شروط التقاضي في القضاء الاستعجالي و اختصاصات قاضي المستعجلات

مقدمـــة:

يقال “إن القضاء هو فن إنهاء الخصومات والدعاوى”، ولن يبلغ هذا الفن مرتبته الراقية إلا بربطه بعامل الزمن، لأن المتقاضي يرغب في معرفة الحلول القضائية التي تخصصها المحكمة لدعواه في أقرب وقت ممكن ومناسب، فالبطء في الأحكام قد يسبب أضرارا متفاوتة الخطورة، مما يجعل لوحة العدالة باهتة.

وعلى الرغم من اجتهاد المشرع المسطري في تبسيط الإجراءات والمسطرات العادية، وإسناد أمر تسييرها للقاضي بعيدا عن رغبات وأهواء المتقاضين، فقد بدا أنها لا تفي بتحقيق الحماية القضائية الواجبة لبعض المراكز والأوضاع القانونية، بحيث كان سلوك المسطرة العادية للتقاضي بآجالها وإجراءاتها غير منتج ولا مجد، بل قد يضر ببعض المصالح نتيجة إصدار القرار بعد فوات الأوان.

وزاد الأمر حدة بعد أن تطورت الحياة الاقتصادية وتشعبت المعاملات التجارية وتعقدت العلاقات الاجتماعية، فلم يجد المشرع بدا من استحداث مؤسسة جديدة للقضاء، تتسم بالسرعة وقصر الآجال واختصار الإجراءات المسطرية العادية من أجل استصدار قرار كفيل بصيانة الحقوق والمصالح بكيفية مؤقتة ودون المساس بالجوهر، فكانت مؤسسة القضاء الاستعجالي التي عرفها منشور لوزارة العدل صادر سنة 1959 على أنها ” مسطرة مختصرة تمكن الأطراف في حالة الاستعجال من الحصول على قرار قضائي في الحين، معجل التنفيذ في نوع من القضايا، لا يسمح بتأخير البت فيها من دون أن تسبب ضررا محققا”.
وتعتبر هذه المؤسسة التي تحكمها مسطرة سريعة، مرنة وفعالة ضاربة في القدم، من إبداع الفكر القانوني الإسلامي الذي كان سباقا في هذا المجال المتمثل في الإمام الماوردي (1031-991) قبل ستة قرون ونيف، على عكس ما يذهب إليه الفكر الغربي والفرنسي خاصة، الذي يرجع أصل القضاء الاستعجالي إلى الأمر المؤرخ في 22 يناير 1685.[[1]]url:#_ftn1
ومهما يكن فقد أخذ المشرع المغربي بهذا النظام في حلته الحديثة في مسطرته المدنية لسنة 1913 ، وقد كان العمل به محصورا في المحاكم العصرية، ولم يعمم تطبيقه في جميع محاكم المملكة إلا بعد صدور ظهير التوحيد والمغربة والتعريب ابتداء من فاتح يناير 1966، وهو ما كرسه المشرع في قانون المسطرة المدنية الجديد الذي خصه بالبابين الأول والثاني من القسم الرابع.

ولئن كانت القواعد الموضوعية والإجرائية هي الكفيلة بتحديد أبرز معالم صورة مؤسسة القضاء المستعجل، فإننا بعد استقرائنا للنصوص المنظمة لها، سنحاول مقاربة هذا الموضوع من خلال محورين اثنين: الأول موضوعي، يتعلق بشروط ومميزات هذا القضاء مع إبراز الجهة التي تختص به وتحديد معالم ونطاق ممارساتها، والثاني شكلي، يبرز شكل المساطر والإجراءات أمام هذا القضاء من إحالة الدعوى عليه إلى حين صدور الأمر وتنفيذه، وعليه ستكون خطة البحث على الشكل التالي:

المبحث الأول : شروط قضاء الأمور المستعجلة والجهة المختصة به
المبحث الثاني: القواعد الإجرائية أمام القضاء الاستعجالي وتنفيذ أحكامه

المبحث الأول : شروط قضاء الأمور المستعجلة والجهة المختصة به

يقتضي قضاء الأمور المستعجلة كموضوع لهذا البحث دراسة شروطه الموضوعية و الشكلية إلى جانب تعيين و تحديد الجهة المختصة به قانونا بالبث في مسائله.

المطلب الأول: شروط اختصاص القضاء الاستعجالي ومميزاته

يعرف قضاء الأمور المستعجلة بأنه قضاء يقصد به الفصل في المنازعات التي يخشى عليها من فوات الوقت فصلا مؤقتا لا يمس أصل الحق، و إنما يقتصر على الحكم باتخاذ إجراء وقتي ملزم للطرفين بقصد المحافظة على الأوضاع القائمة، و هو فرع متميز و مستقل عن العمل القضائي العادي وعن التنفيذ القضائي، ذو مسطرة مختصرة و استثنائية و سريعة، فماهي شروطه ؟ وما هي مميزاته؟

الفقرة الأولى : شروط اختصاص القضاء الاستعجالي

يتضح أن الشروط الأساسية التي يقوم عليها قضاء الأمور المستعجلة هي عنصر الاستعجال و عدم المساس بالجوهر، لكن هذين الشرطين يصطبغان بالصبغة الموضوعية و من ثم سنعرض لشروط شكلية أخرى.

أولا : الشروط الموضوعية

أ -عنصر الاستعجال

أشرنا سابقا بأن الدعائم الأساسية التي يقوم عليها القضاء المستعجل والتي تميزه عن القضاء العادي هي عنصر الاستعجال وعدم المساس بالحق، ويقصد بعنصر الاستعجالي حسب بعض الفقهاء الخطر الحقيقي المحدق بالحق المراد المحافظة عليه والذي يلزم درئه عنه بسرعة لا تكون عادة في التقاضي العادي ولو قصرت مواعيده ويراد به حسب بعض الآخر حالة من الحالات تقتضي تدبيرا فوريا يخشى إن لم يتخذ هذا التدبير حدوث ضرر لا يمكن تداركه في المستقبل وإذا كان المشرع المغربي لم يعرف الاستعجال ولا قضاء الأمور المستعجلة فإن بعض التشريعات المقارنة عمدت على خلافه إلى إعطاء تعريف لعنصر الاستعجال ففي المادة 45 من قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري لسنة 1968 جاء ما يلي:” يندب في مقر المحكمة الابتدائية قاضي من قضاء الأمور المستعجلة” فإن بعض التشريعات المقارنة عمدت على خلافه إلى إعطاء تعريف لعنصر ليحكم بصفة مؤقتة ومع عدم المساس بالحق في المسائل المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت وهكذا يقوم الاستعجال على عدة مقومات:
أ- أن يكون ثمة خطر حقيقي يهدد حقا مشروعا جديرا بالحماية السريعة.
ب-أن يكون الخطر مما لا يمكن تداركه، ومما يخشى تفاقم أمره وإن لم تتم مواجهته على وجه السرعة.
ج- أن يكون هذا الخطر عاجلا يقتضي تلافيه سلوك مسطرة استعجالية خاصة غير المساطر القضائية العادية.

ب- عدم المساس بالجوهر

يقصد بعدم المساس بالجوهر أن قاضي المستعجلات يمنع عليه بأي حال من الأحوال أن يقضي في أصل الحقوق والالتزامات والاتفاقات، مهما أحاط بها من استعجال أو ترتب على امتناعه عن القضاء من ضرر بالخصوم، بل يجب عليه تركها لقاضي الموضوع المختص وحده للحكم فيها، ومعنى أصل الحق هو كل ما يتعلق به وجودا أو عدما فيدخل في ذلك ما يمس صحته أو يؤثر في كيانه أو يغير فيه وفي الأثر القانوني التي يرتبه له القانون، والتي قصدها المتعاقدون، وعلى هذا إذا رفعت الدعوى بطلبات موضوعية فإنها تكون خارجة عن اختصاص القاضي المستعجل الذي يشترط لاختصاصه للنظر في مسائله المستعجلة ألا يكون في حكمه مساس بما يمكن أن يقضي به في موضوع الدعوى وجوهرها.

وللاعتداد بمبدأ عدم المساس بالجوهر، لا بد من توفره على شرطين اثنين هما: أن يكون الإجراء وقتيا، وأن يبحث في ظاهر الأوراق والمستندات، فالشرط الأول يتمثل في قيام قاضي الأمور المستعجلة باتخاذ إجراء وقتي فحسب، والإجراء الوقتي هو الذي يرمي إلى حماية حق يخشى عليه من فوات الوقت والذي يقصد منه إبعاد خطر محقق الوقوع أو المحافظة على حالة فعليه مشروعة وصيانة مركز قانوني قائم ويتطلب الإجراء الوقتي ذاته بعض الشروط منها أن يكون النزاع غير متعلق بالجوهر وألا يقيد قاضي الموضوع وأن يكون قابلا للعدول عنه دون حدوث ضرر يصعب تلافيه ومن أمثله الإجراء الوقتي طلب إثبات حالة أو توجيه إنذار أو طلب تقييد احتياطي في عقار محفظ أو طلب تنفيذ أحكام المحكمين وفي هذا قضى المجلس الأعلى[[2]]url:#_ftn2 بأنه ” لا يحق لقاضي المستعجلات البث في القضية متى كان النزاع المعروض أمامه يكتسي صبغة جدية وأن جدية النزاع تخضع لرقابة المجلس الأعلى ولهذا يتعرض للنقض الحكم المطعون فيه عندما صرح بانتفاء العلاقة الكرائية بين الطرفين رغم اعتمار طالب للمحل المطلوب إفراغه مدة تزيد عن 14 عاما برضى رب الملك الأول وموافقته وحيازته منه مبالغ مالية إذ يكون الحكم بذلك قد بث في العلاقة الكرائية بين الطرفين رغم المنازعة الجدية الناشئة فيها”.

ثانيا : الشروط الشكلية

انسجاما مع حالات الاستعجال التي تطبع هذا النوع من القضايا فقد أعطى المشرع بمقتضى الفصل 150 من ق.م.م للمتقاضي أن يقدم دعواه أمام قاضي المستعجلات في سائر الأيام ولو في أيام العطل الأسبوعية أو العطل الرسمية وقبل التسجيل في كتابة الضبط ودون أداء الرسوم القضائية مسبقا، وتقدم الدعوى الاستعجالية في بيت الرئيس في حالة الاستعجال القصوى، وعلى الرئيس أن يستدعي كاتب الضبط لمنزله للبت في القضية على أن تؤدى الرسوم القضائية فيما بعد، وعقد الجلسات في بيت الرئيس نادرة الوقوع إلى درجة الانعدام، وبعد تقديم المقال يعين الرئيس القضية في إحدى الجلسات ويستدعي لها الأطراف بالطرق العادية المنصوص عليها في الفصول 37 و 38 و 39 من ق.م. م إلا إذا كان هناك استعجال كبير يؤدي تأخير القضية فيه إلى إحداث أضرار يستحيل دفعها ويصعب تداركها فيما بعد، فيمكن للرئيس الذي له كامل السلطة في تقدير حالة الاستعجال أن يستغني عن استدعاء الأطراف ويبت في القضية حسب الوثائق التي يدلي بها المدعي على شرط أن يحضر معه كاتب الضبط وأن تكون الجلسة علنية ولو بفتح باب مكتبه.

الفقرة الثانية: مميزات القضاء الاستعجالي

إن القضاء الاستعجالي قضاء استثنائي متميز عن القضاء العادي، ذو اختصاص ضيق و مقيد، فمن حيث الجهة الموكول إليها بالبت في الأمور المستعجلة، نجد بأن المشرع المغربي قد أسند لرئيس المحكمة الابتدائية أو لرئيس المحكمة الإدارية أو للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بحسب الأحوال، الاختصاص بالبت في الأمور المستعجلة ، أما من حيث ضيق الاختصاص، فلا ينعقد اختصاص قاضي الأمور المستعجلة إلا عند الضرورة التي لا تحتمل الانتظار.

ومن حيث القيد الوارد على اختصاص قاضي الأمور المستعجلة فهو الناتج عن عدم جواز المساس بالموضوع، فعلى الرغم من توفر عنصر الاستعجال يكون القاضي الاستعجالي غير مختص بالبت في الطلب إذا كان في ذلك مساس بجوهر النزاع .

وقد ميز المشرع القضاء الاستعجالي ببساطة الإجراءات، وقصر الآجال، و أعفى الخصوم من بعض الشكليات، و جعل أوامر قاضي الأمور المستعجلة مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون، و لم يسمح بالطعن فيها عن طريق التعرض.
و يتميز القضاء الاستعجالي عن قضاء الموضوع بالخصائص التالية:
1 – إمكانية إصدار الأوامر الاستعجالية بالسرعة المناسبة.
2 – الاستغناء عن إجراءات المسطرة الكتابية.
3 – مرونة شروط رفع الدعوى الاستعجالية.
4 – الأوامر الاستعجالية مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون.
5 – الأوامر الاستعجالية لا تقبل الطعن بالتعرض، ولا الطعن بإعادة النظر، ويجوز الطعن ضدها بالاستئناف فقط .