عقد الإيجار المنتهي بالتمليك في الفقه والقانون

مقال حول: عقد الإيجار المنتهي بالتمليك في الفقه والقانون

الإيجار المنتهي بالتمليك.. نشأته ومزاياه وصوره في الفقه الإسلامي

نشوء الإيجار المنتهي بالتمليك:

تعود فكرة البيع الإيجاري (الإيجار المنتهي بالتمليك) إلى القانون الإنجليزي حيث لجأ أحد التجار بإنجلترا إلى هذه الطريقة المعروفة في القانون الأنلجو أمريكي باسم (Hir-Pur Chass) قاصداً رواج مبيعاته بتشجيع عملائه على الشراء بالتقسيط مع وجود ضمان كاف للتاجر نفسه حيث تبقى ملكيته للعين، ثم ما لبثت هذه الطريقة أن انتشرت نتيجة إنتاج الصناعات الكثيرة فلجأ إليها العديد من المصانع الكبيرة لتسويق مصنوعاتها مثل مصنع سنجر حيث كان يتعامل مع عملائه عن طريق عقد إيجار يتضمن إمكانية تملك الآلات المؤجرة بعد تمام سداد مبلغ معين يمثل في حقيقته ثمناً لها، ثم تطور هذا العقد عن طريق مؤسسات السكك الحديدية التي كانت تشتري مكائن خاصة لمناجم الفحم من خلال البيع الإيجاري. ثم تزايد انتشار هذا العقد مما دفع بالمشرعين إلى تنظيمه بنصوص قانونية، وذلك منذ بداية هذا القرن.

فقد تناوله فقهاء القانون تحت مسميات الإيجار الساتر للبيع، أو البيع الإيجاري، أو الإيجار المملك، وذلك عند شرحهم للمواد القانونية الخاصة به مثل المادة (430) من القانون المدني المصري ، والمادة (398) من القانون المدني السوري، والمادة (419) من القانون المدني الليبي، والمادة (534) من القانون المدني العراقي، والمادة (140) من القانون المدني الكويتي.

عقد الليزنج

وقد تطور الإيجار الساتر، أو البيع الإيجاري في القانون الأنجلو أمريكي عندما دخلت المؤسسات المالية كوسيط بين العاقدين، وقامت بتمويل عملياتها التي سميت بعقد الليزنج (Leasing) أو ما يسمى في القانون الفرنسي بهذا المسمى؛ وبمسمى الإيجار الائتماني (Credit Boil)، بل سميت هذه المؤسسات نفسها بمؤسسات الليزنج، وكانت بداية هذا العقد في أمريكا عام 1953م، ثم في فرنسا عام 1962م. وقد امتازت هذه الصورة بتدخل طرف ثالث وهي المؤسسات المالية التي تقوم بشراء الأشياء التي هي في الغالب تجهيزات وصناعات كالطائرات، والقطارات، والسفن، والدور، ونحو ذلك ولكنها لا تريدها لنفسها، بل تشتريها لهذا الغرض، حيث تقوم بتأجيرها لمن يتعاقد معها لفترة مناسبة للطرفين طويلة -في الغالب) وقد يجددها لفترة أخرى، ثم يقوم المستأجر بإعادة الشيء المستأجر إلى المؤسسة، أو بتملكه مقابل ثمن يراعي في تحديده المبالغ التي دفعها كأقساط إيجار، فليس في عقد الليزنج إلزام بشراء العين المؤجرة، وكذلك تظل مملوكة للمؤسسة. والجديد في الليزنج هو تدخل مؤسسة الليزنج التي لا تريد شراء هذه المعدات، وإنما تريد تحقيق الأرباح من خلال هذه العملية، ولذلك يقوم المستأجر نفسه بتحديد الأشياء التي يريدها، ومواصفاتها، بل قد توكله المؤسسة للقيام بشراء هذه الأشياء باسمها، فهو وكيل فمستأجر، لذلك يوجد بجانب عقد التأجير عقد التوريد طرفاه الصانع، أو المورد، ومؤسسة الليزنج التي تحتفظ بملكية هذه الأشياء، وهي تنظر إلى كيفية استرجاع رأسمالها مع أرباحها، آخذة بنظر الاعتبار نوعية هذه الآلات والمعدات وعمرها الافتراضي والأقساط التي تتسلمها، مع قيمتها بعد انتهاء مدة الإيجار مع إتاحة حق الشراء الاختياري للمستأجر في نهاية العقد بأسعار تحدد منذ البداية، أو بأسعار السوق السائدة، وتحميله تكاليف الصيانة والإصلاح والتأمين وغيرها.

ولذلك عرف القانون الفرنسي الصادر في 2 يوليو 1966م عقد الليزنج بأنه عمليات تأجير المعدات والتجهيزات والآلات والعقارات ذات الاستعمال الصناعي، والمشتراة خاصة بقصد هذا التأجير من قبل شركات تبقى محتفظة بملكية هذه التجهيزات، ويكون من شأن هذه العمليات أن تخول المستأجر الحق في شراء التجهيزات.

مزايا الليزنج (البيع الإيجاري)

أصبح الليزنج وسيلة جيدة لتمويل التجهيزات ساعدت على تنشيط المشروعات الصناعية، والتجارية، وتدوير السيولة وتحققت له مكانة مرموقة في الأسواق العالمية حيث حقق معدل نمو مرتفع للغاية، فقد بلغ معدل نموه في أوروبا الغربية وحدها على سبيل المثال (800 % ) خلال الفترة من عام 1970 إلى عام 1979م، وتقدر الاستثمارات الأوروبية التي تتم حالياً عن طريقه (8 % ) من إجمالي الاستثمارات، وفي عام 1981م بلغ رأس مال الشركات العاملة في مجال التأجير في الدول الصناعية (55) مليار دولار، وبذلك قد فاق كل وسائل التمويل الأخرى، وذلك لما يتمتع به من مزايا مقارنة بوسائل التمويل التقليدية الأخرى، وهذه المزايا هي:

– يهتم نشاط الليزنج بالدرجة الأولى بمقدرة التدفقات النقدية للمستأجر على السداد دون التركيز على حجم أصوله ومقدار رأس ماله.

– احتفاظ شركات الليزنج بملكية الأصل موضوع الإيجار يجعلها تتغاضى عن كثير من الضمانات التي تطلب في حالة التمويل النقدي.

– تكون شروطه في الغالب أفضل وسائل التمويل المتاحة حيث تقدم المؤسسة (الطرف الثالث) في الغالب ما يقرب من (100 % ) من التمويل المطلوب في حين أن التمويل التقليدي لا يتجاوز في أغلب الأحيان (70 % ) مما يدفع المقترض المستفيد أن يبحث عن السيولة لتغطية الباقي (30 % ).

– يحقق مرونة أكثر في تقدير أقساط الأجرة مقارنة بأقساط سداد القروض في حالة التمويل التقليدي، وذلك لأن شركات الليزنج تركز على تحليل قدرة التدفقات النقدية على الوفاء بالتزامات المستأجر.

– يقوم المستأجر في إطار نشاط الليزنج بتزييل كافة مدفوعاته مقابل استقلال الأصل محل الإيجار من حسابات الأرباح والخسائر الخاصة بشروطه.

– لا تؤثر الاستفادة من الليزنج على قدرة المستأجر على الاستفادة من وسائل التمويل الأخرى، وذلك لأن التزاماته الناشئة عن عقد الليزنج تكيف على أساس كونها أحد مصروفات التشغيل، ولا تدخل عند حساب معدلات المديونية، وبالتالي لا تؤثر على القدرة الائتمانية للمستأجر.

– تفادي القيود التي تلتزم بها البنوك في تمويلها للمشروعات، أو إقراضها حيث جعلتها عاجزة عن إشباع حاجة الائتمان في مختلف صوره.

– يدفع عجلة التنمية إلى الإمام لما يتمتع به من تسهيلات كبيرة تؤدي إلى تذليل مشكلات التشييد والمرافق التي ترجع أساساً إلى ضعف إمكانيات أجهزة المقاولات الحالية.

الإيجار المنتهي بالتمليك في الفقه الإسلامي:

يقصد بالإيجار المنتهي بالتمليك في الفقه الإسلامي: اتفاقية إيجار يلتزم فيها المستأجر بشراء الشيء المؤجر في الوقت المتفق عليه خلال مدة الإيجار أو بعدها بسعر يتفق عليه مسبقاً أو فيما بعد.

فوائد هذا العقد ومقاصده

للإجارة المنتهية بالتمليك فوائد ومقاصد قد لا تتحقق بغيرها من العقود القريبة منها مثل البيع، أو حتى البيع بالتقسيط، وذلك لأن البيع بجميع صوره يقتضي نقل ملكية المبيع إلى المشتري، في حين أن البنك -مثلاً- قد لا يريد ذلك حفاظاً على حقه في العين المؤجرة بحيث إذا لم يتمكن المستأجر من دفع الإجارة، فإن ملكيتها لم تنتقل إلى أحد، وحقه محفوظ، إضافة إلى أن البنك يريد أن يكون له مرونة في زيادة أرباحه ولاسيما في مثل العقود طويلة الأجل، أو أن المتعامل معه يخاف على هبوط الأرباح عن معيار (لايبور) فيعطي له عقد الإجارة المنتهية بالتمليك مرونة لا تتوافر في البيع بالتقسيط الذي يقسط الثمن على فترات محددة لا يجوز له أن يزيد شيئاً، أو ينقص، إضافة إلى أمور أخرى تعود إلى الضمانات ونقل الملكية.

ومن جانب آخر فقد تشتري بعض الشركات سيارات -مثلاً- للأجرة ثم تتعاقد مع السائقين بأجور شهرية لها، مع وعد بأنه بعد عشرة سنوات -مثلاً- تهبها لهم، أو تبيعها لهم بسعر رمزي، فالشركة تستفيد من الأجرة والسائق يستفيد مرتين: مرة من خلال ما يوفره للإنفاق على نفسه وعلى أسرته، ومرة أخرى حيث تعود إليه ملكية السيارة، وحينئذٍ يحافظ عليها أكثر مما لو كان أجيراً، وهكذا الأمر في الدور والمساكن، في حين أن المستأجر ليس لديه المال الكافي للشراء، وبذلك تتحقق أهداف اجتماعية وتنمية اقتصادية جيدة، فالإيجار المنتهي بالتمليك يفيد صغار الموظفين، وقليلي الدخول والمرتبات حيث لا يمكنهم شراء الدور، أو الشقق بسبب عدم الوفر، فيلجؤون إلى الإيجار المنتهي بالتمليك الذي يحافظ أيضاً على حقوق البنوك أو الشركات، كما يفيد أصحاب المصانع والشركات الذين ليس لديهم السيولة الكافية، فيكون الأمثل للطرفين، هو الإيجار المنتهي بالتمليك.

وبنك التنمية الإسلامي وجد في هذا العقد مع الدول الإسلامية منافع كثيرة حيث مكنها من الإفادة من المعدات التي اشتراها البنك وملكها، كما أن تفكيك هذه المعدات وإرجاعها إلى البنك يكلفه الكثير، فكان الحل الأمثل هو تمليكها هذه المعدات بأسعار رمزية، أو حقيقية.

صور الإيجار المنتهي بالتمليك في الفقه الإسلامي

للإيجار المنتهي بالتمليك صور حسبما ذكرها المعاصرون من أهمها:

الصورة الأولى: أن يتم الإيجار بين الطرفين، ثم يلحق هذا العقد بوعد بيع العين المستأجرة مقابل مبلغ (حقيقي، أو رمزي) يدفعه المستأجر في نهاية المدة بعد سداد جميع الأقساط الإيجارية المتفق عليها.

الصورة الثانية: أن يتعاقد الطرفان على تأجير العين (الدار، السفينة، أو نحوهما) ويلحق به وعد بالهبة في عقد منفصل، أي أن المؤجر يهبها للمستأجر بعد انتهاء زمن محدد يدفع فيه جميع الأقساط الإيجارية المستحقة.

الصورة الثالثة: أن يتضمن صلب العقد الإجارة والبيع سواء كان الثمن رمزياً أم حقيقياً، وذلك بأن يصاغ على عقد البيع معلقاً على شرط سداد جميع الأقساط الإيجارية المتفق على سدادها خلال المدة المعينة.

الصورة الرابعة: ذكرها بعض الباحثين، فقال: أن يكون إيجاراً حقيقياً، ومعه بيع بخيار الشرط لصالح المؤجر ويكون مؤجراً إلى أجل طويل (وهو آخر مدة عقد الإيجار) عند من يجيز الخيار المؤجل إلى أجل طويل كالإمام أحمد، ومحمد بن الحسن، وأبي يوسف وابن المنذر، وابن أبي ليلى وإسحاق وأبي ثور بشرط أن تكون المدة معلومة محددة، واجتماع البيع مع الإجارة جائز في عقد واحد بشرط أن يكون لكل منهم موضوع خاص به.

الصورة الخامسة: أن يصاغ العقد على أساس عقد الإجارة، ولكن يكون للمستأجر الحق في تملك العين المؤجرة في أي وقت يشاء على أن يتم البيع في وقته، بعقد جديد تراعى فيه قيمة العين المؤجرة، أو حسب الاتفاق في وقته.

الصورة السادسة: أن يصاغ العقد على أساس الإجارة كما في الصورة الخامسة، ولكن يعطى حق الخيار للمستأجر في ثلاثة أمور:

-شراء العين المؤجرة بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة.

-مد مدة الإجارة لفترة أو لفترات أخرى.

-إعادة العين المؤجرة بعد انتهاء مدة الإجارة إلى صاحبها، ولا مانع من أن يعطى له حق إنهاء عقد الإجارة.

الصورة السابعة: أن يقوم شخص أو (مؤسسة) ببيع الدار، أو الطائرة، أو الباخرة للبنك، ثم بعد الشراء يقوم البنك بتأجيرها للبائع الأول مع وعد بالبيع، أو الهبة.

المصدر: كتاب البيع بالتقسيط والبيوع الائتمانية الأخرى للدكتور إبراهيم دسوقي أبو الليل

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.