دراسة حول وباء كورونا كسبب لإنقضاء علاقة الشغل

يعد قانون الشغل من أهم القوانين التي تمس الحياة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية في أي مجتمع حديث. ويتميز بطابعه الواقعي، لا النمطي، فهو قانون يساير الواقع ويتكيف مع ظروفه، وفي خضم التحولات التي يشهدها العالم جراء تفشي فيروس كورنا المستجد Covid -19 باتت العديد من العواصم والمدن شبه مهجورة، وأغلقت المنافذ الجوية والبرية والبحرية، وصدرت تعليمات بإغلاق المطاعم والنوادي والمقاهي … ليبقى معه السؤال مطروحا إلى أي حد يمكن لفيروس Covid -19 أن ينهي علاقة الشغل بين الأجير والمشغل؟ وكيف نظم المشرع المغربي أحكام الإنهاء في مثل هاته الظروف؟ وأي انعكاس على الوضعية الاقتصادية للأطراف ؟

المحور الأول : ماهية فيروس Covid – 19 من حيث القانون

يعتبر فيروس covid -19 من فصيلة الفيروسات التي تسبب المرض للحيوان والإنسان وتصيب الجهاز التنفسي، ولم يكن هناك أي علم بوجود هذا الفيروس وهذا المرض المستجدين قبل اندلاع الفاشية في مدينة “ووهان wuhan” الصينية في دجنبر 2019. ما يجعل هذا الأخير يصنف ضمن خانة الاستحالة التي تجعل تنفيذ الالتزام بشكل عام وعقد الشغل بشكل خاص أمرا يقتضي الوقوف على تداعياته.

وقد نصت العديد من الأنظمة المقارنة على أن الاستحالة القانونية المعروفة بالقوة القاهرة ، يمكن أن تطبق على عقود الشغل فتؤدي إلى إنهائها دون أن تترتب أية نتائج قانونية على سقوط الالتزامات المتبادلة التي كان العقد محل لها.

ولم يفت المشرع المغربي أن ينظم القوة القاهرة بنصوص قانونية، نستخلص منها المعايير أو الخصائص التي تحدد القوة القاهرة، والتي أطلق عليها بعض الفقه بالشروط التي تميز القوة القاهرة عن غيرها من الأحداث المشابهة، ولا يكفي القول بوجود الشروط المحدد للقوة القاهرة بل لابد من إثباتها أمام القاضي الذي له سلطة تكييفها. وقد كان لظهير الالتزامات والعقود قصب السبق في تنظيم أحكام القوة القاهرة في علاقات الشغل في الفصل 745 ” إجارة الصنعة والخدمة تنقضيان …ثالثا – بإستحالة التنفيذ الناشئة إما بسبب حادث فجائي أو قوة قاهرة …وفي مدونة الشغل تطرق المشرع المغربي إلى القوة القاهرة بموجب المادة 33 والتي تتحدث عن كيفيات إنها عقد الشغل ومن ضمنها القوة القاهرة، حيث يستوجب قيام أحد الطرفين بإنهاء عقد الشغل محدد المدة، قبل حلول أجله، تعويضا للطرف الآخر، ما لم يكن الإنهاء مبرر، بصدور خطأ جسيم عن الطرف الآخر، أو ناشئا عن قوة قاهرة. و المادة 185 التي أعطت الإمكانية للمشغل لتقليص عدد ساعات العمل عند حدوث ظرف طارئ خارج عن إرادته ( فيروس Covid – 19 ) والمادة 352 التي اعتبرت الانقطاع المؤقت عن الشغل بسببب توقف المقاولة كليا أوجزئيا بفعل القوة القاهرة بمثابة فترات شغل فعلي.

المحور الثاني : آثار فيروس Covid -19 في إنهاء عقد الشغل

من الطبيعي أن يتسأل المرء عن مصير عقود الشغل وأثارها على الأجراء وانعكاسها على الوضعية الاقتصادية للمشغل خلال هذه الظروف “الصعبة” (مرحلة تفشي وباء فيروس Covid -19). وقد كان لصدور بلاغ وزارة الداخلية القاضي بإغلاق العديد من الفضاءات والأماكن العمومية ( مقاهي، مطاعم، قاعات سينمائية، …) انعاكس قوي على اطراف العلاقة الشغلية، وعلى كيفية تدبيرالمرحلة.

ممّا لا شك فيه أن فيروسCovid -19 سينعكس سلبا على أطراف العلاقة الشغلية، وبالعودى إلى الترسانة القانونية المغربية المنظمة للقوة القاهرة فبتوفر واستجماع العناصر المنصوص عليها في الفصلين 268 و269 من ظهير الالتزامات والعقود، والمتعلقة أساسا بوجود سبب خارجي عن إرادة المدين -المشغل- وعدم صدور خطأ منه وهو ما يمكن تجسيدة والحالة هاته. وعدم التوقع وهو ما لا يستطيع الانسان توقعه وإدراكه( والقضاء الفرنسي دمج العنصرين معا وأضحى التوجه الجديد له هو عدم القدرة على الدفع)، ينقضي عقد الشغل ويترتب عن ذلك أساسا :

إنهاء عقد الشغل بين الأجير والمشغل من تلقاء نفسه أو بقوة القانون لأن المشرع أراد ذلك بمجرد توفر الشروط سالفة الذكر
المدين غير مسؤول عن إنهاء العقد في المجال المدني لما تتحق شروط القوة القاهرة فهي تعفي المدين من المسؤولية المدنية وفي المجال المتعلق بالشغل فهي تنهي العقد، من غير أن يكون هذا الإنهاء في حالة إلى إجراءات ولا إلى إخطار ولا يترتب أي تعويض بسبب إنهاء ذلك العقد وقد عرفت محكمة النقض الفرنسية في قرار لها أن القوة القاهرة التي تسمح للمشغل بالتحرر من الالتزامات الناشىة عن انهاء عقد الشغل بالحدث الخارجي الذي لا يمكن مقاومته والذي من شأنه أن يجعل متابعة تنفيذ ذلك العقد مستحيلا (cass.soc 12 février2003, bull. civ. V n° 50) .
صرف النظر عن مهلة الإخطار وعن أداء التعويض، بخلاف الأحوال العادية إذا قرر صاحب العمل ( المشغل) إنهاء العقد، فإنه في إنتهاء العقد بالقوة القاهرة فإن المدين بالإلتزام سواء كان أجيرا أو مشغلا فهو يكون غير ملزم باي تعويض في هذا النطاق.
هذا ويجدر لفت النظر إلى أن التوجه القضائي من خلال بعض القرارات ذهب إلى إقرار التعويض عن الفصل الناتج عن القوة القاهرة دون باقي التعويضات الأخرى ( قرار محكمة النقض عدد 285 الصادر بتاريخ 27 مارس 2018 في الملف الاجتماعي عدد 3151/5/1/2017_ وقرار محكمة النقض عدد 1615 المؤرخ في 19/12/2013 ملف اجتماعي عدد 263/5/1/2013.)

إعادة نشر بواسطة محاماة نت