نص الدستور العراقي النافذ على مجموعة من الاختصاصات الدستورية التاي تمارساها المحافظات غيار المنتظمة بإقليم كحق دستوري لها، وهذه الاختصاصات تعطي، ولا شك، ميزة على النظام الاتحادي حديث النشأة من خلال ممارسة مبدأ المشاركة في السلطة والحكام والادارة مما يعزز الاحساس بالمساهمة في صنع القرار وممارسة السلطة، وبالتالي تحمل المسؤوليات (1). ومن جملة هاذه الاختصاصات الدستورية المشتركة بين سلطة المركز والمحافظات غير المنتظمة باإقليم والواردة ضمن اختصاص هذه المحافظات في مراقبة تخصيص الواردات الاتحادية، واختصاصاها الدستوري ضمن حقوق المحافظات في المشاركة في مؤسسات الدولة الاتحادية. عليه سنقسم الموضوع على فرعين، نتناول في الفارع الاول مراقبة تخصيص الواردات الاتحادية، وفي الفرع الثاني ضمان حقوق المحافظات في المشاركة في مؤسسات الدولة الاتحادية.

الفرع الاول/مراقبة تخصيص الواردات الاتحادية.

نصت المادة (106) من دستور العراق لعام 2005تؤسس بقانون هيئة عامة لمراقبة تخصيص الواردات الاتحادية، وتتكون الهيئة من خبراء الحكومة الاتحادية والاقاليم والمحافظات وممثلين عنها وتضطلع بالمسؤوليات الاتية:

اولا //التحقق من عدالة توزيع المنح والمساعدات والقروض الدولية، بموجب استحقاق الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم.

ثانياً // التحقق من الاستخدام الامثل للموارد المالية الاتحادية واقتسامها.

ثالثاً // ضمان الشفافية والعدالة عند تخصيص الاموال لحكومات الاقاليم او المحافظات غير المنتظمة في اقليم وفق اً للنسب المقررة.

وواضح من النص اعلاه ان المشرع الدستوري قد اختص المحافظات غير المنتظمة بإقليم باختصاص دستوري تشارك فيه الحكومة الاتحادية في مراقبة تخصيص او تقاسم الواردات الاتحادية؛ فقد ألزمت المادة بتأسيس هيئة عامة على غرار الهيئات المستقلة الاخرى يكون فيها خبراء المحافظات غير المنتظمة بإقليم وممثلين عنها جزءاً من تكوينها. ومما لاشك ان تقاسم الايرادات Revenue sharing يحتاج الى ترتيبات تقتضي توزيع الايرادات بين الوحدات التي تتكون منها الدولة الفيدرالية، وتكون هذه الترتيبات غير محددة في الدستور واحياناً تكون محددة (2). وواضح من المادة (106) ان المشرع الدستوري اراد ان تتشارك المحافظات غير المنتظمة بإقليم في هذا التقاسم او التخصيص وفق معطيات مهمة تضمن التحقق من عدالة توزيع الواردات، والتحقق من استخدامها الامثل واقتسامها وضمان الشفافية والعدالة عند تخصيصها للمحافظات وفق النسب التي وردت في الدستور او التي ترد في القانون العادي. ويبدو ان المشرع اراد من خلال هذا النص الدستوري اعادة التعادل او التكافؤ او التوزيع الرسمي للإيرادات ضمن الفيدرالية من اجل توفير حد ادنى للموارد لضمان حصول المواطنين على مستوى متقارب من خدمات الدولة بغض النظر عن مكان اقامتهم، وهو ما يعرف ب( التعادل المالي الافقي )Financial horizontal tie (3) .

فهذا التعادل المالي يقوم على معادلة تأخذ بالحسبان قدرة تحصيل الايرادات من الموارد الذاتية والحاجات الاتفاقية في مختلف مناطق سلطاتها القانونية او كليهما معاً(4). بيد ان هذه المعادلة لم نجدها عندما نص المشرع في المادة (112)على ان توزيع واردات النفط والغاز بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع انحاء البلاد، مع تحديد حصة لمدة محددة للأقاليم المتضررة والتي حرمت منها بصورة مجحفة من قبل النظام السابق، والتي تضررت بعد ذلك بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد. ويبدو ان المشرع الدستوري وضع أسساً لتوزيع ثروة النفط والغاز التي تشكل نسبة كبيرة في موازنة الدولة، وهي:

1- التوزيع السكاني في جميع انحاء البلاد.

2- تحديد حصة (لمدة محددة) للأقاليم المتضررة والتي حرمت منها بصورة مجحفة من قبل النظام السابق دون المحافظات غير المنتظمة في اقليم، وهذا التحديد منتقد ولا يتماشى مع ضمان العدالة عند تخصيص الاموال الاتحادية، وكأن النص الدستوري يشير الى عدم وجود محافظة غير منتظمة بإقليم قد تضررت بصورة مجحفة من قبل النظام السابق ليخصص لها ايراداً لمدة محددة. فكان الاجدر بالمشرع الا يتطرق لهذا الامر ويترك تخصيص الاموال وفق النسب السكانية ووفق ما ورد في المادة (106) من الدستور، أو ان يشير للأقاليم والمحافظات على حد سواء.

3- تأمين التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد. وعلى اساس من هذا ان المحافظات غير المنتظمة بإقليم يمكن ان تمارس مراقبة تخصيص الايرادات الاتحادية ادارياً مع حكومة المركز من خلال الممثلين والخبراء في هيئة مراقبة تخصيص الواردات الاتحادية، وتمارس اختصاصاً مشتركاً مالي اً، اي قدرتها على الوصول الى مصادر الايرادات لدى جميع مكونات الدولة الاتحادية (5).

نستنتج، مما تقدم، ان سلطة المركز الاتحادية لا يحق لها دستوري اً، واستناداً للمادة (106) ان تخصص الايرادات الاتحادية، سواء في الموازنة العامة او غيرها، من دون المرور بهذه الهيئة العامة، وهو القانون الذي لم يصدر، بل لم يتم تشكيل هكذا هياة حتى الان. عليه نقترح ان يتم اصدار هذا القانون لكي تمارس المحافظات غير المنتظمة بإقليم اختصاصها بمراقبة ما يخصص لها من ايرادات عامة، وان تطالب بحقوقها المالية وفقاً لاستحقاقاتها المنصوص عليها في الدستور.

الفرع الثاني/ضمان مشاركة المحافظات في مؤسسات الد لة الاتحادية.

يعني مفهوم المشاركة sharing في الدولة الاتحادية، ان يكون لكل ولاية او وحدة مكونة للدولة حق الاشتراك في حكم الدولة الاتحادية. وهذا الحق لم يبن على اساس من انها عبارة عن مجموعة من السكان بقدر ما تعد عبارة عن كيان متميز يمثل ليسمع رايه في الحكم (6). ولاشك ان اي تنظيم فيدرالي اتحادي يفترض مؤسسات ترعى المصالح المشتركة للوحدات المكونة، وهذه المؤسسات يتفاوت اختصاصها اتساعا وضيقاً تبعا”، لمتانة الاتحاد وضعفه. بيد انه لا غنى في الاحوال جميعها عن مساهمة الوحدات المكونة الاعضاء في تكوين والمشاركة في المؤسسات الاتحادية ويكون لها صوت، وبخلافه تنعدم صبغة الاتحاد ونصبح امام دولة بسيطة.(7) ودستور العراق لعام 2005 قد نص في المادة (105)على ان تؤسس هيئة عامة لضمان حقوق الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم، في المشاركة العادلة في ادارة مؤسسات الدولة الاتحادية المختلفة والبعثات والزمالات الدراسية، والوفود والمؤتمرات الاقليمية والدولية، وتتكون من ممثلي الحكومة الاتحادية، والاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم وتنظم بقانون(.وعلى اساس من هذا النص الدستوري اصبح للمحافظات غير المنتظمة في اقليم حق دستوري، بأن يكون لكل منها ممثلاً في هذه الهيئة التي تضمن حقوقها في المشاركة العادلة في ادارة مؤسسات الدولة الاتحادية بوصفها عضواً ووحدة مكونة للدولة العراقية. وبما ان قانون هذه الهيئة لم يسن حتى الان، عليه نقترح تشريع هذا القانون ليتم توضيح اختصاص المحافظات غير المنتظمة بإقليم للحيلولة دون ضياع حقوقها في المشاركة في الدولة بصورة عادلة.

______________

1- الفيدرالية التعاونية( Cooperative federalism ) فهي قيام الحكومات المحلية بالعمل معاً لتنسيق السياسات وتنفيذها في مناطق المسؤوليات المشتركة ، وهذه المسؤوليات قد تكون محددة بنص قانوني في بعض النظم الفيدرالية كألمانيا ، أو أن الحكومات تتكيف على الاغلب مستجيبة لواقع الحكم الفيدرالي الحديث ولا تطلب بالضرورة المساواة في السلطة والموارد فيما بينها، انظرفي مسرد الكلمات لسلسلة كتيبات حوارات حول ممارسة الفيدرالية المالية ، الجزء الرابع ، وجهات نظر مقارنة ، كندا ، 2007 ، ص 58 .

2- لقمان عمر حسين ، مبدأ المشاركة في الدولة الفيدرالية ، دراسة تحليلية مقارنة ، منشورات زين الحقوقية ومكتبة السنهوري ، بغداد ، 2011 ، ص 39

3-انظر في مسرد الكلمات لسلسلة كتيبات حوار عالمي حول الفيدرالية ، حوارات حول توزيع السلطات والمسؤوليات في البلدان الفيدرالية ، الجزء الثاني ، كندا ، 2007 ، ص 56

4- انظر في مسرد الكلمات لسلسلة كتيبات حوار عالمي حول الفيدرالية ، حوارات حول الحكم المحلي ومناطق المدن الكبيرة في الدول الفيدرالية ، الجزء السادس ، كندا ، 2007 ، ص 60

5-المصدر نفسه ، ص 61

6- انظر في مسرد الكلمات لسلسلة كتيبات حوار عالمي حول الفيدرالية ، الجزء الثالث ، المصدر السابق ،ص55

7- د. مصطفى ابو زيد فهمي ، النظم السياسية والقانون الدستوري ، دار المطبوعات الجامعية ، . الاسكندرية ، 2006 ، ص 45.

المؤلف : محمد جبار طالب
الكتاب أو المصدر : مجلة رسالة الحقوق السنة السابعة العدد الثاني 2015/جامعة القادسية / كلية القانون
الجزء والصفحة : ص218-220

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .