معيار الدولية في العقد التجاري
عقد البيع الدولي هو عقد يبرمه طرفان من دولتين مختلفين، على بضاعة سوف يجرى نقلها من البائع إلى المشترى، مقابل ثمن يتم تسديده بطرق معينة. فالبيع هو الأداة القانونية الفعلية التى يتحقق بها هذا النشاط الاقتصادى ويختلف عن عقد البيع في التشريعات الوطنية في انه يخضع لمبدأ سلطان الارادة للمتعاقدين وبخلاف ذلك لايختلف عنه كثيرا من حيث الاحكام ، وهو ينظم العلاقة التجارية والتي تعتمد فى تعريفها لعقد البيع على ما يرتبه البيع من التزامات على اطراف التعاقد ، وهى نقل ملكية ألبضاعة من البائع إلى المشترى مقابل ثمن نقدى، و الالتزام بنقل الملكية هو من اهم مستلزمات العقد ،ذلك ان عقد البيع ينشئ التزاماً فى ذمة البائع بنقل ملكية المبيع إلى المشترى، ويتم تنفيذ هذا الالتزام فى بعض البيوع بمجرد العقد وبقوة القانون، بينما يقتضى البعض الآخر قيام البائع بنقل ملكية المبيع إلى المشترى تنفيذاً لالتزامه بذلك، أى قيامه بالأعمال اللازمة لذلك وترتب على ذلك اختلاف القوانين الوطنية فى شأن أثر البيع فى ملكية المبيع، فمنها ما رتب على مجرد انعقاد البيع انتقال ملكية المبيع من البائع إلى المشترى، ومنها ما لا يرتب على البيع إلا مجرد إنشاء التزام بنقل الملكية خصائص عقد البيع اذن انه عقد رضائي لتوافر التمييز لدى العاقدين، و تقابل الإيجاب بالقبول مع تطابقهما. ، ومن عقود المعاوضات بمعنى انه يرتب التزامات على كلا طرفيه

فنجد أن القانون السوداني يُعرف عقد البيع بأنه عقد يلتزم به البائع أن ينقل للمشترى ملكية شئ أو حقاً مالياً آخر فى مقابل ثمن نقدى
يركز هذا التعريف على صفة البيع كعقد ناقل للملكية، إذ يرتب التزاماً فى ذمة البائع بنقل ملكية المبيع إلى المشترى
ويقترب تعريف القانون الإنجليزى لعقد البيع من هذا المفهوم، إذ يعرفه بأنه “عقد ينقل البائع بمقتضاه – أو يتعهد بنقل – ملكية البضاعة إلى المشترى نظير مقابل نقدى يسمى الثمن” فيجب أن يقدم كل طرف شيئاً فى مقابل ما يحصل عليه، فيقدم البائع – أو يتعهد بتقديم – ملكية البضاعة، ويقدم المشترى أو يتعهد بتقديم نقود كثمن لها
ويُعرف القانون الأمريكى عقد البيع بأنه “نقل ملكية البضاعة من البائع إلى المشترى مقابل ما يدفعه الأخير من ثمن”
وتختلف البيوع الدولية فى نظرتها لأثر البيع الناقل للملكية، إذ ينصرف نظر أصحابها إلى التسليم الموافق لشروط العقد وحده، باعتباره مركز الثقل فى هذه المعاملات،

أذن الالتزام بالتسليم هوأساس العقد الدولى لبيع البضائع ومحور أحكامه، وأصبح يعنى فى الوقت الحاضر الالتزام بنقل الملكية، وذلك لصعوبة الفصل بين الالتزامين فى التعامل التجارى، لتعلق بيع البضائع فى الغالب بأشياء منقولة معينة بالنوع فلا تنتقل ملكيتها بمجرد التعاقد، كما هو شأن بيع المنقول المعين بالذات.

ولذلك فإن الاتفاقيات الدولية التى نظمت عقد البيع الدولى لم تتعرض للالتزام بنقل الملكية، وإنما للالتزام بالتسليم وحده
قلنا ان عقد البيع هو هو لايختلف تعريفه كثيرا في التشريعات الوطنية ان حاز على صفة الدولية لكونه يتطلب ذات الشروط الواردة في النظرية العامة للالتزامات من حيث اركانه و هي (الرضا، المحل،و السبب.) فإذا انعدم احدها لا ينعقد العقد و يكون باطلا بطلانا مطلقا. بالإضافة إلى ركن الشكل في العقود الشكلية .

كما جعل القانون شروطا للرضا و المحل و السبب. بحيث إذا لم تتوفر تلك الشروط إختل الركن. ولا ينعقد العقد مع وجود هذا الإختلال.
و من شروط وجود ركن التراضي: ان يتوافر التمييز لدى العاقدين، و تقابل الإيجاب بالقبول مع تطابقهما. و ذلك حسب القانون المدني بالنسبة للتمييز اما احكام تبادل الإيجاب و القبول فتسري عليها المواد مواد خاصة من القانون المدني .
صفة الدولية في عقد البيع وعقود التجارة الدولية
اختلف الرأى بصدد دولية عقد البيع، أى المعنى المقصود من “الدولية” والذى يجعل العقد التجارى دوليا
فذهب القضاء الفرنسى إلى أن العقد يكون دولياً إذا كان يتصل بمصالح التجارة الدولية
إلا أن هذا التعريف لا يتسم بالوضوح، إذ لم يحدد كيف يكون اتصال العقد بالتجارة الدولية. وهو ما دفع البعض إلى تقرير أن العنصر الحاسم في تحديد دولية البيع هو:-
إقامة طرفى العقد فى دولتين مختلفتين بينما ذهب بعض آخر إلى الاعتداد ب :-
اختلاف جنسية المتعاقدين
لكن اختلاف جنسية المتعاقدين أو اختلاف محال إقامتهما قد يؤديان إلى إضفاء الصفة الدولية على عقود بيع لا تمت إلى التجارة الدولية بصلة، كالبيع الذى يبرم بين أجنبيين من جنسيتين مختلفتين يقيمان فى جدة مثلاً وموضوعه سلع موجودة بجدة وليس فى النية نقلها إلى مكان آخر،
أو البيع الذى يبرم فى الخرطوم بين سوداني وشخص يقيم بفرنسا لكنه فى زيارة للسودان وموضوعه سلع موجودة بالخرطوم وليس فى النية نقلها وبثمن يدفع فى السودان وبالعملة السودانية ،
فالبيع فى الحالتين تغلب فيه الصفة الوطنية رغم اختلاف جنسية المتعاقدين ومحال إقامتهما
لذلك ذهب رأى إلى أن مجرد اختلاف جنسية أو موطن المتعاقدين لا يكفى لإضفاء صفه الدولية على عقدهما إذا لم يكن مكان إبرامه أو أعمال تنفيذه أو مكان وجود محله يهم أكثر من نظام قانونى، أى أكثر من قانون دولة واحدة.
ويعرف العقد الدولى بالبناء على ذلك بأنه :-
“العقد الذى يبرم بين مختلفى الجنسية أو متحديها إذا كان مكان إبرامه، أو أعمال تنفيذه، أو مكان وجود محله يهم أكثر من نظام قانونى”.
ويقصد من هذا التعريف الإشارة إلى أن العقد لن يعتبر دولياً إلا إذا كان:-
يتعلق بمعاملة دولية تقتضى تبادل بضائع أو أموال أو خدمات بين دول مختلفة، ولا يتوقف اعتباره دولياً على مجرد اختلاف جنسية أو موطن أطرافه إن لم يقتض مثل هذا التبادل
– وتحدد الاتفاقيات الدولية التى تنظم البيع الدولى فى الغالب المقصود بالدولية، لأن أحكامها تتعلق بالبيع الدولى وحده فكان من اللازم بيان ضوابط الدولية التى يمكن على أساسها تحديد هذا البيع الدولى الخاضع لأحكامها.

اتفاقية لاهاى لسنة 1964

لم تعتد فى تحديد البيع الدولى الذى يخضع لأحكامها باختلاف جنسية المتعاقدين، إذ قد يُعد البيع دولياً ولو كان كل من البائع والمشترى من جنسية واحدة. وإنما جعلت العبرة باختلاف مراكز أعمال المتعاقدين أو محال إقامتهم العادية، واشترطت بالإضافة إلى هذا المعيار الشخصى أن يتوافر أحد معايير موضوعية ثلاثة:
الأول: هو وقوع البيع على سلع تكون عند إبرامه محلاً لنقل من دولة إلى أخرى، أو ستكون بعد إبرام البيع محلاً لمثل هذا النقل.
والثانى: هو صدور الإيجاب والقبول فى دولتين مختلفتين، ولا يشترط أن تكونا الدولتين اللتين يقع فيهما مركز أعمال المتعاقدين أو محل إقامتهما العادية، إذ المعتبر هو اختلافهما فحسب.
والثالث: هو تسليم المبيع فى دولة غير التى صدر فيها الإيجاب والقبول، ويكون البيع فى هذا الفرض دولياً ولو لم يقتض انتقال المبيع من دولة إلى أخرى

ويعنى ذلك أنه يُشترط لكى يُعد البيع دولياً وفقاً لاتفاقية لاهاى أن يكون هناك عبور للحدود سواء من ناحية تكوين العقد أو من ناحية تنفيذه، بمعنى أن يتم تكوين العقد أو تنفيذه فى دول مختلفة. كما يعنى أن البيع يمكن أن يكون دولياً حتى لو كان المتعاقدان يحملان جنسية دولة واحدة ولكن يوجد مركز أعمال كل منهما فى دولة مختلفة، وأن البيع لا يكون دولياً إذا اختلفت جنسية المتعاقدين، ولكن كانت مراكز أعمالهما فى نفس الدولة

مبدأ سلطان الارادة في العقد التجارى الدولي:-

تتميز عقود التجارة الدولية بطبيعه تميزها عن غيرها من العقود الاخرى كونها لاتقبل اخضاعها لأي احكام قانونية یكون مصدرها النظم القانونية الوطنية، أو القانون الدولي العام.

حيث ان المبدأ الرئيس الذي يحكم قيامها ابتدأ هو مبدأ سلطان الارادة القانوني المعروف مايجعل القانون الذي يحكم هذه العقود هو القانون الذي يختاره اطراف التعاقد لتسري قواعده عليهم بمحض ارادتهم

فالعقود الدولية تتميز بانها عقود رضائية تعلي من مبدأ سلطان الارادة ويتحقق فيها مبدأ العقد شريعة المتعاقدين , فاذا اتفق الطرفان علي عدم تطبيق اي تعديلات تطرأ على القوانين النافذة حين إبرام العقد فأن مثل هذا الاتفاق يجوز وفقا لما تجهت اليه ارادة المتعاقدين , وهذا یعني تجميد القانون الوطني من حيث الزمان

سواء نصت تلك القوانين على فرض التزامات جدیدة على المتعاقدین أو أنقصت من الحقوق المهم هو وجود الاتفاق بين اطراف التعاقد, وبالطبع لايتصور حالة تعاقدية سليمة يتفق فيها طرفي تعاقد علي انقاص حقوق احد الاطراف

ان تحقق حالة دولية العقد بين طرفي تعاقد لاتعني الاستغناء عن القانون الوطني غير ان الافضلية تعطي لما تم الاتفاق عليه وصيغ في العقد التجاري الدولي وفقا لمبدأ سلطان الارادة, ولذلك يجوز لهذه الاطراف ان تلجأ للقانون على سبيل الاحتياط، في حالة الاتفاق او في حالات عدم تحریر عقودهم بشكل تفصيلي بحيث تصبح قانونهم المستقل عن قانون أي دولة ویلاحظ أن هذا
الاتجاه یأخذ بمبدأ التجميد الزمني لقانون العقد ولو في العقود التي یكون أطرافها من الاشخاص العادیين، وان المبرر لمثل هذه العقود، یتمثل في الحرص على استقرار الرابطة العقدیة وحفظ توقعات الأطراف

التحكيم

يعتبر التحكيم هو الصورة المثلى لتحقيق مبدأ سلطان الارادة فيما يتعلق بتجميد استخدام القانون الوطنى عند ابرام العقد التجاري الدولي ، والتحكيم قد يكون شرطا في الاتفاق، اوعقد او اتفاقا ضمنيا او مكتوبا فلا يشترط فيه شك شكلا محددا اذا يكفى ان تحدث الاشارة اليه في مكاتبات المتعاقدين لينشأ الحق فيه، وهو كعقد يشترط فيه توافر الشروط العامة للعقد

واتفاق التحكيم سواء أكان عقدا أم شرطا، فانه يقوم على أساس مبدأ سلطان الإرادة، الذي يشكل أساس مشروعية التجاء الأطراف إلى التحكيم، ومنه يستمد المحكم سلطته في الفصل في النزاع. ويترتب على عدم وجود الاتفاق المذكور، انعدام حكم التحكيم، واعتباره كأن لم يكن، وذلك لانعدام ولاية المحكم في إصداره، كما يقع باطلا أيضا الحكم الذي يستند على اتفاق تحكيم اختلت فيه شروطه.

ولكن متى أبرم وفق الشكل الصحيح، تترتب عليه كافة الآثار القانونية الملزمة للمتعاقدين، ومن يحل محلهما في حقوقهما والتزامهما، ولعل من أبرزها نزع الاختصاص عن المحاكم القضائية، وجعل هيئة التحكيم هي المختصة .

وعليه، فمناط اختصاص القضاء، هو صحة أو عدم صحة اتفاق التحكيم، فإن صح اتفاق التحكيم، فإن القضاء يرفع يده عن البت في اى خلاف، ويعود الاختصاص والحالة هذه لهيئة التحكيم. أما ان اختل، فيسترد قضاء الدولة اختصاصه الأصيل بنظر النزاعات المثارة بين الأفراد، بدل هيئة التحكيم .

مراجع هذا الجزء
القانون المدني السوداني
القانون التجارى الامريكي الموحد
عبد الرزاق أحمد السنهورى: “الوسيط فى شرح القانون المدنى – الجزء الرابع – البيع والمقايضة “،
د. محمود سمير الشرقاوى: “الالتزام بالتسليم فى عقد بيع البضائع”،
د. محسن شفيق: “اتفاقيات لاهاى 1964″،
مقالات في التحكيم

إعادة نشر بواسطة محاماة نت
الكاتب أسامة علي عبد الحليم