. بيد أن هذه التعديلات والابتكارات يجب أن تراعي علي الدوام وبكل دقة المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني التي تظل ثابتة، ويتوقف وجوده عليها بالذات، مهما كانت تغيرات الظروف والأحوال.
ومن بين هذه المبادئ مبدأ الحفاظ علي الحياد المطلق، إذا كان العمل الإنساني يستلزم ضمنا مساعدة ضحايا النزاعات المسلحة. ويستهدف هذا المبدأ التزام الحياد وعدم التحيز إزاء أطراف النزاع، والعزم علي تفادي أي تحيز سياسي. غير أنه ليس من السهل تطبيق هذا المبدأ كما يبدو للوهلة الأولي، لأن القانون الدولي الإنساني قد يتعارض مع بعض الاتجاهات السياسية المتناقضة.
إن المجتمع الدولي مضطرب اليوم أشد الإضراب بسبب النزاعات المسلحة ذات الطابع الإثني والطابع المماثل، ويلتمس تدخلا إنسانيا للتخفيف من حدة المعاناة التي يعجز عنها الوصف، والتي تلم بالضحايا المدنيين الأبرياء. وغالبا ما يكون الوضع القانوني لأطراف النزاع مبهما، حسبما تكون بعض الدول أو بعض العصابات العسكرية المختلفة مشتركة في نزاع داخلي مسلح. ففي إمكان بعض القوات العسكرية أن تحول دون تسليم مواد الإغاثة، مما يستدعي حمايتها عسكريا لضمان وصولها إلي غايتها المقصودة. وقد قامت منظمة الأمم المتحدة في العديد من الحالات الحديثة العهد وبناء علي تفويضها بحفظ السلم بإرسال قوات تحت قيادتها لضمان تسليم المعونة الإنسانية بالفعل. وأثبتت هذه الممارسات الحديثة العهد من جديد مفهوم “الحق في المساعدة الإنسانية”. وتجدر الملاحظة في هذا الصدد أن أفضح انتهاكات الاتفاقيات الإنسانية قد اقترفت مؤخرا بخصوص منح المعونة الإنسانية.
وتبرز الاعتبارات الوارد ذكرها أعلاه تنوع العوامل التي قد تطرأ عندما يستدعي الأمر تقديم مواد الإغاثة الإنسانية الدولية في بعض الحالات التي لم ينص عليها بعد القانون الدولي، والتي تتطلب صياغة مفاهيم قانونية مناسبة تتجاوب مع هذه الحالات الجديدة. ولهذا الغرض بالذات، فإن المعهد الدولي للقانون الإنساني ينشد تعزيز تطور القانون الدولي الإنساني بحيث يمكن له التصدي للحالات الجديدة. ولذلك، حرر مجلس المعهد الدولي وثيقة صدرت بعنوان “مبادئ توجيهية بشأن الحق في المساعدة الإنسانية”، وأخذت بعين الاعتبار نتائج وتوصيات اجتماع المائدة المستديرة السابع عشر بشأن المشكلات الراهنة للقانون الدولي الإنساني، والذي أشرف المعهد الدولي للقانون الإنساني في سان ريمو (إيطاليا) علي تنظيمه تحت عنوان “تطور الحق في المساعدة” من 2 إلي 4 أيلول/سبتمبر 1992.

مبادئ توجيهية بشأن الحق في المساعدة الإنسانية
إن مجلس المعهد الدولي للقانون الإنساني،
إذ يعترف بأن آلام الإنسان الناجمة عن النزاعات المسلحة بكافة مظاهرها تقلق ضمير الإنسانية أشد القلق، وبأن الرأي العام العالمي يطلب بإلحاح اتخاذ التدابير الفعالة للتخفيف من حدتها قدر الإمكان،
وإذ يلاحظ التدابير المجدية التي يتخذها العديد من الوكالات الوطنية والدولية، ولا سيما اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومؤسسة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة، وكذلك المؤسسات الأخرى التابعة للأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، بغية تقديم المساعدة الإنسانية،
وإذ يضع في اعتباره غايات الأمم المتحدة، وخاصة الغايات الرامية إلي حفظ السلم والأمن الدوليين وتحقيق التعاون الدولي عن طريق إيجاد حلول للمشكلات الدولية ذات الطابع الاقتصادي أو الاجتماعي أو الفكري أو الإنساني، وتشجيع احترام حقوق الإنسان،
وإذ يري أن من الضروري تعزيز العمل الإنساني من أجل التخفيف من آلام الإنسان، والإسهام بهذا الشكل في تطوير التضامن الدولي ودعم العلاقات الودية بين الشعوب،
وإذ يؤكد أن المساعدة الإنسانية، سواء تعلق الأمر بمن يمنحها أو بمن يتسلمها، يجب أن تتمشى دائما مع المبادئ المرتبطة بكافة الأنشطة الإنسانية، أي بمبادئ الإنسانية والحيدة وعدم التحيز، ويجب ألا تتغلب الاعتبارات السياسية علي هذه المبادئ،
وإذ يؤكد ثانية اهتمام الإنسانية والمجتمع الدولي أساسا بضمان حماية ورفاهية البشر واحترام حقوق الإنسان والقانون الإنساني في الحالات الملحة،
وإذ يعترف بأن من الضروري اتخاذ تدابير جديدة من أجل إغاثة البشر علي نحو سريع وفعال في حالة وقوع الكوارث الطبيعة والتكنولوجية واندلاع أعمال العنف والنزاعات المسلحة، ومن أجل تطوير الحق في المساعدة الإنسانية علي الأخص،
وإذ يعترف بأن احترام سيادة الدول ومبدأي التضامن والتعاون الدولي هي عناصر أساسية للحق في المساعدة الإنسانية،
إذ يحرص علي تعزيز الحق في المساعدة الإنسانية،
يوصي باعتماد المبادئ التوجيهية الوارد ذكرها أدناه والمتعلقة بالحق في المساعدة الإنسانية:
المبدأ الأول
لكل إنسان الحق في الحصول علي مساعدة إنسانية مناسبة تضمن له حقه في الحياة والصحة والحماية من أي معاملة وحشية أو مذلة، وغير ذلك من الحقوق الضرورية لبقائه علي قيد الحياة ورفاهيته وحمايته في الحالات الملحة.
المبدأ الثاني
يفترض الحق في المساعدة الإنسانية ضمنا الحق في طلب هذه المساعدة وتسلمها، والحق في الاشتراك في تنفيذها عمليا.
يجوز للأشخاص الذين يتعرضون لحالة ملحة أن يتوجهوا إلي المنظمات الوطنية أو الدولية المختصة وغيرها من الجهات الواهبة المحتملة لطلب إغاثة إنسانية. ولا يجوز اضطهادهم أو معاقبتهم بسب تقديم هذا الطلب.
المبدأ الثالث
يجوز التماس الحق في المساعدة الإنسانية في الحالات التالية الذكر:
(أ) إذا لم تستوف المتطلبات الإنسانية الأساسية للفرد في أي حالة ملحة، بحيث أنه قد يكون من شأنه ترك الضحايا دون مساعدة أن تتعرض حياتهم للخطر وتنتهك كرامتهم انتهاكا خطيرا،
(ب) إذا استنفدت كافة الإمكانات المحلية والإجراءات الوطنية خلال مهلة معقولة، ولم تستوف بعض المتطلبات الحيوية أو لم تستوف تماما، بحيث أنه لا تتوفر أي وسيلة أخري لضمان تقديم مواد الإغاثة والخدمات الأساسية بسرعة إلي الأشخاص المعنيين.
المبدأ الرابع
تقع مسؤولية حماية ضحايا الحالات المسلحة ومساعدتهم في المقام الأول علي السلطات التي تقع في أراضيها الحالة الملحة التي تسبب عنها أصلا متطلبات الإغاثة الإنسانية.
المبدأ الخامس
يحق للسلطات الوطنية والمنظمات الوطنية والدولية التي ينص نظامها الأساسي علي إمكانية تقديم المساعدة الإنسانية، كاللجنة الدولية للصليب الأحمر ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمؤسسات الأخرى التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية النزعة، أن تقدم هذه المساعدة إذا استوفيت الشروط المنصوص عليها في هذه المبادئ. ويجب علي الدول ألا تعتبر تقديم المساعدة كعمل عدائي أو كتدخل في شؤونها الداخلية. كما يجب علي سلطات الدول المعنية أن تقدم المعونة عند ممارسة حقوقها السيادية لكي يمكن تقديم المساعدة الإنسانية إلي سكانها
المبدأ السادس
من أجل ضمان ممارسة الحق في المساعدة الإنسانية، من الضروري السهر علي تمكين الضحايا من الوصول إلي الجهات الواهبة المحتملة، وعلي تمكين المنظمات الوطنية والدولية المختصة والدول والجهات الواهبة الأخرى من الوصول إلي الضحايا فور قبول عرض مساعدتها.
وفي حالة رفض العرض، أو رفض الوصول إلي الضحايا بعد قبول عرض المساعدة الإنسانية، يجوز للدول والمنظمات المعنية أن تتخذ كافة الإجراءات الضرورية لضمان الوصول إلي الضحايا، وفقا للقانون الدولي الإنساني والصكوك النافذة بشأن حقوق الإنسان وهذه المبادئ.
المبدأ السابع
يجوز لهيئات الأمم المتحدة المختصة والمنظمات الإقليمية المختصة أن تتخذ التدابير الضرورية، بما في ذلك التدابير الجبرية، وفقا لتفويضاتها، إذا قاسي بعض السكان عذابات خطيرة وجسيمة وطويلة الأمد من شأن المساعدة الإنسانية أن تخفف من حدتها. ويجوز تطبيق هذه التدابير إذا رفض أي عرض دون مبرر، أو إذ تعرض منح المساعدة الإنسانية لصعوبات وعقبات خطيرة.
وإذا اتخذت هيئات الأمم المتحدة تدابير جبرية لأسباب غير إنسانية الطابع، وجب احترام الحق في المساعدة الإنسانية، وتعين علي الأخص استثناء الموارد اللازمة لتلبية المتطلبات الإنسانية للسكان من هذه التدابير.
المبدأ الثامن
إذا اتخذت هيئات الأمم المتحدة و/أو المنظمات الإقليمية المختصة تدابير جبرية في حالة تقديم المساعدة الإنسانية، وجب علي هذه الهيئات والمنظمات أن تسهر علي عدم تحويل هذه المساعدة لأغراض سياسية وعسكرية و/أو لأي أغراض مماثلة أخري، وتحرص علي احترام وتطبيق مبادئ الإنسانية والحيدة وعدم التحيز بلا تحفظ.
المبدأ التاسع
يجوز أن تتضمن المساعدة الإنسانية كافة موارد الإغاثة اللازمة لبقاء الضحايا علي قيد الحياة، مثل الموارد الغذائية والماء والأدوية والأدوات والمعدات الطبية والمخابئ الأولية والملابس والخدمات، ولا سيما الخدمات والأبحاث الطبية، والمساعدة الدينية والروحية والدفاع المدني، وفقا للمهمات المحددة في القانون الدولي الإنساني.
المبدأ العاشر
علي كافة السلطات المعنية أن تمنح التسهيلات المطلوبة لضمان تقديم المساعدة الإنسانية.
وعلي كافة السلطات المعنية أن تسمح بمرور البضائع المخصصة للإغاثة الإنسانية، وكذلك بمرور الموظفين المكلفين بإرسالها. ويحق لها أن تفرض أي ترتيبات تقنية لأغراض تنفيذ هذه العمليات.
ويجوز إرسال المساعدة الإنسانية عند الضرورة وفقا لخطوط سير يطلق عليها اسم “الممرات الإنسانية” التي يجب علي السلطات المختصة للأطراف المعنية أن تحترمها وتحميها، والتي تخضع عند الضرورة لسلطة الأمم المتحدة.
المبدأ الحادي عشر
يحدد نظام الموظفين المشتركين في عمليات المساعدة الإنسانية وحمايتهم وفقا لقواعد القانون المطبق في هذا الشأن. وينطبق ذلك بوجه خاص علي موظفي الأمم المتحدة أو منظماتها المكلفين بتنفيذ أنشطة المساعدة الإنسانية، وعلي موظفي اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وموظفي المنظمات المهنية الإنسانية المقصد، وموظفي المنظمات الوطنية والدولية الأخرى الذين يشتركون في أنشطة المساعدة الإنسانية. ويجب أن يحدد نظام وحقوق والتزامات كافة هذه الفئات من الموظفين وفقا للتنظيم الوطني أو الدولي المناسب.
المبدأ الثاني عشر
يجوز للسلطات المعينة أن تمارس الرقابة الضرورية للتأكد من تمشي عملية الإغاثة أو المساعدة المقدمة مع القواعد المناسبة والأغراض المعلنة، شرط ألا تؤخر هذه الرقابة دون حق وصول المساعدة الإنسانية.
المبدأ الثالث عشر
علي المسؤولين الرئيسيين عن عمليات المساعدة الإنسانية أن ينسقوا جهود مختلف المشتركين في هذه العمليات، من أجل تحسين فعاليتها وتفادي ازدواجية العمل وتبديد الجهود.
المبدأ الرابع عشر
علي جميع المشتركين في عملية للمساعدة الإنسانية احترام هذه المبادئ وتطبيقها. ويجوز لهم إبرام أي اتفاق خاص ضروري في أي حالة من الحالات.
ويجب عدم تفسير هذه المبادئ علي أنها تمس بأي حال من الأحوال بالحقوق والالتزامات التي يحددها القانون الدولي النافذ حاليا، أو علي أنها تعدل هذه الحقوق والالتزامات.
_________________________
*المجلة الدولية للصليب الأحمر، السنة السادسة، العدد 34، تشرين الثاني/نوفمبر-كانون الأول/ديسمبر 1993، ص 472-478.
– في سبتمبر 1992، خصص معهد سان ريمو الدولي للقانون الدولي الإنساني اجتماعه السابع عشر بشأن المشكلات الراهنة للقانون الدولي الإنساني لمسألة “تطور الحق في المساعدة”. · واعتمد مجلس المعهد في دورته المنعقدة في نيسان/أبريل 1993 وثيقة عنوانها “مبادئ توجيهية بشأن الحق في المساعدة الإنسانية”، والتي أخذت فيها استنتاجات الاجتماع وتوصياته بعين الاعتبار.