دراسة حول الآثار القانونية للالتزام التضامني 

بحث منشور في مجلة كلية الحقوق / جامعة النهرين
2012
اعداد المُدرِّسة :
رؤى علي عطية
الكلية التقنية الإدارية/قسم المعلوماتية

المقدمة:
قد يلحق الالتزام وصف التعدد في طرفيه احدهما او كليهما فهو اما ان يكون تعدد المسئولين وعدم قيام تضامن بينهم او قد يتعدد طرفا الالتزام مع وجود تضامن بينهم , والأصل في الالتزام أن يكون بسيطا بين دائن ومدين واحد والأثر المترتب عليه هو أداء المدين محل الالتزام للدائن إلا انه قد تظهر أمور عارضة تضاف للالتزام لتعدل من آثاره فقد تلحق وجود الالتزام شروط او اجل أو تلحق محل الالتزام فتجعله متعدد , وقد يكون الالتزام أما تخييري أو بدلي , وقد تلحق طرفي الالتزام فيكون أما متعدد أما بين الدائنين او بين المدينين .

ان الأصل في الالتزام المتعدد الأطراف من جانب المدينين هو انقسامه بين المدينين فيجعل كل مدين له نصيب في الدين ,إلا انه استثناءا قد لا ينقسم هذا الدين أما لوجود تضامن بين المدينين او لان الالتزام غير قابل للانقسام وهذين الاستثناءين قد تناولتهما معظم التشريعات العربية والأجنبية بالتنظيم في التقنيات المدنية.

فظهر نظام جديد يتعدد فيه المدينون مع وحدة محل ألالتزامهم وتعدد مصدره رغم تعدد الروابط ولا يوجد تضامن بينهم ولا عدم قابلية للانقسام وهذا النظام يطلق عليه اسم الالتزام التضاممي.
وبهذا تثير دراسة هذا النوع من الالتزام العديد من المشكلات على الصعيد العملي ومما زاد الأمر صعوبة تجنب المشرعين تنظيم هذا النوع من الالتزامات بنص مباشر الأمر الذي فتح الباب للقضاء والفقه للاضطلاع بدورهما في شأنه.

الفصل الأول
مفهوم الالتزام التضامني
من الطبيعي ان نبدأ دراسة هذا الموضوع بالتأصيل التاريخ لها ,لذلك ارتأينا اولا ان نخصص مبحث لنشأة وتطور حتى يتسنى لنا فيما بعد تعريف هذا الالتزام وشروط تحققهفي مبحث ثاني .

المبحث الاول : أصل نشأة الالتزام التضاممي

يرجع اصل نشأة الالتزام التضاممي في فرنسا أولا إلى تطور استقر عليه القانون والفقه الرومانيان ,ثم انتقلت الفكرة منها الى النظام القانوني الفرنسي في ظل التقنين المدني الفرنسي القديم ثم التقنين المدني الفرنسي الحالي .(1)

أولا: الالتزام التضاممي في القانون الروماني
عرف القانون الروماني الفكرة الى جوار التضامن واقر الفقه الروماني هذا الالتزام فالاصل هو انقسام الدين عند تعدد المدينين ولكن هذا المبدأ عليه استثناءات عندما يكون هناك التزام غير قابل للانقسام او التزام تضامني او التزام تضاممي.(2)
وقد وجدت فكرة معارضة من بعض الفقه الا ان الجناح المؤيد أقوى ومساهم في بقاءها , ففي عهد (جوستنيان) كان اغلب شراح القانون الروماني يميلون إلى تقسيم الالتزامات التضامنية من جانب المدينين الى قسمين تبعا للأثر المترتب على السير في إجراءات الدعوى على احدهم , فهناك تضامن تام الذي ينقضي فيه الالتزام في مواجهة بقية المدينين والمطالبة القضائية من جانب الدائن لأحدهم وهناك التزام لا ينقضي الا بالوفاء من جانب المدين المطالب.(3)

ثانيا: الالتزام التضاممي في ظل التقنين الفرنسي القديم
يبدو ان التفرقة التي أقامها الرومان كان لها الأثر في القانون الفرنسي فكانت الفكرة المسيطرة آنذاك هي التزام مسبب الضرر (في حالة تعددهم) بالتعويض الكامل دون تفرقة بين الجزاء المدني والجزاء الجنائي.

مثلا الفقيه(دوما) الذي يعرف التضامن بأنه حق الدائن في اقتضاء حقه كاملا من اي من المدينين بحسب اختياره ,ويرى ان التضامن يجد مصدره في طريقتين أما الاتفاق أو طبيعة الدين كحالة ارتكاب مجموعة من الأشخاص لجريمة او شبه جريمة أو سبب ضرر بخطأ جماعي ,فجميعهم مسئولين عن التعويض الكامل وكل منهم ملزم بالدين كما لو كان قد تسبب في الضرر منفردا ,ولا شك ان هذا المفهوم كان يشمل حالات التضامم .

أما “بوتييه” فكان يرى ان التضامن يقوم في بعض الحالات بين المدينين (المتعددين ) بنفس الشئ ولو لم يتفقوا عليه صراحة والحالة الثانية تكون بصدد الأشخاص الذين اشتركوا في ارتكاب جريمة لذلك فأنهم يكونون ملتزمين جميعا بالتضامن عن التعويض وليس لهم الدفع بالتجديد ولا الدفع بالتقسيط وذلك نظرا لسلوكهم الشائن .(4) وهذه هي حالة التضامم .

المبحث الثاني : تعريف الالتزام التضاممي

تبدأ دراسة اي فكرة بتعريفها ووضع تحديد دقيق لها ,ونظرا لصعوبة المصطلح , سواء باللغة العربية او في اللغة الفرنسية فأننا نحتاج لتحديد المعنى اللغوي للفظ التضامم او”In solidum” لتمهيد دراسة التعريفات التي قال بها الفقه للالتزام التضاممي .
ان المعنى اللغوي هو كلمة “insolidum” كلمة لاتينية الاصل تعني “au tout” اي الكل وتستخدم لوصف الدين وهذا ما ورد في القواميس القانونية.(5)

واذا ما اقترنت بكلمة ” obligation” صارت التزاما تضامميا “obligation in solidum” فهي تعني صورة من الالتزام بالكل اي التزام كل المدينيين بالوفاء بكل الدين دون الرجوع على الاخرين .(6) وقد انتقلت الكلمة الى الفقه الفرنسي شأنها غيرها من المصطلحات الاخرى .ومن ثم اصل هذه المصطلحات هي واحد وبالتالي تطور استخدامها حتى وصلت إلينا على نحو ما يستخدم في الفقه والقضاء الفرنسيين .

أما في الفقه العربي فأول من أشار إلى المصطلح هو الدكتور” عبد الرزاق السنهوري ” ونقله عن الفقه والقضاء الفرنسي بمعنى ” المسؤولية المجتمعة “(7) الا انه عدل عن هذه التسمية وكان اول من اطلق مصطلح التضامم… في الفقه العربي وهو ما سارت عليه الغالبية العظمى من الفقه حتى ألان.
واصل كلمة “تضامم” في اللغة العربية من كلمة “تضام” وهي مشتقة من ضم الشئ على الشئ _ فتضام القوم اي انضم بعضهم إلى بعض وهناك حديث عن الحبيب الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) ” لا تضاموا في رؤيته ” أي رؤية (الله ) عز و جل فمعنى الحديث الا ينضم البعض إلى البعض لمحاولة الرؤية كما يفعلون ذلك في رؤية الهلال .(8)

ويختلف مصدر كلمة تضامم عن كلمة تضامن اذ الاخيرة مشتقة من الفعل “ضمن” ومن هنا كان اختلاف الكلمتين ,وبالتالي فهناك تضامن وتضامم (9) اذ ان حرف النون في الضمان اصلية اما كلمة ضم فلا نون فيها , ومن ثم فهناك اصل في اللغة لكلمة تضامم ومن الأفضل استعمال كلمة تضامم التي استعمالها د.السنهوري.(10).

وواضح ان المعنى اللغوي يعطينا تفرقة واضحة بين التضامن والتضامم فإذا كان التضامن يعطي ضمان للدائن بان كل مدين متضامن يضمن الآخرين في سداد الدين فان التضامم يعني إن ذمم المدينين تضامنت في الوفاء للدائن إي يمكن استيفاء حقه من اي منها .

وبعد إن حددنا المعنى اللغوي في اللغتين الفرنسية والعربية فينبغي ان ننتقل إلى تحديد معناه القانوني .

المعنى القانوني
ان غياب التنظيم التشريعي المباشر لفكرة الالتزام التضاممي ولغرض الوصول لتعريف دقيق , نتعرض لموقف القضاء الفرنسي في تعريف الالتزام التضاممي ثم موقف القضاء المصري منه لنصل الى تعريف شامل واضح لهذه الفكرة.

تعريف الالتزام التضامني في القضاء الفرنسي:

أن القضاء الفرنسي هو من أعاد إحياء الفكرة… التي كانت موجودة في القانون لروماني إلا انه بالرغم من ذلك لم يتعرض لتعريف التضامم بصورة واضحة إلا بعض التعليقات أو الإشارة لهذا الالتزام وردت في أحكام هذا القضاء , فقد جاء في حكم محكمة النقض الفرنسية في 4/2/1939 أن المشاركين في إحداث نفس الضرر الناجم عن أخطائهم يجب أن يلتزموا بالتضامم بالتعويض عن الضرر كاملا.(11)

فهنا محكمة النقض أشارت إلى تعدد المشاركين في إحداث نفس الضرر والذي يعد عنصر من عناصر التضامم…. وكذلك على الالتزام بتعويض كامل الضرر الذي يعد اثر من آثار التضامم …
كما جاء في حكم آخر لمحكمة النقض التزام المؤمن في التامين من المسؤولية والمؤمن له بالتضامم أمام المضرور (12) وهنا أشارت محكمة النقض إلى تعدد المسؤلين واختلاف التزام كل منهم ووحدة المحل , وهي العناصر الثلاث التي تدخل في تعريف التضامم.

تعريف الالتزام التضامني في القضاء المصري:

تعرضت محكمة النقض المصرية لتعريف الالتزام التضاممي بطريقة مباشرة قائلة “ان الالتزام يكون تضامميا إذا تعددت مصادر الالتزام بتعويض المضرور كأن يلتزم احد المسؤلين عقديا والآخر تقصيريا…(13) فركزت المحكمة على تعدد المصادر حال وجود العقد والمسؤولية التقصيرية إلا إن هذا العنصر غير كاف لتعريف الالتزام التضاممي……وقد تكرر موقف محكمة النقص المصرية بحكم اخر بقولها “اما إذا تعدد مصدر الالتزام بالتعويض بأن كان احد الخطأين عقديا والآخر تقصيريا فأنهما يكونان ملتزمين بدين واحد له مصدران مختلفان ومن ثم تتضامم ذمتهما في هذا الدين دون ان تتضامن.(14)

تعريف الفقه للالتزام التضامني:

في ما يخص الفقه الفرنسي فأن جانب من الفقه يرى انه “يوجد التزام تضاممي أذا كان هناك شخصان ملتزمان بالكل pour tout في مواجهة نفس الدائن دون ان تكون بينهما رابطة تضامن .(15) وهنا انصب التعريف على ذكر عنصر تعدد المدينين وعنصر انعدام رابطة التضامن وهما عنصران يدخلان في تعريف التضامم كما أشار الى اثر من أثار التضامم وهو الالتزام بكل الدين في مواجهة الدائن.
اما الجانب الاخر من الفقه فقد صور ذلك من جانب تعدد الفاعلين او المسببين للضرر الواحد وبالتالي انصب تعريفهم على هذا الجانب فقط اذ قرروا التزام كل مسبب الضرر بكامل التعويض حال عدم قدرة المحكمة على تحديد دور كل منهم على وجه الدقة فهنا التعريف انصب على عنصر التعدد واثر من آثار التضامم وهو الالتزام بكل الدين.(16)

** من كل هذا لابد من تحديد العناصر اللازمة لوضع تعريف ونجعلها فيما يلي:
تعدد الملتزمين او المدينين وهذا أمر يشترك فيه الالتزام التضاممي مع الالتزام التضامني فلا بد من أن يتعدد الملتزمين حتى يصير بينهم تضامن أو تضامم ولا يشترط عدد محدد فهو اثنان او أكثر .
أما وحدة الدائن وهو أمر منطقي أيضا إذ إن المدينين سوف يلتزمون أمم نفس الدائن ولا ينبغي على وجوب كونه شخص فردا بل يمكن ان يكونوا عدا من الأشخاص طالما ان الالتزام منصب نحوهم في اتجاه واحد ولنفس المحل .
وحدة المحل بمعنى أن تنصب الالتزامات كلها في محل واحد اذ يشترك المدينون جميعا في أداء التزاماتهم بالنسبة لذات المحل ولكن ينبغي ملاحظة أن التزاماتهم قد لا تكون متساوية فقد تكون التزامات احدهم عقدية والأخرى تقصيرية فيلتزم الأول بتعويض ما هو متوقع من الضرر والثاني بما هو متوقع وبالتالي تختلف قيمة أدائهما ..
تعدد مصدر الالتزام ويقتضي هذا ان تتنوع مصادر الالتزام كأن يكون احد المصادر عقدي والآخر تقصيري ,كالتزام شركة الـتأمين ومسبب الضرر إمام المضرور وقد لا تتنوع مصادر الالتزام بل تتكرر كحالة الملتزمين تقصيريا وهي حالة تضامم في فرنسا بينما هي حالة تضامن في الجزائر ومصر , او كحالة وجود أكثر من التزام تعاقدي بمقتضى عقود منفصلة ففي هاتين الحالتين يكرر نفس المصدر أي هناك نوع واحد من مصادر الالتزام يتكرر والتزم بمقتضاه أكثر من مدين.
انتفاء وجود التضامن أو عدم القابلية للانقسام وهذا أمر بديهي وقد رأينا في معظم محاولات تعريف الالتزام التضاممي تنص عليه أو بنص قانوني أو اتفاق يقضي بالتضامن ينفي وجود التزام تضاممي تماما كذلك الشأن لدى عدم قابلية محل الالتزام للانقسام.
وجملة القول هي وجوب ان يشتمل لتعريف الالتزام التضاممي على تعدد الملتزمين , وحدة الدائن, وحدة المحل , وتعدد مصادر الالتزام , وانتفاء وجود تضامن أو عدم قابلية الانقسام .

ومن ثم يكون من المناسب تعريف التضامم بأنه :
” تعدد المدينين في الالتزام مع تعدد مصدره ووحدة محله , دون تضامن أو عدم قابلية للانقسام “
وبذلك نكون قد جمعنا كافة العناصر التي يجب أن يشمل عليها التعريف… ومن خلال هذا التعريف يمكن التوصل إلى شروط وجود الالتزام التضاممي ,, وهذا ما سنتطرق إليه في المبحث الثاني.
المبحث الثالث : شروط الالتزام التضاممي

بعد تعريف الالتزام التضاممي يمكن استخلاص شروطه وحصرها كما يلي :

قابلية احل للانقسام وانتفاء التضامن.
وحدة المحل .
تعدد الروابط.
تعدد او تكرر مصادر الالتزام.

وبفحص الشروط يمكن لنا تقسيمها إلى نوعين من الشروط:

شروط مشتركة بين التضامن والتضامم.
شروط ينفرد بها التضامم أو تفرقة عن التضامن.

اولا : الشروط المشتركة بين الالتزام التضاممي والالتزام التضامني .

تعدد الطرف المدين :

ونعني بها وجود اكثر من مدين امام نفس الدائن ,فالطرف المدين ليس شخصأ واحد بل شخصين فأكثر يلتزمون بذات الدين أما ذات الدائن ولكن بمقتضى مصادر متعددة (17) . ويأخذ تعدد تعدد المدينين أشكالا عدة فحالات التضامم لا تقع تحت حصر معين فنجد التعدد مثلا في حالة المؤمن والمسئول في مواجهة المضرور ,فالأول التزامه عقديا والثاني التزامه تقصيريا , وقد تضامت مسؤوليتهما اما الثالث (المضرور) وبالتالي يلتزم الاثنان بتعويضه عن الضرر الذي اصابه فهما شخصان مسئولان أما شخص ثالث.(18) كذلك الشأن في حالة تعدد الكفلاء بعقود متوالية وذلك طبقا /م/664/2م/792م.م فيكون لدينا عدة كفلاء ملتزمين بنفس الدين بعقود كفالة مختلفة وهي حالة تضامم بين الكفلاء. (19). وغيرها من حالات التضامم , فالتضامم يستبعد حالة وجود مدين واحد فقط أمام الدائن فلا محل للقول بوجوده وتطبيقا لذلك لا محل للتضامم في حالة حدوث ضرر لأحد الأشخاص نتيجة خطا الغير وتعاصره مع حادث فجائي او قوة قاهرة أو تعاصر فعل الغير مع خطا المضرور نفسه فالمضرور لن يطالب الا شخص واحد فقط بمقدار خطأه او مسؤوليته , فلا مجال لتضامم .

وحدة المحل :

شروط وحدة المحل يعني إن محل التزام المدينين واحد وهو إشباع حاجة الدائن او سداد دين معين يلتزمون جميعا به أمامه وعلى كل منهم ان يؤديه كاملا واي وفاء من جان احدهم يبرئ الباقين أمام هذا الدائن وفي حدود هذا الوفاء (20). وقد أثارت مسألة وحدة المحل في الالتزام التضاممي بعض النقاشات في الفقه فهناك من يرى ان ما يميز الالتزام التضاممي عن الالتزام التضامني هو تعدد المحل ففي التضاممي كل مدين ملتزم بمواجهة الدائن ليس بنفس الشئ وإنما بشئ مماثل او مشابه ,ذلك ان كل مدين مستقل عن الأخر وبعبارة أخرى فأن كل مدين متضامم يكون مستقلا عن المدين الآخر وليه محله الخاص . إلا إن هناك من الفقه من يرى إن الالتزام التضاممي موحد المحل , والدليل عى ذلك هو إن الدائن لا يستطيع ان يطالب به الامرة واحدة ,كما ان وفاء احد المدينين يبرئ ذمة الباقين ,بل هناك من ذهب ابعد من ذلك الى القول بأنه إذا كان لكل البدين محله الخاص وليس هناك ما يمنع الدائن من مطالبة كل مدين حتى يستنفذ كل محل الأداء الواجب (21).
وان معنى محل الالتزام هو الأداء الذي يجب على المدين إن يقوم به لصالح الدائن وهو إما إعطاء شئ أو عمل او امتناع عن عمل . (22)

تعدد الروابط:

يعد وصف تعدد الروابط من الأوصاف التي تلحق الالتزام من حيث أطرافه وهو تعدد أطراف الالتزام وبالتالي هناك روابط متعددة تربط كل مدين متضامم مع الدائن فنجد إن كل مدين ملتزم بسبب خاص به يختلف عن سبب التزام المدينين الآخرين وقد تكون الالتزامات مختلفة من حيث طبيعتها كأن يكون احدهما عقديا والآخر تقصيريا كالمؤمن والمؤمن له قبل المضرور ,وقد تكون الالتزامات من طبيعة واحدة الا انها تتكرر كحالة التزام الكفلاء بعقود متوالية او حالة تعدد مرتكبي الفعل الضار ( وهي حالة تضامم في القانون الفرنسي وتضامن في القانون المصري). مهما يكن فأن الروابط بين الدائن والمدين تتعدد بحسب عددهم وبالتالي يستطيع هذا الدائن أن يطالب أيا منهم بكل الدين .
وتعدد الروابط بحسب عدد المدينين واستقلال كل رابطة عن الأخرى يترتب عليه أثار معينة هي ان العيوب والأوصاف الخاصة بكل رابطة لا تؤثر في الأخرى كذلك بالنسبة لانقضاء الرابطة (23).

ثانيا: الشروط الخاصة بالالتزام التضاممي.
هناك شرطين اثنين مميزين ….في مجال الالتزام متعدد الأطراف وهما تعدد مصادر التزامات المدينين وانتفاء التضامن أو عدم القابلية للانقسام.

تعدد المصدر:

اهم ما يميز الالتزام التضاممي هو تعدد مصدر الالتزام وهو ان يستقل مصدر التزام كل مدين عن مصدر التزام المدين المتضامم معه وتعدد المصادر . فيقصد بالتعدد هو تنوع مصادر الالزام اي ان تنشأ التزامت المتضامنين عن اكثر من مصدر من مصادر الالتزام الخمسة (العقد, القانون, الارادة المنفردة, الفعل غير المشروع, شبه العقد ). وهنا يمكن إدخال بعض حالات التضامم كاجتماع مسؤولية عقدية مع مسؤولية تقصيرية كما في حالة المؤمن والمؤمن له قبلب المضرور فالمؤمن مسؤل مسؤولية عقدية والمؤمن له مسؤل مسؤولية تقصيرية (24).
ان القضاء الفرنسي قضى بالتزام الوالدين بالتضامم في النفقة الواجبة للأبناء.

استبعاد التضامن , وعدم القابلية للانقسام:

استبعاد التضامن اذا وجد هناك سواء بنص بالقانون او باتفاق الاطراف فلا محل للحديث عن التضامم فلا يوجد إلا إذا اختفى التضامن وعبر جانب من الفقه الفرنسي عن ذلك بأن التضامن احتياط للتضامم كما انه وجد للتخلص من مبدأ عدم افتراض التضامن(25).
أما بالنسبة لاستبعاد عدم القبلية للانقسام فيكون الالتزام غير قابل للانقسام أما بسبب طبيعة محله او اتفاق او نص قانوني (26) فأن الوضع الذي يكون فيه الالتزام غير قابل للانقسام ينظر إليه أولا من حيث المحل أو بحسب اتفاق الأطراف على عدم قابلية للانقسام او نص القانون على أن يكون كذلك وعدم القابلية للانقسام تنشأ بالنظر الى المحل وليس بالنظر الى تعدد الأطراف ,وعادة لا توجد علاقة تربط المدينين بعضهم ببعض بل قد لا يعرف بعضهم بعضا أصلا وبالتالي فهناك فرق كبير بين التضامم والالتزام غير القابل للانقسام .
وهكذا خلصنا في هذا الفصل الى تحديد تعريف الالتزام التضاممي وتحديد شروطه وسنتناول في الفصل الثاني أثاره وتطبيقاته.

الفصل الثاني
الآثار القانونية للالتزام التضاممي

ان وجود الالتزام التضاممي يترتب عليه آثار في علاقة الدائن بالمدينين المتضامين وآثار في علاقة المدينين المتضاممين فيما بينهم , ونتطرق لذلك في مبحثين :

المبحث الأول: آثار الالتزام التضاممي في العلاقة بين الدائن والمدينين المتضاممين:

إن العلاقة بين الدائن والمدينين المتضاممين تحكمها قواعد تشبه إلى حد كبير تلك التي تحكم علاقة الدائن بالمدينين المتضاممين ولكن مع وجود بعض الاختلافات , وذلك يرجع الى انتماء كل من النظامين للالتزامات متعددة الأطراف , لذلك سنوضح المبادئ التي تحكم مطالبة الدائن لمدينه المتضاممين وأيضا مسالة استبعاد النيابة التبادلية.
اولا: المبادئ الي تحكم مطالبة الدائن لمدينيه المتضاممين.

يكون للدائن في الالتزام التضاممي الحق في مطالبة اي من المدينين بالوفاء بكامل الدين وان وفاء احد المدينين يبرئ بقيتهم.

التزام كل مدين متضامم بأداء الدين كاملا:

أن مصدر التزام كل مدين متضامم مستقل عن مصدر إلزام المدين الآخر يترتب عليه أن يلتزم هذا المدين بأداء مقدار الدين المقرر في عاتقه متى طالبه الدائن بذلك ,ويكون الأداء في حدود هذا القدر ولا يجوز للدائن تجاوزه , وذك انه قد يكون مقدار إلزام احد المدينين المتضممين أكثر أو اقل من مقدار التزام المدين الآخر كما هو الحال في اجتماع خطأ تقصيري مع التزام عقدي فشركة التأمين مسؤلة عقديا وتلتزم بالأداء عن الضرر المتوقع فقط بينما المؤمن له او المتسبب في الضرر مسؤل تقصيريا ويكون ملزما بالأداء عن الضرر المتوقع وغير التوقع وبالتالي فان المضرور يطالب شركة التامين في حدود التزامها , وإذا لم يستوف حقه كاملا يرجع بما تبقى على المسؤل(27).

الا انه في بعض الحالات يكون المدين مسؤلا عن الدين كاملا وذلك في حالة تعدد المتسببين في الفعل الضار (في القانون الفرنسي) .

الوفاء من احد المدينين المتضاممين يبرئ الآخرين:

الوفاء الكلي من احد المدينين المتضاممين له اثر منهجي في مواجهة الدائن المستوفي وذلك يعني انه لا تجوز له المطالبة اي من المدينين الآخرين فطالما استوفى حقه مرة فلا مطالبة له في مواجهة أي من المدينين الآخرين أي إن الوفاء الكلي هو الذي يتبع هذا الأثر المنهجي .

فإذا لم يستوفي الدائن كامل دينه فله المطالبة لبقية المدينين المتضاممين بالمتبقي له وهنا يجب أن يتم الوفاء بالفعل ,فحصول الدائن على حكم بالوفاء الكلي ضد احد المدينين دون ان ينفذ هذا الحكم لا يمنعه من مطالبة الآخرين , حتى لو نفذ هذا الحكم جزائيا . اما الوفاء الجزئي فليس له إلا الإبراء الجزئي وبالتالي يمكن للدائن مطالبة اي من المدينين الآخرين أو كلهم حتى يتمكن من ان يستوفي كامل دينه. (28)

وفي حالة اتفاق المدينين المتضاممين فيما بينهم على تقسيم الدين كل بقدر حصته فلا يحتج بهذا الاتفاق في مواجهة الدائن وهو يؤثر فقط في علاقتهم فيما بينهم.

ثانيا:استبعاد النيابة التبادلية بين المدينين المتضاممين.
ليس هناك اي رابطة مشتركة بين المدينين في الالتزام التضاممي , فلكل منهم رابطة مستقلة تربطه بالدائن , ومصدر التزام يختلف عن مصدر التزام الاخر ولكن هناك محلا مشتركا لالتزاماتهم وذلك بخلاف الالتزام التضامني,حيث المصلحة المشتركة تؤدي الى وكالة مشتركة وهي التي تبرر النيابة التبادلية فيما بينهم .

فأهم ما يميز الالتزام التضاممي عن الالتزام التضامني , ان المدينين المتضاممين لا تجمعهم وحدة المصلحة المشتركة كما تجمع المدينين المتضامنين , وذلك ان التضامن يقتضي وحدة المصدر ووحدة المصدر هي التي تفرض وجود المصلحة المشتركة بين المدينين المتضامنين . أما في التضامم فالمصدر متعدد فلا محل لافتراض وجود مصلحة مشتركة بين المدينين المتضاممين . (29)

وهذا الرأي مستقر عليه فقها وقضاءا ,ذلك انعدام المصلحة المشتركة في الالتزام التضاممي يؤدي إلى غياب الوكالة المشتركة وبالتالي انعدام النيابة التبادلية بين المدينين المتضاممين , وبالتالي انتفاء الآثار الثانوية للتضامن الناتجة عن المصلحة المشتركة ويترتب على انعدامها آثار ويختلف نطاق النيابة التبادلية في القانون المصري عن القانون الفرنسي ونحن ليس باختلاف القانون نبحث.

المبحث الثاني : آثار الالتزام التضاممي بين المدينين المتضاممين

نظرا لتعدد التزام كل مدين وانعدام المصلحة المشتركة فأنه قد لا يعرف المدينين المتضاممين بعضهم البعض والرابط المشترك بينهم هو علاقتهم بالدائن وإذا ما طالب الدائن احدهم بالوفاء وأوفى فإنما يكون قد أوفى عن نفسه وهنا لاتثار مشكلة لكن الإشكال الذي يثور هو بعد وفاء المدين الدين للدائن يجد نفسه موفي دون بقية المدينين وقد اوفى بما يزيد عن حدود التزامه وهنا تثور مشكلة رجوع المدين الموفي على باقي المدينين المتضاممين .

وهنا تثار مشكلة بين مؤيد ومعارض حيث انعدمت النصوص القانونية التي تنظم الموضوع لذلك اتجه البعض الى رفض فكرة الرجوع وخاصة في الفقه والقضاء الفرنسي والمصري. حيث يرى الفقيه (هوك) ان المدين الذي اوفى لم يوفي دينا مشتركا وانما اوفى عن نفسه دينا هو بكامله دينه الشخصي و لا يمتزج مطلقا بدين سواه وعلى ذلك فليس هناك اي اساس قانوني للرجوع الذي يرغب في مباشرته وانتهى الى ان كل شخص ملزم بالكل وان الالتزامات مستقلة في الالتزام التضاممي فهذا الالتزام لدى هوك لا يوجب الرجوع. (30)

ويؤيد هذا الرأي الفقيه المصري نبيل ابراهيم سعد فيرى ان الرجوع ليس مسألة حتمية وليس مبدأ عام .

أما الرأي المؤيد لفكرة الرجوع فهو رأي الدكتور السنهوري حيث جعل ذلك متوقفا على ما بين المدينين المتضاممين من علاقة فإذا أوفى احد الكفلاء الذين كفلوا مدينا واحد بعقود متوالية الدين كله للدائن برئت ذمة بقية الكفلاء والآخرين أمام هذا الدائن ويجوز للكفيل الذي أوفى الدين ان يرجع بكل الدين على المدين الأصلي. (31)

حيث ان رد اصحاب الرأي المؤيد على اصحاب الرأي المعارض لمبدأ الرجوع والذي لم يجز رجوع الكفيل الموفي على اي من الكفلاء الاخرين بكل الدين ,بالقول ان بقية الكفلاء انما كفلوا المدين شأنهم شأن الموفي بل ان بعضهم قد يكون كفل المدين بعقد تالي لعقد هذا الموفي و حالة عدم وفاء المدين الاصلي بالدين قائمة سواء كانت في مواجهة الدائن الاصلي ام في مواجهة الكفيل الموفي وطالما ان الدائن عاد على هذا الكفيل الذي قام بالوفاء فليس من العدالة ان نجعله يواجه وحدة المدين الاصلي لمجرد وقوعه تحت طائلة مكنة الاختيار من جانب الدائن او يكون الاختيار نتيجة تواطؤ الدائن مع بقية الكفلاء , وبالتالي فمن باب اولى تأييد فكرة جاز رجوع الكفيل الموفي على الكفلاء الآخرين (32) وتراجع الفقه الفرنسي عى موقفه المعارض لمبدأ الرجوع وأيد مبدأ الرجوع وجعله مبدأ عام استنادا إلى إن القول بعكس ذلك ومنع الرجوع سوف يؤدي الى نتائج خطيرة.

ففي منع الرجوع يمنح الدائن سلطة تحديد المدين الذي سيتحمل العبء النهائي للدين الذي يوفي بناءا على مطالبة للدائن دون ان يستطيع الرجوع على المدينين الآخرين .

نخلص الى انه تم الاستقرار على مبدأ الرجوع واقراره سواء من طرف القضاء او الفقه .

1-أساس دعوى الرجوع في القانون الفرنسي :

نظرا لغياب تقنين ينظم مسألة الرجوع على المدين في الدين وبالتالي أساس الرجوع بين المدينين المتضاممين وقد خاض الفقه في هذه أورد عدة أسس للرجوع فمنهم من أسس الرجوع على المسؤولية المدنية باعتبار ان الموفي حينما أوفى بكل التعويض , يكون قد لحقه ضرر من جراء خطأ بقية الفاعلين لذات الضرر الذي لحق المضرور اذ يكون قد اصابه ضرر مرتد .وبالتالي فهو يستعمل سيل التعويض وفق قواعد المسؤولية المدنية في رجوعه على الباقين. (33)

وذهب بعض الفقه إلى تأسيس الرجوع على الفضالة باعتبار ان الموفي يعتبر كمن يتولى شؤون بقية المدينين معه وبالتالي فهو فضولي فيكون روعه عليهم بدعوى الفضالة , وقد انتقد هذا الرأي على اساس انه يجب أن يكون للفضولي نية تدبير شؤون الغير والموفي انما يوفي عن نفسه اي دينه الشخصي فهدفه إبراء نفسه فأذا تصادف مع ذلك فائدة للغير فلا يمكن ان نقول ان إرادة الموفي قد اتجهت الى تدبير شؤون الغير (34) .

وذهب البعض الآخر الى تأسيس الرجوع إلى الإثراء بلا سبب وذلك ان وفاء الموفي بالدين يؤدي إلى براءة ذمة باقي المدينين المتضاممين من الدين ومنع مطالبة الدائن لهم بالوفاء وبذلك يكونوا قد اثروا على حساب المدين الموفي الذي افتقر من جراء هذا الوفاء ومن ثم يكون رجوعه عليهم بدعوى الإثراء بلا سبب.وقد انتقد هذا الرأي كسابقه بالقول ان افتقار من عوض كامل الضرر هو قول مردود وذلك ان الموفي يفتقر دون سبب بل أوفى بالتزام قانوني اذ انه كان ملزما بالوفاء وهو اذا أوفى انما اوفى بالتزامه كما ان الآخرين لم يثروا على حسابه لانهم لم يجنوا اي اثراء. (35)

إلا إن الأساس القانوني الأقرب إلى المنطق هو الحلول القانوني وذلك انه يجيز ان يحل الموفي حلولا قانونيا محل الدائن ان كان الموفي ملزم بالدين مع المدين او عنه طبقا للمادة /125/3/من القانون الفرنسي .فهي تعطي للموفي دعوى شخصية .
2-أساس دعوى الرجوع في القانون المصري:

أما القانون المصري فقد تعرضت محكمة النقض المصرية لأساس رجوع بمناسبة نظر القضايا التي تعرضت لها وأسست الرجوع فيما بين المتضاممين يخضع لما بينهم من علاقة حيث يتوقف رجوع من يوفي منهما بكامل الدين او بعضه على الأخر بقدر ما يكون بينهما من علاقة . (36) اي ان أساس الرجوع في القانون المصري يرجع الى طبيعة لعلاقة ما بين المدينين المتضاممين .
أما الفقه المصري فأنه لم يتعرض تفصيلي لأساس الرجوع لا ان الرأي الذي جاء به الدكتور السنهوري هو” رجوع المدينين على بعضهم البعض يتوقف على ما بينهم من علاقة وبالتالي فالأساس يرجع لهذه العلاقة التي تربط بين المدينين المتضامين بحسب كل حالة” اي في حالة تعدد الكفلاء لدين واحد بعقود متوالية ,وتأسيس رجوع الكفيل الموفي على بقية الكفلاء بدعوى الحلول (37).

أما الفقه الجزائري فلم يشر إشارة صريحة للتضامم وتناول فقط أمثلة دون تفصيل للفكرة وشروطها. (38)

ثالثا: كيفية تقسيم الدين بين المدينين المتضاممين:
هنا تأتي مرحلة توزيع العبء النهائي للالتزام التضاممي فيما بين المدينين المتضاممين وهذه المسألة فصل فيها التقنين الفرنسي والمصري , بحيث يقسم الدين بين المدينين بالتساوي ما لم يكن هناك اتفاق او نص يقضي بخلاف ذلك , حيث ان الرجوع في الالتزام الضاممي ليس مبأ عاما وانما قد يمتنع عن الرجوع وان يكون رجوعا جزئيا او رجوع في جهة واحدة او طبقا لمعايير معينة .

الحالة التي يمتنع فيها الرجوع في الالتزام التضاممي .

حالة المؤمن عن المسؤلية حيث يلتزم المؤمن بتعويض المضرور عن الضرر الناشئ عن فعل المؤمن له في حدود مبلغ التأمين المنصوص عليه بالعقد (وثيقة التأمين ) فأذا ما اوفى هذا المؤمن للمضرور , فلا رجوع له على المؤمن له طالما لم يتجاوز المبلغ قيمة المنصوص عليه في الوثيقة.وبهذا يكون الرجوع في اتجاه واحد لان العبء يقع على عاتق المؤمن الذي التزم بتأمين مسؤلية المؤمنة في حدود مبلغ التأمين .

معايير توزيع عبء الدين على المدينيين المتضاممين :

نظرا لعدم وجود نص ينظم مسألة كيفية رجوع المدين الموفي خاصة, فأن الفقه اقترح العديد من المعايير لتوزيع عبء الدين . فمنهم من اقترح الدور السببي لكل فعل في المسؤلية بحيث ان تقسيم العبء النهائي يحدد بمقتضى مساهمة محل خطأ في احداث الضرر ودوره السببي في احداث الضرر , الا ان هذا المعيار اذا كان يصلح في حالة تعدد الالتزامات التقصيرية فهو لا يصلح معيارا لباقي حالات التضامم .أما الرأي الآخر فذهب الى معيار جسامة الأخطاء فيجعل صاحب الخطأ الأكبر جسامة الجزء الأكبر من قيمة التعويض وعلى العكس يتحمل صاحب الخطأ الأقل جسامة الجانب الأقل من قيمة التعويض , (39) أما في حالة استغراق احد الخطأين الخطأ الآخر كان صاحب الخطأ المستغرق هو المسئول عن التعويض كاملا , بينما لا يسأل الآخر عن شئ من المسؤولية . وقد انتقد هذا المعيار على أساس ان المدين المتضامم وجد لتعويض الدائن , وبالتالي لا ينظر الى الخطأ من الناحية الشخصية , وإنما يجب النظر من الجانب الموضوعي ( إحداث الضرر) وهنا تبدو الأخطاء متكافئة . وهناك من يرى ان التقسيم بالتساوي هو الأصلح كمعيار لتوزيع عبء الدين على المدينين باعتباره الأكثر يسرا وسهولة وهذا المعيار يصلح فقط في حالة تعدد الالتزامات القانونية .
أن هذه المعايير الثلاثة تصلح كل منها في إحدى حالات التضامم و لا يصلح في الأخرى لذلك يرى الفقه ان معيار توزيع الدين على المدينين يعود غالى طبيعة العلاقة بين المدينين المتضاممين فقد يكون رجوعا جزئيا كرجوع الكفيل الموفي على بقية الكفلاء الذين كفلوا الدين بشك متوالي وقد يكون رجوع كلي كرجوع الموفي على المدين الأصلي وقد يمتنع اذا كان اذا كان الموفي هو المدين نفسه.(40)

الفصل الثالث
نطاق تطبيق الالتزام التضاممي

هناك عدة تطبيقات للالتزام التضاممي منها ما وجد سند تشريعيا له بحيث استخلص الفقه والقضاء من النصوص القانونية تطبيقات للالتزام التضاممي ومنها ما أوجده القضاء الفرنسي في اطار البحث عن تعويض كامل للمضرور , لذلك سنتطرق في في هذا الفصل الى تطبيقات الالتزام التضاممي ذات الأصل التشريعي ثم تطبيقاته ذات الأصل القضائي.
أولا: تطبيقات الالتزام التضاممي ذات الاصل التشريعي
توجد بعض النصوص المتفرقة والتي لا تشير صراحة إلى الالتزام التضاممي إلا أن الفقه استخلص منه وجوده لتوفر الشروط فقد وجد في نطاق الكفالة والتامين والدعوى المباشرة والنفقة والإنابة الناقصة.
بالنسبة للكفالة حيث تنص المادة/664/2 القانون المدني الجزائري والمادة /2020 من القانون الفرنسي والمادة/792من القانون المدني المصري في حالة تعدد الكفلاء والتزموا بعقود متوالية فأن كل واحد منهم يكون مسؤلا عن الدين كله إلا إذا كان قد احتفظ لنفسه بحق التقسيم في هذه الحالة نجد إن هناك كفلاء متعددين وكل منهم قد التزم في عقد مستقل بكفالة دين المدن فالرابط الذي يربط الكفلاء المتعددين بالدائن روابط متعددة اذ كل كفيل منهم تربطه بالدائن رابطة مستقلة , ومصدر التزام كل كفيل هو أيضا متعدد إذا التزم الكفلاء بعقود متوالية وكل منهم تربطه بالدائن عقد كفالة مستقل والشئ الوحيد الذي يشتركون فيه هو دين المدين المكفول لوحده المحل. (41)
وفي ما يخص مسألة الرجوع فأن للكفيل الذي دفع الدين ان يرجع بدعوى الحول على الكفلاء الآخرين ليطالب كل منهم بحصته في الدين كما يجوز له أن يرجع بكل الدين على المدين الأصلي.
أما في نطاق الدعوى المباشرة فهذه الدعوى لا توجد إلا بناء على نص وفي هذه الحالة نجد ان للدائن مدينين يرجع على اي منهما بالدين كله ودون أن يكون المدينان متضامنين ولذلك يكون التزامهم التزام تضاممي وهذا ما نصت المادة/507 من القانون الجزائري ” يكون المستأجر من الباطن ملزما بأن يؤدي للمؤجر مباشرة ما يكون ثابتا في ذمته للمستأجر الأصل وقت أن ينذره المؤجر” وفي الإنابة الناقصة نصت المادة/295 من القانون الجزائري على انه ” إذا اتفق المتعاقدون في الإنابة على آن يستبدلوا بالتزام سابق التزام جديد كانت هذه الإنابة تجديد للالتزام بتغيير المدين ويترتب عليها إبراء ذمة المنيب قبل المناب لديه على أن يكون الالتزام الجديد الذي ارتضاه المناب صحيحا وان لا يكون معسرا وقت الإنابة . غير أنه لا يفترض التجديد في الإنابة فأن لم يكن هناك اتفاق على التجديد بقي الالتزام القديم الى جانب الالتزام الجديد, ونستخلص من كل هذا النص أن الإنابة الناقصة هي ان ينيب المدين شخصا ثالثا يسمى المناب ليفي بالدين لدائنه الذي يسمى المناب لديه.ان مصدر التزام كل من المدينين بالإنابة الناقصة والالتزام الأصلي يختلف عن مصدر التزام الطرف الآخر ولا يوجد تضامن بينهم لا بالاتفاق و لا بنص القانون فهنا يكون المنيب والمناب ملتزمين بالتضامم أمام الدائن. (42)
ثانيا: تطبيقات الالتزام التضاممي ذات الأصل القضائي
ان فكرة الالتزام التضاممي هي أصلا من إبداع القضاء الفرنسي ,كما استقر القضاء المصري في بعض أحكامه على وجود الفكرة في حدود ما عرض عليه من موضوعات , أما القضاء الجزائري فلم نجد فه ولو قرار راح يشير إليه وقد يرجع ذلك إلى أن الموضوعات التي عرضت عليه لم تتضمنه .
قضت محكمة النقض المصرية في قرارها الصادر في 28/2/1983 بقولها ” عندما تتعدد مصادر الالتزام بتعويض المضرور مثل التزام احدهم عقديا والتزام الآخر تقصيريا فأن الالتزام التضامني يتنحى كي يترك المكان للالتزام التضاممي”.
فإذا كان المضرور قد رجع على المسؤول عن الضرر وطالب بالتعويض فدفع له فأنه يكون للمؤمن له أن يرجع على شركة التامين في حدود ماهي ملتزمة به في عقد التأمين. (43) أما إذا أقامت شركة التأمين بالوفاء بالدين فأنه ليس لها أن ترجع على المؤمن له لتطالبه بما قد أوفت او الشركة لا تلتزم إلا في حدود المتفق عليه في عقد التامين فإذا لم يستوف المضرور كامل حقه فانه يرجع على الباقي على المسؤول عن الضرر.
أما في حالة تعدد المسؤلين عن عمل ضار فلم ينظر المشرع الفرنسي في ذلك , ولما كانت القاعدة أن التضامن لا يفترض وإنما يكون بناء على اتفاق او نص في القانون فأن القضاء الفرنسي وجد ضالته المنشودة في الالتزام التضاممي وذلك حتى يكفل المضرور ضمانا كافيا للحصول على حقه في التعويض ودون أن يثقل المدينين بما يرتبه التضامن من آثار ثانوية خطية لذلك فقد تلقت فكرة تطبيقا واسعا في مجال المسؤولية المدنية.
ففي مجال المسؤولية عن الأفعال الشخصية ,قد استقر القضاء على ان كلا من المسؤولين عن نفس الفعل الضار والناشئ عن خطئهم يعتبر ملتزما تضامميا بالتعويض عن كل الضرر فكل خطأ من هذه الأخطاء ساهم في إحداث الضرر كله أو يدخل ضمن هذه الفئة المرتكبون لخطأ واحد او خطأ مشترك . وقد استقر القضاء أيضا على أن تقسيم المسؤولية التي يجريها القاضي بين المسؤلين, قاصر فقط على العلاقة فيما بين هؤلاء المسؤلين ولا يخضع به في علاقاتهم مع المضرور الذي يستطيع أن يطالب أي منهم بالتعويض الكامل عن كل الضرر الذي أصابه .
أما في حالة تعاقد عامل فني مع صاحب مصنع يعمل في مصنعه مدة معينة وأخل تعهده فخرج قبل انقضاء المدة ليعمل في مصنع أخر منافس بتحريض من صاحبه , كان العامل وصاحب المصنع المنافس مسؤولين معا نحو صاحب المصنع الأول كل منهما عن تعويض كامل , وتفسير ذلك لا يرجع الى تعدد المسؤولين عن أخطاء تقصيرية بل إلى ان العامل مسؤول عن تعويض كامل لا اخل بالتزامه العقدي وصاحب المصنع المنافس مسؤول ابيضا عن تعويض كامل لأنه ارتكب خطأ جعله مسؤولا , فيكون كل منهما مسؤولا عن تعويض ضرر واحد تعويضا كاملا . فهنا لدينا تعدد المدينين , تعدد الروابط , وحدة المحل , وعدم وجود تضامن بينهم فهم مسؤولون بالتضامم عن تعويض الضرر . (44)

الخاتمة
تناولنا في البحث اصل نشأة الالتزام التضاممي منذ فترة القانون الروماني وانتقاله الى الفقه والقضاء الفرنسيين وان الفكرة توجد في القانونيين المصري والجزائري واستقرار الأخذ بها وساعد ذلك على الوصول لتعريف لفكرة الالتزام التضاممي وتحديد شروطه وتقسيمها إلى قسمين الشروط المشتركة مع الالتزام التضامني وتلك المميزة للالتزام التضاممي ثم بعد ذلك الآثار سواء في علاقة الدائن بالمدينين المتضامنيين أو علاقة هؤلاء المدينين بعضهم البعض.
وقد تمخض البحث النتائج التالية :

استقرار الفكرة في أحكام القضاء الفرنسي والمصري وإحجام القضاء الجزائري عنها.
الفقه في فرنسا قد تناول الفكرة بصورة اكبر عنه في الفقه المصري والجزائري وربما يرجع ذلك الى اتساع نطاقها في القانون الفرنسي وضيقه في القانون المصري والجزائري .
توصلنا إلى تعريف التضامم بأنه تعدد للمدينين في الالتزام بذات المحل مع تعدد مصادره دون تضامن او عدم قابلية للانقسام . ومن هذا التعريف توصلنا الى الشروط المشتركة والمنفردة والى اثار بين الدائن والمدينين المتضاممين .
وفيما يخص تطبيقات ….فمنها ما وجدت سندا تشريعيا لها كالتضامم في عقد الكفالة , الدعوى المباشرة ,النفقة الواجبة قانونا , الإنابة الناقصة .
وقد أوجد القضاء بالنظر لتوافر شروطه كحالات تعدد المسؤلين تقصيريا واجتماع خطأ عقدي مع خطأ تقصيري , المسؤولية العقدية عن عمل الغير , مسؤولية المؤمن وضامنه أمام المضرور .

إذا فالفكرة مستقرة في كل من القانون الفرنسي والجزائري والمصري وأن اختلف نطاق تطبيقها في كل منها , وان الأبواب مفتوحة لتطورها خاصة أمام تعدد الأخطار وتعاظمها بالتناسب مع التطور التقني والتكنولوجي . مما يجعلها مجالا لحماية المضرورين ومحاولة إيجاد ضمان لدائن أولى بالرعاية وسوف يفتح هذا التطور الباب لحالات أخرى للالتزام التضاممي .
ونوصي بالإشارة الى التضامم في القانون المدني والتفرقة بين الكلمتين التضامم والتضامن.

الهوامش:

محسن البيه / ” التضامن والتضامم في محكمة الاستئناف العليا الكويتية مقارنا بين القضائين الفرنسي والمصري ” مكتبة الجلاء الجديدة /المنصورة/الفصل 7 /ص 9 وما بعدها
نبيل إبراهيم سعد / “التضامم ومبدأ عدم افتراض التضامن” /دار الجامعة الجديدة لنشر/ 1982 / ص12
د. محمد عبد المنعم بدر / “مذكرات في مبادئ القانون الروماني “/ الجامعة المصرية / كلية الحقوق / المطبعة التجارية الحديثة /1933-1934 / ص 11 وما بعدها
نبيل إبراهيم /المصدر السابق / ص 14
Gerard corny ,vocabularies juridique –p 432
د.محمد جاد / أحكام الالتزام التضاممي في القانونيين الفرنسي والمصري / منشأة المعارف / ص 80 /1983
د. السنهوري / الوسيط في شرح القانون المدني الجديد / الجزء 3 /ف 178 / ص 322 وما بعدها
ابن منظور / لسان العرب / مادة الضم / جزء 4 / ص 2609
احمد علي / تضامن المدينين / دراسة مقارنة في القانون المدني و الفقه الاسلامي / رسالة جامعة عين شمس /1993/ ص 35 /يوثر البعض تسمية التضامم بالتضام بمصدر الكلمة.
د. محمد جاد / المصدر السابق/ ص 84
حكم محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 4/12/1939
د. محمد جاد / المصدر السابق /ص 86
حكم محكم النقض المصرية في 27/2/1983
حكم محكمة النقض المصرية 25/3/90 – 21/11/67 – 17/2/66
د. السنهوري / المصدر السابق/ص 332
د. محمد جاد/ المصدر السابق/ ص103
محمد جاد / المصدر السابق/113
نبيل إبراهيم /المصدر السابق/ ص 58
محمد حسنين / الوجيز في نظرية الالتزام / مصادر الالتزامات وأحكامها في القانون الجزائري / المؤسسة الوطنية للكتاب/ص325
د. السنهوري / المصدر السابق /ص 1013
محمد جاد / المصدر السابق /ص 118
د. إسماعيل غانم / النظرية العامة للالتزام /جزء 1/ مصادر الالتزام/ مكتبة عبد الله وهبة/ف 118 /ص 236
محمد حسنين / المصدر السابق/ص 322
25 – 26- محمد جاد المصدر السابق / ص 133و145و146

27 – 28- 29 – د. السنهوري / المصدر السابق/ ص1018 و1020و 1025
30 – جلال محمد ابراهيم / الرجوع بين المسؤولين المتعددين / دراسة مقارنة بين القانون الكويتي والمصري والفرنسي /1992-1993 /ص 0
31- السنهوري/ المصدر السابق/ص 117
32- محمد جاد / المصدر السابق/ هاش ص 202
33- محمد جاد / المصدر السابق /ص 255
34- 35- السنهوري / المصدر السابق/ ص 1017 وص 1014
36- حكم محكمة النقض المصرية 9/5/1999
37- 38- 39 – 40- محمد حسنين / المصدر السابق/ص255 ص 260 و ص 325 وص 326
41- نبيل اراهيم / المصدر السابق / ص 58و59
42- السنهوري / المصدر السابق /ج1/ ص 1052
43- 44- 45- نبيل ابراهيم / المصدر السابق /ص 60 وما بعدها.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت