بسم الله الرحمن الرحيم .
تنفيذ العقود الإلكترونية بالوسائل المستحدثة ,وتأثيره علي تحديد القانون الواجب التطبيق علي منازعات العقد الإلكتروني الدولي.
الدكتور/ إبراهيم قسم السيد محمد طه .

المستشار القانوني . وزارة العدل , جمهورية السودان . أستاذ القانون المتعاون , بالجامعات السودانية.
مقدمة :
شهد عصرنا الحالي موجة دافقة من التطور الهائل في مجال اإتصالات مما سبب تغيراً هائلاً في كافة مجالات الحياة ., وكان من الطبيعي أن تتأثر الجوانب المتعلقة بالتجارة حيث إنتقلت التجارة من الجانب التنقليدي من حيث الممارسة إلي الجانب التقني أو الإلكتروني فظهرت التجارة الالكترونية , وتحولت عملية التعاقد بالتالي من تقليدية إلي تقنية فكانت العقود الإلكترونية والتي يحاول هذا البحث تعريفها وكيفية تنفيذها علماً بان البنوك تعد ذات دور هام في ذلك بما تقوم به من دور في قبول ما أصبح يعرف الان بالنقود والشيكات الإلكترونيه , بل ظهور بنوك بكاملها تعرف الان بالبنوك الإلكترونية . وقد قمنا بتقسيم البحث للفصول التالية
الفصل الأول : تعريف عقود التجارة الإلكترونية
الفصل الثاني :خصائص عقود التجارة الإلكترونية
الفصل الثالث :تنفيذ عقود التجارة الإلكترونية الدولية
الفصل الأول
تعريف عقود التجارة الإلكترونية
يعد العقد بصفة عامة (( وعد أو مجموعة وعود يمكن تنفيذها قانوناً و هو إتفاق ينشئ إلتزامات قانونية يرتبط بها أطراف العقد ، أو وعد أو مجموعة وعود يمنح القانون جزاءاً نتيجة للإخلال بها أو يعتبر تنفيذها واجباً )) (1) . وقد عرّف قانون المعاملات المدنية السوداني لسنة 1984م العقد في المادة 33 (1) منه بأنه (إرتباط الإيجاب الصادر من أحد المتعاقدين بقبول الآخر على وجه يثبت أثره في المعقود عليه ويترتب عليه إلتزام كل منهما بما وجب عليه للآخر) .
بصفة عامة لا تكون الإرادة الواحدة عقداً ، لذا يحتاج العقد إلى إجتماع إرادتين ، كما يجب أن تتجه الإرادتان إلى إنشاء إلزام يمكن إقتصاءه جبراً على المدين ، ويمكن أن تتطابق أكثر من إرادتين لإحداث الأثر القانوني (2) .
أولاً : التعريف في التشريع :-
عرفت المادة الثانية من التوجيه الأوربي الصادر في 20 مايو 1997م العقد الإلكتروني بأنه ( أي عقد متعلق بالسلع والخدمات يتم بين مورد ومستهلك من خلال الإطار التنظيمي الخاص بالبيع عن بعد أو تقديم الخدمات التي ينظمها المورد والذي يتم باستخدام واحدة أو أكثر من وسائل الإتصال الإلكترونية حتى إتمام العقد). (1) وعرّف قانون المعاملات الإلكترونية الأردني العقد الإلكتروني بأنه (الإتفاق الذي يتم إنعقاده بوسائل إلكترونية كلياً أو جزئياً).(2)
لم يضع قانون اليونسترال النموذجي للتجارة الإلكترونية وهو القانون الذي وضعته لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي واعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في الجلسة رقم 85 بتاريخ 16 ديسمبر 1996م لم يضع تعريفاً للعقد الإلكتروني ، وكذلك لم يعرفه قانون المبادلات والتجارة الإلكترونية التونسي ، والذي اكتفى بتعريف التجارة الإلكترونية والمبادلات الإلكترونية بأنها المبادلات التي تتم باستعمال الوثائق الإلكترونية ، وهو نفس النهج الذي اختطه التشريع الإمـاراتي ، وكذلك التشـريع البحريني (3) .
هذا ولم يضع قانون المعاملات الإلكترونية السوداني لسنة 2007م تعريفاً محدداً للعقد الإلكتروني ، وإن كان قد نص في المادة 4 منه على صحة ونفاذ العقود الإلكترونية كالآتي:-
( تكون العلاقة الإلكترونية صحيحة ونافذة عند إرتباط الإيجاب بالقبول عبر رسالة البيانات التي يتبادل فيها المتعاقدان التعبير عن إرادتين متطابقتين على وجه يثبت أثره في المعقود عليه ويترتب عليه إلتزام كل منهما بما وجب عليه للآخر) . وبمقارنة نص المادة (4) بالمادة (33) (1) من قانون المعاملات المدنية السوداني ، نجد أنها حملت نفس المفهوم الذي عرفت به المادة (4) من قانون المعاملات الإلكترونية صحة التعاقد الإلكتروني ونفاذه ، والفرق بين المادتين في وسيلة إبرام العقد ، والذي يتم حسب نص المادة (4) المشار إليها بواسطة رسالة البيانات .
في هذا الصدد عرفت المادة (2) من قانون المعاملات الإلكترونية السوداني لسنة 2007م رسالة البيانات بأنها (المعلومات التي يتم إنتاجها أو إرسالها أو إستلامها أو تخزينها بوسائل إلكترونية أو بصرية أو وسائل تقنية أخرى بما في ذلك التصرفات الفردية أو العقود التي يتم إبرامها أو تنفيذها كلياً أو جزئياً عن طريق رسالة البيانات الإلكترونية) .
كما عرفت المادة (2) من قانون المعاملات الإلكترونية السوداني بأنها (العلاقات والتصرفات المالية والأحوال الشخصية وسائر المعاملات القانونية غير الجنائية ، بما في ذلك التصرفات الفردية أو العقود التي يتم إبرامها أو تنفيذها كلياً أو جزئياً عن طريق رسالة البيانات الإلكترونية) .
ببحث ومدارسة هذه النصوص نستطيع القول بأن المشرع السوداني في قانون المعاملات الإلكترونية السوداني لم يفرد تعريفاً خاصاً للعقد الإلكتروني كما فعل لكثير من المصطلحات والعبارات ، غير أنه يكون قد وضع تعريفاً غير مباشر للعقد الإلكتروني ، فقد شمل تعريفه بأنه أي تعامل أو عقد يتم بواسطة المراسلات الإلكترونية .
ثانياً : التعريف في الفقه :-
إلى جانب القوانين التي وضعت تعريفاً للعقود الإلكترونية فقد إجتهد الفقه في وضع تعريف لها فقد ذهب البعض إلى أنه هو (العقد الذي يتم إنعقاده بوسيلة إلكترونية ، سواء كانت تلك الوسيلة كهربائية أو مغنطيسية أو أي وسيلة أخرى مماثلة) ، ورأي قال هو (إتفاق يبرم وينفذ كلياً أو جزئياً من خلال تقنية الإتصال عن بعد بدون حضور متزامن للمتعاقدين)، ورأي خلط بين تعريف التجارة الإلكترونية وتعريف العقد الإلكتر، فذكر أنها (عملية ترويج وتبادل السلع والخدمات بإستخدام وسائل الإتصال الحديثة ، وقال رأي آخر أنه( العقد الذي يتكون وينفذ بوسيلة نقل أو إتصال مثل التلفون أو النقل المرئي أو أي وسيلة تفاعلية عامة أو برنامج إلكتروني). (1)
يرى الباحث أن التركيز في تعريف العقد الإلكتروني ينبغي أن يكون على وسيلة إبرامه وتنفيذه مع عدم تحديد الوسائل التي يبرم بها على سبيل الحصر والتحديد ، لأن الخوض في تبيين أركان العقد الإلكتروني من حيث أنه يتم بإيجاب وقبول ونحوه يعد تزيداً فيما نرى ، فالعقد الإلكتروني هو عقد عادي ومن مستلزمات العقد الإيجاب والقبول والتراضي ، أما تحديد وسائل إنعقاد العقد على سبيل الحصر فيمكن أن يدخل القانون الذي يحدد هذه الوسائل في جدل فقهي عند التطبيق لأن وسائل الإتصال الحديثة في تطور مستمر، ومن المتوقع نشوء وسائل إتصال أخرى تختلف عن تلك المحددة في التعريف ، لذلك من الأجدى الإشارة في التعريف إلى أن العقد الإلكتروني هو( عقد يتكون وينفذ عن طريق أياً من وسائل الإتصال عن بعد) .
يرى الباحث أيضاً أن نهج المشرع السوداني في عدم وضع تعريف للعقد الإلكتروني هو نهج أفضل ويتماشى مع نهج قانون اليونسترال النموذجي والذي وضع لتهتدي به التشريعات في مجال التجارة الإلكترونية ، إذ أن تفادي التعريف المحدد والإشارة في ثنايا القانون إلى أنه عقد يشمل كافة التعاملات غير الجنائية ، وأنه تعامل يتم بواسطة المراسلات الإلكترونية يضع حداً للكثير من الجدل عند التطبيق.
غير أنه من الملاحظ أن قانون المعاملات الإلكترونية السوداني لسنة 2007م ، وكذلك قانون اليونسترال النموذجي لم يتطرقا لمسألة القانون الواجب التطبيق على منازعات العقود الإلكترونية ، هذا بالطبع في مجال العقود التي تصطبغ بصبغة الدولية ، أي العقود التي تحتوي على عنصر أجنبي مؤثر والتي تخضع بالتالي لتنازع القوانين وفقاً لهذه الصفة ، مما يجعل الباب مفتوحاً للإجتهاد الفقهي حول هذه المسألة بحسبان أن العقد الإلكتروني يثير العديد من الأسئلة حول إمكانية تطبيق قواعد الإسناد التقليدية في مجال قانون العلاقات الخاصة الدولية على منازعاته ، فالوسائل الجديدة للإتصال والمستخدمة في إبرامه تجعل من الصعوبة الركون إلى هذه القواعد التقليدية والتي سادت في وقت لم يكن التعاقد يتم فيه عن طريقها .

الفصل الثاني
خصائص عقود التجارة الإلكترونية
أولاً:- عقود التجارة الإلكترونية من العقود المبرمة والمنفذة عن بعد :-
عقود التجارة الإلكترونية تمتاز بسمة أن إنعقادها يتم دون التواجد المادي لأطرافها عبر وسيط إلكتروني أي أنه يتم بين عاقدين لا يجمعهما مجلس عقد حقيقي (1) . ومجلس العقد هو جلوس أطراف العقد في الإجتماع الذي يبرم فيه العقد ، وهذا المجلس قد يكون حضوراً حكمياً كالتعاقد عن طريق الهاتف أو البريد الإلكتروني أو الفاكس أو غيرها من وسائل الإتصال(2)
ثانياً : عقود التجارة الإلكترونية تتم عبر وسائل الإتصال الإلكترونية :-
السمة الأساسية لعقود التجارة الإلكترونية أنها تتم عبر الوسائط الإلكترونية ، ولما كان مفهوم وسائل الإتصال الحديثة التي يتم بها التعاقد الإلكتروني هو مفهوم واسع لا ينبغي حصره في شبكات الإنترنت فقط ، نجد أن العديد من القوانين المنظمة لقوانين التجارة الإلكترونية استخدمت لفظ الوسائط الإلكترونية دون تحديد . ومجال التعامل عبر هذه الوسائط يتيح التعامل بين الأشخاص عن طريق إستخدام البرامج الخاصة بها بواسطة الدخول إلى مواقع الإنترنت المختلفة للتعاقد (3) .
وسائل الإتصال التي يتم بها التعاقد الإلكتروني متعددة فيمكن أن يتم عن طريق جهاز (المينتل) (Minetil) وهو جهاز قريب الشبه بجهاز الكومبيوتر لكنه أصغر نسبياً ، وهو جهاز لنقل الكتابة دون صور ، كما يمكن أن يتم عبر التلكس والفاكس ، وكذلك التلفون العادي ويكون التعاقد عن طريقه فوري
ثالثاً : دولية العقد الإلكتروني :-
العقد الإلكتروني يمكن أن يتم بين أطراف من نفس الدولة ، وفي هذه الحالة يأخذ حكم العقد الداخلي ، إلا أنه يتم في الغالب بين أشخاص يتواجدون وينتمون إلى دولة مختلفة عبر شبكة المعلومات الدولية
(الإنترنت)، ويكون أطراف العملية التعاقدية كذلك ، فالمستخدم يقيم في دولة ، ومورد أو مقدم خدمة الإشتراك في الشبكة من دولة ثانية ، وشركة تكنولوجيا معالجة البيانات وإدخالها وتحميلها عبر الشبكة من دولة ثالثة ، فضلاً على أن تلك العقود لا تتصل فقط بأكثر من دولة ، بل يستتبع ذلك إنتقال القيم والثروات عبر الحدود فيما بين الدول، أي تتصل بمصالح التجارة الدولية . (1)
ذهب بعض الفقه (2) إلى اعتبار عقد التجارة الإلكتروني دولياً دائماً ، على إعتبار أن وسيلة الإتصال سواء كانت شبكة الإنترنت أو التلفون المحمول أو البريد الإلكتروني يصعب فيها تحديد في أي دولة
رابعاً : عقود التجارة الإلكترونية تختلف في وسائل الوفاء والإثبات :-
لما كانت عقود التجارة الإلكترونية تختلف في وسيلة إبرامها عن العقود العادية ، كان من الطبيعي أن تكون لها طبيعتها الخاصة أيضاً في وسائل الوفاء بالإلتزامات الناشئة عنها ، فضلاً عن إختلاف وسائل الإثبات بشأن نزاعاتها .
من جهة الوفاء ظهرت وسائل للدفع الإلكتروني لتحل محل النقود الورقية التي يتم بها الوفاء في العقود العادية ، مثل النقود البلاستيكية (Electronic Cash) وهي بطاقات مدفوعة سلفاً تخزن فيها القيمة السالبة وتستخدم للدفع عبر الإنترنت وغيرها من الشبكات فضلاً عن النقود الإلكترونية البرمجية وهي بطاقة ذكية يمكن تثبيتها على جهاز الكومبيوتر الشخصي ، أو إدخال قرص فيه ينقل القيمة المالية منه وإليه عبر الإنترنت ، كما ظهرت الصكوك الإلكترونية كبديل للشيكات العادية (1)
الفصل الثالث
تنفيذ عقود التجارة الإلكترونية الدولية
مرحلة تنفيذ العقد تأتي بعد مرحلة إبرامه والإتفاق على كافة جوانبه ، فيتم في هذه المرحلة قيام كل طرف بما تفرضه عليه إلتزاماته ، فإذا كان العقد عقد بيع على سبيل المثال فالتزامات البائع تتمثل في تنفيذ إلتزاماته المتعلقة بتسليم المبيع المتفق على أوصافه وبالطريقة المتفق على تسليمها ، وما إذا كانت هنالك إلتزامات متعلقة بخدمة ما بعد البيع وإلتزامات المشتري تتمثل في سداد ثمن البيع وفقاً لما تم تحديده في الإتفاق .
أما مسألة الإثبات فتتعلق بمبادئ الإثبات وعبئه على أي من الطرفين ووسائله المتعلقة بالكتابة والخبرة وغيرها من قواعد الإثبات.
هذه المسائل المتعلقة بتنفيذ الإلتزامات ، وإثبات الوقائع المتعلقة بها منظمة بطرق محددة وضعتها التشريعات في مجال القانون المدني وقوانين الإثبات لتطبق على الإلتزامات التعاقدية التقليدية . غير أن الأمر يختلف إلى حد ما في مسألة تنفيذ وإثبات العقود الإلكترونية ، والتي يتم تنفيذها أحياناً بذات الطريقة التي يتم بها التعاقد أي عبر الوسائط الإلكترونية ، وفي مجال الإثبات تظهر وسائل جديدة تفرضها طبيعة العقود الإلكترونية مثل المحررات الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني ، وهي وسائل غير معروفة في التعاقد التقليدي .
هذه المسائل لا تنفك عن الصراع بين قواعد الإسناد التقليدية وبين المستجدات التقنية في مجال التعاقد ، مما يجعل ضرورة البحث فيها لتحديد مدى صلاحيتها في تحديد القانون الواجب التطبيق على العقود الإلكترونية .
أولا ً:تنفيذ العقود الالكترونية
أهم ما يميز تنفيذ عقود التجارة الإلكترونية هو أن محل بعض العقود يعتبر أشياء غير مادية ، ويتم تسليمها عبر الوسائط الإلكترونية ، وكذلك وسيلة الوفاء المتمثلة في النقود الإلكترونية ، وهذه بلا شك إختلافات تميز عقود التجارة الإلكترونية عن العقود العادية والتي يعد عادة محل التعاقد فيها أشياء مادية يتم تسليمها بالطرق العادية التقليدية ، كما يتم الوفاء بثمنها عادة عن طريق النقود التقليدية .
إن وجوب تنفيذ الإلتزامات التعاقدية يقع إذا ما تم إنعقاد العقد صحيحاً ، فالقوة الملزمة للعقد تقتضي قيام كل طرف فيه بتنفيذ ما يقع على عاتقه من إلتزامات بطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية ، فإذا لم يقم المدين بالتنفيذ الإختياري أمكن جبره متى ما كان ممكناً ، وهذا هو التنفيذ العيني الجبري . وإذا لم يتم التنفيذ ، كان للدائن حق المطالبة بالتعويض عند عدم التنفيذ .(1)
ثانياً:- طبيعة الإلتزام المتعلق بتنفيذ العقد الإلكتروني:-
هنالك نوعان من الإلتزام : إلتزام بتحقيق غاية أو نتيجة ، وإلتزام ببذل عناية أو بوسيلة، وبالنظر إلى طبيعة الإلتزامات في المعاملات الإلكترونية نجد أن أغلبها إلتزام بتحقيق نتيجة ، حيث يتعين على المدين الوصول إلى غاية معينة هي محل الإلتزام ، ذلك لأنه باستعراض المعاملات الإلكترونية نجد أن محلها يتسم كقاعدة عامة إما بتسليم شيء أو بتقديم خدمة ، ولا شك أن الإلتزام بتسليم منتج أو سلعة هو إلتزام بتحقيق نتيجة ، مثل خدمات القنوات الفضائية والتلفون النقال وشبكة الإنترنت. (1)
لم تنظم قوانين التجارة الإلكترونية في معظمها كيفية تنفيذ عقود التجارة الإلكترونية وإن كانت معظم هذه القوانين تحدثت عن الوفاء الإلكتروني ، واعتمدت الأموال القابلة للتداول إلكترونياً. (2)
بما أن الأمر كذلك فإنه يتعين الرجوع للقواعد العامة المتعلقة بتنفيذ العقود غير أن الأمر في رأي الباحث يثير بعض النقاط القانونية التي يجب الوقوقف عندها. إذ أن محل بعض عقود التجارة الإلكترونية قد يكون شيئاً غير مادي مثل برامج الحاسوب المقطوعات الموسيقية والأفلام وغيرها، والتي يمكن الإتفاق على تداولها واستلامها عبر شبكة الإنترنت وغيرها من الوسائط، وبما أن محل تنفيذ العقد أحياناً يحدد المحكمة المختصة والقانون الواجب التطبيق على المنازعات ، فنرى أن تحديد كيفية التنفيذ في مثل ذلك يتطلب أولاً الإتفاق على تحديد ما إذا كانت تعتبر مثل هذه الأشياء أموالاً أم خدمات ، ومن ثم تحديد مكان تسليمها حتى لا تثور مشكلة بشأن تحديد القانون الواجب التطبيق والمحكمة المختصة.
ثالتاً :- وسائل الوفاء الإلكتروني :-
فرضت طريقة التعاقد الإلكتروني – بإتمامها عن طريق وسائل الإتصال الحديثة – أن تكون وسائل الوفاء التي يتم بها تنفيذ الإلتزام التعاقدي في مجال التجارة الإلكترونية ، وسائل مواكبة لهذا التطور تختلف في نوعها وطريقة الوفاء عن الوسائل التقليدية ، المتمثلة في النقود العادية . فظهرت النقود الإلكترونية ، ونتعرض فيما يلي لتعريف ماهيتها ومن ثم نتعرض للمشكلات القانونية التي يمكن أن تنتج عنها :-
أ/ ماهية النقود الإلكترونية :-
النقود عموماً كوسيلة للتبادل ، تعد الأداة التي يمكن للإنسان بها الحصول على ما يحتاج إليه ، فالشخص إذا أراد شراء شيء ما فإنه يشتريه بواسطة النقود ، وإذا أراد بيعها كذلك ، فكأن النقود تقوم بدور الوسيط لإستبدال السلع والخدمات ، كما أنها مقياس لتقييمها.(1)
فكرة النقود الإلكترونية ، أو النقد الرقمي تقوم على ذات الفكرة التي أُستخدمت لها النقود الورقية أو المعدنية ، (2) وهنالك عدة تعريفات للنقود الإلكترونية فقد عرفها البعض بأنها (دفع أو تحويل الودائع المدخلة والمعالجة إلكترونياً ضمن أنظمة البنوك الإلكترونية). أو هي عبارة عن ( قيمة نقدية بعملة محددة ، تصدر في صورة بيانات إلكترونية مخزنة على كارت ذكي أو قرص صلب ، بحيث يستطيع صاحبها نقل ملكيتها إلى من يشاء دون تدخل شخص ثالث)(1) .
يرى الباحث أن مسألة تحديد الوسائط الإلكترونية التي تتم عبرها كافة التعاملات سواء في مجال التعاقد أو التنفيذ ، أمر غير مستحب فالوسائط الإلكترونية في تطور مستمر ، لذلك نرى من الأفضل أن تترك المسألة على عمومها دون تحديد. فالملاحظ علي التعريف الأخير أنه حدد أن تكون النقود الإلكترونية مخزنة على وسيلتين فقط هما القرص الصلب والبطاقات الذكية ، لذا نرى من الأفضل أن تضاف لهذا التعريف عبارة (أي وسيلة إلكترونية آمنة أخرى) وكذلك عبارة (أن تكون قابلة للوفاء بالإلتزامات).
ب/ آلية التعامل بالنقود الإلكترونية :-
عند حاجة المستهلك للنقود الإلكترونية في تعاملاته عبر شبكة الإنترنت فإنه يقوم بشراء عملات النقد الرقمي من البنك الذي يقوم بإصدارها ، ويتم تحميلها على الحساب الخاص بالعميل (المستهلك) وتكون في صورة عملات صغيرة القيمة ، مميزة بعلامة برقم أو علامة خاصة من البنك المصدر لها ، ولا بد للمشتري لإستخدام وحدات النقد الإلكتروني، من الحصول على برنامج خاص من إحدى الشركات العاملة في هذا النشاط (2) .
كما يمكن للمستهلكين صرف نقودهم الإلكترونية في مواقع التجارة الإلكترونية التي تقبل النقد الإلكتروني كوسيلة للسداد وذلك بإرساله عبر الكومبيوتر للبائع ، والذي يقوم بإرسال محل التعاقد ، سواء كانت سلعة أو خدمة للمشتري بعد إستلامه النقد ، ومن ثم يقدم النقد الإلكتروني للبنك مصدر الإيداع ، الذي يقيده في حسابه ناقصاً مقابل للخدمة(3).
جـ/ أنواع النقود الإلكترونية :-
1- البطاقات الذكية :-
البطاقات الذكية هي عبارة عن بطاقة تحوي معالج دقيق يسمح بتخزين الأموال من خلال البرمجة الأمنية ، وعند استخدامها يتم إنقاص قيمة الشراء أوتوماتيكياً من بطاقة المشتري وتودع القيمة في أجهزة إلكترونية طرفية للبائع والذي يحيلها للبنك الخاص به عن طريق الوصلات التلفونية لإدخالها في حسابه.(1)
2- الشيكات الإلكترونية :-
هي عبارة عن رسالة تحتوي على جميع البيانات الموجودة بالشيك الورقي ، يقوم المشتري بإثباتها عند تحرير شيك إلكتروني للبائع ، ومن ثم إرساله إلكترونياً عبر أي وسيلة إتصال ، مثل الفاكس أو البريد الإلكتروني ويحمل الشيك توقيع إلكتروني للمشتري ويعتمد إستخدام الشيك الإلكتروني كوسيلة للدفع على وجود وسيط يقوم بإجراء عملية المقاصة وغالباً ما يكون أحد البنوك ، وبموجب هذه الوسيلة يقوم المشتري بفتح حساب جاري لدى البنك يحدد فيه توقيعه الإلكتروني ، ويشترط أن يكون للبائع حساب آخر جاري لدى ذات البنك ، يحمل كذلك توقيعه الإلكتروني ، وتتم بالتالي عملية الخصم من حساب المشتري وإضافته لرصيد البائع. (2)
يجدر بالذكر أن هنالك وسائل دفع إلكترونية أخرى ، يتم بها الوفاء الإلكتروني ، مثل الهاتف المصرفي وهو نوع متطور من الخدمات المصرفية يستطيع العميل من خلاله بواسطة رقم سري خاص سحب مبالغ من حسابه وتحويله لسداد الكمبيالات والفواتير المطلوبة ، وخدمة الإنترنت المصرفي ، فقد أتاح انتشار إستخدامات الإنترنت للبنوك التعامل مع العملاء من خلال خدمات الصرف المنزلي ، حين يتم إنشاء مقار لها على الإنترنت بدلاً من المقر العقاري ، بحيث تتم محاورة موظف البنك من قبل العميل على شاشة الكومبيوتر ، لإتمام كافة العمليات المصرفية. (3)
د/ المشكلات القانونية لوسائل الوفاء الإلكترونية :-
وسائل الوفاء الإلكترونية باعتبارها وسيلة جديدة ظهرت كناتج للتطور التقني الذي أفرز التجارة الإلكترونية وتعاقداتها، تواجه بمشكلات قانونية نذكر منها ما يلي :-
1- مدى كفاية النقود الإلكترونية للوفاء بالإلتزامات :-
يري البعض أن الغرض من النقود بصفة عامة هو الوفاء بالإلتزامات ، فالنقود الإلكترونية هي مرحلة جديدة من مراحل التعامل الإنساني المالي ، وما دامت العملة في الأصل رمزاً لقيمة محددة ، فإن القانون هو الفيصل في تحديدها بالشكل الذي يستوفي متطلبات الوفاء . لكن التعامل بالنقد الإلكتروني يحتاج إلى تهيئة تنظيم قانوني للمصارف التي تتعامل به، وإعتراف قانوني ، حتى يمكن عدها نقوداً بالمعنى القانوني ، وهذا الإعتراف يجب أن يأتي في إطار تنظيم قانوني دولي ، إستناداً على الطبيعة الدولية لهذه النقود ذاتها ، والتي لا يمكن السيطرة عليها في إطار الحدود الجغرافية لدولة معينة. (1)
عملية الوفاء بطريق بطاقات الدفع الإلكتروني هي عملية دولية متعددة الأطراف ، وهو أمر قد يغري البعض من محترفي النصب والتزوير بالدخول إليها وإساءة إستخدامها سواء من حامل بطاقات الوفاء نفسه بحصوله على البطاقة بتقديم بيانات مزورة ، أو استخدامها بعد إنتهاء مدتها ، أو من قبل التاجر أو موظفي البنوك أنفسهم. (2) وذلك مثل خلق أرقام البطاقات، وخلق مواقع وهمية لإستقبال المعاملات المالية الخاصة بالموقع الحقيقي.
2- مخاطر البنوك الإلكترونية :-
تتمثل المخاطر التي تنشأ من عمل البنوك الإلكترونية في أن تلك العلاقة ما هي إلا بيانات إلكترونية يتم تبادلها بين العميل والبنك ، دون وجود مجال للتحقق من صدقها ومن شخصية العميل ، وقد يترتب على ذلك موافقة البنك على إقراض العميل مبالغ كبيرة على أساس صحة البيانات ، مما قد يترتب عليه تعرض البنك لعمليات نصب منظمة. هذا فضلاً عن أن مخاطر التشغيل غير المؤمنة بصورة كافية بالبنوك الإلكترونية تجعلها عرضة للإختراق من قبل قراصنة الكومبيوتر ، الشيء الذي يعرض هذه البنوك لخسائر فادحة. وكما سبق القول فالنقود الإلكترونيه مصدرها هذه البنوك.
يرى الباحث أن عملية الوفاء الإلكتروني ذات إرتباط بمسالة القانون الواجب التطبيق ، علي منازعات العقد الإلكتروني الدولي وهي في هذا الجانب تثير مسائل قانونية متعلقة بالإلتزامات التعاقدية وغير التعاقدية معاً في مجال قانون العلاقات الخاصة الدولية. وهو القانون الذي يحكم منازعات العقود الدولية عموماً وفي نظريته التقليدية الموضوعة أساساً للعقود الدولية التقليدية نجد ان القانون الواجب التطبيق هو إما قانون إرادة المتعاقدين أي القانون الذي يتفق المتعاقدان علي تطبيقه في حالة النزاع , أو القانون الذي تحدده المحكمة وفقا لبعض المعطيات والملابسات التي صاحبت إبرام العقد وذلك يكون في حالة عدم وجود إتفاق واضح علي القانون الواجب التطبيق , حيث تلجأ المحكمة لإستنباط الإرادة الباطنة للمتعاقدين بالنظر مثلا إلي العملة التي إتفق الطرفان علي تنفيذ العقد بها أو مكان إبرام العقد أو مكان تنفيذه , غير أن هذه النظريه تواجه صعوبه في تطبيقها علي منازعات العقد الإكتروني الدولي .
من جانب اخر فأن هناك موضوع القانون الواجب التطبيق علي المنازعات غير العقدية أي المسئولية التقصيرية حيث تتفق معظم القوانين علي تطبيق محل وقوع الفعل الضار كضابط لتحديد القانون الواجب التطبيق علي مثل هذه المنازعات .وكلا الموضوعين يواجه إشكالات في التطبيق عندما يتعلق الامر بالجانب التقني .
فمن ناحية الإلتزامات التعاقدية نجد أن تحديد القانون الواجب التطبيق عند سكوت الأطراف عن الإختيار للقانون يتم عن طريق النظر من قبل المحكمة إلى ما اتجهت إليه إرادة الأطراف ، مثل مكان التسليم أو العملة التي يجب الوفاء بها كما سلف ، ورأينا في طرق الوفاء أنها أصبحت عبارة عن نقود إلكترونية لا يمكن إعتبارها عملة تتبع لدولة محددة محددة ، وبالتالي لا يمكن التعويل عليها كضابط لإسناد القانون لدولة معينة . هذا فضلاً عن أن الوفاء من قبل طرف الإلتزام المعني قد يتم بواسطة أجهزة الإتصال ذاتها دون الحوجة لتسليم مادي للشيء محل الوفاء ، سواء كان خدمة أو سلعة ، مما يصعب معه الركون إلى مكان التسليم كضابط لتحديد القانون الواجب التطبيق.
أما في مجال الإلتزامات غير التعاقدية ، أي مجال المسئولية التقصيرية ، فقد رأينا أن وسائل الوفاء الإلكترونية ، قد تكون عرضة لإساءة الإستعمال أو الإختراق مما يترتب عليه الضرر سواء للعملاء أو البنوك ، وبما أن مثل هذه الأفعال تتم في الفضاء الإلكتروني فيصعب تحديد محل وقوع الفعل الضار .
أضف لذلك فإن عدم إعتراف بعض القوانين بوسائل الوفاء الإلكتروني يجعل مسألة تطبيق قانون بعينه على المحك ، مما يتطلب معالجة تشريعية لذلك لمواكبة هذا التطور.
هذا ويجدر بالذكر أن قانون المعاملات الإلكترونية السوداني لسنة 2007م قنن وسائل الوفاء الإلكتروني بالنصوص الآتية :-
في المادة (2) نص على تعريف وسيلة الدفع الإلكتروني بالآتي :-
(وسيلة الدفع الإلكتروني يقصد بها الوسيلة التي تمكن صاحبها من القيام بعمليات الدفع المباشر، كلياً أو جزئياً عن بعد عبر الشبكات ، وتشمل تلك الوسائل الشيك الإلكتروني ، وصورة الشيك أو بطاقات الدفع وغيرها من الوسائل).
كما عرف في ذات المادة الصك الإلكتروني بأنه يقصد به ورقة مالية أو تجارية قابلة للتداول إلكترونياً.
يتضح مما سبق أن تنفيذ العقود الإلكترونية يختلف في طريقة تنفيذه وكذلك في وسائل الوفاء بالإلتزامات الناتجة عنها، ونشير هنا إلى أن بالإمكان الإتفاق في هاتين الصفتين بين العقود الإلكترونية الداخلية والعقود الإلكترونية الدولية، غير أن هذه الأخيرة هي التي يمكن أن تكون ذات أثر بهذه الطريقة المختلفة على العقود الإلكترونية الداخلية في الوفاء والتنفيذ في مسألة تأثيرها على تحديد القانون الواجب التطبيق، لأن وسائل الوفاء في العقود الدولية مثلاً قد تؤخذ كمعيار لتحديد القانون الواجب التطبيق عند سكوت إرادة الأطراف عن تحديده، ولا شك في أن وسائل الوفاء الجديدة مثل النقود البلاستيكية قد لا تكون مؤشراً لكونها عملة لدولة بعينها، حتى يمكن إعتبار هذه الدولة هي الدولة التي قصد أطراف العقد تطبيق قانونها.
تم بحمد الله وتوفيقه…..

(1) د. عبد الله إدريس ود. أبو مدين الطيب، قانون العقود السوداني دراسة مقارنة ، الجزء الأول، دار جامعة أفريقيا العالمية ، بدون سنة طبع ،ص 13
(2) محاضرات في أحكام العقد ، مرجع سابق ، ص 3
3) د. صابر عبد العزيز سلامه ، العقد الإلكتروني ، دار النهضة العربية ، الطبعة الثانية، ص 57 .

(1) نقلاً عن د. طاهر شوقي مؤمن ، عقد البيع الإلكتروني ، بحث في التجارة الإلكترونية، دار النهضة العربية، 2006م ، ص35 .
(1)د. خالد ممدوح ، إبرام العقد الإلكتروني ، دار الفكر الجامعي ، الطبعة الأولى ، 2006 ، ص 3
(2) د. أسامة محمد عثمان خليل، محاضرات في أحكام العقد، بدون ناشر، ص15 .
(3) توفيق حسن توفيق ، معاملات التجارة الإلكترونية في القانون السوداني ، دار أبو سليم للنشر ، 2007م ، ص 14 وما بعدها
(2) د. محمد حسن منصور ، المسئولية الإلكترونية ، مرجع سابق ، 2007م ، ص 19
(3) د. طاهرشوقي مؤمن، مرجع سابق، ص24 ،25.
(4) منير محمد الجنبيهي وممدوح محمد الجنبيهي ، البنوك الإلكترونية ، دار الفكر الجامعي ، 2006م ، ص 47

(1) تنص المادة 127 من قانون المعاملات المدنية السوداني لسنة 1984م على الآتي :- ينقضي العقد متى ما تم الوفاء به وفقاً لشروطه .
(2) د. محمد حسين منصور ، المسئولية الإلكترونية ، مرجع سابق ، ص 71 ، 72

(1) د. زكي زكي حسين زيدان ، تغير القيمة الشرائية للنقود وأثرها على الحقوق والإلتزامات في الفقه الإسلامي والإقتصاد الوضعي ، دار الفكر الجامعي، 2004م ، ص 15 وما بعدها .
(2) محمد حسن رفاعي العطار ، البيع عبر شبكة الإنترنت . دراسة مقارنة في ضوء قانون التوقيع الإلكتروني رقم (15) لسنة 2004 ، دار الجامعة الجديدة ، 2007م ، ص 149 ، 150
1) نسرين عبد الله، الجانب الإلكتروني للقانون التجاري ، مرجع سابق ، ص 11
(2) محمد حسن رفاعي العقاد، مرجع سابق ، ص 150
(3) د. طارق عبدالعال ، التجارة الإلكترونية ، المفاهيم والتجارب ، مرجع سابق ، ص 113
(1) د. محمد البنان ،العقود الإلكترونية ، ورقة عمل مقدمة في ندوة عقود التجارة الإلكترونية ومنازعاتها المنعقدة بجمهورية مصر العربية ، أبريل 2006م ، منشورات المنظمة العربية للتنمية الإدارية .
(2). طاهر شوقي ، عقد البيع الإلكتروني ، مرجع سابق ، ص 97 ، 98
(3) د. محمد حسين منصور، المسئولية الإلكترونية
1) نسرين عبد الله، الجانب الإلكتروني للقانون التجاري ، مرجع سابق ، ص 19 ، 20
(2)د. عبد الفتاح بيومي حجازي، التجارة الإلكترونية وحمايتها القانونية، دار الفكر الجامعي، 2004م، ص123 ومابعدها

إعادة نشر بواسطة محاماة نت