أثر إسقاط الحق الشخصي على الدعوى المدنية التبعية في حال تعدد المدعى عليهم

من حق الهيئة الاجتماعية أن تقتص من الجاني الذي ارتكب فعلاً جرمياً من خلال دعوى الحق العام التي تقيمها بمواجهته.و من حق المجني عليه و كل ما تضرر من الفعل الجرمي أن يطالب بالتعويض عما أصابه من ضرر من خلال دعوى الحق الشخصي التي يقيمها بمواجهة الفاعل الذي سبب الضرر و بمواجهة شركاء الجاني و المسؤولين مدنياً معهم.و الأصل أن تقام دعوى الحق الشخصي أمام القضاء المدني و أن تقام دعوى الحق العام أمام القضاء الجزائي لأن هذا الأخير لم يؤسس في الأصل إلا لتقرير العقوبة على فاعل الجريمة.

إلا أنه أجيز و من قبيل الاستثناء أن يحكم القضاء الجزائي بتعويض الضرر المتولد عن الجريمة و هذا ما قررته المادة /5/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية السوري.

وقد ذهب الشارع السوري إلى أبعد من ذلك حين أجاز للمضرور حق تحريك الدعوى العامة و إن لم تكن النيابة العامة قد أقامتها و ذلك عندما ينصب نفسه مدعياً شخصياً و فق نص المادة /1/ من القانون المذكور.

و الأصل أن تنظر الدعوى المدنية تبعاً لدعوى الحق العام و تبقى تابعة لها تدور في فلكها و تهتدي بهديها .ولكن ما هو مصير دعوى الحق الشخصي في حال أسقط المدعي الشخصي حقه في طلب التعويض عن أحد المدعى عليهم في الدعاوى التي تسقط فيها دعوى الحق العام بإسقاط الحق الشخصي؟الأصل أن يؤدي الصفح أو الإسقاط إلى سقوط دعوى الحق الشخصي تبعاً لسقوط دعوى الحق العام نتيجة الصفح لأن دعوى الحق الشخصي تعتبر تابعة لدعوى الحق العام و مرتبطة بها و بالتالي يجب أن تزول بزوال دعوى الحق العام. وهذا ما يسير عليه القضاء اللبناني الذي يعتبر أن:

“الصفح أو إسقاط الحق الشخصي عن أحد المدعى عليهم في الجرائم التي يسقط الحق العام فيها تبعاً له يستفيد سائر المدعى عليهم إفادة كاملة تتناول أيضاً الحقوق الشخصية ” ((نقض لبناني قرار 353 تاريخ 13/7/1955))أما في التشريع السوري فإن الوضع مختلف حيث نص المشرع في المادة /156/ من قانون العقوبات ” إن صفح المجني عليه في الأحوال التي يعلق فيها القانون إقامة الدعوى العامة على تقديم الشكوى أو الدعوى الشخصية يسقط دعوى الحق العام ويوقف تنفيذ العقوبات إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك.” كذلك فإن المادة /147/ من هذا القانون نصت على أن ” صفح الفريق المتضرر من الأسباب التي تسقط الأحكام الجزائية أو تمنع أو تعلق تنفيذها “.كما أن هذا القانون نص في المادة /148/ منه: “إن الأسباب التي تسقط الأحكام الجزائية أو تمنع تنفيذها أو تعلقه لا مفعول لها على الالزامات المدنية التي تبقى خاضعة لأحكام القانون المدني”.

و على هذا فإن محكمة النقض السورية اعتبرت: “إن المقصود من المادة 157 عقوبات عام هو تأثير الصفح على الحق العام و على العقوبة فقط دون الحق الشخصي” ((نقض سوري جناية 110 قرار 252 تاريخ 22/2/1987))كما قضت الدائرة الجزائية لدى محكمة النقض بأنه: “ لما كان يبين مما هو مبرز في اضبارة الدعوى أن الجهة المدعية الطاعنة قد أسقطت حقها من المتهم هشام الذي كان يحاكم أمام محكمة الجنايات و هو شريك المدعى عليه الحدث المطعون ضده المفرقة محاكمته باعتباره حدثاً. و لما كان ليس في وثيقة إسقاط الحق الشخصي إشارة إلى أن هذا الإسقاط يشمل شركاء المتهم هشام إذ بالعكس فإنها إسقاط الحق عن المتهم المذكور فقط. فأن حق الجهة المتضررة يبقى قائماً قبل الحدث شريك المتهم هشام.و لما كان ما نصت عليه المادة 157 من قانون العقوبات من أن الصفح عن أحد المحكوم عليهم يشمل الآخرين لا يعني أن إسقاط المتضرر حقه عن أحد فاعلي الجرم يشمل حكماً الفاعلين الآخرين إذ أن إسقاط الحق المدني لا يثبت إلا بالدليل الذي أباحه القانون .

كما أن المادة 289 من القانون المدني قد نصت صراحة على إبراء ذمة أحد المتضامنين لا يبرئ ذمة الآخرين إلا إذا صدر عن الدائن تصريح صريح بذلك.

و إنما المقصود من المادة 157 من قانون العقوبات هو تأثير الصفح على الحق العام و العقوبة فقط فالصفح عن أحد المحكوم عليهم يشمل الآخرين لجهة دعوى الحق العام و العقوبة و أما لجهة الحق المدني فإن المادة 289 من القانون المدني تعالج حالة إسقاط الحق عن أحد المدعى عليهم بالتضامن أو أحد المدعى عليهم المسؤولين بالتضامن” ((نقض سوري جناية 819 قرار 1257 تاريخ 21/12/1972))و بالتالي فإن إسقاط الحق الشخصي عن أحد المدعى عليهم يشمل جميع المدعى عليهم لجهة الحق العام استناداً لنص المادة (157/3) عقوبات عام و لكن هذا الإسقاط لا يشمل المدعى عليهم من ناحية الحق الشخصي بل تبقى مسؤوليتهم المدنية قائمة بعد خصم حصة من انصب عليه الإسقاط .

إلا أن المشرع السوري استثنى من هذه القاعدة جرم الزنا حيث اعتبر أن إسقاط الحق الشخصي عن أحد المدعى عليهم يشمل الآخرين سواء من ناحية الحق العام أو من ناحية الحق الشخصي فقرر في المادة (475/5) عقوبات :” إسقاط الحق عن الزوج أو الزوجة يسقط دعوى الحق العام و الدعوى الشخصية عن سائر المجرمين”.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت