تفاصيل قانونية عن صور الجريمة المنظمة

أ. مقدمة:

– أخذ المجتمع الدولي, يشعر شيئا فشيئا بوجوب تعاون الدول على محاربة الجريمة المنظمة, وهذا بعدما تعددت العصابات, وتوسع نشاطها الغير مشروع, نتيجة تطور وسائل النقل والإتصال, مما سمح للمنظمات الإجرامية استغلالها بالشكل الأوسع. وأصبح يستحيل على أية دولة, التصدي بمفردها لهجماتها الشرسة, مما قاد إلى وجوب التعاون الدولي في هذا المجال, والوقوف أمام خطر المنظمات التي تمارس الجريمة المنظمة.
– ولعل الأسئلة التي تتبادر في هذا المجال, تتعلق بتعريف الجريمة المنظمة, فما هو تعريفها؟ وما هي مجالات نشاط المنظمات المحترفة لها؟

أولا: تعريف الجريمة المنظمة
في الحقيقة, يصعب وضع تعريف جامع شامل للجريمة المنظمة, وذلك راجع إلى أن مجالاتها, لا زالت تتسع يوما بعد يوم, لتشمل نشاطات جديدة تصاحب التطورات التي يعرفها العالم, حاليا, في المجال الإقتصادي.
فالجريمة المنظمة, تعني جماعة كبيرة من المجرمين, ومن الوسائل الإجرامية, ترتكب الجرائم, إما لأجل تحقيق الأرباح, أو للإحتماء وراء الضوابط الإجتماعية والقانونية بطرق غير مشروعة, وتعتمد عدة أساليب, خاصة منها, العنف والترويع .
فبالقدر الذي تستعد الدول لمواجهتها, وتتكتل المنظمات للتصدي لها, كلما اتسعت لتنطلق على أسس أخرى مشابهة لتلك المعتمدة من المؤسسات الشرعية. فهناك وحدة متخصصة للتنفيذ في السلع والخدمات, ووحدة مالية لإدارة العائدات, وهناك ميل للفصل بين وحدة التنفيذ والوحدة المالية, وتشغيلها بأفراد مختلفين تماما عن بعضهم, مما ينجم عنه صعوبة كشف خيوط الجريمة. وهكذا يمكن أن تتخذ الجريمة المنظمة, شكل مشروعات تجارية تنشط بطرق مشروعة, وفق قوانين الدول الداخلية, ولكن في الغالب الأعم , تكون أعمالها غير مشروعة, تتمثل في إستعمال وسائل العنف والترويع. ونسجل هنا, أن العنف الممارس, من قبل أعضاء المنظمات التي تمارس الجريمة المنظمة, يعتبر أهم وسيلة متبعة لضمان الإنضباط والإنتظام الداخلي, داخل المنظمة.

ثانيا: مجالات الجريمة المنظمة

مجالات المنظمات المحترفة للجريمة المنظمة, غير محددة, فهي تزداد وتتسع حسب التطورات التي تعرفها اقتصاديات الدول, إلا أن هناك مجالات, اعتاد الناس على اعتبارها من صميم اختصاص المنظمات الإجرامية, كالمخدرات. وعلى ذلك, لا مجال لإحصاء ميدان الجريمة المنظمة بشكل وثيق, بالنظر إلى شمولية نشاطها. وعلى هذا سنتناول جريمة الإتجار الغير مشروع للمخدرات بشيء من الإسهاب, ونكتفي بإختصار ذكر المجالات الأخرى للجريمة المنظمة.

1- الإتجار الغير مشروع بالمخدرات:

– ارتبط إصطلاح الجريمة المنظمة, بالإتجار بالمخدرات. وعلى الرغم من تجنيد المجتمع الدولي بأكمله, للتصدي لآفة المخدرات, إلا أن الإتجار بها لا يزال يعرف رواجا, في مناطق متعددة بالعالم, سواء بأمريكا أو آسيا أو إفريقيا. فزراعة نباتات الحشيشة, وأزهار الأفيون وشجيرات الكوكا, تزهو أمام أعين الأجهزة الأمنية المختلفة التي تلاحقها, كما يزداد عدد المدمنين على تعاطيها, حتى أصبح يقال حاليا, أن ربع سكان المعمورة مدمن على تعاطيها.

– إن الأموال الناتجة عن زراعة المخدرات, أو تصنيعها أو الإتجار بها, كانت من المبررات, في عدة دول, لرفع السرية المصرفية, واعطاء المعلومات عن الأموال, التي تكون جذورها من هذه العمليات. فتعتبر المخدرات, من أبرز المشاكل التي يعاني منها العالم بأكمله, من أقصاه إلى أقصاه. فتنادت الدول, لوضع التشريعات الداخلية والإتفاقات الدولية, لمحاربة هذه الظاهرة, وذلك لخطورتها, ولكونها تؤدي إلى كوارث إنسانية, من الواجب التنبه لها والعمل على الحد منها.

– فعن الإتفاقيات الدولية, في مجال محاربة المخدرات, نذكر أن أول تعاون دولي كان في عام 1909. فقد أنشأت لجنة في الصين, رعتها الولايات المتحدة الأمريكية, وضمت ثلاثة عشر دولة. نذكر كذلك في هذا المجال, إتفاقية جنيف المنعقدة في 19 فبراير 1952, تعهد فيها الموقعون بإصدار تشريعات داخلية, لمكافحة المخدرات. وهناك كذلك, إتفاقية جنيف لعام 1931, لتبادل المعلومات بواسطة الأمين العام لعصبة الأمم, وعن تحرك المخدرات .
نذكر كذلك إتفاقية جنيف لعام 1936, لتشديد العقوبات في مجال الإتجار بالمخدرات, واتفاقية نيويورك, المنعقدة في 30 مارس 1961, والتي تضم 73 دولة, والتي أوجدت جهاز دولي خاص لمراقبة المخدرات, يتألف من 11 عضوا, ويتصل هذا الجهاز بالمجلس الإقتصادي والإجتماعي, المنبثق عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. نذكر كذلك, اتفاقية المؤثرات الفعلية لعام 1971, كما وضعت الأمم المتحدة, هذه الإتفاقية لمكافحة الإتجار غير المشروع, بالمخدرات والمؤثرات الفعلية, وهي تتضمن:

– عدم وجوب إعطاء المجرمين فرصة جني ثمرة جرائمهم.

– تشديد الخناق على هؤلاء المجرمين, وتقييد نشاطاتهم.

– عدم السماح لهم, بإستعمال الأموال الناجمة عن الإتجار بالمخدرات, وتبني الإجراءات التي من شأنها القضاء على عمليات تبييض الأموال, إبتداء من الشروع بالملاحقة, ومصادرة الأموال.

– مؤتمرات الأمم المتحدة لمنع الجريمة ومعاقبة المذنبين, ومنها مؤتمر هافانا لعام 1990. نذكر في هذا المجال كذلك, مؤتمر القاهرة, الذي قرر فيه وجوب مصادرة الأموال, الناجمة عن الإتجار الغير المشروع بالمخدرات, ورفع السرية المصرفية, في المعاملات النقدية المشبوهة, أو غير العادية, بعد صدور قرار قضائي عن السلطات المختصة.

– وهناك عدد من الإتفاقات العربية والدولية. فجامعة الدول العربية, أوجدت لديها مكتبا لشؤون المخدرات. والأمم المتحدة, وضعت ثلاثة معاهدات, للحد من إستخدام وإنتاج العقاقير المخدرة, ومنعت زراعة وإنتاج المواد الخطرة.

– وعن نشاط الأمم المتحدة, حثت المنظمات الدولية, إلى العمل في مجال محاربة الإتجار الغير مشروع بالمخدرات. فمنظمة الصحة العالمية, ترمي إلى إزالة المواد المنبهة, مثل الكحول والسجائر, والحبوب المخدرة. ومنظمة العمل الدولية, تعمل لمنع وجود المخدرات في أمكنة العمل, مع إعتماد برامج وقاية , وتأهيل مستمرة. أما قسم الوقاية من الجريمة وإدارة العدالة الجزائية في الأمم المتحدة, الكائن في العاصمة النمساوية فيينا, فيتناول التنسيق بين الجريمة, والتعاطي الغير مشروع بالمخدرات ومراقبة تبييض الأموال, وإصلاح العدالة الجزائية في العالم.

وتسعى منظمة الأغذية والزراعة الدولية, إلى إزالة الزراعة غير الشرعية للمزارعين, وتشجيعهم على الزراعات البديلة, ولتقديم الحبوب وتطوير أنشطة الري. وتقدم منظمة الأمم المتحدة للتطوير الصناعي, الصناعات البديلة للصناعات الغير مشروعة. وتعني منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم, ببرامج الوقاية من المخدرات, من خلال البرامج المدرسية والنشاطات في المدارس وخارجها. أما منظمة صندوق الطفولة الدولية, اليونيسف (unicef), فتعني بالأطفال والمراهقين قبل سن الثامنة عشرة, وحثهم على الإبتعاد عن تعاطي المخدرات. نذكر أخيرا, في هذا المجال, برنامج الأمم المتحدة, الخاص بنقص المناعة المكتسبة (Aids), والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة (UNOP), الذي يتعلق بالتأثير السلبي للمخدرات في العالم.

– وعلى مستوى المنظمات الإقليمية أو القارية, فنذكر مجموعة بومبيدو Pompidou, في المجلس الأوربي لعام 1971, وهي تضم 40 دولة أوربية وأمريكية. وهناك مجموعة إقليمية, تعني بمشاكل المخدرات في آسيا والباسيفيك, ومجموعة الدول الأمريكية, لمكافحة المخدرات, لعام 1981, وهي تضم 34 دولة في أمريكا وأستراليا, وأوجدت مجلس خاص, يعني بغسل أموال المخدرات.
واعتبر الإتحاد الأوربي, أن عدم تنفيذ الدول المعنية لقرارات الأمم المتحدة, يقودها إلى محكمة العدل الدولية. نذكر في هذا المجال كذلك, التوصية الصادرة عن مجلس المجموعة الأوربية في عام 1991, والتي دعت إلى منع إستعمال القطاع المالي لتبييض الأموال. وقرر رؤساء الدول السبع الصناعية (وهي: أمريكا, كندا, اليابان, فرنسا, بريطانيا, ألمانيا, إيطاليا), في قمة باريس عام 1989, إنشاء مجموعة عمل خاصة, لمحاربة تبييض الأموال, واقترحت هذه اللجنة , تجريم عملية تبييض الأموال ومصادرة الأموال المبيضة ومردودها, والوسائل التي استخدمت في التبييض, وإلزام المؤسسات المالية, بعدم فتح حسابات مجهولة الهوية بأسماء وهمية, والتحقق من هوية الزبائن, وتبادل المعلومات بين الدول في هذا الشأن, ووضع ترتيبات قانونية ثنائية, أو جماعية تبيح تسليم المجرمين. كما يعني المركز الأوربي للوقاية من المخدرات والإدمان, عام 1995, بمراقبة تعاطي المخدرات, على المستوى الأوربي, وغسل الأموال الناتجة عنها. نذكر في هذا المجال, إتفاقية ماسترتش لعام 1993, والتي حلت محل المجلس الأوربي, والتي تعني بالسياسة الأمنية, والتعاون في مجالات العدالة والشؤون الداخلية.

وأخيرا نذكر في مجال المنظمات الإقليمية أو القارية, إتفاقية يوبول, وتعني بتلقي المعلومات, حول المخدرات وتعاطيها وتجارتها وترويجها, وتعني بالهجرة غير الشرعية, وتعاطي الرقيق الأبيض والمخدرات وغسل الأموال.

– وعن المنظمات ذات الطابع الدولي, هناك مكتب الأنتربول الدولي لعام 1930, وهو يضم 175 دولة, يتعاطى المسائل المتعلقة بالمخدرات وتداول المعلومات حولها والإنتاج غير المشروع بها, ويمتلك بنك معلومات بشأنها, وهو يتضمن مجموعتان, مجموعة العمليات ومجموعة المخابرات.
نذكر في هذا المجال كذلك, منظمة الجمارك الدولية, لعام 1953, والتي تعني بالرقابة, على التجارة غير الشرعية للمخدرات وتهريبها, وهي تضم 132 دولة.

– وأخيرا, وعن المنظمات غير الحكومية, في مجال محاربة الإتجار غير المشروع في المخدرات. وأهم ما أنجز في هذا المجال, المشاريع التي أنشأتها في السويد عام 1976, والنمسا عام 1987, وتايلاندا عام 1994, بمساعدة وتمويل الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات.
وتجدر الملاحظة, أن في عام 1998, أصدر التجمع المصرفي, المنعقد في بال, بيانا يطالب بزيادة التعاون بين السلطات الأجنبية والنضالية, لمكافحة تبييض الأموال. وكانت السرية المصرفية, حائلا أو حجرة عثرة, من أجل إعطاء المعلومات, فتوجهت الأنظار إلى الدول, ذات السرية المصرفية المشددة. إن إعلان بال, يذكر بالأنظمة المصرفية التي تساعد على تهريب الأموال, وليس لهذا الإعلان أية قوة قانونية, لكنه يحث الدول, على إعتماد أنظمة المساعدة, على عمليات مكافحة تبييض الأموال. وبعد إتفاق فيينا, في عام 1988, في الأمم المتحدة, إجتمع ممثلوا الدول الصناعية, في 1989, وكلفوا مجموعة GAFI , وهي مجموعة مالية, لتضع الأحكام التي تساعد في التقريب بين العمليات المصرفية والسلطات القضائية, لأجل مكافحة تبييض الأموال.

2- الإتجار غير المشروع بالأسلحة

من بين الأسباب التي أدت إلى إنتشار الإتجار غير مشروع بالأسلحة, إنتشار العنف العرقي, الدائر حاليا, في بقع متعددة في العالم, كلبنان, يوغسلافيا, الكونغو, حيث أصبحت ترسانات الأسلحة بأكملها, في متناول المؤسسات الإجرامية. وهنا نسجل أنه, لا يستبعد اللجوء يوما, إلى الأسلحة النووية والمواد الإنشطارية. ففي 1995, ضبطت الشرطة الألمانية, 350 غراما من المواد النووية, الصالحة, لصنع الأسلحة, واعتقلت كولومبيا واحدا آخر مع إسبانيين.

3- سرقة السيارات

انتشرت بشكل كبير سرقة السيارات, وظهرت عصابات إجرامية تحترف الجريمة. وما زاد من انتشارها, هو فتح الحدود الجمركية في أوروبا, خاصة الوسطى, وبولونيا بوجه التحديد, حيث تتوجه بعدها إلى الشرق الأدنى والأقصى وإفريقيا وأمريكا اللاتينية, بالأخص في بلدان الكاريبي. كما نسجل في هذا المجال, إختطاف الشاحنات كذلك, إذ شكلت أكبر عمليات إجرامية, تقوم بها الجريمة المنظمة, ويتم بيع هذه المسروقات بعد تسوية وضعيتها القانونية. وهكذا يصعب مكافحتها, لأن بيعها ثانية, يتم بواسطة قنوات مستقرة, بأسعار باهظة, على حساب شركات التأمين.

4- سرقة الأموال البلاستيكية والإلكترونية

طالت الجريمة المنظمة سرقة الأموال البلاستيكية والأموال الإلكترونية Crédit card, إذ يمكن تزوير بطاقات الإئتمان, وسحب الأموال من البنوك, وجني الأرباح غير المشروعة. كذلك يمكن بواسطة الإحتيال, تغيير مسار مبالغ نقدية مصرفية في جميع دول المعمورة.

5- النفايات الخطرة والسامة

شملت الجريمة المنظمة ممارسة نشاط التخلص غير المشروع من النفايات الخطرة والسامة. مثال ذلك, صب هذه المواد في المياه الإقليمية والدولية, بصرف النظر, عما تخلفه بالبيئة, والثروة الحيوانية, والنباتية, من أضرار يصعب جبرها. إذ يمكن أن تقبل بعض الدول النامية, على قبول هذه النفايات غير مبالية بمخاطرها, وذلك لقاء بعض الإمتيازات المالية.

6- الدعارة:

وذلك خاصة, في الصين واليابان وكوريا الجنوبية وتايلاندا, وبالتالي تعتبر العلاقة الجنسية بمثابة سلعة يتم إستغلالها إقتصاديا. وتعرف الجريمة المنظمة في هذا المجال رواجا, في أوربا الشرقية, خاصة بعد إنهيار المعسكر الإشتراكي, وإزالة الحدود بين دول أوربا الشرقية وأوربا الغربية.

7- بيع الأطفال:

طالت الجريمة المنظمة عمليات بيع الأولاد على النطاق الدولي, حيث يباع الأطفال في أمريكا الجنوبية والوسطى. وتعرض النساء للبيع في غواتيمالا.

8- بيع الأعضاء البشرية:

طالت الجريمة المنظمة كذلك, عمليات بيع الأعضاء في السوق السوداء حيث نجد الفقراء والأطفال والمشردين, المصدر الرخيص للحصول على هذه الأعضاء.

9- إختطاف الأغنياء ورجال الأعمال:

تطال الجريمة المنظمة إختطاف الأغنياء وإبتزاز أموالهم. ومن أهم نشاطات الجريمة المنظمة, أن تصل إلى رجال السلطة السياسية في البلاد وتوريطهم في العمليات الإجرامية. وهذا ما حصل في أوائل الثمانينات في أمريكا اللاتينية.
وفي تركيا, عام 1995, تورطت الحكومة بالأعمال الإرهابية, عندما قامت بأعمال غير مشروعة, إنكشف أمرها, فسقطت حكومة يلماظ الأولى.

وفي إيطاليا, زج بالرئيس بونانو جوزيف في السجن, لإرتباطه بنشاطات المافيا الإيطالية أثناء ولايته.
إن هذه العلاقة القائمة تخلق صعوبات, سواء في إمكانية الملاحقة, أو التحقيق أمام رجال الأمن والسلطات السياسية والإدارية.