الشهادات الوهمية .. جريمة مكتملة الأركان واستخفاف بالعلم

إعادة نشر بواسطة محاماة نت 

الشهادات الوهمية .. جريمة مكتملة الأركان واستخفاف بالعلم

أكاديميون وقانونيون: ضرورة الإسراع في تدقيق إجراءات التوظيف واتخاذ المزيد من الضوابط الصارمة
القانون العماني يدين أصحاب الشهادات الوهمية والمزورة ويعاقب بالسجن والغرامة

الرؤية – محمد قنات

أكد عددٌ من الأكاديميين والقانونيين أنَّ الشهادات الوهمية ظاهرة مُقلقة ولها آثار سلبية على المدى القريب والبعيد، ومواجهتها تبدأ من قيام الجهات المسؤولة بوضع أسس وضوابط أكثر صرامة للتوظيف، والوقوف على أولويات الاشتراطات التي بموجبها يتم اختيار الموظف وأن يتم فحص الشهادات المُقدمة والتأكد من صحتها في البداية، ثم إجراء اختبارات مهنية يتم التعرف من خلالها على القدرات المهنية للمتقدم إلى الوظيفة ومدى تناسبه معها، مشيرين إلى أنَّ المادة (١٨٧) تنص على أنه يُعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (٦) أشهر، ولا تزيد على (٢) سنتين كل موظف عام أصدر أيًا من الوثائق المشار إليها في المادة (١٨٦) من هذا القانون مع علمه بأن من صدرت له الوثيقة قد انتحل اسماً كاذباً أو صفة كاذبة أو علم بعدم صحة البيانات، والأوراق التي صدرت على أساسها.

وقال د. صالح الفهدي رئيس مركز قِيَم إنَّ قضية الشهادات الوهمية شيء مخجل، إذ إنَّ العلمَ هو قوامُ نهضةِ الأُمةِ، وعمادُ حضارتها، فإن أصابته لوثةٌ ممن يبحثون عن عِوضٍ يسدُّون به نقصهم، فقد أصيب في مقتل! ما الذي تبقى لنا إن نخر هؤلاءِ المرضى أركان العلم، إنهم يهدمون الأركان القويمة التي بذلت الأُمة جهوداً مضنيةً عبر أحقابٍ من الزَّمان كي تبنيها، يريدون أن يسقطوا هذه الأركان من أجل تحقيق أهدافٍ بغيضةٍ، ومطامحَ هزيلة، ويحصلون على حفنةٍ من مالٍ، أو درجةً من الترقي، أو نصيبٍ من الوجاهة وأن الأمر جد خطير، لأن ذلك يعكسُ انحداراً أخلاقياً لفئةٍ من النَّاس قبل أن يكون تجاوزاً قانونياً.

وأضاف:“القضية أعمق من الشهادات الوهمية، فإذا تتبعنا جذورها وجدناها مستشرية في التعليم، إذ إن هناك خللاً في المفاهيم التأسيسية للتعليم، فشبت أجيالٌ على الاستخفافِ بالعلم، والتعاطي مع الشهادة العلمية أصبح عند كثيرين كالتعاطي مع أية سلعةٍ أُخرى، وليس على أنَّها وشاحُ مجتهدٍ، ووسامُ مكافحٍ، ومنهج باحث، وتصريحُ دارسٍ”.

وأكد على أهمية إعادة فحص بعض الشهادات للموظفين الحائزين على الدرجات العلمية وليس الموظفين وحدهم بل على كل من يدَّعي حصوله على شهادة عُليا ليخدع بها النَّاس، وقبل ذلك ينبغي على المؤسسات التعليمية تصويب الأُسس، وتقويم المفاهيم، وإصلاح الأفكار، لاحترام وتقدير قيمة العلم، وأثره على بناءِ المجتمع، ونهضة الأمة، وطموحات الوطن.

كما أنَّ الأمر يتطلب مراقبة المؤسسات التعليمية التي تتيح الحصول على الشهادات وكأنما هي بقالات تبيعُ الخضار، ولا يجب أن يقتصر على توعية الجهات الحكومية والخاصة وتحذيرها من الوقوع في تعيين حائزين على هذه الدرجات من جامعات وهمية، وإنما يجب أن تتولى الجهة المسؤولة عن اعتماد المؤهلات بوزارة التعليم العالي مسؤولية اعتماد كل شهادة بالتنسيق مع وزارة الخدمة المدنية ووزارة القوى العاملة، وما لم يتم ذلك فلا يجب أن يتحقق التعيين في الوظائف.

وقالت الدكتورة ماجدة بنت طالب الهنائية إن أمر الشهادات المزورة يفتح الباب على مصراعيه أمام الجهات المسؤولة في المؤسسات المختلفة من أجل إجراء تدقيق وإعادة النظر في شروط التقدم للوظيفة باعتبار أنَّ أصحاب هذه الشهادات المعنية ظلوا يعملون لسنوات طويلة دون حدوث أي خلل في عملهم المهني بل هنالك من أثبت وجوده في عمله ويعمل بكل كفاءة، مما يتطلب من الجهات المسؤولة مراجعة شروط الحصول على وظيفة باعتبار أن الدرجات العليا ليست مقياسا حقيقيا في أداء العمل، ومراجعة شروط التقديم يمكن أن يساهم على الحد من انتشار مثل هذه الشهادات.

وتضيف:“هنالك إجراءات تسبق تعيين أي موظف من بينها الاختبارات أو ما يسمي بالمعاينات فكيف لشخص أن يتم تعينه مالم يكن مؤهلا مهنيا واجتاز الاختبارات مما يدل على أن الشهادة العليا أو الحصول على الدكتوراه ليس سبباً كافياً لاختيار الشخص المتقدم للوظيفة لابد من شروط أخرى أكثر دقة في توظيف المتقدمين، خاصة وأن البعض من حملة الشهادات العليا قد يفشلون في أداء مهامهم التي توكل لهم.

وتابعت بالقول:“لابد من التدقيق في الشهادات عند التعيين الذي يحتاج إلى كثير من التأني والتفحص وألا يتم على عجل، وهذا الأمر يتحقق بوضع مزيد من الاشتراطات التي من شأنها أن تؤدي إلى اختيار الشخص المناسب الذي يستطيع أن يسخر كل خبراته العلمية والعملية في خدمة المؤسسة التي تريد أن توظفه”.

 

ومن جانبه قال خميس العبري عضو جمعية المحامين العمانية إنَّ المادة (١٨٧) تنص على أنه يُعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (٦) أشهر، ولا تزيد على (٢) سنتين كل موظف عام أصدر أيًا من الوثائق المشار إليها في المادة (١٨٦) من هذا القانون مع علمه بأنَّ من صدرت له الوثيقة قد انتحل اسما كاذبا أو صفة كاذبة أو علم بعدم صحة البيانات، والأوراق التي صدرت على أساسها.

وتشير المادة (١٨٨) إلى أنَّه يُعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر، ولا تزيد على (٣) ثلاث سنوات كل من اصطنع أو قلد محررا مشابها في مظهره لمحرر رسمي بقصد استعماله كمحرر وتنص المادة (١٩٠)،على أنه يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (١٠) عشرة أيام، ولا تزيد على سنة، وبغرامة لا تقل عن (١٠٠) مائة ريال عماني، ولا تزيد على (٣٠٠) ثلاثمائة ريال عماني كل من ارتدى علانية وبدون وجه حق زياً رسمياً خاصاً بموظف عام أو حمل أوسمة أو شارات فخرية خاصة بالدولة أو بدولة أخرى، أو انتحل لقباً من الألقاب العلمية أو الجامعية المعترف بها رسمياً أو رتبة من الرتب العسكرية أو صفة نيابية عامة.

كما يعاقب المنتحل بالسجن مدة لا تقل عن سنة، ولا تزيد على (٣) ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن (٥٠٠) خمسمائة ريال عماني، ولا تزيد على (١٠٠٠) ألف ريال عماني إذا مارس فعلياً الوظيفة أو العمل المنتحل.

ومن جانبه قال الدكتور حمودة فتحي العمراني محاضر بالمعهد العالي للقضاء:” كَثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن تنامي ظاهرة الشهادات العلمية المزورة، وتحديدا في غالبية دول الخليج العربي، التي ما فتئت تسعى إلى نهضة علمية واقتصادية واجتماعية، حتى أصابها وباء المؤهلات العلمية المزورة، وبشكل يدق ناقوس الخطر إلى أبعد مدى”.

ويشير إلى أن المؤهلات العلمية المزورة، لا تقل في خطورتها عن النقود والعملات المزيفة، فكلاهما يفت في عضد الدولة، ويهد قوتها، ويدمر مقدراتها، ويفسد بناءها، ويهدد كيانها، بل إنَّ التزوير في المؤهلات قد يكون أكثر ضررا، وأثقل حِملا، وأشد وطأة من تزييف النقود والعملة، لأن الأخيرة تضرب عنصرا من عناصر الاقتصاد يمكن تجاوزه أو مواجهته، أما الأولى، فهي تضرب عقل الوطن، وعلمه، وتزيد في تأخره وتخلفه”.

وتابع أن التزوير كما عرفه قانون الجزاء العماني، هو تحريف مفتعل للحقيقة في الوقائع والبيانات التي يراد إثباتها بصك أو بأي مخطوط آخر يشكل مستنداً، قد ينجم عنه منفعة للنفس أو ضرر للغير ماديا أو معنويا أو اجتماعيا، والمحرر أو الصك أو المخطوط، لا يعدو أن يكون إلا كل مكتوب يتضمن كلمات وأرقاما أو بيانات ينتقل به الفكر من شخص لآخر ويترتب عليها أثر قانوني مثل “المخطوطات والأوراق والشهادات والسجلات والمستندات…إلخ”.

ويشير إلى أن المؤهل الدراسي، هو تلك الشهادة التي تمنحها جهة ما إلى المنتسبين إليها، وتفيد حصولهم على قدر معين من التعليم والعلوم الخاصة بمؤهله، وهذا القدر من التعليم والعلوم من شأنه أن يؤهله لأن يكون قادرا على التعامل والعمل في مجال معين، أو إتقان العلوم التي يدل عليها، فمثلا بكالوريوس الهندسة، يفيد بأنَّ الحاصل عليه أصبح مؤهلا لأن يكون مهندسًا ويقوم بأعباء هذه الحرفة والعمل في مجال البناء أو التكنولوجيا … إلخ، لأنه تلقى من العلوم الهندسية التي تجعله خبيراً ما لم يتلقاه غيره، وهكذا الطبيب الذي بين يديه أمانة العلاج، والمحاسب، والمحامي… إلخ.

واستدرك:” للأسف، نجد أن بعض المبتعثين العرب إلى دول أوروبية أو غير أوروبية، تتفق اتفاقاً آثما، مع أشخاص يترجمون الأبحاث لتقديمها كما هي، أو يعهدون إليهم بإعداد الرسائل العلمية، ثم يقوم هو باستلاب هذه الأبحاث أو الرسائل، وتقديمها باعتبار أنها من بنات أفكاره وإبداعاته ونتاج شقائه ومعاناته، أو نجد طلاباً التحقوا بجامعات وهمية، أو جامعات تمنح شهاداتها لمن يدفع.

ويرى أنَّ مسألة تزوير الشهادات المهنية والأكاديمية، ليست خطورتها فقط في التزوير بالمعنى الجنائي، وإنما تمتد خطورتها إلى الشق المعنوي المتمثل في الحصول على المؤهل دون بذل المجهود اللازم للحصول على الخبرة المؤهلة للعمل بهذه الشهادات نجد أن هناك من الجامعات والمؤسسات التعليمية التي تمنح درجات علمية بشكل مبالغ فيه، كأن يتم منح مؤهلاتها بتقديرات عالية، أو بدرجات مبالغ فيها لصالح الدارسين بها، وهو ما يعد من قبيل (التزوير القانوني) الذي قد يؤدي إلى الإضرار بغيره ممن تعلموا في مؤسسات علمية رصينة، لا تبالغ في الدرجات والتقديرات، واجتهدوا وجاهدوا للحصول على شهادات علمية منها، وتم تأهيلهم بشكل مناسب لتحمل أعباء المهن والحرف التي تلقوا علومها، وأتقنوا فنونها”.