تفسير قانوني لقاعدة المسؤولية العقدية عن فعل الغير

إعداد : المحامية عبير مازن العمايرة

القاعدة أنه لا يمكن أن تنعقد مسؤولية المدين عن الأضرار الناتجة عن الإخلال بأحد الالتزامات ، التي تثقل كاهله ، إلا في إطار العلاقة التعاقدية التي ساهم في تكوينها ، ووفقا للأحكام القانونية التي تحكم هذه العلاقة . لكن يحدث في الواقع العملي أن يعهد أحد المتعاقدين الى غيره في أن يحل محله في تنفيذ التزاماته التعاقدية التي التزم بها في مواجهة المتعاقد معه كلها أو بعضها ، وذلك كالمقاول الذي يعهد الى مقاول آخر بتنفيذ أعماله التي التزم بها في مواجهة المتعاقد معه المادة (798) من القانون المدني ، وكذلك حالة المستأجر من الباطن التي ورد النص عليها في المادة (684/2) وغيرها من الحالات التي يوكل فيها أحد المتعاقدين غيره في تنفيذ التزامه .

هنا يثور التساؤل حول مسؤولية المتبوع الذي عهد الى غيره بتنفيذ التزاماته التعاقدية في حال اخلال التابع بتنفيذ هذه الالتزامات ، فهل يسأل المتبوع عن أعمال ” الغير ” بموجب قواعد المسؤولية العقدية ؟

نرى هنا أن المتضرر لا يستطيع الرجوع على التابع بموجب قواعد المسؤولية العقدية كونه لا يعتبر طرفا في العقد ولا يكون أمامه سوى الرجوع على المتبوع الذي يعتبر مسؤولا عن أعمال تابعه . والمسؤولية العقدية عن الغير تفترض أن هناك التزاما عقديا لم ينفذ ، ولكن عدم التنفيذ ليس راجعا الى فعل المدين نفسه بل يرجع الى فعل شخص آخر يكون المدين قد عهد اليه تنفيذ التزامه ، وهذا يفترض وجود ثلاث فئات من الأشخاص هم المدين – وهو المسؤول عن تنفيذ الالتزام التعاقدي – والمتضرر – وهو الدائن في هذا الالتزام – والغير – وهم الذين استخدمهم المدين في تنفيذ الالتزام التعاقدي المترتب عليه ، وهنا يجب أن تتوافر شروط المسؤولية العقدية ، وأن يكون التابع يقوم بتنفيذ التزام تعاقدي التزم به المتبوع في مواجهة المتضرر ، وفقا لنص المادة ( 288/ب) من القانون المدني الأردني ويقابلها المادة (174) من القانون المدني المصري ، أما اذا لم تتوافر هذه الشروط فإن المتضرر يرجع على التابع بموجب قواعد المسؤولية التقصيرية ،وعليه هنا أن يثبت خطأ التابع الشخصي ، واذا رجع المتضرر على المتبوع فإنه يجوز للمتبوع أن يطلب إدخال التابع بالدعوى ، ويرجع عليه بالتعويض الذي التزم به في مواجهة المتضرر نتيجة الفعل الذي ارتكبه التابع سندا لنص المادة (288/2) من القانون المدني الأردني ، ولكن هذا لا يمنع من طلب اعفائه من التعويض أو توزيعه بينه وبين المتبوع اذا نسب لهذا الأخير خطأ في التوجيه والإمرة ، وادعى التابع أنه كان ينفذ أوامر سيده وتعليماته بدقة ولم يتجاوز حدوده وصلاحياته على أن يثبت ذلك ، كذلك يمكنه التمسك بالبنود الواردة في العقد الموقع بينه وبين التابع والتي تقضي باعفائه من المسؤولية ، أو التخفيف منها .

وتطبيقا لذلك قررت محكمة التمييز في قرارها رقم(573/1998) المنشور في مجلة نقابة المحامين لسنة (1999) عدد (1009) ص ( 2084) بأنه : (( دائرة الترخيص كدائرة رسمية مسؤولة عن أخطاء موظفيها لأنها صاحبة سلطة فعلية في مراقبتهم وتوجيههم وتكون بذلك مسؤولة عن ضمان الضرر الذي يلحق بالآخرين نتيجة أخطائهم )) ، وجاء في قرار آخر لها أنه 🙁 للمحكمة بناء على طلب المضرور أن تلزم من كانت له على المتسبب سلطة فعلية في رقابته وتوجيهه اذا كان الفعل قد صدر من التابع في حال تأدية وظيفته أو بسببها ) . ( تمييز حقوق رقم 1952/1997 المنشور في مجلة نقابة المحامين لسنة 1998 عدد (9) ص ( 3099) .

كذلك الحال في القانون المصري فقد طبق قواعد المسؤولية العقدية عن فعل الغير متى توافرت شروطها يضاف الى ذلك أنه منح المتضرر دعوى مباشرة يستطيع الرجوع بموجبها على مسبب الضرر بموجب قواعد المسؤولية العقدية ، فقد أعطى الحق للمتملك الأخير للمال بالرجوع مباشرة على البائع الأصلي في البيوع المتعاقبة لضمان العيب الخفي ، بغض النظر عما إذا كانت التصرفات القانونية المتعاقبة متجانسة من عدمه ، كذلك الحال بالنسبة للمتملك لبناء معين والذي يكتشف وجود عيب في البناء بعد انتقال الملكية إليه ، فإنه يمكنه الرجوع مباشرة على الباني ” الملتزم بالضمان ” بدعوى المسؤولية العقدية المباشرة .
وهذا أيضا ما ذهب اليه القانون الفرنسي في المادة ( 1646/1) وطبقه القضاء الفرنسي في معظم قراراته ، فقد قضت محكمة النقض الفرنسية بأن رب العمل يمكنه الرجوع على المنتج للأشياء الذي تعاقد معه المقاول ، بدعوى ضمان العيب والتي تكون من طبيعة تعاقدية ، كما ذهبت الى وجوب اخضاع أطراف الأسرة العقدية الواحدة لنظام قانوني موحد لا يقتصر على حالة ما إذا كانت هناك مجموعة علاقات تعاقدية متعاقبة على مال واحد وناقلة للملكية ، بل يشمل كافة التصرفات القانونية المتعاقبة على مال واحد ، حتى ولو كانت هذه التصرفات ليست ناقلة للملكية ، كالعلاقات التأجيرية ، وكما هو الحال بالنسبة لعقود المقاولة والنقل .

المراجع :
1- صبري حمد خاطر ، الغير عن العقد ، ط1، الدار العلمية الدولية ودار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان ، 2001.
2- فيصل زكي عبد الواحد ، المسؤولية المدنية في إطار الأسرة العقدية ، دار الثقافة الجامعية ، القاهرة ، 1991-1992.
3- مصطفى العوجي ، المسؤولية المدنية ، مؤسسة بحصون للنشر والتوزيع ، بيروت – لبنان ،1996 .