الجوانب القانونية لجريمة الإرهاب الدولي

المبحث الأول : صعوبة وضع تعرف محدد للإرهاب الدول
لقد كان هناك انقسام في المجتمع الدولي حول مضمون الإرهاب حيث كانت الولايات المتحدة والدول الغربية ترى أن الإرهاب يشمل حتى نضال حركات التحرر الوطني بينما كان الاتحاد السوفيتي لا يرى في نضال حركات التحرر الوطني من قبيل الأعمال الإرهابية والاختلاف بين وجهات نظر الدول ليس هو العقبة الوحيدة أمام التوصل إلى تعريف محدد للإرهاب الدولي، فهناك صعوبات أخرى تتمثل في تعدد البواعث والدوافع لارتكاب تلك الجريمة وتنوع صور وأشكال الأعمال الإرهابية، بالإضافة إلى اختلاف نظرة القانون الدولي الجنائي لظاهرة الإرهاب عن نظرة القوانين الجنائية المحلية للدول المختلفة.

أولاً- دوافع الإرهاب الدولي وأسبابه:
رغم تعدد وتشعب دوافع الإرهاب نستطيع تصنيفها وحصرها في الدوافع السياسية والاقتصادية والإعلامية.
– الدوافع السياسية: وهي الدوافع الرئيسية لأغلب أعمال الإرهاب من بينها الحصول على تقرير المصير أول رفض التفرقة العنصرية أو لفت الرأي العالمي لقضية تهم الجماعة العرقية أو الاحتجاج ضد سياسات الدولة، والعمليات الإرهابية ذات الدوافع السياسية يكون هدفها في النهاية إجبار سلطات الدولة على اتخاذ قرار معين يراه مرتكبو العمل الإرهابي محققاً لمصالح الجماعة التي ينتمون إليها أو متفقاً مع رغباتها وأهدافها السياسية،كذلك قد تهدف العمليات الإرهابية إلى إنزال الضرر بمصالح دولة معينة أو برعاياها نظراً لمواقفها السياسية من قضية معينة.

– الدوافع الاقتصادية: تدمير المنشآت الصناعية أو التجارية أو السياحية بهدف إنزال أضرار مادية بموار الدولة الاقتصادية أو من أجل سد حاجة الجماعة الإرهابية إلى دعم مالي يمكنها من مواصلة عملياتها للوصول إلى الأهداف التي قامت من أجل تحقيقها.
– الدوافع الإعلامية: وهي لفت نظر الرأي العام العالمي إلى القضية التي تدافع عنها الجماعة الحصول على الاعتراف بعدالتها وشرعيتها والاهتمام بها على المستوى الدولي.
ملاحظة: ومن خلال هذه الاستعراض لأسباب الإرهاب نرى أن الإرهاب ليس غاية بحد ذاته بل هو وسيلة من أجل الوصول على أهداف أخرى كالحصول على الدعم السياسي أو الاقتصادي أو الإعلامي.
ثانياً- صور وأشكال الإرهاب الدولي:
1- الأفعال التي ترتكب ضد وسائل النقل المدني الدولي:
كاختطاف الطائرات والسفن أو تدميرها سواء كانت متحركة أم ثابتة.
2- الأفعال التي ترتكب ضد الأشخاص:
وتشمل عمليات الاعتداء على السلامة الجسدية كحوادث الاغتيال الموجهة ضد رمز السلطة العامة ورجال الدولة والمبعوثين الدبلوماسيين.

3- الأفعال التي ترتكب ضد الأموال:
وتشمل إشعال الحرائق وإلقاء القنابل وتدمير الممتلكات العامة والخاصة وتخريب وسائل النقل العام وتفجير السفارات.
ثالثاً-القانون الدولي الجنائي وتعريف الجريمة الدولية:
القانون الدولي هو من فروع القانون الدولي يعين الجرائم ضد سلامة وأمن البشرية وينص على الجزاءات ويحدد شروط مسئولية الأفراد وغيرها من الأشخاص القانونية بغية عن النظام العام الدولي، ولقد تبلورت ملامحه عقب الحرب العالمية الثانية ومحاكمات نورمبرج وطوكيو.

* وتتميز قواعد القانون الدولي الجنائي عن قواعد القانون الجنائي الداخلي التي تتعامل مع الجرائم الدولية، ويطلق عليها البعض اصطلاح “القانون الجنائي الدولي” بأن الأولى لها طابع دولي وتجد مصدرها في الاتفاقيات والأعراف الدولية التي تتفق عليها الدول، أما الثانية فتتعلق بالجانب الخاص من القانون العقابي الداخلي الذي يهدف إلى تحديد الاختصاص القمعي للدولة في مكافحة الجريمة التي لها طابع دولي، وتجد مصدرها في التشريعات العقابية الداخلية لكل دولة وهناك اختلاف بين فقهاء القانون الدولي الجنائي وفقهاء القانون الجنائي الدولي في تعريف الجريمة الدولية، حيث يعرفها الفقيه جلاسير بأنها الفعل الذي نجل بقواعد القانون الدولي، ويرى أن مرتكب الجريمة الدولية لا يمكن أن يكون إلا الشخص الطبيعي سواء ارتكبها لصالحه الخاص أم باسم دولته وبالتالي لا يمكن أن تقوم المسئولية الجنائية أو الأشخاص المعنوية.
* أما الأستاذ الدكتور محمد محي الدين عوض فيعرفها بأنها كل مخالفة للقانون الدولي سواء كان يحظرها القانون الوطني أو يقرها وتقع بفعل أو ترك من فرد محتفظ بحريته في الاختيار مسئول “أخلاقياً” إضراراً بالأفراد أو المجتمع الدولي بناءً على طلب الدولة أو تشجيعها أو رضائها في الغالب، ويكون من الممكن مجازاته جنائياً عنها طبقاً لأحكام ذلك القانون.
* ولعل أهم خصائص الجريمة الدولية هو توافر العنصر الدولي فيها، وتتحقق الصفة الدولية للجريمة إذا كان تمس المصالح والقيم التي يحميها المجتمع الدولي أو تعرض مرافقه الحيوية للخطر، أو إذا كان الجناة ينتمون بجنسياتهم إلى أكثر من دولة، أو إذا عرف الجناة إلى دولة أخرى غير التي ارتكبت فيها الجريمة، أو إذا وقعت الجريمة على أشخاص يتمتعون بالحماية الدولية، ولا يشترط لكي تأخذ الجريمة الصفة الدولية أن تكون صادرة عن دولة ضد دولة أخرى، أو أن تكون هناك دولة وراء التدابير أو التحريض على ارتكابها فالجرائم التي ترتكب أثناء أو بسبب الحري هي جرائم دولية يجوز محاكمة مرتكبها سواء كان ما اقترفوه من جرائم بناء على أوامر من دولتهم أو قاموا به من تلقاء أنفسهم.
كما وأن القرصنة تعد من الجرائم الدولية على الرغم من أن ارتكاب هذا العمل الإجرامي لا يتم بناءً على أوامر دولة أو بتحريض منه، وتتحقق الصفة الدولية للجريمة لمجرد أنها ارتكبت في البحار العالية.

المبحث الثاني : مفهومنا الخاص للإرهاب الدولي
أولاً- التعريف المقترح للإرهاب الدولي:
هو استخدام طرف عنيفة كوسيلة الهدف منها نشر الرعب للأشياء على اتخاذ موقف معين أو الامتناع عن موقف معين، ومن هذا التعريف يتضح أن ملامح جريمة الإرهاب تختلف عن غيرها من الجرائم حيث:
1- أن الإرهاب وسيلة وليس غاية.
2- أو الوسائل المستخدمة عديدة ومتنوعة وتتميز بطابع الهدف وتخلق حالة من الفزع والخوف.
3- الحديث عن جريمة الإرهاب لا يثار إلا إذا كانت هناك مشكلة سياسية أو موقف معين وبالتالي لا ينصرف الإرهاب إلى كل أحوال العنف السياسي التي تولد رعباً أو تخلق حالة من الفزع أو ما شابه ذلك، فقد تستخدم القوة في بعض الحالات دون قصد إشاعة الرعب أو خلق الفزع أو الخوف بين العامة، وإنما يأتي ذلك دون قصد أو عن طريق المصادفة.

وبذلك يجب أن نخرج من دائرة الإرهاب في مفهومه القانوني، كل الأعمال التي يكون الهدف منها إحداث ضرر جسماني بمحل الواقعة نفسها أو بالرهائن أو قتلهم أو تعذيبهم.

ونخلص مما تقدم إلى أن عناصر الإرهاب الدولي هي:
1- عمل من أعمال العنف موجة إلى ضحية معينة.
2- أن يكون منفذ العمل قد قصد من إتيان فعله أن يثير حالة من الرعب والفزع لمجموعة من الأفراد بعيدين عن مسرح العمل الإرهابي باستخدام الضحايا كوسيلة أو أداة لنشر هذه الحالة.

3- أن يكون منفذ العمل يتوقع أن هؤلاء الأفراد سوف يحققون له مطالبة وهو الهدف من هذه العملية.
4- أن يتسم العمل بالطابع الدولي، أي أن تكون الجريمة قد وقعت في أكثر من دولة أو أن يكون ضحايا العمل ينتمون إلى دول مختلفة.
* وعلى ذلك من جريمة الإرهاب تختلف اختلافاً جوهرياً عن جريمة العدوان، في أن الثانية تقع ضد سلامة الأراضي والاستقبال السياسي لدولة من الدول وأطرافها دول فقط، بينما الإرهاب هو جريمة تقع ضد سلامة الأشخاص وحياتهم و……. الأساسية وأطرافها لا يكونوا إلا أفراداً أو جماعات ومنفذوها لا يكونوا إلا إفراداً، فليس هناك دول إرهاب، كما أنه لا يمكن إطلاق مصطلح إرهاب دولة، فالدولة طبقاً للقانون الدولي لا تكون إلا دولة معتدية، والأفراد والجماعات لا يرتكبون جريمة العدوان وإنما يرتكبون جرائم أخرى منها جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الإرهاب.
* وتجدر الإشارة إلى أن الخلط بين ما يعد عنواناً أو ما يعد من قبيل الإرهاب له نتائج قانونية متعددة.
فالعدوان كجريمة أشد خطورة من الإرهاب، حيث يكون العدوان عبارة عن استخدام للقوة في نطاق العلاقات الدولية وهو ما يخلف ميثاق الأمم المتحدة، بينما الإرهاب فهو استخدام طرق عنيفة من جانب فرد أو جماعة، ضد أفراد أو جماعات كوسيلة الهدف منها نشر الرعب للإجبار على اتخاذ معين أو الامتناع عن موقف معين.
– إن مجلس الأمن في مباشرته لاختصاصات سلطة قمع مقيد بما إذا كان قد وقع تهديداً للسلم أو إخلال به، أو كان ما وقع يعد عملاً من أعمال العدوان، وللمجلس في هذا المجال سلسلة واسعة في التقدير، فله أن يقدم في هذا الشأن توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من تدابير لحفظ السلم الدولي أو إعادته إلى نصابه، وهناك تدابير مؤقتة وتدابير غير عسكرية، وتدابير عسكرية يمكن اتخاذها ضد الدولة المعنوية من قبل المجلس أما إذا كان الموقف إرهاباً فإنه يصعب أن نقول إن لمجلس الأمن اختصاصاً أصيلاً في هذه الحالة.
ثانياً- الحلول المقترحة للقضاء على ظاهرة الإرهاب الدولي:
1- تعريف الأفعال المكونة للإرهاب الدولي وتجريمها على المستوى الدولي من خلال معاهدة دولية جماعية ذات طبيعة شارعة.
2- القضاء على أسباب الإرهاب من تفرقة عنصرية وانتهاك لحقوق الإنسان واحتلال الأراضي.
3- إنشاء محاكم جنائية إقليمية لمعاقبة مرتكبي جريمة الإرهاب الدولي.
4- تطوير القواعد الخاصة بتسليم المجرمين في التشريعات الجنائية للدول المختلفة مع إبرام المعاهدات الدولية على المستويين الثنائي والجماعي بشأن تسليم ومحاكمة مرتكب جريمة الإرهاب الدولي.®

اعادة نشر بواسطة محاماة نت