السؤال

الرجاء مدّي بالآجال التي حددها القانون للردٌ من طرف شريكي نظرا لكوني وجدت مشتري لحصصي ،علما و قد تمّ اعلامه باشتراء مته الحصص عن طريق عدل تنفيذ في 27/06/2013 طبقا لمجلة الحقوق العينية التونسية.

وشكرا

الإجابة 

 رأيى الشخصى
شُفْعة
حَقّ الجار في تَملُّك العَقار المقصود بيعه جَبْرًا على المُشتري الَّذي لم يَحصل على موافقة مُسبقة منه بالشِّراء.
هنا من حق الشفيع أن يختصم البائع والمشترى فى المحضر وأن يدفع الثمن خلال 30 يوم من الاختصام .
الشفعة وفقا لمجلة الحقوق العينية التونسية.

ممارسة حق الشفعة
ممارسة حق الشفعة في ضوء تنقيح القانون عدد 29 لسنة 2006 المؤرخ في 15 ماي 2006

الفهرس
– المقدّمة
– الجزء الأوّل: ممارسة حقّ الشفعة في صورة الإعلام
– الفصل الأوّل: واجبات المشتري
– المبحث الأوّل: واجبات المشتري قبل ممارسة حقّ الشفعة
– الفقرة الأولى: واجب الإعلام
– الفقرة الثانيّة: إجراءات الإعلام
– المبحث الثاني: واجبات المشتري بعد ممارسة حقّ الشفعة
– الفقرة الأولى: واجبات المشتري أثناء ممارسة دعوى الشفعة
– الفقرة الثانية: واجبات المشتري بعد الحكم بالشفعة
– الفصل الثاني: واجبات الشفيع
– المبحث الأول: ممارسة دعوى الشفعة
– الفقرة الأولى: إجراءات قبل رفع الدعوى
– الفقرة الثانية: إجراءات رفع الدعوى
– المبحث الثاني: حلول الشفيع إزاء البائع محلّ المشتري
– الفقرة الأولى: النظام القانوني للحلول
– الفقرة الثانية: الآثار المترتبة عن الحلول
– خلاصة الجزء الأول
– الجزء الثاني: ممارسة حقّ الشفعة في صورة تعذّر الإعلام
– الفصل الأوّل: ممارسة حقّ الشفعة في العقارات المسجلة الخاضعة لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم
– المبحث الأول: مجال المفعول المنشئ للترسيم
– الفقرة الأولى: مفهوم المفعول المنشئ للترسيم
– الفقرة الثانية: نطاق تطبيق مبدأ المفعول المنشئ للترسيم والإجراءات المتصلة به
– المبحث الثاني : بداية سريان آجال ممارسة حق الشفعة
– الفقرة الأولى : يوم ترسيم العقد بالسجل العقاري
-الفقرة الثانية : الطبيعة القانونية للترسيم بالسجل العقاري
– الفصل الثاني : ممارسة حق الشفعة في العقارات غير الخاضعة للمفعول المنشئ للترسيم
– المبحث الأول : النظام القانوني للعقارات غير الخاضعة للمفعول المنشئ للترسيم
– الفقرة الأولى : الرسوم المجمدة
– الفقرة الثانية: العقارات غير المسجلة
– المبحث الثاني: بداية سريان آجال ممارسة حقّ الشفعة
– الفقرة الأولى: يوم تسجيل العقد بالقباضة المالية
– الفقرة الثانية: الطبيعة القانونية للتسجيل بالقباضة الماليّة
– خلاصة الجزء الثاني
– الخاتمة

المقدّمة

يعتبر المجتمع وحدة، يتجمّع فيها الأشخاص للعيش والعمل ديدنهم النظام وضمان حقوقهم، ومن الحقوق التي يتوق كلّ شخص لحمايتها نذكر حقّ الملكيّة.

ويرتبط حقّ الشفعة ارتباطا وثيقا بحقّ الملكيّة الذي وجد منذ وجود الإنسان على وجه الأرض، دلك أنّ الملكيّة تتفق وغريزة الإنسان في تملّك الأشياء بل هي استجابة طبيعية لهذه الغريزة التي ظلّت تتطوّر وتترعرع معه مع تغيّر وتطوّر طريقة الاكتساب والتملّك، فكانت الحاجة ملحّة إلى العمل على وضع حدّ لهذه التصرّفات التي من شأنها أن تمسّ بحقوق الغير، وذلك بإقرار قواعد قانونيّة تنظّم هذا المجتمع.

وحماية حقوق الأفراد وممتلكاتهم من البديهات التي جعل منها التشريع الإسلامي الحنيف أهمّ الركائز الأساسيّة التي يقوم عليها الدّين الإسلامي.

فالتملك هو حقّ كل فرد في المجتمع وهو حقّ أقرّه القانون وسعى إلى تمكين كل فرد من التمتّع به بشرط توفر الشروط اللازمة لممارسة هذا الحقّ وذلك من خلال سنّ القواعد القانونيّة الضروريّة للتمتّع بهذا الحقّ.

والتملّك قد يحصل بعوض كالبيع، أو بدونه كالهبة والوصيّة سواء كان العقد بالتقاء إرادتين أو بطريق الجبر به بإرادة فردية شرعيّة قانونيّة، وتعتبر الشفعة أوضح مثال على ذلك، فهي تصرّف فردي سمح به التشريع في نطاق تحديد حقوق الأفراد وتصرّفاتهم.

فقداسة حقّ الملكيّة، لا تعني إطلاقيّته، فقد أضفت عليه نزعة إجتماعيّة ووضعت عليه العديد من القيود التي تحدّ من سلطة المالك .

والشفعة لغة، “بضمّ الشين وسكون الفاء لفظ مشتق من الشفع وهو الضمّ ضدّ الوتر، ويقال شفع الرجل شفعا إذا كان فردا فصار له ثان، والشفيع هو الآخذ بالشفعة، يضمّ حصّة غيره إلى حصّته فتصير شفعا بعد أن كانت وترا” . وجاء تعريف الشفعة إصطلاحا في الفقه الإسلامي وعلى لسان أبرز أيمة المذهب المالكي محمد بن عرفة بأنّها “استحقاق شريك أخذ مبيع شريكه بثمنه” .

وقد عرفها المشرّع التونسي بالفصل 103 من م.ح.ع. بأنّها: “حلول الشريك محلّ المشتري في التملك بمبيع شريكه في الأحوال وبالشروط المنصوص عليها بالفصول الآتيّة”.

ويسمّى من له حقّ الشفعة “الشفيع” والعقار الذي تعلّق به هذا الحقّ “المشفوع فيه” والذي وجبت به الشفعة “المشفوع به”. وتتميّز الشفعة بطابعها الاستثنائي لأنّها بمثابة القيد الذي يحدّ من حريّة التصرّف في الملكيّة فهي عبارة عن “إحالة جبريّة وقانونيّة لعقد البيع” كما أنّها لا تتسلّط إلاّ على العقارات. وهو ما يميّزها عن بعض المؤسسات الشبيهة بها كحقّ الأولوية في الشراء من ناحيتين على الأقلّ، ففي حين تمارس الشفعة من مالك مناب مشاع بعد حصول البيع الصحيح، يمارس حقّ الأولويّة في الشراء من قبل متسوّغ العقار قبل حصول البيع حيث يلزم القانون مالك العقار الذي يرغب في بيعه بأنّ ينبّه على من يتمتّع بحقّ أولويّة شرائه قبل التفويت فيه.

ومن جهة أخرى تؤدّي الشفعة إلى حلول الشريك محلّ المشتري، أمّا حقّ أولويّة الشراء فيمنح المستفيد منه حقّ التعاقد مباشرة مع المالك قبل إبرام البيع مع أي شخص آخر. إلاّ أنّ حقّ الشفعة وحقّ الأولويّة يفضيان إلى نتيجة واحدة وهي حلول المنتفع بهذه الحقوق محلّ المشتري .

وللشفعة العديد من المزايا، فالمشرّع بإقراره حقّ الشفعة أراد من ناحيّة منع الضرر الذي يسبّبه الشيوع وحماية الشركاء من دخول شخص أجنبي للعقّار المشترك قد يتعذر عليهم معايشته والتصرّف معه في الملك المشترك . ومن ناحية ثانيّة ترمي الشفعة إلى منع تجزئة العقارات وتشتيتها إلى قطع صغيرة لدرجة يصعب معها مواصلة العمل فيها وهو ما ينعكس بدوره على التطوّر الاقتصادي والعقاري.

وتمارس الشفعة في إطار عقد البيع العقاري بنوعيه، بيع العقار المسجّل وبيع العقار غير المسجّل الذي شهد ويشهد بدوره عديد التطوّرات، وذلك بتطوّر المفاهيم والمبادئ التي تحكم قواعده من ذلك الابتعاد تدريجيا عن اطلاقيّة مبدأ سلطان الإرادة والرضائيّة في العقود، ولم يكن المشرّع التونسي بعيدا عن هذا التطوّر بل واكبه وكرّسه في عديد المجالات القانونية وتحديدا في مادّة العقود ومنها عقد البيع العقاري الذي يرتبط التعامل به كأهمّ تصرّف قانوني بميادين أخرى لا أدّل على ذلك ميدان الإشهار العقاري وما يقتضيه ذلك من اتّباع قواعد وشكليّات معينة.

إنّ ما يطرأ على نظام الإشهار العقاري يؤثر بصفة مباشرة على مادة العقود ومنها أساسا عقد البيع العقاري الذي تمارس في إطاره الوحيد والأوحد الشفعة.

فالشفعة هي رخصة ، أو هي تقنيّة خاصّة لإكتساب الملكيّة بالحلول وذلك إمّا رضائيّا وإمّا قضائيّا عن طريق دعوى الشفعة . ولم ينّص المشرّع التونسي ضمن تعريفه للشفعة على أنّها “حقّ” وينسحب هذا الاستنتاج على كامل الفصول المواليّة المنظّمة لهذه المؤسسة وهو ما يؤدّي إلى القول أنّ الشفعة مؤسسة استثنائيّة في يد الشفيع باعتبارها لا تمارس إلاّ في صور معينة وحسب شروط مضبوطة والتي تؤول إلى تحقيق أثر رئيسي وهو الحلول.

وهكذا يتبيّن لنا أنّ الشفعة لا تقوم كرخصة مخوّلة للشريك إلاّ بحصول بيع وبالتّالي قبل حصول البيع، لا مجال للحديث عن هذه الرخصة القانونيّة.

وفي إطار إدخال المشرّع التونسيّ لجملة من التنقيحات على نظام الإشهار العقاريّ وكيفيّة التعامل بالعقار المسجّل ومنه بالخصوص إعادة إحياء وبعث مبدأ المفعول المنشأ للترسيم من جديد ورد توضيحه وتنقيحه للأحكام الإجرائيّة الخاصّة بالشفعة في علاقتها بعقد البيع لعقّار مسجّل وتحديدا تنقيح الفصل 115 من مجلّة الحقوق العينيّة.

ولعلّ ما دفع بالمشرّع التونسي إلى إدخال التحوير الجوهري على الأحكام الخاصّة بالشفعة وخاصّة الفصل 115 المشار إليه هو العلاقة الرابطة بين مؤسسة الشفعة من جهة ومبدأ المفعول المنشئ للترسيم من جهة ثانية باعتبار أنّ الإطار القانوني الوحيد لممارسة الشفعة هو عقد البيع، وهو من أهمّ التصرّفات القانونيّة التي ينطبق في إطارها مبدأ المفعول المنشأ، ولعلّ هذا التنقيح المدخل على الفصل 115 م.ح.ع. يعدّ تنقيحا جوهريا وهامّا باعتباره قلّل من مخاطر ومساوئ الغموض التشريعي لعديد النصوص القانونيّة المنظمّة للشفعة وهي أهميّة مرتبطة شديد الارتباط بأهميّة التنقيح المدخل على نظام الإشهار العقاري، من خلال إدخال مبدأ المفعول المنشئ للترسيم وبعثه إلى الحياة من جديد من خلال القوانين عدد 46 و47 و48 لسنة 1992 المؤرخة في 04 ماي 1992 والتي أقرّت مبدأ المفعول المنشئ للترسيم.

لكن تأجّل انطباق هذا المبدأ ثلاث مرّات تفصل بينها مدّة ثلاث سنوات ليصدر في الأثناء القانون عدد 30 لسنة 1998 المؤرخ في 20 أفريل 1998 ويقرّ نطاق التطبيق التدريجي للمبدأ، إذ ليس كلّ الرسوم تقبل التطبيق وذلك بسبب معضلة الجمود التي تعرقل ذلك، وأصبح المبدأ يشمل فقط الرسوم المقامة بعد سنة 1998 تنفيذا للأحكام الصادرة بالتسجيل والرسوم المحيّنة.

إلاّ أن عدم دخول القوانين الجديدة المكرّسة لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم حيز التنفيذ بصفة كليّة وإرجاء العمل بها كان قد انعكس بدوره على آجال القيام بالشفعة، ففي الحالات التي يقع فيها تطبيق هذا المبدأ على العقار المشفوع فيه تكون آجال الشفعة خاضعة لأحكام الفصل 115 من م.ح.ع. المنقّح بموجب قانون 1992 وفي الحالات التي لا يطبّق فيها المبدأ فإنّ آجال الشفعة تكون خاضعة لأحكام الفصل 115 قديم (قبل تنقيح1992).

واعتبارا لخطورة هذه الوضعيّة المزدوجة على حقوق الشركاء في الملك وضمانا لتحقيق هذه المؤسسة الأهداف التي شرّعت من أجلها باعتبارها سببا من أسباب الملكيّة، تدخّل المشرّع مرّة ثانيّة بمقتضى القانون عدد 29 لسنة 2006 المؤرخ في 15 ماي 2006 لتنقيح أحكام الفصل 115 من م.ح.ع.

وتضمن الفصل 115 جديد من م.ح.ع. توضيحا جديدا لممارسة حقّ الشفعة، يتمثّل في أنّ هذا الحقّ يمارس إمّا بموجب الإعلام أو بمقتضى الإشهار. وذلك حرصا من المشرّع على ضمان التوازن بين الحقوق المرتبطة بمالك الحصّة الشائعة من جهة، وبحق الشفيع في تخويله الممارسة الفعليّة لحقّه في الحلول محلّ المشتري في التملّك بمبيع شريكه من جهة أخرى. فأصبح المبدأ في ممارسة هذا الحقّ هو واجب إعلام الشفيع من قبل المشتري بعمليّة الشراء عن طريق عدل تنفيذ مع بيان الثمن والمصاريف وعلى الشفيع أن يقوم بدعواه في ظرف شهر من تاريخ الإعلام وإلاّ يسقط حقّه.

أمّا الاستثناء يكون في صورة تعذّر الإعلام، حيث يمارس الشفيع حقّ الشفعة في آجال ستّة أشهر تحتسب من تاريخ ترسيم العقد بالسجل العقاري في العقّارات المسجّلة الخاضعة لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم، ومن تاريخ تسجيل العقد بالقباضة الماليّة في العقارات غير الخاضعة لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم.

فالترسيم والتسجيل وسيلتان تحقّقان الوظيفة الإشهاريّة، إضافة إلى أنّ هذا الأجل وضع لمعارضة الشفيع الذي يعتبرغيرا بالنسبة لعقد البيع المبرم بين شريكه البائع والمشتري فهي علاقة احتجاج متّصلة بالإشهار أي بإعلام الشفيع بوقوع ذلك البيع.

فإقرار نظام احتساب جديد لآجال الشفعة يختلف باختلاف الوضعية القانونية للعقارات من شأنه أن يجعل من جهة، القيد المسلّط على حقّ الملكيّة لا ينال من جوهره وذلك بتفادي تعريض هذا الحقّ لأمد غير محدّد في بعض الحالات، من جهة ثانيّة فإن التمييز بين مختلف الوضعيات لا ينال من مبدأ المساواة بين المالكين طالما أن التمييز يقوم على أساس اختلاف نظام ملكيتهم ويرمي إلى تحقيق المساواة الفعليّة بينهم .

إلاّ أنّ التعمّق في محتوى التطبيقات الفقه القضائية يكشف وجود عدّة صعوبات وعراقيل نتيجة تلاعب كلّ من الشريك والبائع والمشتري بحقوق الشريك صاحب الحقّ في ممارسة حقّه في الشفعة.

الأمر الذي أدّى مؤخرا إلى مراجعة الأحكام والإجراءات المنظمّة لممارستها بموجب القانون عدد 29 لسنة 2006 المؤرّخ في 15 ماي 2006، الذي تمّ بمقتضاه إقرار مبدأ وجوبيّة الإعلام وعدم اعتبار المشتري معفى من هذا الواجب إلاّ في صورة تعذّر ذلك عليه للحدّ من المخاطر التي قد تطرأ على حقوق المالكين على الشياع، حتّى تجد هذه المؤسسة مكانتها في المنظومة القانونيّة التونسيّة وتحقّق الأهداف التي شرعت من أجلها باعتبارها سبب من أسباب كسب الملكيّة ولارتباطها الوثيق بحقّ الملكيّة.
ودراسة ذلك تتطلّب تحديد كيفيّة ممارسة حقّ الشفعة في ضوء التنقيح الأخير لسنة 2006؟

وعليه سيتّم التطرّق إلى هذه الإشكاليّة والبحث فيها بالتعرّض للمبدأ وهو ممارسة حقّ الشفعة في صورة الإعلام، (الجزء الأوّل)، قبل الخوض في الاستثناء، وهو ممارسة حقّ الشفعة في صورة تعذّر الإعلام (الجزء الثاني).

*الجزء الأوّل: ممارسة حقّ الشفعة في صورة الإعلام.

*الجزء الثاني: ممارسة حقّ الشفعة في صورة تعذّر الإعلام.
الجزء الأوّل

ممارسة حقّ الشفعة في صورة الإعلام

تدخل المشرّع بموجب القانون عدد 29 لسنة 2006 المؤرّخ في 15 ماي 2006، لتنقيح الفصل 115 من م.ح.ع لتجاوز الغموض التشريعي للنصوص القانونيّة التّي تنظّم الشفعة وللحد من مخاطر تلاعب المشتري والبائع بحقوق الشفيع. فأقرّ مبدأ وجوبيّة إعلام الشفيع من قبل المشتري بالشراء بواسطة عدل التنفيذ مع بيان الثمن والمصاريف، بحيث يكون المبدأ هو القيام بواجب إعلام الشفيع بواسطة عدل تنفيذ وتخويله ممارسة حقّه في أخذ العقار بالشفعة والحلول محلّ المشتري في التملّك بمبيع شريكه في أجل أقصاه شهرا من تاريخ محضر إعلامه، وإلاّ سقط حقّه في أخذ العقار بالشفعة.
الفصل الأوّل: واجبات المشتري

تضمنت الفقرة الأولى من الفصل 115 جديد من م.ح.ع الواجبات المحمولة على كاهل المشتري والتّي نصّت على أنّه:
“يجب على المشتري إعلام الشفيع بالشراء بواسطة عدل تنفيذ مع بيان الثمن والمصاريف”.

وحيث وفي إطار شرح أسباب النصّ الجديد، تمّ التأكيد على أنّه “لوحظ تعمّد بعض المشترين التكتّم على شراءاتهم وعدم الإعلام بها لغاية حرمان من له الحقّ في الشفعة من القيام بالإجراءات اللازمة لذلك وممارسة دعواه في الآجال القانونية…” . وتبعا لذلك، فرض المشرّع أن يكون المبدأ قبل ممارسة حقّ الشفعة هو وجوبيّة إعلام الشّفيع بالشراء بواسطة عدل تنفيذ مع بيان الثمن والمصاريف (المبحث الأوّل) ومتى تمّ إعلام الشفيع، فإنّ واجبات أخرى تنشأ على المشتري بعد تخويل الشفيع ممارسة حقّه في الشفعة (المبحث الثاني).
المبحث الأوّل: واجبات المشتري قبل ممارسة حقّ الشفعة

أورد المشرّع التونسي صلب الفصل 103 من م.ح.ع تعريفا واضحا للشفعة عندما أشار إلى أن الشفعة هي “حلول الشريك محلّ المشتري في التملّك بمبيع شريكه” وهذا النصّ يشترط التملّك الذي لا يكون إلا بمقتضى عقد بيع.

فالشفعة تشترط وجود تصرّف قانوني متمثّل في إبرام عقد بيع بين طرفين يتمّ بمقتضاه نقل الملكيّة. ولقد ورد تعريفه بالفصل 564 من م.إ.ع. الذي نصّ على أنّ عقد البيع هو “عقد تنتقل به ملكيّة شيء أو حقّ من أحد المتعاقدين للآخر بثمن يلتزم به”. وبذلك فإنّ ملكيّة العقار التي تنتقل دون حدوث تصرّف قانوني لا يجوز فيها الشفعة مثل الميراث والالتصاق والتقادم. وبما أنّ عملية البيع تخضع لكثير من التحيّل والتلاعب على الشريك صاحب الحقّ، فإنّ المشرّع فرض صلب التعديل الحالي على المشتري إعلام الشفيع بعمليّة الشراء التّي أبرمها مع البائع لتمكينه من ممارسة حقّه في أخذ العقار بالشفعة.

وبذلك أصبح المبدأ عملا بمقتضيات الفصل 115 جديد من م.ح.ع. هو القيام بواجب إعلام الشفيع بواسطة عدل تنفيذ مع بيان الثمن والمصاريف (الفقرة الأولى).

ولينتج هذا الإعلام آثاره، فلا بدّ للمشتري أن يتبع إجراءات معنية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: واجب الإعلام

ورد الفصل 115 م.ح.ع. قديم سواء في صيغته الأولى بموجب قانون 1965 ، أو الثانيّة بمقتضى تنقيح 1992 غامضا، إذا اكتفى المشرّع بالتنصيص فيهما على الإعلام بصورة عرضية عند التعرّض لسقوط الحقّ.

ولم يحدّد المشرّع شكليّات خاصّة لمباشرة الإعلام، أي لم يبيّن الطريقة القانونيّة التي يتعيّن على المشتري إتّباعها عند قيامه بالإعلام، الأمر الذي جعل كلّ الطرق ممكنة ومقبولة سواء عن طريق عدل منفذ أو بواسطة رسالة مضمونة الوصول مع الإعلام بالبلوغ بما أنّ النسخة الأصليّة للفصل 115 م.ح.ع. كانت تنصّ على الإعلام المجرد دون تحديد أو توضيح شكلياته، وبقي هذا الغموض التشريعي يحفّ طريقة الإعلام الواجبة حتّى مع التعديل التشريعي للفصل 115 بموجب القانون عدد 46 لسنة 1992 .

وتولّد عن هذا الغموض العديد من الصعوبات التطبيقية، إضافة إلى أن عدم التأكيد على الإعلام، والسماح للأطراف باختيار الطريقة القانونيّة التي يريدونها كان مدعاة للتحيّل والتواطئ بين البائع والمشتري لحرمان الشفيع من ممارسة حقّه في الشفعة وهو ما انجرّ عنه العديد من المشاكل في التطبيق خاصّة وأنّ الآجال المنصوص عليها كانت آجال قصيرة (ثمانية أيّام). ورغم أنّ المشرّع تدخلّ سنة 1992 ونقح الفصل 115 من م.ح.ع. وأقرّ أجل شهر كأجل سقوط، إلاّ أن ذلك لم يقلّل من مخاطر وتلاعب كلّ من الشريك البائع والمشتري بحقوق الشفيع لأنّ مسألة الإعلام بقيت غامضة.

وهو ما جعل المشرّع يتدخّل مرّة أخرى بموجب قانون 2006 ليجعل من الإعلام إجراء وجوبي حرصا منه على توضيح الغموض التشريعي الذي كان يعتري النصوص القانونية المنظمة لمؤسسة الشفعة لتحقّق الأهداف التي شرّعت من أجلها. وأقرّ قانون عدد 29 لسنة 2006 مبدأ وجوبيّة إعلام الشفيع من قبل المشتري بالشراء بواسطة عدل تنفيذ مع بيان الثمن والمصاريف، بحيث يكون المبدأ حسبما ورد بمداولات مجلس النواب “هو القيام بواجب إعلام الشفيع بواسطة عدل تنفيذ وتخويله ممارسة حقه في أخذ العقار بالشفعة والحلول محلّ المشتري في التملّك بمبيع شريكه” .

ونلاحظ أن عبارات الفقرة الأولى من الفصل 115 جديد، وردت في صيغة الجبر، إذ نصّت على أنّه: “يجب على المشتري إعلام الشفيع بالشراء بواسطة عدل تنفيذ مع بيان الثمن والمصاريف”.

ويستخلص، من هذا أنّ المشرّع فرض على المشتري ضرورة إعلام الشفيع بوقوع عمليّة البيع حتّى يبادر هذا الأخير بتسجيل رغبته في شراء العقار المشفوع فيه من عدمه، وبالتالي أصبح الإعلام إجراءا وجوبيا لممارسة الشفعة بعد أن كان اختياريا وليس ذلك فحسب بل تولى ضبط طريقة إيصاله للشفيع،هذا بالإضافة إلى ذكر التنصيصات الوجوبية التي يجب أن يحتويها محضر الإعلام.

والغاية من إقرار وجوبية إعلام الشفيع من قبل المشتري بعمليّة الشراء عن طريق عدل تنفيذ مع بيان الثمن والمصاريف هي وضع حدّ لتعمد بعض المشترين التكتّم عن شراءاتهم وعدم الإعلام بها بهدف حرمان الشفيع من ممارسة حقوقه، وهو ما تمتّ الإشارة إليه صراحة بشرح الأسباب الذي جاء به: “وذلك…لوضع حدّ للتحيّل الموجود أحيانا الآن والمتمثّل في أن المشتري يعمد عدم إعلام الشفيع بالشراء وينتظر مضي ستّة أشهر ويخفي عقده ثمّ بعد مرور الأشهر الستّة يسقط حقّ الشفيع” . إنّ المشرّع أراد من خلال التعديل الجديد أن يقصي هذه الوضعية الخطيرة ليقلّل من تلاعب البائع والمشتري بحقوق الشفيع ومنعه من الأخذ بالشفعة فأقرّ قاعدة عامّة وهي وجوب الإعلام ولا يعفى منه المشتري إلاّ إذا تعذّر ذلك عليه وهو نظام يبرّره قيام بعض الصعوبات في الإعلام.

لقد نصّ المشرّع صراحة بالفقرة الثالثة من الفصل 115 جديد من م.ح.ع. على أن المشتري غير معفى من واجب الإعلام إلاّ في صورة ما إذا تعذّر ذلك عليه من خلال استعماله في النّص الجديد مصطلح “تعذر الإعلام”.وقد اعتبر مجلس النّواب في أعماله التحضيرية لهذا التنقيح أنّ التعذر هو نظام يبرّره وجود بعض الصعوبات في تبليغ الإعلام إلى الشفيع من ذلك مثلا عدم معرفة عنوان الشفيع أو تواجده قانونا في حالات فقدان وغيرها من حالات التعذّر.

وهو ما نستشّف منه أنّ حالات التعذّر التي يمكن أن تعفى المشتري من واجب الإعلام هي حالات التعذّر المادي فقط ولا يمكن للمشتري أن يتمسّك بوجود حالة تعذّر معنوي للتقصّي من الالتزام المحمول على كاهله.
ولكن للبعض أن يتساءل إن كان يدخل في باب التعذر تعدد الشركاء الذين يحقّ لهم القيام بالشفعة ؟

ومثال ذلك أن يكون العقار المشفوع فيه رسما عقّاريا يمتدّ على آلاف الهكتارات حيث يخضع إلى اشتراك مائة أو أكثر من الشركاء، كما يمكن أن يكون المبيع المشفوع فيه صغيرا وضعيف القيمة لكن به مئات الشركاء قد تتجاوز مصاريف الإعلام فيه قيمة العقار. فهل من الممكن في مثل هذه الحالات أن يعلم المشتري جميع الشركاء؟ خاصّة وأنّ هذه الوضعيّة قد تزداد تعقيدا في حالة وفاة بعض الشركاء.

فرض التعديل الجديد على المشتري واجب الإعلام في المطلق دون تحديد ضوابط أو معايير لذلك، وهو ما يفهم منه أن تبرير المفعول الإعفائي لحالة التعذّر يفترض وجود استحالة بما يجعل من إتمام الإعلام غير ممكن وعدم الإمكانيّة تفهم في اتّجاه عدم القدرة النهائيّة على التنفيذ، وإلاّ لما أزاح المشرّع عبارة “عدم الإعلام” الواردة بالفصل 115 م.ح.ع. قديم، لذلك فالتقصي من واجب الإعلام يفترض وجود سبب أجنبي خارج عن إرادة المشتري أدّى إلى الحيلولة دون تنفيذ الواجب المحمول عليه، ولا يكفي هنا وجود مجرّد صعوبة في التنفيذ يمكن تجاوزها.

وبالتالي فعلى المشتري إعلام كافّة الشركاء، وهو ما من شأنه أن يشكّل عبئا يثقل كاهل المشتري ويضطرّه إلى اتخاذ منحى معاكس تماما لواجب الإعلام هروبا من تبعاته. وهو ما يطرح التساؤل عن الجزاء المترتّب عن عدم إعلام المشتري الشفيع بعمليّة الشراء؟

مبدئيّا لم ينّص المشرّع صراحة على تحديد الجزاء المترتّب عن عدم قيام المشتري بواجب الإعلام، خاصّة أنّ التعديل الجديد قد أزاح عبارة “عدم الإعلام” إزاحة تامّة من الفصل 115 من م.ح.ع. وعملا بالقواعد الأصوليّة فإنّه لا جزاء بدون نصّ. وهو ما يفتح المجال لفقه القضاء في إطار وظيفته إلى رفع هذا الغموض وبالتالي يجب أن تتفاعل المحاكم التونسيّة مع هذا النصّ الجديد وتتوّلى سدّ هذا الفراغ التشريعي.

وإضافة إلى إلزامية الإعلام، ولتكون إجراءات الإعلام مستوفيّة لشكلياتها القانونيّة يجب إن يحتوي محضر الإعلام علاوة على البيانات الوجوبيّة العامّة المنصوص عليها صلب الفصل 6 من م.م.م.ت.، بيانات وجوبيّة خاصّة بالشفعة نصّ عليها المشرّع بمناسبة تنقيحه للفصل 115 م.ح.ع. جديد والمتمثّلة في ضرورة أن يتضمّن الإعلام تبيان الثمن والمصاريف باعتبارهما من أهمّ الصعوبات التي تواجه الشريك الشفيع لممارسة حقّه في الشفعة، خاصّة وأنّ الفصل 111 من م.ح.ع. أوجب “على القائم بالشفعة أن يقدّم دعواه مصحوبة بما يفيد أنّه عرض على المشتري كامل ثمن البيع ومصاريف العقد”.

* الثمن:

لقد ورد بالفصل 115 جديد أنّه على المشتري أن يذكر الثمن، أي ثمن العقار المبيع، ونشير في هذا الإطار إلى أنّ فقه القضاء عرفه بأنّه “الذي حصل الاتّفاق عليه بين البائع والمشتري قلّ هذا الثمن عن قيمة العين الحقيقيّة وقت البيع أو زاد عليها”. والثمن ركن جوهري من أركان عقد البيع، وهو ما نستشّفه من تعريف البيع الوارد بالفصل 564 م.إ.ع. “البيع عقد تنتقل به ملكيّة شيء أو حقّ من أحد المتعاقدين للآخر بثمن يلتزم به”.

وبناء على ذلك يجب على المشتري في الأصل أن يذكر بمحضر الإعلام الموجه للشفيع الثمن الذي ورد ذكره في عقد البيع. وقد أراد المشرّع من وراء ذلك التيسير على الشفيع وتمكينه من ممارسة حقّه في الشفعة.

فمعرفة الشفيع لثمن البيع بالتدقيق تيسّر عليه القيام بالإجراءات الأوليّة لممارسة حقّه في الشفعة والمتمثّلة في عمليّة عرض وتأمين ثمن المبيع والمصاريف، باعتبار أنّ هذه المسألة تثير عدّة صعوبات في التطبيق خاصّة وأنّه كان يصعب أحيانا على الشفيع معرفة الثمن والمصاريف بالتحديد. وفقه القضاء كان متشدّدا في تطبيق أحكام الفصل 111 م.ح.ع. فرغم أنّه كان يصعب على الشفيع معرفة الثمن بالتدقيق إلاّ أنّه لا يمكن للشفيع حسب محكمة التعقيب أن يعرض على المشتري ما ظنّ أنّه الثمن الحقيقي للبيع بل عليه أن يعرض الثمن المدفوع فعلا من طرف المشتري كما هو الشأن بالنسبة للمصاريف.
* المصاريف:

نصّ الفصل 115 م.ح.ع. جديد على أنّه
“يجب على المشتري إعلام الشفيع بالشراء بواسطة عدل التنفيذ مع بيان الثمن والمصاريف…”

فما المقصود بعبارة مصاريف هل هي مصاريف العقد أم مصاريف البيع؟

بالرجوع إلى أحكام الفصل 605 من م.إ.ع. يتّضح لنا أنّ مصاريف العقد تشمل “…أجر العدول عن رسم الشراء والتامبر والتسجيل…”. وهو ما يجعلها تتميّز عن مصاريف البيع ذلك أنّ هذه الأخيرة لها مفهوم واسع إذ تشمل إضافة إلى مصاريف العقد، أجرة السمسار إذا تمّ البيع بواسطة ومصاريف معاينة العقار وتقدير قيمته بواسطة أهل الخبرة…فكلّ هذه المصاريف تعدّ من المصاريف الغير رسميّة والشفيع غير ملزم بعرضها.

ونلاحظ أنّ موقف محكمة التعقيب صارم بخصوص مسألة عرض مصاريف العقد مثلما هو الأمر بالنسبة للثمن وهي غير متسامحة في ذلك وهو ما أكّده القرار التعقيبي الصادر في 23/01/1979 الذي جاء فيه “أنّه لا يمكن للقائم بالشفعة أن يتعلّل بكون خصمه أبى أن يوضح له مصاريف تحرير رسم الشراء والتامبر والتسجيل وهي مضبوطة بنصوص تشريعية ليس من واجب خصمه أن يساعده على معرفتها إذ أنّه محمولا قانونا على العلم بها ولا يقبل عذره في إدعاء جهلها إذ لا عذر لمن ادّعى جهل القانون طبق أحكام الفصل 545 مدني” وهو ما يستشفّ منه أنّ فقه القضاء قد عرّف المقصود بالمصاريف هي مصاريف تحرير رسم الشراء والتامبر والتسجيل أي مصاريف العقد وليست مصاريف البيع.

الفقرة الثانيّة: إجراءات الإعلام

نصّ الفصل 115 جديد من مجلّة الحقوق العينيّة على أنّه: “يجب على المشتري إعلام الشفيع بالشراء بواسطة عدل تنفيذ…” وهو ما يعكس التأكيد التشريعي على شكل وصبغة الإعلام التي يجب أن تكون بواسطة محضر إعلام يحرّره عدل تنفيذ وذلك حتّى تكون له الحجيّة الكافيّة لاسيما وأن الإعلام بواسطة عدل تنفيذ هي الطريقة الرسميّة والمتداولة في إجراء الإعلامات. وتبليغ المحاضر من طرف العدل المنفذ يمثّل ضمانة للمطلوب ويحمي الطالب ويجعله في مأمن من كل مواجهة، حتّى ولو لم يحصل العلم للموجّه إليه طالما أنّ التسليم كان بواسطة العدل المنفذ وطبق الشكليّات المستوجبة قانونا. وبالتّالي فهذا الإجراء يعفي المشتري من كلّ مسؤولية، فطالما تمّ بالشكل القانوني فهو يعتبر قرينة على علم الموجّه إليه بالإجراء.

وتبعا لذلك فإن الإعلام الذي يعتّد به هو الإعلام الذي يصدر من المشتري بغاية إيصال واقعة الشراء إلى علم الشفيع والوسيلة الوحيدة لهذا العلم هي الكتابة، إذا لا بدّ من التبليغ كتابة بواسطة عدل منفذّ.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال، هو هل أنّ علم الشفيع بوقوع البيع يغني المشتري عن القيام بهذا الإجراء الذي أصبح وجوبيّا؟ أي أّنّه في حالة ما إذا علم الشفيع بعمليّة الشراء بدون مبادرة من المشتري المكلّف بالإعلام، فهل يجوز للشفيع في هذه الصورة ممارسة حقّه في الشفعة أم أنّه يجب عليه أن ينتظر الإعلام الرسمي بواسطة عدل التنفيذ لكي يتمكّن من ممارسة حقّه في أخذ العقار بالشفعة؟

رغم إنّ الإعلام وقبل تنقيح 2006 كان إجراء اختياريا، والمشتري غير ملزم بإعلام الشفيع بواسطة عدل تنفيذ فيما اشتراه من العقار المشترك، إلاّ أنّ فقه القضاء اعتبر أنّ العلم من عموم النّاس لا يغني عن الإعلام. وهو ما عزّزته محكمة التعقيب بموجب قرارها الصادر في 23 فيفري 1982 الذي قضت فيه أنّ: “حصول العلم للشفيع بتاريخ البيع دون علمه به رسميّا من طرف المشتري لا يكون به على علم قانونا ولا يحرم من حقّه في الشفعة طيلة الستّة الأشهر المواليّة. وإنّ المصاريف المجهولة يمكنه تأمينها أثناء القيام دون ما كان معلوما منها فيكون قبل القيام بالدعوى وهو ما حصل، وبذلك فالحكم الصادر للشفيع بإستحقاق المبيع من يدي المشتري يكون في طريقه ولا مطعن فيه” .

وهو ما حدا بالمشرّع بمناسبة تنقيح الفصل 115 من م.ح.ع. بموجب قانون عدد 29 لسنة 2006 إلى التنصيص والتأكيد على الإعلام، لا العلم، مكرسا ما استقرّ عليه فقه قضاء محكمة التعقيب التي سبق أن أكّدت ذلك في عديد المناسبات ومقرا بذلك مبدأ وجوبيّة إعلام الشفيع من قبل المشتري بالشراء بواسطة عدل تنفيذ. وإذا ما حدّد المشرّع بموجب التنقيح الأخير للفصل 115 م.ح.ع. شكل الإعلام، فإنّ كيفيّة الإعلام تحدّدها قواعد النظام العقاري التي يخضع لها العقار المشفوع فيه. فالإعلام في العقارات المسجّلة وطبقا للفصل 385 م.ح.ع الذي ينصّ على أنّه “يجب على كلّ شخص يقع بإسمه ترسيم بسجّلات الملكيّة العقارية أن يختار مقرا له بالجمهورية التونسيّة وإلاّ فإن جميع الإعلامات توّجه إليه بمركز معتمديّة مكان العقار وتعتبر قانونيّة”.

ويستخلص من هذا النصّ، أنّ الإعلام يجب أنّ يتّم بالمقرّ الذي اختاره الشفيع كعنوان له بالرسم العقاري المدرج بسجل الملكيّة العقارية.

وبالتّالي يمكن اعتبار أي عنوان منصوص عليه بالرّسم مقرّ مخابرة معتمد عند القيام بالإعلام. وتكون بذلك طريقة التبليغ بالمقرّ في هذا الصنف من العقارات كافيّة وصحيحة.

أمّا إذا كان الرسم خاليّا من وجود عنوان للشفيع فيكفي أن يوجّه العدل المنفذّ محضر الإعلام إلى مركز المعتمديّة التي يوجد بها العقار المشفوع فيه ليكون ذلك الإعلام صحيحا ويعتدّ به قانونا.

وخلافا للعقارات المسجّلة، فلا يوجد بمجلّة الحقوق العينيّة نصّ خاص ينظّم كيفيّة إعلام الشفيع إذا كان المبيع المشفوع فيه من العقارات الغير المسجّلة، لذلك فإن الإعلام في هذا الصنف من العقارات يتمّ حسب القواعد العامّة المذكورة بمجلّة المرافعات المدنيّة والتجاريّة وخاصّة النصوص القانونية المنظّمة لطرق التبليغ .

لكن هل تنتهي واجبات المشتري عند واجب الإعلام فقط أم تستمرّ هذه الواجبات إلى ما بعد إعلان الشفيع عن رغبته في ممارسة حقّ الشفعة؟
المبحث الثاني: واجبات المشتري بعد ممارسة حقّ الشفعة

رتّب المشرّع عن واجب الإعلام الموكول للمشتري بموجب تعديل 2006، واجبات أخرى بعد أن يمارس الشفيع حقّه في الشفعة. وهذه الواجبات تنقسم بدورها إلى واجبات أثناء ممارسة دعوى الشفعة (الفقرة الأولى) وواجبات بعد الحكم بالشفعة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: واجبات المشتري أثناء ممارسة دعوى الشفعة

في إطار تنظيم علاقة المشتري بالشفيع وحماية حقوق ومصلحة كلّ منهما، أخضع المشرّع تصرّفات المشتري منذ إبرام عقد البيع الموجب للشفعة إلى تاريخ انقضاء آجال القيام بها إلى أحكام دقيقة من خلال إقراره لأحكام الفصل 114 من م.ح.ع. الذي نصّ على أنّه: “لا تمضي على الشفيع عمليّات التفويت التي قام بها المشتري قبل انقضاء أجل القيام بالشفعة”. والمقصود “بعمليّات التفويت” في الفصل 114 م.ح.ع. كلّ العقود التي يبرمها المشتري وتكون ناقلة لملكيّة العقار يستوي في التفويت أن يتمّ بعوض أو بدونه، فإذا أبرم المشتري عقد بيع أو معاوضة مثلا أو وهب العقار إلى الغير فإنّ هذا الأخير لا يمكن أن يعارض الشفيع بانتقال الملكيّة إليه متى أبرم العقد قبل انقضاء أجل القيام بالشفعة والمحدّدة بستّة أشهر من يوم ترسيم العقد بالسجل العقاري بالنسبة للعقارات المسجّلة الخاضعة للمفعول المنشئ للترسيم ومن يوم تسجيل العقد بالقباضة الماليّة بالنسبة للعقارات المسجّلة غير الخاضعة للمفعول المنشئ للترسيم في حالة تعذّر الإعلام، أمّا في حالة الإعلام فآجال القيام وطبقا للفصل 115 جديد من م.ح.ع. تتمثّل في شهر من تاريخ الإعلام.

ونستنتج من خلال ذلك أنّ كلّ العقود الناقلة لملكيّة العقار المشفوع فيه التي يبرمها المشتري قبل انقضاء آجال القيام بالشفعة، لا يمكن أن يعارض بها الشفيع وهذه الحماية تقتصر فقط على العقود الناقلة للملكيّة دون غيرها من عمليّات التصرّف الأخرى. وصفوة القول أنّ المشرّع حرص على مراعاة مصالح الشفيع وحماية حقوقه من خلال اقراره للفصل 114 م.ح.ع. لذلك نجده قد حمل المشتري واجبا يتمثّل في عدم التفويت في العقار المشفوع فيه أثناء ممارسة الشفيع الشريك لدعوى الشفعة، فلا يجوز إذن للمشتري أن يفوّت في المبيع للغير أثناء أجل القيام بالشفعة، وإن فعل فإن هذا البيع “لا يمضي على الشفيع” ولا يعارض به.

ولا تقتصر واجبات المشتري بعد ممارسة حقّ الشفعة على الحفاظ على العقار المشفوع فيه وعدم التفويت فيه أثناء آجال القيام، بل تستمرّ هذه الواجبات إلى ما بعد ثبوت حقّ الشفيع في الشفعة.
الفقرة الثانية: واجبات المشتري بعد الحكم بالشفعة

إذا تأكّد حقّ الشفيع في الأخذ بالشفعة، يترتّب لزاما عن ذلك واجبات تحمل على عاتق المشتري تجاه هذه الأخير. ومن أهمّ الواجبات، واجب تسليم العقار المشفوع فيه بعد صدور الحكم في دعوى الشفعة في ترك العقار المشفوع فيه على ذمّة الشفيع ليتسلّمه.

ومتى ثبت حقّ الشفيع في الشفعة، يلتزم المشتري بتسليمه العقار، الذي سبق أن تسلّمه من البائع على حالته التي هو عليها وقت البيع بالمقدار الذي عيّن له في العقد مع توابعه وملحقاته.

ويكون التسليم بتخلّي المشتري عن المبيع المشفوع فيه وتمكين الشفيع من تسلّمه وحوزه بلا مانع، وإذا ما تأخّر المشتري عن التسليم كان للشفيع أن يطالبه بالتعويض عمّا أصابه من ضرر بسبب هذا التأخير .

أمّا إذا لم يقم المشتري بواجب تسليم العقار المشفوع فيه إلى الشفيع فإنّه يكون مسؤولا عن الإخلال بهذا الواجب، ومعنى ذلك أن تبعة هلاك العقار المشفوع فيه أو تلفه قبل التسليم تكون على عاتق المشتري، ولكن إذا تسلّم الشفيع العقار فإنّ تبعة هلاكه تكون عليه.

وإضافة إلى واجب تسليم العقار المشفوع فيه، يترتّب عن ثبوت حقّ الشفيع في الأخذ بالشفعة، استرداده لغلّة العقار المشفوع فيه من المشتري التي يكون من واجب هذا الأخير إرجاعها للشفيع إبّان الحكم له بالشفعة للانتفاع بها.

وحيث أكّد الفصل 113 م.ح.ع. على أنّ “غلّة المشفوع فيه للمشتري إلى وقت القيام بدعوى الشفعة”. والمقصود بالغلّة في الفصل 113 م.ح.ع. الغلة الطبيعية أي كل ما يغله العقار المبيع تلقائيا أو بفعل المشتري .

وقد عمد المشرّع من خلال الفصل المذكور إلى التفريق بين فترتين في خصوص مسألة الثمار وربط واجب إرجاع ثمار العقار المشفوع فيه للشفيع الموكول للمشتري بتاريخ القيام.

فالثمار الحاصلة بين تاريخ الشراء وتاريخ القيام بدعوى الشفعة تعود للمشتري، وابتداء من تاريخ القيام بدعوى الشفعة تكون هذه الثمار من حقّ الشفيع.

فحقّ الشفيع في استرداد تلك الثمار ينشأ منذ تاريخ القيام بدعواه وبناءا عليه ينشأ الواجب المحمول على المشتري المتمثّل في إرجاع غلّة المشفوع بعد أخذه بالشفعة.

وتجدرالإشارة إلى أنّ المشرّع ومن خلال تعديل 2006، حمل المشتري في الفصل 115 جديد واجب إعلام الشفيع بما اشتراه وهو ما يعدّ قرينة على علم المشتري بإمكانيّة استحقاق المبيع منه. وبالتالي يكون من باب أولى أن تعود غلّة العين المشفوع فيها للشفيع ابتداء من تاريخ توجيه محضر الإعلام له من قبل المشتري وليس من تاريخ القيام بدعوى الشفعة. وإذا ما رتب المشرّع بموجب تعديل 2006 واجبات المشتري أثناء ممارسة حقّ الشفعة، فإنّه وحفاظا على حقوق الشفيع، خوّل لهذا الأخير ممارسة دعواه من خلال تحديد الواجبات المحمولة عليه.

الفصل الثاني: واجبات الشفيع

لم يكتف المشرّع صلب التعديل التشريعي للفصل 115 من م.ح.ع. بفرض واجب الإعلام على المشتري، بل حثّ في المقابل الشفيع على واجب ممارسة دعوى الشفعة (المبحث الأوّل) والحلول محلّ المشتري ليتملّك بمبيع شريكه (المبحث الثاني) في أجل شهر من تاريخ إعلامه بالشراء وإلاّ سقط حقّه إذا ما أخلّ بالواجبات المحمولة عليه.
المبحث الأول: ممارسة دعوى الشفعة

أحاط المشرّع ممارسة الشفعة بإجراءات دقيقة يترتّب عن الإخلال بها سقوط الحقّ.

ويمكن تقسيمها إلى مرحلتين، الأولى قبل رفع الدعوى (الفقرة الأولى) والثانية عند رفع الدعوى (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: إجراءات قبل رفع الدعوى

تفرض ممارسة دعوى الشفعة على الشفيع التحقّق من وجود عقد بيع صحيح. والمشرّع التونسي لم يستعمل صراحة عبارة عقد البيع، لكن وبالرجوع إلى مجلّة الحقوق العينيّة، نلاحظ أنه استعمل عبارات تدّل على حصر ممارسة الشفعة في بيع مناب مشاع من عقار مشترك، من ذلك عبارة “المشتري” و”المبيع” و”البيع” و”البائع” .

والبيع كما ورد بالفصل 564 من م.إ.ع. هو “عقد تنتقل به ملكيّة شيء أو حقّ من أحد المتعاقدين للآخر بثمن يلتزم به”. وتبعا لذلك، لا تجوز الشفعة إذا انتقلت ملكيّة العقار بالميراث أو بالالتصاق أو التقادم أو الوصيّة أو الهبة أو المعاوضة، ضرورة أن عقد البيع يجب أن يكون صادرا من مالك العقار المشفوع فيه إلى المشتري المشفوع عنه.
ويطرح التساؤل في هذا الإطار حول الوعد بالبيع فإذا ما أبرم البائع والمشتري وعدا بالبيع، فهل يمكن اعتبار هذا الوعد بيعا يخوّل للشفيع ممارسة دعواه؟

أكّدت محكمة التعقيب بمناسبة قرارها الصادر في 17 أفريل 1984 أنّ الوعد بالبيع ليس بيعا وأنّ انتقال الملكيّة يكون من تاريخ البيع الذي أصبح ثابتا في النزاع المطروح عليها منذ صدور القرار الإستئنافي الذي يقضي بإلزام الواعد بالبيع بإتمام البيع، وأنّ تاريخ النطق بالحكم القاضي بإلزام الواعد بإتمام عقد البيع هو المعتمد لبداية آجال الشفعة بما أنّ ممارسة دعوى الشفعة تستوجب وجود عقد بيع تامّ.

ولا يكفي لجواز ممارسة حقّ الشفعة وجود عقد بيع تامّ بل يجب أن يتحقّق الشفيع أيضا من صحّة هذا العقد.

والعقد يكون باطلا إذا كان مفتقرا أثناء تكوينه لأحد أركانه الأساسيّة المنصوص عليها بالفصل 2 من م.إ.ع. وإذا لم يحترم فيه المتعاقدان مقتضيات الفصل 579 من م.إ.ع. الذي يستوجب تعيين الثمن الذي انعقد عليه البيع كشرط لصحّة عقد البيع وإلاّ كان البيع باطلا .

وتبعا لذلك، فيجب على الشفيع التحقّق من شكليات صحّة العقد قبل ممارسة دعواه، لاسيما وأنها رهينة عقد بيع صحيح و”بطلان عقد البيع يجعل من الأخذ بالشفعة غير مقبول لانعدام موضوعها” .

واستنادا لما وقع ذكره فإنّه يتعيّن على الشفيع قبل الشروع في إجراءات دعوى الشفعة أن يتثبّت في صحّة عقد البيع الذي هو أساس دعواه. فإذا كان العقد باطلا لأيّ سبب من الأسباب فليس على الشفيع الشريك إتيان الإجراءات الخاصّة لدعواه لانتفاء الضرر من جهة، ولأنّ ما بني على باطل فهو باطل. أمّا إذا كان العقد صحيحا ومستوفيّا لجميع شروطه فإنّه يحقّ للشفيع ممارسة دعواه.

ولتكون هذه الدعوى مقبولة قانونا، يجب على الشفيع أن يقدّم ما يفيد أنّه عرض على المشفوع ضدّه كامل ثمن المبيع ومصاريف العقد.

وفي هذا الإطار اشترط الفصل 111 م.ح.ع. على الشفيع أن يعرض على المشتري كامل ثمن المبيع والمصاريف لكي يتمكّن من رفع دعواه. وقد وردت عبارات هذا النصّ بصيغة الوجوب، وهو ما يعني أن عدم القيام بهذا الإجراء يبطل الدعوى. وهو ما أكّده فقه القضاء في العديد من المناسبات واستقرّ على أنّ “تأمين الثمن والمصاريف بدون عرضها على المشتري يبطل الإجراءات”. فمسألة عرض الثمن من الشروط الأوليّة التي

تسبق عمليّة رفع الدعوى لممارسة حقّ الشفعة.

إلاّ أنّ معرفة ثمن المبيع ومصاريفه كانت من أهمّ الصعوبات التي تواجه الشريك الشفيع، لكن بمقتضى تنقيح 2006 للفصل 115 م.ح.ع. جديد الذي أصبح يفرض على المشتري إعلام الشفيع بالشراء مع بيان الثمن والمصاريف، تمّ وضع حدّ للعراقيل والصعوبات التي تواجه الشفيع ذلك أنّ المشرّع فضلا عن كونه فرض أن يكون الإعلام بواسطة عدل تنفيذ فإنّ الأهمّ من ذلك أنّه فرض أن يتضمّن الإعلام تبيان الثمن والمصاريف.

والأكيد أنّ الفصل 115 جديد من م.ح.ع. نصّ صراحة على ضرورة تكليف عدل تنفيذ للقيام بواجب الإعلام، وقياسا للتنقيح الحالي ولما له من علاقة جوهريّة ببقيّة نصوص الشفعة وخاصّة الفصل 111 م.ح.ع. منها، يمكن القول أنّ العرض الذي يعتّد به هو العرض الذي يصدر من الشفيع للتصريح برغبته في الشفعة بواسطة عدل تنفيذ لأنّ هذه الشكليّة فضلا عن كونها الطريقة المعمول بها في الواقع لما لها من ضمانات فعليّة وقانونيّة فهي تضمن الإثبات المحمول على الشفيع.

وتجدر الإشارة إلى أنّه في حالة تعدّد المشترين للمناب الشائع من العقار المشترك، فإنّ العرض يجب أن يشمل كافّة المشترين. ما أكّدته محكمة التعقيب في قرارها عدد 680 المؤرخ في 04 جانفي 1977 “إذا تعدّد المشترون لعقّار وقام الشفيع بعرض المال على واحد منهم فقط فإنّ هذا العرض لا يترتّب عليه النتائج القانونيّة وللمحكمة أن تتمسّك بذلك من تلقاء نفسها”. وفي صورة عدم قبول كامل الثمن ومصاريف العقد من طرف المشتري، فعلى المنتفع بالشفعة أن يؤمن الثمن والمصاريف بصندوق الأمائن والودائع طبقا لمقتضيات الفصل 111 م.ح.ع.

وقد أكّدت الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب بمناسبة قرارها الصادر في 7 جانفي 1992 أنّ “عرض كامل ثمن المبيع ومصاريف العقد من الشفيع على المشتري عرضا حقيقيّا متبوعا بالتأمين إذا امتنع المشتري من الإذعان لطلب الشفعة، ضمان لجديّة الدعوى ونتيجة منطقية لطلب الشفعة حتى يثبت الشفيع قدرته على الوفاء بالتزامه فورا، فإن أخلّ بهذا الواجب كلا أو بعضا فقد أخلّ بإجراءات الشفعة وفقد حقّه في استعمال هذه الرخصة المخوّلة له قانونا” .

وصفوة القول أنّه على الشفيع احترام ترتيب إجرائي معيّن يتمثّل أولا في العرض، ثانيا التأمين وأخيرا القيام. وهذا الترتيب المنطقي يجب على الشفيع احترامه، ما أكّدت محكمة الاستئناف بتونس بموجب قرارها الصادر في 24 نوفمبر 2003 قبل أن يتولى القيام بإجراءات رفع الدعوى.

الفقرة الثانية: إجراءات رفع الدعوى

نصّ الفصل 115 جديد من مجلّة الحقوق العينية على أنّه
“…يسقط حقّ القيام بدعوى الشفعة بعد مضي شهر من تاريخ إعلامه…”

ونستنتج من هذه الفقرة أنّ القيام هو الواجب الذي يتحتّم على الشفيع ممارسته في الأجل القانوني.

ولم يسعى المشرّع صلب التنقيح الجديد إلى توضيح الغموض الذي يعتري مفهوم القيام، ويمكن أن يحمل مفهوم القيام عديد المعاني منها تاريخ خلاص معاليم القضية، أو تاريخ نشر الدعوى أو تاريخ توجيه الاستدعاء للجلسة، وأمام تعدّد هذه التواريخ تباينت مواقف فقه القضاء.

وحسما للخلاف، تدخّلت الدوائر المجتمعة عندما أتيحت لها فرصة النظر في هذه المسألة بمناسبة قرارها الصادر في 24 ديسمبر 1982 وصرّحت أنّ “تاريخ رفع الدعوى هو تاريخ إيداعها إلى المطلوب بواسطة العدل المنفذ لا تاريخ ترسيمها لكتابة المحكمة وخلاص معاليمها القانونية” . وهو ما يفهم منه أنّ المقصود بتاريخ القيام هو تاريخ تبليغ الاستدعاء للمشتري. وطبقا لمنطوق الفصل 115 جديد، فإن أجل القيام بدعوى الشفعة في صورة إعلام الشريك الشفيع بعمليّة الشراء من قبل المشتري بواسطة عدل تنفيذ مع بيان الثمن والمصاريف شهرا واحدا.

وأجل شهر، سبق للمشرّع التونسي أن أقرّه بمناسبة تنقيح الفصل 115 من م.ح.ع. بمقتضى القانون عدد 46 لسنة 1992 لتجاوز ضيق الأجل السابق لهذا التعديل وهو ثمانية أيّام، وما تنقيح 2006 إلاّ تأكيد تشريعي لهذا الأجل الذي يمنح للشفيع ليتمكّن من رفع دعواه وإعداد دفاعه قبل تعهّد المحكمة بالنزاع. وبالتالي ففي هذه الصورة، أي صورة إعلام الشفيع وكان الإعلام صحيحا، وجب على الشفيع استدعاء المشتري للحضور بالجلسة التي ستتوّلى فيها المحكمة النظر في دعوى الشفعة وذلك في أجل أقصاه شهر من تاريخ توجيه محضر الإعلام إليه ويسقط حقّه في القيام بعد مضي شهر من تاريخ إعلامه.

ولا يبتدئ سريان أجل شهر إلاّ إذا تمّ الإعلام بواسطة عدل منفذ ويبتدئ احتساب أجل شهر من اليوم الموالي لبلوغ الإعلام للشفيع بوقوع الشراء وينتهي عند تمام اليوم الأخير منه.

وقد استقرّ فقه قضاء المحاكم التونسية على أنّ أجل القيام بدعوى الشفعة هو أجل إجرائي مسقط لا يقبل القطع والتعليق . وصدر في هذا السياق القرار التعقيبي المؤرخ في 27 جوان 1995 الذي جاء فيه أنّ: “كل أجل هو أجل سقوط غير قابل للقطع والتعليق… فإنّ علم الشفيع بالبيع وقيامه بإجراءات الشفعة وصدور أثناء ذلك إعلام بالبيع من المشتري لا تأثير له على أجل سقوط الشفعة الأوّل المحدّد بثمانيّة أيّام” .

وإذا كان أجل القيام محدّد ولا يثير إشكاليات قانونية، فإنّ تحديد المحكمة المختصّة ترابيا للنظر في دعوى الشفعة التي ترمي إلى حلول الشفيع محل المشتري في التملّك بمناب شريكه بقيت محلّ جدل قانوني.

فهناك اتجاه أوّل اعتبر دعوى الشفعة، دعوى مختلطة لأنّها مبنيّة في آن واحد على حقّ شخصي وحقّ عيني عقاري وبالتالي فإن المحكمة المختصّة ترابيا هي المحكمة التي يوجد بها مقرّ المطلوب لا محكمة وجود العقار .

وأماّ الاتجاه الثاني، فيعتبر دعوى الشفعة دعوى عينيّة عقاريّة، وبالتالي فإن المحكمة المختصّة ترابيا هي المحكمة التي يوجد بدائرتها العقار المشفوع فيه وفقا للأحكام الآمرة للفصل 38 من م.م.م.ت.

وقد صدر في نفس الاتجاه العديد من القرارات التعقيبية من أهمّها القرار المؤرخ في 08 فيفري 2000 الذي أكّدت فيه محكمة التعقيب أنّه “لا جدال في أنّ عقار التداعي موضوع الشفعة يقع بولاية أريانة وبالتالي فمردّ النظر في القضية يكون من اختصاص المحكمة المذكورة وفقا للفصل 38 من م.م.م.ت.”

وعلى هذا الأساس، وبما أن دعوى الشفعة هي دعوى تمليك فهي تكون من أنظار المحكمة الابتدائية التي يوجد بدائرتها العقار المشفوع فيه. وهو ما استقرّ عليه فقه قضاء محكمة التعقيب في عديد المناسبات من ذلك قرارها الصادر في 25 مارس 1986 الذي جاء به أنّ “الشفعة هي دعوى تمليك وهي راجعة بالاختصاص للمحكمة الابتدائية” . المبحث الثاني: حلول الشفيع إزاء البائع محلّ المشتري

إنّ أهمّ أثر يترتّب على ممارسة حقّ الشفعة هو إحلال الشفيع إزاء البائع محلّ المشتري في جميع حقوقه والتزاماته طبقا للفصل 112 م.ح.ع.

وقد نصّ الفصل 103 من م.ح.ع. على أنّ “الشفعة حلول الشريك محلّ المشتري في التملّك بمبيع شريكه في الأحوال وبالشروط المنصوص عليها بالفصول الآتيّة”

ونظرا للأهميّة البالغة للحلول، من خلال اعتباره معيارا لتعريف الشفعة، فسوف نتطرّق للنظام القانوني للحلول (فقرة أولى) والآثار المترتبة عنه (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: النظام القانوني للحلول

بالرجوع إلى الفصول المتعلّقة بالشفعة، يتضح وأنّه متى توفرت شروط الشفعة وقام الشفيع بالإجراءات المفروضة قانونا للأخذ بها، ثبت حقّه فيها وحلّ محل المشتري في البيع الذي تمّ بين المشتري والبائع. وهو ما أكّده الفصل 103 م.ح.ع. الذي جاء فيه أنّ “الشفعة هي حلول الشريك محلّ المشتري في التملك بمبيع شريكه”. وتبعا لذلك فإنّ الشفيع ومتى استكمل القيام بجميع الواجبات المحمولة عليه فإنّه يحلّ محلّ المشتري ويصبح الشفيع في علاقة مباشرة مع البائع وكأنّه المشتري منذ الوهلة الأولى.

ويحلّ الشفيع مباشرة بمقتضى الحكم القاضي بالشفعة محلّ المشتري في التملك بمناب شريكه، وبالتالي فإن الحكم بالشفعة لا ينشئ حقّ الشفيع في الحلول محلّ المشتري، بل يقرّه استنادا إلى صحّة إجراءات دعوى الشفعة، بمعنى أن حكم الشفعة هو حكم مقرّر لحقّ الشفيع في خصوص الحلول وليس منشئ له.

الفقرة الثانية: الآثار المترتبة عن الحلول

قد ينفق المشتري على العقار المشفوع فيه في الفترة الفاصلة بين البيع والحكم بالشفعة مصاريف ضرورية أو تحسينية. فما هو مصير المصاريف بعد حلول الشفيع بالعقار محلّ المشتري؟

ينصّ الفصل 113 م.ح.ع. على أنّ:
“…على الشفيع المصاريف الضرورية والتحسينية التي بذلها المشتري”

،

وتبعا لمنطوق الفصل فإنّ الشفيع يتحمل المصاريف الضرورية والتحسينية التي أنفقها المشتري.

إلاّ أنّه وبعد تنقيح الفصل 115 جديد من م.ح.ع. فإنّ المصاريف التي بذلها المشتري، بعد قيامه بواجب إعلام الشفيع بعمليّة الشراء سواء كانت هذه المصاريف تحسينية أو تعلّقت بقيام إحداثات في المبيع لا يتحمّلها الشفيع. لأنّ قيام المشتري بواجب الإعلام يدحض عنه قرينة حسن النيّة، ومن باب العدل أن لا يتحمّل الشفيع هذه المصاريف التي قد تكون الغاية منها منعه من حقّه في الأخذ بالشفعة والحلول محلّ المشتري لأنّها حتما سوف تزيد في قيمة المشفوع فيه خاصّة إذا ما كانت هذه التحسينات أو الإحداثات ضخمة وذات تكاليف باهظة.

فإقرار المشرع لمبدأ وجوبيّة الإعلام ، من شأنه أن يوفر ضمانات كافيّة للشفيع، لأنّ واجب الإعلام أصبح يدحض قرينة حسن النيّة عن المشتري، خاصّة وأن هذا الأخير يعلم منذ وقوع عمليّة البيع أنّه من الواجب عليه آجلا أم عاجلا إعلام الشفيع بالشراء ليحلّ محلّه إن رغب في ذلك، ولن يعفى من هذا الواجب إلاّ إذا تعذر عليه وشريطة إثبات ذلك.
خلاصة الجزء الأول

كرّس التعديل التشريعي لسنة 2006 المنقح لأحكام الفصل 115 من م.ح.ع. ضمانات هامّة للشفيع، من خلال إلزام المشتري القيام بواجباته المتمثّلة خاصّة في واجب الإعلام، وإعلام الشفيع بالشراء يخوّله القيام بدعوى الشفعة إن رغب في ذلك للحلول محلّ المشتري في التملّك بمناب شريكه في أجل أقصاه شهر من تاريخ محضر الإعلام. وإذا كانت ممارسة دعوى الشفعة في حالة الإعلام واضحة المعالم، فإنّ التساؤل يطرح حول القيام في صورة تعذر الإعلام وكيفية ممارسة الدعوى داخل الآجال القانونية المحدّدة صلب الفصل 115 جديد من م.ح.ع.

الجزء الثاني:

ممارسة حقّ الشفعة في صورة تعذّر الإعلام

نصّت الفقرة الثالثة من الفصل 115 جديد من م.ح.ع. على أنّه
“وفي صورة تعذّر الإعلام فإنّ القيام بدعوى الشفعة يسقط بمضي ستّة أشهر من يوم ترسيم العقد بالسجل العقاري بالنسبة للعقارات المسجلة الخاضعة للمفعول المنشئ للترسيم ومن يوم تسجيل العقد بالقباضة الماليّة بالنسبة للعقارات المسجلة غير الخاضعة للمفعول المنشئ للترسيم أو العقارات غير المسجلة”.

ونستشف من ذلك، أن المشرّع قد جاء بموجب تنقيح 2006 بتوضيح جديد لبداية سريان آجال ممارسة حقّ الشفعة في صورة تعذّر الإعلام، فجعله ستّة أشهر يختلف ابتداء سريانها باختلاف الوضعية القانونية للعقارات المعنيّة، وذلك من تاريخ ترسيم العقد بالسجل العقاري في العقارات المسجلة الخاضعة لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم، ومن تاريخ التسجيل بالقباضة الماليّة في العقارات الغير مسجلّة والعقارات المسجلّة الغير خاضعة لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم.

فإذا ما تعذّر على مشتري المناب المشاع إعلام الشفيع بالشراء يصبح من حقّ الشفيع القيام بدعوى الشفعة في أجل ستّة أشهر. وإقرار نظام ممارسة حقّ الشفعة مع مراعاة اختلاف الوضعية القانونية للعقار المشفوع فيه إن كان خاضعا لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم (الفصل الأول) أو غير خاضع لهذا المبدأ (الفصل الثاني) من شأنه أن يحقّق المساواة بين المالكين طالما أن التمييز يقوم على أساس اختلاف نظام ملكيتهم ويرمي إلى تحقيق المساواة الفعلية بينهم.

الفصل الأوّل:

ممارسة حقّ الشفعة في العقارات المسجلة الخاضعة لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم

بعد أن كانت تصنف العقارات في كافة النصوص التشريعية، عقارات مسجلة وعقارات غير مسجلة. جاء المشرّع بموجب تنقيح 2006 وأورد تصنيفا جديدا للعقارات في القانون التونسي، وهي عقارات مسجلة خاضعة لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم وعقارات مسجلة غير خاضعة لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم أو عقارات غير مسجلة.

فأصبح للترسيم مفعول منشأ للحق العيني، وهو المبدأ الذي أورده المشرع في القوانين الصادرة سنة 1992 المنقحة لبعض الفصول من مجلة الحقوق العينية أهمها الفصل 305 من م.ح.ع. الذي نصّ على أنّ: “كلّ حق عيني لا يتكوّن إلاّ بترسيمه بالسجل العقاري وابتداء من تاريخ ذلك الترسيم”. فالترسيم صار شرطا لتكوين الحقّ العيني.

فكلّ حقّ لا يعارض به الغير إلاّ بترسيمه بالسجل العقاري وابتداء من تاريخ ذلك الترسيم، وبالتالي فالشريك الذي لم يرسّم حقّه فضلا عن كونه لا يمكنه معارضة المشتري الغير، فهولا يمكنه اكتساب ملكيّة المناب المشاع الشرط الأولي والجوهري لممارسة حقّ الشفعة، أي لا بدّ أن يرسّم الشريك حقّه حتى يتمكّن من معارضة المشتري باعتباره غيرا وتبعا لذلك يمكنه ممارسة دعوى الشفعة.

في هذا السياق سنتناول مجال المفعول المنشئ للترسيم (المبحث الأول) ثمّ سنتطرّق إلى آجال ممارسة حقّ الشفعة (المبحث الثاني) إذا ما كان العقار المشفوع فيه عقارا مسجّلا خاضعا لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم.

المبحث الأول: مجال المفعول المنشئ للترسيم

تقتضي دراسة المبدأ التعرض لمفهومه في نظام السجلات العينية (الفقرة الأولى) وتحديد نطاقه والإجراءات المتصلة به (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مفهوم المفعول المنشئ للترسيم

لم يعتمد المشرّع التونسي مبدأ المفعول المنشئ للترسيم، إلاّ أخيرا بمقتضى القانون عدد 46 لسنة 1992 المؤرخ في 4 ماي 1992 المتعلّق بإتمام وتنقيح بعض الفصول من مجلّة الحقوق العينية.

والترسيم من أهمّ المؤسسات التي أوردها القانون العقاري ويقصد بها إدراج الحقّ بالسجلات العقارية . ويقصد بالمفعول المنشئ للترسيم أو الأثر المنشئ للترسيم، أنّ الترسيم شرط لنشأة الحقّ العيني، أي أنّ الحقّ لا ينشأ ولا يتكوّن قانونا إلاّ بعد ترسيمه بالسجل العقاري .

وفرّق المشرّع منذ البداية بين الترسيمات الواردة بنصّ الحكم القاضي بالتسجيل والترسيمات الإدارية اللاحقة، حيث أنّ الأولى لها قوّة ثبوتية مطلقة، والثانية لها قوّة ثبوتية نسبية بمعنى أنّه يجوز التشطيب عليها أو تعديلها أو الحطّ منها.

والمقصود بالترسيم عند الحديث عن مبدأ المفعول المنشئ هو الترسيم الإداري اللاحق .

ويعتبر تدخّل المشرّع بموجب قانون 1992، إحياء لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم وذلك بالفصل 305 جديد من م.ح.ع، الذي استوعب نفس الصيغة الواردة بنص 1885 بقوله: “كلّ حقّ عيني لا يتكوّن إلاّ بترسيمه بالسجل العقاري وابتداء من تاريخ ذلك الترسيم” ليصبح الترسيم شرطا لنشأة الحقّ العيني، أي أنّ الحقّ العيني لا يوجد إلاّ بداية من هذه العمليّة سواء بين الأطراف المتعاقدة أو إزاء الغير بصرف النظر عن تاريخ إبرام العقد وهو الحلّ المعتمد في معظم التشاريع المقارنة التي اعتمدت نظام السجلات العينية .

لذلك فإن عدم الترسيم يؤدي إلى عدم وجود الحقّ العيني العقاري وهذا من شأنه أن يدفع بالمتعاقدين إلى الإسراع في طلب ترسيم عقودهم لتثبيت ملكيتهم. إذ أن الترسيم يضمن الثقة في المعاملات وهو إجراء يحفظ الحقوق. ما أكّدته محكمة التعقيب في قرارها الصادر في 13 جانفي 1983 عندما أقرّت أنّ: “كلّ من سعى في إدراج الحقّ الذي اكتسبه في السجل العقاري فقط أحاط ذلك الحقّ بحصانة مستمّدة من القانون” .
الفقرة الثانية: نطاق تطبيق مبدأ المفعول المنشئ للترسيم والإجراءات المتصلة به

صدر القانون عدد 91 لسنة 2000 المؤرخ في 31 أكتوبر2000 المتعلّق بتطبيق المفعول المنشئ للترسيم على بعض الرسوم العقارية، وجاء فيه أنّ الأحكام الواردة بالفصل 2 من القانون عدد 46 لسنة 1992 المؤرخ في 4 ماي 1992 والمتعلّق بتنقيح وإتمام بعض الفصول من مجلّة الحقوق العينية، تنطبق على الرسوم العقارية المحدثة تنفيذا للأحكام الصادرة بالتسجيل ابتداء من دخول القانون عدد 30 لسنة 1998 المؤرخ في 20 أفريل 1998 المتعلّق بالتمديد في مفعول الأحكام الانتقالية المرتبطة بتحيين الرسوم العقاريّة حيز التنفيذ وكذلك على الرسوم التي تمّ تحيينها.

فالمشرّع التونسي لم يعتمد مبدأ المفعول المنشئ للترسيم إلاّ بمقتضى القانون عدد 46 لسنة 1992 المؤرخ في 04 ماي 1992 المتعلّق بتنقيح وإتمام بعض الفصول من مجلّة الحقوق العينية. وقد تأجّل انطباقه مرّة أولى بمقتضى القانون عدد 37 لسنة 1995 المؤرخ في 24 أفريل 1995 ومرّة ثانيّة بموجب القانون عدد 30 لسنة 1998 المؤرخ في 20 أفريل 1998 الذي نصّ صراحة على أنّ الرسوم العقاريّة المقامة بعد سنة 1998 خاضعة لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم. ومن خلال القانون عدد 30 لسنة 1998 والقانون عدد 91 لسنة 2000 يتّضح أنّ المفعول المنشئ لا ينطبق بالنسبة للرسوم العقارية المقامة بعد 1998 إلاّ بتوفّر شرطين أساسيين وهما: دخول القانون عدد 30 لسنة 1998 حيز التنفيذ وإقامة الرسم العقاري أي أنّ الرسوم العقاريّة المقامة قبل دخول القانون الجديد حيّز التنفيذ لا تخضع لضوابط المفعول المنشئ. ونستنتج من ذلك أن تطبيق مبدأ المفعول المنشئ للترسيم، وجوبي بالنسبة إلى الرسوم العقاريّة المقامة بعد 20 أفريل 1998. وقد نصّ الفصل 316 م.ح.ع. على أنّ إدارة الملكيّة العقاريّة مكلّفة “بإقامة الرسوم العقاريّة تنفيذا للأحكام الصادرة بالتسجيل…” فتتولى تبعا لذلك ترسيم الحقوق العينية المأذون بترسيمها من طرف المحكمة العقارية في نطاق حكمها الصادر في الأصل.

وأحكام التسجيل هذه، أحاطها المشرّع بإجراءات محكمة من شأنها أن تضمن من جهة استقرار الحقوق العينيّة، وأن تحافظ من جهة أخرى على مصالح ذوي الشأن دون أن يغفل عن حقوق المتنازعين وما قد يلحق بهم من مضرّة بسبب عمليّة التسجيل، ففرض على طالب التسجيل وكل معترض أن يقدّم للمحكمة العقاريّة جميع المؤيّدات التي من شأنها أن تكشف عن الحقوق العينية الموظفة على العقار.

وقد بيّنت مجلّة الحقوق العينية الإجراءات المتعلّقة بمطلب الترسيم بالفصل 392 م.ح.ع. وواجبات طالب الترسيم بالفصل 394م.ح.ع. حسب صيغته الجديدة المعدّلة بموجب التنقيح الصادر بموجب القانون عدد 35 لسنة 2001، المؤرخ في 17 أفريل 2001، وإجراءات الترسيم بالفصلين 398 و399 م.ح.ع.

وتجب الإشارة إلى أنّ الفصل 373 جديد من م.ح.ع. بين الحقوق التي يجب ترسيمها ليتكوّن الحقّ، وبالتالي يشمل المفعول المنشئ مبدئيّا جميع الصكوك سواء كانت إداريّة، أو إرادية أو عدليّة. أي أن هذه الصكوك يجب أن ترسم حتّى تكون سببا في تكوين الحقّ .

ويترتّب عن عدم إشهار الصكوك الواردة بالفصل 373 م.ح.ع. وتحديد الفقرة الأولى والثانية منه، أن الحقوق العينية الواردة بها لا تكون حجّة فيما بين المعنيين بالأمر أنفسهم. ولا يترتب عن تلك الأمور غير المرسّمة سوى الالتزامات الشخصيّة وبالتالي إذا لم يرسّم الكتب لا تنتقل الملكيّة، فالحقّ العيني لا يتكوّن أصلا إلا بموجب الترسيم طبقا للفصل 305 م.ح.ع أي أن نقلة الحق العيني للمشتري لا تتحقّق إلاّ بمقتضى الترسيم وابتداء من تاريخ ذلك الترسيم. وإذا كانت الرسوم المقامة بعد دخول قانون عدد 30 لسنة 1998 لا تطرح أيّة صعوبة. فإن التساؤل يطرح حول الرسوم المحدثة قبل هذا التاريخ وهي الرسوم التي قد تحتاج إلى التحيين.

ويقصد بالتحيين العقاري، جعل الوضعية القانونية للعقار مطابقة للحالة الواقعيّة له، بشكل يعكس الحياة الحقيقية للعقار. ويقصد بالحالة القانونية وضعية بيانات السجل العقاري الأخيرة. أما الحالة الواقعية فيقصد بها الصورة العينية للعقار في إطاره الواقعي خارج حدود تنصيصات السجل العقاري . فالتحيين يستوجب مطابقة البيانات المضمنة بالرسم العقاري لحالته الواقعية وهو ما يقتضي وجوبا ترسيم جميع الصكوك والاتفاقات بالرسم العقاري.
ويعتبر المشرع التونسي تحيين الرسم شرطا أساسيا لتطبيق المفعول المنشئ، وقد اهتدى المشرع إلى هذا الفهم وأدرك مقاصده منذ بداية تجربة التحيين وأنهى هذه السياسة بربط انطباق المبدأ بتقدم نسق التحيين.

فمبدأ المفعول المنشئ لا ينطبق إلا إذا كان الرسم محيّنا بالمعنى الذي يحدده القانون، كما أن التحيين لا يشمل إلا الرسوم المقامة قبل سنة 1998.

وعليه فالمعيار في هذه الإجراءات لتطبيق المفعول المنشئ هو إحالة مطلب التحيين إلى دائرة الرسوم المجمدة أو لجنة التحيين، وصدور قرار إيجابي تم تنفيذه طبق القانون. ويبدو أن المشرع وفي مرحلة لاحقة، أحس بنقائص إجراءات التحيين التي سبق الإشارة إليها، وحاول تجاوزها من خلال أحكام القانون الجديد، قانون عدد 34 المؤرخ في 10 أفريل 2001 المتعلق بتحيين الرسوم العقارية، وضبط معيارا واضحا لتطبيق المفعول المنشئ، حيث جاء بشرح أسباب القانون عدد 34 لسنة 2001 أنه :”تم إقرار مقتضيات تتعلق بختم إجراءات التحيين وهدفها تحقيق المقصود من مشروع القانون والتقدم بصفة تدريجية في تطبيق المفعول المنشئ للترسيم” .

ويعتبر الفصل 23 من قانون 2001 أول نص بيّن كيفية تطبيق مبدأ المفعول المنشئ حيث جاء بفقرتيه الأولى والثانية أنه “إذا شمل التحيين كامل الرسم العقاري موضوع المطلب، أو نشأ عنه إحداث رسم عقاري جديد تقرر المحكمة ولو دون طلب ختم إجراءات التحيين بالنسبة إلى الرسمين المذكورين. وتنص إدارة الملكية العقارية تبعا لذلك على قرار الختم بالرسوم العقارية المعنية وعلى خضوعها… لأحكام المفعول المنشئ”.

ونستنتج من ذلك أن الرسوم العقارية لا تدخل تحت طائلة المفعول المنشئ وفق الإجراءات الجديدة إلا إذا صدر في شأنها قرار “ختم إجراءات التحيين”، ونفذ حكم التحيين. ويقصد بعبارة “ختم الإجراءات” نهاية الأبحاث المتعلقة بالتحيين بصفة باتة ويعتبر قرار الختم منطلق انطباق المفعول المنشئ بعد تنفيذه.

ولا يسوغ تأجيل تنفيذ الحكم الصادر بالتحيين إلا في صورة طلب إصلاح أو وجود صعوبة، إذ نص الفصل 25 من قانون عدد 34 لسنة 2001 على أنه “لا يجوز لإدارة الملكية العقارية تأجيل تنفيذ الحكم الصادر بالتحيين إلا في صورة طلب إصلاح الغلطات المادية المتسربة للحكم طبقا للفصل 26 من هذا القانون”. وتبعا لذلك ومن خلال أحكام الفصل 25 من قانون 2001 الآنف الذكر، فإن المبدأ بالنسبة لأحكام التحيين هو النفاذ الفوري والآلي، دون التوقف على طلب الأفراد.

وتؤكد مقتضيات الفصل 27 من قانون 2001 ما لحكم التحيين من نفوذ وحجية مطلقة إذ ورد به أن :”كل شخص تضررت حقوقه من جراء حكم صادر عن دائرة الرسوم المجمدة أو قاضي السجل العقاري لا يمكن له أصلا أن يرجع على العقار وإنما له في صورة الخطأ الحق في القيام على المستفيد من العملية المأذون بها بدعوى شخصية في غرم الضرر”. ونستخلص من ذلك أن، المشرع نزّل الحكم الصادر بالتحيين منزلة حكم التسجيل، وذلك نظرا للضمانات التي يحققها إشهار مطلب التسجيل (الفصل 322 م.ح.ع) أو التحيين (الفصل 12 من قانون 2001) ويلاحظ أن هذه القوة المطلقة للحكم الصادر بالتحيين لا تمنع ولو في حدود ضيقة الطعن فيه بإعادة النظر في صور محددة طبقا للفصل 28 من قانون عدد 34 لسنة 2001 المتعلق بتحيين الرسوم العقارية لمن تضررت حقوقه من حكم التحيين. وهو نفس المنهج الذي نحاه المشرع التونسي بالنسبة للأحكام الصادرة بالتسجيل، فرغم إقراره لقوة الإثبات المطلقة لحكم التسجيل والمفعول التطهيري الكامل للتسجيل بمعنى أن التسجيل يطهر العقار من كامل التحملات الموظفة عليه التي لم تظهر أثناء إجراءات التسجيل، فإنه مكن أحد أطراف الحكم (طالب التسجيل أو المعترض) من الطعن بالمراجعة في حكم التسجيل طبقا للفصل 332 من م.ح.ع المنقح بموجب قانون عدد 10 لسنة 1995 المؤرخ في 23 جانفي 1995 في حالات محددة حصرا . وسواء أحدث رسم الملكية بعملية تسجيل أو تحيين فهو يعد بمفرده حجة لإثبات الحقوق المرتبة على العقار دون اعتبار الحقوق السابقة.

فغاية المشرع أولا وأساسا من جعل الحل الجديد لممارسة حق الشفعة مرتبطا بالمفعول المنشئ للترسيم هي إصلاح النظام العيني التونسي وذلك لمنع المشتري لعقار مسجل من التفويت في العقار قبل ترسيم مشتراه بالسجل العقاري وذلك للقضاء على معضلة الرسوم المجمدة.
المبحث الثاني : بداية سريان آجال ممارسة حق الشفعة

إذا ما كان العقار المشفوع فيه عقارا مسجلا خاضعا لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم فإن ملكيته لا تنتقل إلى المشتري إلا من يوم ترسيم العقد المشفوع به بالسجل العقاري (الفقرة الأولى) ليتمكن بعد ذلك الشفيع من ممارسة حقه في الشفعة والحلول محل المشتري في التملك بمناب شريكه وذلك نظرا للطبيعة القانونية للترسيم (فقرة ثانية).

الفقرة الأولى : يوم ترسيم العقد بالسجل العقاري

يعتبر الترسيم من أهم المؤسسات التي أوردها القانون العقاري، ويقصد به إدراج الحق بالسجلات العقارية .

ويتأسس نظام السجلات العينية على مبدأ المفعول المنشئ للحق، أي أن الحق لا يتكون بالنسبة إلى العقارات المسجلة إلا بالترسيم وعلى مبدأ القوة الثبوتية المطلقة للترسيمات أي أن الحقوق المرسمة تمثل الحقيقة الأولى والمطلقة في الإثبات للعقار. والترسيم لغة هو التنصيص والكتابة بالسجل، فهو إذا عملية كتابية للحفظ والإشهار . ويجب تمييز مؤسسة الترسيم بوصفها مؤسسة مستقلة عن المؤسسات القريبة منها مثل الهوامش التي تدرج بالسجل العقاري أي العمليات التي لم ترسم بصفة نهائية، والتنصيصات التي يحتويها الرسم المراد ترسيمه تعريفا بصاحبه على معنى الفصل 377 م.ح.ع والاعتراضات التحفظية على معنى الفصول 322 و327 و328 م.م.م.ت وغيرها من المؤسسات القريبة .

وقد حددت مجلة الحقوق العينية الإجراءات المتعلقة بمطلب الترسيم بالفصل 392، وواجبات طالب الترسيم بالفصل 394 م.ح.ع.

والترسيم هو من مشمولات إدارة الملكية العقارية سواء منها المركزية أو الجهوية، وهي مكلفة تطبيقا لأحكام الفصل 316 م.ح.ع. بإقامة رسوم الملكية تنفيذا للأحكام الصادرة بالتسجيل وبترسيم الحقوق.

كما تسهر على التنصيص بالرسوم على آخر تعديل يطرأ عليها وذلك لتحقيق الهدف الذي بعثت من أجله إدارة الملكية العقارية وهو الإشهار أي إشهار السجلات العقارية ليتمكن المواطن من الإطلاع عليها كلما رام التعامل مع عقار مسجل .

ويمكن تعريف السجل العقاري بكونه مجموع رسوم الملكية المتعلقة بالعقارات المسجلة، وانطلاقا من هذا التعريف نستنتج أن مجال الترسيم هو العقارات المسجلة، بما أن إقامة رسم الملكية هو النتيجة المباشرة لعملية التسجيل، فقد نص الفصل 316 من م.ح.ع أن مدير الملكية العقارية مكلّف “أولا : بإقامة رسوم الملكية تنفيذا للأحكام الصادرة بالتسجيل”. وقد حدد المشرع التونسي صلب الفصل 373 من م.ح.ع الحقوق التي يجب ترسيمها ليتكون الحق. و بالتالي فإن الترسيم بالسجل العقاري لم يعد بمقتضى قانون 1992 وسيلة إشهار فقط بل أصبح منشأ للحق العيني وهو مبدأ أقره الفصل 305 جديد م.ح.ع. الذي أورد أن الحق العيني العقاري ينشأ من ’’تاريخ الترسيم” ويكون منطلق حدوثه إذا تعلق الأمر بترسيمات إدارية لاحقة.
وإذا كان الترسيم بالسجل العقاري شرط لنشأة الحق العيني، فما هي حجيّة الحق في صورة عدم ترسيمه وإدراجه بالسجل العقاري؟

لقد أقر المشرع بالفصل 373 من م.ح.ع جزاء عدم ترسيم العقود الناقلة لحقوق عينية بالسجل العقاري. ويتمثل في أن تلك العقود
“…لا تكون حجة فيما بين المعنيين بالأمر أنفسهم ولا يترتب عن تلك الأمور غير المرسمة سوى الالتزامات الشخصية…”.

ويؤخذ من أحكام هذا الفصل أن ملكية المبيع لا تنتقل للمشتري إلا إذا تم ترسيم العقد بالسجل العقاري، وأنه قبل الترسيم لا ينشئ البيع أي حق عيني بل يرتب مجرد التزام شخصي ويبقى البائع هو المالك للعقار إلى أن يتم إدراج العقد بالسجل العقاري. ويجب الإشارة في هذا الإطار إلى الدور الهام الذي تلعبه إدارة الملكية العقارية في إدراج الترسيم بالسجل العقاري، ضرورة أنها تتعهد بجملة من الإجراءات الهامة التي تتمثل اساسا في مراقبة الصكوك المقدمة للترسيم، عملا بمبدأ التسلسل ومبدأ شرعية الترسيم.

وتحقق بذلك الوظيفة الاشهارية للسجل العقاري من خلال اطلاع العموم على بيانات السجل العقاري، ليقفوا على الحقوق والتصرفات القانونية المتعلقة بالعقارات المسجلة.

وليتمكن أرباب الحقوق من الاحتجاج بحقوقهم على الغير، فإن لم يتم الاشهار تعذر الاحتجاج بتلك الحقوق مما يدعو حتما للبحث عن الطبيعة القانونية للترسيم بالسجل العقاري.

الفقرة الثانية : الطبيعة القانونية للترسيم بالسجل العقاري

يقضي إقرار مبدأ المفعول المنشئ للترسيم البحث عن الطبيعة القانونية لهذا الإجراء بالنسبة لعقد البيع. فالترسيم إلى جانب كونه يضمن الثقة في المعاملات فهو إجراء يحفظ الحقوق. ما أكدته محكمة التعقيب في قرارها الصادر في 13 جانفي 1983 والذي جاء في إحدى حيثياته أن :
“…كل من سعى في إدراج الحق الذي اكتسبه في السجل العقاري، فقد أحاط ذلك الحق بحصانة مستمدة من القانون”.

وبالتالي فلا مجال للحديث عن تكوين حق عيني عند ابرام عقد إلا إذا انجزت شكلية الترسيم وهو ما يطرح التساؤل هل أن الترسيم أصبح ركنا من أركان العقد أو شرطا لتمامه؟

نلاحظ من خلال الفصول المكرسة لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم أن المشرع التونسي قد استعمل عبارة “يتكون” وهي كلمة اقترحها المجلس الدستوري ويؤكد الأستاذ محمد كمال شرف الدين أنه لا فرق بين الوجود والتكوين، وقد اختار المجلس الدستوري هذه اللفظة تماشيا مع روح الدستور الضامن لحق الملكية والذي يعتبر موجودا دائما كما أن التكوين لا يعني المجيء من العدم وإنما تكوين الحق العيني العقاري الموجود في ذمة المتعاقد .

وبمقتضى قانون 04 ماي 1992 لم يعد الترسيم بالسجل العقاري وسيلة لإشهار الحقوق العينية للغير بل أصبح منشئا للحق العيني وهو مبدأ أقره المشرع بالفصل 305 من م.ح.ع الذي نص على أن :”كل حق عيني لا يتكون إلا بترسيمه بالسجل العقاري وابتداء من تاريخ ذلك الترسيم”.

ونستنتج من هذا الفصل أن الحقّ لا يتكوّن إلا بموجب عملية الترسيم، أي أن إحالة الملكيّة لا تتحقّق إلا بموجب عملية الترسيم وابتداء من تاريخ ومن زمن تلك العملية.

أي أن الحق العيني لا يوجد إلا بداية من هذه العملية، سواء بين الأطراف المتعاقدة أو إزاء الغير بصرف النظر عن تاريخ إبرام العقد وهو الحل المعتمد في معظم التشاريع المقارنة التي اعتمدت نظام السجلات العينية .

وخلاصة القول، فإن الترسيم شرط لتكوين وانتقال الحق العيني العقاري، فالملكية العقارية لا تنتقل إلا بترسيم العقد ولذلك فإن عدم الترسيم يؤدي إلى عدم وجود الحق العيني، ويكون بذلك المفعول المنشئ للترسيم قد وحّد سبب ونشأة الحق العيني سواء فيما بين المتعاقدين أو تجاه الغير.

ويطرح التساؤل هنا حول ما مدى آثار قاعدة المفعول المنشئ للترسيم على دعوى الشفعة؟ فهل يجوز القيام بهذه الدعوى بعد إبرام عقد البيع وقبل ترسيمه بالسجل العقاري؟ وتزداد أهمية هذا السؤال إذا ما علم الشفيع بعملية البيع قبل أن يتولى المشتري إدراج مشتراه بالسجل العقاري فهل يمضي أجل القيام بداية من تاريخ علم الشفيع بالبيع أم أنه يبتدئ من تاريخ الترسيم دون الأخذ بعين الاعتبار بتاريخ علمه بوقوع عملية البيع؟

إن لقاعدة المفعول المنشئ آثارا هامة على دعوى الشفعة، فمبدئيا لا يمكن للشفيع ممارسة حق الشفعة، لأن عملية البيع لم تتم بصفة قانونية باعتبار أن الحق العيني لم يتكون وتبعا لذلك فإن ملكية المبيع لا تنتقل إلى المشتري إلا بعد ترسيم عقد البيع بالسجل العقاري.

وعموما لا يمكن للشفيع أن يمارس دعوى الشفعة قبل ترسيم الشراء المشفوع فيه لأن آجال الشفعة لا تبتدئ إلا من تاريخ ترسيم العقد بالسجل العقاري، ذلك أن ملكية العقار المسجل لا تنتقل إلى المشتري إلا بعد ترسيم العقد وهو ما أكدته أحكام الفصل 373 من م.ح.ع الذي رتب في صورة عدم ترسيم العقد مجرد التزامات شخصية.

وتبعا لذلك فتاريخ الترسيم هو تاريخ إحالة ملكية المبيع إلى المشتري، وهو نفس التاريخ الذي يمثل نقطة انطلاق سريان آجال ممارسة الشفعة من طرف الشفيع (الغير).

فبداية احتساب أجل الستة أشهر للقيام بدعوى الشفعة بالنسبة للعقارات المسجلة الخاضعة لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم، يكون من تاريخ ترسيم العقد.

ويعتبر هذه الحل التشريعي، ضمانة لحقوق الشفيع والمشتري، إلا أن تطبيق هذا الحل ليس بهاته السهولة، نظرا لوجود بعض الوضعيات الخاصة التي يصعب فيها تحديد النظام القانوني للعقار المشفوع فيه. ما إذا كان العقار خاضعا لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم ويكون تاريخ ترسيم العقد هو المعتمد في احتساب آجال الشفعة، أم أن العقار المشفوع فيه غير خاضع للمبدأ المذكور وبالتالي يكون التاريخ في بداية احتساب سريان الآجال هو تاريخ تسجيل العقد بالقباضة المالية. كأن يكون العقار المشفوع فيه ربعا أي بناية مقامة على رسمين عقاريين، رسم خاضع لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم ورسم غير خاضع للمبدأ المذكور. فهل أن احتساب آجال القيام بدعوى الشفعة في هذه الحالة، تنطلق من ترسيم العقد أم من تسجيل العقد؟ لا وجود لإجابة واضحة، في هذه الحالة، يمكن اعتماد المساحة الأكبر لتحديد الطبيعة القانونية للعقار، وربما بما أن العقارات المسجلة لا يمكن التعامل عليها إلا بالاطلاع على الرسم العقاري يقع اعتماد تاريخ الترسيم، وتبقى كل هذه الفرضيات ممكنة في إطار هذا الفراغ التشريعي. إلا أن ذلك لا يحجب القول بأن اعتماد تاريخ الترسيم كبداية لاحتساب سريان آجال القيام بالشفعة في صورة تعذر الإعلام بالنسبة للعقارات الخاضعة لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم، من شأنه أن يوحد الآراء الفقه قضائية، ويقضي بصفة نهائية على التباين الذي سيطر على قرارات الدوائر المدنية لمحكمة التعقيب وعلى فقه القضاء المدني عموما.
الفصل الثاني :

ممارسة حق الشفعة في العقارات غير الخاضعة للمفعول المنشئ للترسيم

لئن اعتمد المشرع في العقارات الخاضعة لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم شكلية الترسيم معيارا لاحتساب آجال الشفعة، فقد اعتمد في بقية العقارات الأخرى الغير خاضعة للمبدأ المذكور تاريخ التسجيل بالقباضة المالية كمعيار لبداية احتساب آجال الستة أشهر.

والعقارات غير الخاضعة لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم تنقسم بدورها إلى صنفين، عقارات مسجلة غير خاضعة للمفعول المنشئ للترسيم، تتمثل اساسا في الرسوم المجمدة، وعقارات غير مسجلة.

وتبعا لذلك فإذا ما كان النظام القانوني للمبيع المشفوع فيه خاضعا لأحد هذين الصنفين من العقارات أي رسما مجمدا أو عقارا غير مسجلا، فإن شكلية التسجيل وحدها تكون كافية لاعتمادها كمعيار لسريان آجال ممارسة حق الشفعة لأن مجرد تسجيل عقد البيع بالقباضة المالية يكون كاف للاحتجاج والتمسك به إزاء الغير.

إن اعتماد قاعدة التسجيل للاحتجاج بعقد البيع العقاري على الغير له الأثر على أحكام الشفعة لتكون متماشية مع الفكرة التي تبناها المشرع التونسي وهي عدم معارضة الغير (الشفيع) بالكتب الناقل لملكية العقار غير المسجل والرسم المجمد إلا بتسجيله بالقباضة المالية.

وهو يجعلنا نتطرق للنظام القانوني للعقارات غير الخاضعة للمفعول المنشئ للترسيم (مبحث أول) والتي استوجب المشرع تسجيلها بالقباضة المالية للاحتجاج بها إزاء الغير، وليكون يوم تسجيل عقد البيع المشفوع به بالقباضة المالية نقطة بداية سريان آجال ممارسة حق الشفعة (مبحث ثاني).
المبحث الأول : النظام القانوني للعقارات غير الخاضعة للمفعول المنشئ للترسيم

نص الفصل 115 جديد من م.ح.ع على أن
“…وفي صورة تعذر الاعلام، فإن القيام بدعوى الشفعة يسقط بمضي ستة أشهر… من يوم تسجيل العقد بالقباضة المالية بالنسبة للعقارات المسجلة غير الخاضعة للمفعول المنشئ للترسيم أو العقارات غير مسجلة”.

ويستخلص من ذلك أن العقارات المشفوع فيها غير الخاضعة لمبدأ المفعول المنشئ للترسيم، والتي اتخذ المشرع من شكلية التسجيل معيارا لانطلاق سريان آجال الشفعة تنقسم إلى نوعين: عقارات مسجلة غير خاضعة للمبدأ المذكور وهي ما تسمى بالرسوم المجمدة (الفقرة الأولى) وعقارات غير مسجلة (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : الرسوم المجمدة

الرسم المجمد هو الرسم الذي لا تتطابق صورته الحقيقية والواقعية مع صورته القانونية حسب المفهوم الواسع، وهو الرسم الذي يستعصي تحيينه إلا بتدخل السلطة القضائية حسب المفهوم الضيق . ويرى الأستاذ محمد كمال شرف الدين أن الرسم المجمد هو الذي لا يمكن رفع الجمود عنه بمجرد تدخل عادي من قبل إدارة الملكية العقارية.

وتتمثل أهم أسباب استفحال الرسوم المجمدة في نظام الإشهار التونسي، أساسا في كون الأطراف لم يهتموا بترسيم كتائبهم بالسجل العقاري وذلك إما لجهلهم بأهمية الترسيم وإما عزوفا عن القيام بعمل ينجرعنه دفع آداءات لإدارة التسجيل (القباضة المالية) وهذا العزوف سوف يؤدي حتما إلى الاختلال في وضعية الرسم الواقعية والقانونية ويفقد السجل العقاري نجاعته وأهميّته، الأمر الذي دفع بالمشرّع للتدخّل محاولة منه لمعالجة هذا الجمود وذلك من خلال إصدار قوانين كان الهدف منها تحيين الرسوم المجمّدة، لاسيما وأن تحيين الرسم شرط أساسي لتطبيق المفعول المنشئ، وقد اهتدى المشرّع إلى هذا الفهم وأدرك مقاصده منذ بداية تجربة التحيين .

وإذا كانت ظاهرة الرسوم المجمّدة مستفحلة في نظام الإشهار التونسي، فماذا عن نظام العقارات الغير مسجلة؟
الفقرة الثانية: العقارات غير المسجلة

تخضع العقارات الغير مسجلة لأحكام النظام العام للبيع ولم يخصها المشرع بضمانات خاصة عدى تلك المتعلقة بشكلية الكتب والتسجيل بالقباضة الماليّة.

وهذا من شأنه أن يجعل بيع العقارات غير المسجلة من جهة بيعا سهلا بما أنه ينتج آثاره بين الأطراف المتعاقدة بمجرّد إبرامه بمقتضى كتب ثابت التاريخ دون حاجة للإطلاع على رسم عقاري بما أنّ ليس له رسم عقاري.

ومن جهة أخرى، فهو بيع خطير لأنّه تصرّف قانوني ناقل للملكيّة وله تأثير واضح على الحقوق والمكاسب، فانتقال ملكيته بين أطرافه بمجرّد إبرام عقد البيع على الصور القانونية المستوجبة دون حاجة لترسيمه بسجلاّت الملكيّة العقارية يجعل ملكيته غير ثابتة، ضرورة أن حجج ملكيّة هذا النوع من العقارات في غالب الأحيان حجج قديمة، وقد لا تتضمن بيانات واضحة ودقيقة حول العقار الغير المسجّل (المبيع) وحول مالكيه.

وقد نصّ الفصل 581 من م.إ.ع. المنقح بموجب القانون عدد 47 لسنة 1992 على أنّه: “إذا كان موضوع البيع عقارا أو حقوقا عقارية أو غيرها مما يمكن رهنه يجب أن يكون بيعها كتابة بحجة ثابتة التاريخ قانونا ولا يجوز الاحتجاج بالعقد المذكور على الغير إلاّ إذا سجّل بقباضة المالية مع مراعاة الأحكام الخاصّة بالعقارات المسجلة”.

ونتبيّن من خلال الفصل 581 من م.إ.ع. أن بيع العقارات الغير مسجلة يستوجب حصول البيع كتابة، أي بموجب كتب ثابت التاريخ وممضى من قبل المتعاقدين.

وخلافا للبيع المتعلق بعقار مسجل الذي لا ينتج آثاره إلاّ من تاريخ ترسيم العقد بالسجل العقاري، فإن عقد بيع العقار غير المسجّل ينتج آثاره بمجرّد انعقاده على الوجه المنصوص عليه بالفصل 581 من م.إ.ع. إلاّ أنّ الاحتجاج به على الغير لا يكون إلاّ من تاريخ تسجيل العقد بالقباضة المالية وهو ما أكّده فقه قضاء محكمة التعقيب حيث اعتبرت في قرارها عدد 29692