«يكون كويتياً كل من ولد- في الكويت أو في الخارج- لأب كويتي».. هكذا نصت المادة الثانية من المرسوم الأميري رقم 15 لسنة 1959 بقانون الجنسية الكويتية، لتعطي الحق للرجل الكويتي لتمرير جنسيته لأبنائه، دوناً عن المرأة الكويتية، التي حرمها من تمرير جنسيتها لأبنائها بالمخالفة لما ورد في المادة 29 من الدستور «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس..».

اللجوء لـ«الدستورية»

نظراً للمادة الثانية من قانون تنظيم القضاء رقم 23-1990 حول عدم جواز نظر القضاء في الأمور السيادية، وحيث إن الجنسية تم اعتبارها من الأمور السيادية، فقد لا تتمكن المرأة من الحصول على حقها في تمرير جنسيتها لأبنائها عن طريق القضاء، إلا إذا تم اعتبار أن الطعن في هذه المادة من القانون ليس نظراً في أمور الجنسية، بل بمدى دستورية القانون، إلا أن القانون لايزال قاصراً، بحيث لا يتمكن الفرد من اللجوء إلى المحكمة الدستورية بشكل مباشر.

حالات تمرير الأم للجنسية

نص المرسوم رقم 15 لسنة 1959 في مادته الثالثة على أنه «ويجوز بمرسوم بناء على عرض وزير الداخلية منح الجنسية الكويتية لمن ولد في الكويت أو في الخارج من أم كويتية وكان مجهول الأب أو لم تثبت نسبته إلى أبيه قانونا، ويجوز بقرار من وزير الداخلية معاملة القصّر في هذه الحالة معاملة الكويتيين، لحين بلوغهم سن الرشد».

وهنا اشترط القانون حالات جهالة أو عدم إثبات النسب، ليكتسب الأبناء جنسية والدتهم، وذلك «جوازاً» لا إلزاماً، فيما لا يوجد أي من هذا النوع من الشروط، في حال زواج الأب الكويتي من غير كويتية. وفي المادة الخامسة من القانون نفسه «…، يجوز منح الجنسية الكويتية بمرسوم – بناءً على عرض وزير الداخلية – لمن يأتي:… ثانيا – المولود من أم كويتية، المحافظ على الإقامة فيها حتى بلوغه سن الرشد إذا كان أبوه الأجنبي أسيرا أو طلق أمه طلاقا بائنا أو توفي عنها… ».

وهنا شروط أخرى لـ«جواز» منح ابن المواطنة الكويتية الجنسية وهي الإقامة في الكويت حتى بلوغ سن الرشد، وأن يكون الأب الأجنبي أسيراً أو انفصل عن والدته بطلاق بائن أو في حالة الوفاة، وهي شروط تشجع بشكل واضح على الانقسام الأسري، وتعجيز عملية التجنيس في جانب المواطنة الكويتية، في حين ينص الدستور الكويتي في مادته التاسعة على أن «الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، يحفظ القانون كيانها، ويقوي أواصرها، ويحمي في ظلها الأمومة والطفولة»، وهي مخالفة واضحة لفكرة حفظ القانون للأسرة وتقوية أواصرها، فهو في المادة الخامسة منه يشجع الانفصال الأسري، بحيث يكافئ الطلاق بالجنسية، بالإضافة إلى الفصل بين جنسية الأم وابنها، إذ لا يبدو فيه أي حماية للأمومة والطفولة الوارد في المادة التاسعة من الدستور وعدم احترام الرابط بين الأم والأبناء، وخاصة أن المواطنة الكويتية المتزوجة من أجنبي تعاني معاملة أبنائها كوافدين، فتضطرهم للخضوع لقوانين الإقامة وغيرها، وذلك في وطنها.

رابطة الدم

بينما في الجانب الآخر يجيز قانون الجنسية في مادته الثامنة ما يلي «يجوز بمرسوم بناءً على عرض وزير الداخلية منح المرأة الأجنبية التى تتزوج من كويتي الجنسية الكويتية إذا أعلنت رغبتها في كسب هذه الجنسية..»، فالقانون هنا يسمح للمرأة الأجنبية بالعيش في الكويت كمواطنة ويمنحها الجنسية ولا تسقط عنها، حتى لو انتهت علاقتها الزوجية بزوجها الكويتي، فيما يحرم أبناء المواطنة الكويتية الآتين من رحمها من الحصول على حقوق المواطنة.

ويمنح القانون الكويتي الجنسية على أساس رابطة الدم، فهل دم المواطن الذكر أكثر احتراماً لدى المشرّع من دم المواطنة الأنثى؟

يذهب الفقه إلى أن قصد المشرّع من منح الجنسية الكويتية لزوجة الكويتي الأجنبية، هو توحيد العائلة، تماشياً مع مبادئ الدستور الكويتي في كون الأسرة أساس المجتمع، وهو ما يتناقض مع عدم منح الجنسية لأبناء المواطنة الكويتية المتزوجة من أجنبي، فهل يقصد المشرّع حماية أسرة الرجل من دون أسرة المرأة؟ وهل توحيد العائلة يسري في حالة المواطن من دون المواطنة؟ وهل ذكر في الدستور أي انحياز فيما إذا كانت الأسرة لأب كويتي فقط أو لأم كويتية؟

الاتفاقيات الدولية

العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي صدَّقت عليه الكويت عام 1996 ينص في مادته الثانية على أن «1: تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها، دون أي تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس،…».

وفي مادته الثالثة «تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بكفالة تساوي الرجال والنساء في حق التمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية».

والمادة 23 «1 – الأسرة هي الوحدة الجماعية الطبيعية والأساسية في المجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة.
2 – يكون للرجل والمرأة، ابتداء من بلوغ سن الزواج، حق معترف به في التزوج وتأسيس أسرة.
4 – تتخذ الدول الأطراف في هذا العهد التدابير المناسبة لكفالة تساوي حقوق الزوجين وواجباتهما لدى التزوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله..».

وفي المادة 26 «الناس جميعا سواء أمام القانون ويتمتعون دون أي تمييز بحق متساو في التمتع بحمايته. وفي هذا الصدد يجب أن يحظر القانون أي تمييز، وأن يكفل لجميع الأشخاص على السواء حماية فعالة من التمييز لأي سبب، كالعرق أو اللون أو الجنس».

وبمجرد تصديق دولة الكويت على الاتفاقيات والعهود الدولية تصبح جزءأ من قانونها الوطني، وتكون ملزمة بتطبيقها، ووفق المواد السابقة، فإن هناك عدم اتفاق مع قانون الجنسية التمييزي.

كما صدَّقت الكويت عام 1994 على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والتي نصَّت في مادتها الأولى على: «لأغراض هذه الاتفاقية يعنى مصطلح «التمييز ضد المرأة» أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس، ويكون من آثاره أو أغراضه، توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر، أو توهين أو إحباط تمتعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها، بصرف النظر عن حالتها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل».

وفي مادتها الثانية «تتعهد الدول الأطراف في ما يلي:

(ب) اتخاذ المناسب من التدابير، تشريعية وغير تشريعية، بما في ذلك ما يناسب من جزاءات، لحظر كل تمييز ضد المرأة واتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعي منها، لتغيير أو إبطال القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزا ضد المرأة».

وهو ما يلزم الكويت بإزالة التمييز التشريعي ضد المرأة في قانون الجنسية، إلا أن حكومة الكويت قد تحفظت على الفقرة الثانية من المادة التاسعة من الاتفاقية التي تنص على أن «2 – تمنح الدول الأطراف المرأة حقا مساويا لحق الرجل في ما يتعلق بجنسية أطفالهما»، وهو ما يناقض الغرض الرئيسي من الاتفاقية، وهو إلغاء التمييز ضد المرأة.

التعديل المصري

يعد القانون المصري مصدراً تاريخياً للقانون الكويتي، وقد كان قانون الجنسية المصري رقم 26-1975 يمنح الجنسية في مادته الثانية لكل من ولد لأب مصري، كما في القانون الكويتي الحالي، إلا أنه وفي عام 2004، وبعد ضغط من مؤسسات المجتمع المدني تم تعديل المادة الثانية من القانون، بحيث يكون مصرياً من ولد لأب مصري أو لأم مصرية، وبذلك يكون القانون المصري قد أزال التمييز ضد فئة المواطنات في مصر، وساوى بين حق الأب المصري والأم المصرية في تمرير جنسيتهما لأبنائهما، بغض النظر عن جنسية زوج كلاهما، ليتوافق مع مبادئ الدستور المصري والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر وألزمت نفسها بها، وهو المطلوب تعديله في القانون الكويتي، ليحقق التوافق ذاته.

حجج شرعية

يتعذر بعض مناهضي حق المواطنة الكويتية في تمرير جنسيتها لأبنائها بالدين الإسلامي، لمنعها من هذا الحق، أسوة بالمواطن الكويتي، بحيث تقوم الحجة على أساس تحريم الإسلام لنسب الأبناء لوالدتهم، وهو ما يبدو غريباً لأن:

أولاً: منح الجنسية لأبناء المرأة لا يغير أي شيء من النسب، ولا يتطلب إعطاء الجنسية أي تغيير في أسماء أبنائها.
ثانياً: هناك عدة دول إسلامية تقوم بمنح الجنسية لأبناء مواطناتها مثل جمهورية مصر العربية.
ثالثا: يمنح القانون الكويتي الحالي الجنسية لأبناء الكويتية في بعض الحالات تحت شروط مثل الطلاق البائن والوفاة وغيرها، فلو كان منح الجنسية مخالفا للشريعة الإٍسلامية فكيف يتم منحها في بعض الحالات؟

وإذا كنا سنتحدث حول الشرع والدين فأبناء المواطنة الكويتية إن كانت تملك عقاراً لا يمكنهم الحصول على إرثهم الشرعي الذي يقره لهم الدين الإسلامي، وذلك لعدم جواز تملك غير الكويتي لعقار في الكويت، وهو ما ينافي الشرع، لأنه حجب لحق الورثة.

ازدواجية الجنسية

يتحجج آخرون بازدواجية جنسية أبناء الكويتية إذا منحت لهم الجنسية، وذلك لأنهم يحملون جنسية والدهم، وذلك يخالف منع الازدواجية في القانون الكويتي، وهذا غير دقيق، لأن:
أولا: بالإمكان أن يتم تخييرهم بين الجنسيتين عند بلوغ السن القانونية.
ثانياً: أن الرجل الكويتي المتزوج من أجنبية من دولة تعطي المرأة الحق في تمرير جنسيتها لأبنائها يحمل أبناؤه الجنسيتين أيضاً، ويتم تخييرهم عند بلوغهم السن القانونية.. إذاً، فالوضع لن يكون جديداً في القانون الكويتي فهو موجود فعلاً.

حق اختيار الشريك

إن للمرأة الكويتية حق اختيار شريكها مهما كانت الجنسية التي يحملها مثلما للرجل الكويتي هذا الحق، ومن حقها أن تعيش في وطنها مع أبنائها من دون أن تدخل في إجراءات مطولة ومرهقة وحرمان لمجرد اختيارها لشريك غير كويتي، فيما لا يخضع الرجل الكويتي إذا ما تزوج من أجنبية لنفس الإجراءات والحرمان، فلماذا تعاقب الكويتية على اختيارها شريكاً أجنبياً؟ ولماذا يتم دفعها لاختيار العيش خارج وطنها، في حين يتوجب على الدولة أن تكفل لها كامل الحقوق، لتتمكن مع العيش في وطنها بكرامة ورفاهية وسلام؟

إن المطالبة بحق المواطنة الكويتية في تمرير جنسيتها لأبنائها لا ينقص من حق المواطن الكويتي الذكر في شيء، بل إن تحقيق المساواة هو السبيل لتكوين قانون عادل يعطي الحقوق الإنسانية للجميع من دون النظر لاعتبارات الجنس، وللأسرة في المجتمع عمادتان رئيستان، الأم والأب، ولا يقل أحدهما عن الآخر في دوره الأسري ويجب ألا تكون الثقافة هي ارتكاز الأسرة على طرف من دون الآخر.

المطلوب تعديل تشريعي

يحتاج قانون الجنسية إلى تعديل تشريعي لإزالة التمييز ضد المرأة الذي تتضمنه مواده، ولجعله متوافقاً مع الدستور الكويتي والاتفاقيات الدولية ومبادئ حقوق الإنسان، وهذا التعديل قد لا يأتي في الأوضاع السياسية الحالية، وهنا يأتي دور مؤسسات المجتمع المدني، للضغط على المؤسسة التشريعية، من أجل تعديل عادل بين المواطنين، فنحن لسنا أمام فكرة نسوية، بقدر ما نحن أمام مطالبة بتحقيق مبادئ حقوق الإنسان في المساواة لمواطنين يحصل بعضهم على حق لا يحصل عليه البعض الآخر، وهو ما يعد تمييزاً فئوياً غير عادل.

سيسهم التعديل التشريعي للمادة الثانية من قانون الجنسية بحل الكثير من المشكلات التي يعانيها أبناء الكويتيات، وخاصة المولودين من آباء عديمي جنسية، لأنه ليس من العدل أن تمنح الدولة جنسيتها لمجهولي الأبوين، طبقاً للمادة الثالثة من القانون، وتمنعها عن معلومي الأبوين وأحدهما يحمل الجنسية الكويتية.

وإن كل ما نتمناه أن يحصل كل مواطن ومواطنة على حقه على حد سواء.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .